2018/04/18

الشعر ومذاهبه بقلم: شاكر صبري

الشعر  ومذاهبه

شاكر صبري

 يري أفلاطون أن الشعر نوع من النشوة الفنية يغيب فيها الشاعر عن شعوره فهو الهام ومصدره الإلهي مخفي فالشاعر عنده لا يمكن ان يتذكر قبل أن يلهم لان الشاعر ومثله في رأيه الناقد لا يصدر عن العقل بل عن الإلهام الإلهي ومن ثم صاغ الخيال الإغريقي القديم للشعر اله هو ابولو والإله عندهم هو الفرد يحدثنا بالسنة الشعراء يقول أفلاطون علي لسان استاذه سقراط اشعار اخري مآثر الأجداد فتري الاجيال اما الذي حرم النشوة الصادرة عن الهة الفنون لم يجرؤ علي الاقتراب من ابواب الشعر واهما ان الصنعة تكفي لخلق الجو الشعري فانه لن يكون سوي لان شعر المرء الباردالعاطفة يظل دائما لا اشراق فيه اذا قورن بشعر الملهم " ولان مصدر الشعر هو الالهام عند افلاطون كان موضوع الشعر عنده هو الالهة اولا ثم الابطال لان في بطولتهم سر الالهة ومن الالهة استمدوا هذه البطولات ثم الناس عامة ووظيفة الشعر عند افلاطون في تراتيله الدينية هي مدح الالهة وعظمتها وقدسيتها وفي الملاحم هي الاشارة بشجاعة الابطال واعمالهم الخارقة وشجاعتهم الفائقة وفي مدح الناس الاشادة بعدالتهم لان العدالة اساس الفضيلة وهي مستمدة من الله " وقد جسم الشعراء العرب في العصر الجاهلي هذا الإلهام الشعري تجسيما واضحا فيما اسموه شيطان الشعر وبدلا من الهة الفنون عند اليونان تجد شياطين الشعراء عند الجاهليين  .   ولما جاء الاسلام حارب الاساطير وبالتالي قل مستوي الشعراء علي حد قول الثعلبي والحق ان هذا خطأ فقد جاء شعراء اسلاميون هم فحول في الشعر مثل عمر بن ابي ربيعة والفرزدق وجرير والمتنبي وشوقي بعد الاسلام وكان افلاطون اكبر مثل لنظرية الالهام في الشعر وقد ورد الكثيرون من النقاد الرومان رايه ومنهم هوارس وشيشرون واعتنق مذهبه ادباء وشعراء عصر النهضة من من ذهبوا إلي أن الشاعر هو صاحب رسالة الآلهة عند الشاعر   .

وقد وقف شعراء المهجر في هذه النزعة الأفلاطونية علي حد سواء فهذا الياس فرحات يقول انه اخذ شعره من الطبيعة والكون والحياة كتفسير للالهام الالهي بينما ارسطو يذهب الي ان الشعر صنعة وعلم وليس الهاما روحيا فلم يعتبر بالجانب الروحي وهذا هو المذهب الاسلامي للشعر قال تعالي " وما علمناه الشعر " فالشعر ملكة وقدرة تاتي بالتعلم والمثابرة لا بالفطرة ويمكن للانسان تجاهله وكبت نبضه وبعد ان كشف فرويد عن عالم اللاشعور والتحليل النفسي احدث قضية الالهام في الشعر طابعا علميا جديدا فالفن والشعر والادب عند فرويد كالحلم في تعبيره تعبير عن اما مكبوت في النفس مستقر في اعماقها ومناطق اللاشعور والفنان والشاعر عنده في استغراقهما الفني وفي استمدادهما من اللاشعور شبيهان بالحالم تماما فالعمل الفني يتم والفنان في حالة اللاوعي ويكون اكثر قربا من اعماق نفسه وطوايا صدره اذ هو ثم في حالة لا شعورية

ويؤكد جوتيه انه كتب احسن قصصه في فترة نوم حالمة ويقول الناقد هوسمان ان انتاج الشعر وابداع الصور وانتاج النشاط اللاوعي للعقل فالشاعر المبدع يستمد اصول اخيلته وتجاربه الشعرية من عالم اللاشعور الفردي او الغريزي عند فرويد او الجماعي عند بوينج وهذه هي الحقيقة فالشاعر ان لم يكن في مرحلة اللاشعور فانه لن يستطيع الطواف بخياله والتحليق للاثبات بمعني طريف أو فن رفيع فالفنون هي خروج عن المالوف من الحالة النفسية للفرد حيث يكون في استغراق تام بعيد عن الواقع ولهذا فان الشخصية الفنية غير مندمجة في المجتمع بالمعني المالوف هناك حكايات متواترة علي ان الشاعر الفرنسي بودلير كان قد كتب ديوانه ازهار الشر تحت تاثير المخدرات وخاصة الافيون ويذكر ستيكلر في كتابه الإبداع والمرض يتحدث فليب ساند بلوم وهو طبيب وجراح امريكي شهير عن الاستثارة المصطنعة للابداع وهنا يذكر ان العديد من الشعراء والفنانين التشكيليين والمؤلفينوالموسيقيين قد تعاطوا الخمور بحثا عن اثارة الافكار والانفعالات طلبا لراحة العقل من بعض همومه وانشغالاته الداخلية لكن الخمور قد تؤدي بتعاطيها الي ان يتحول الشخص الي شبيه بمرضي الفصام حيث تسيطر عليه الخداعات الادراكية والهلاوس واللغة المفككة وتدخل في الزمان والمكان ولقد رسم الفنان الفرنسي اوتر وللو سنة 1883 العديد من لوحاته المتانقة في باريس تحت تاثير الخمر وخلال القرن التاسع عشر زاد الاعتماد علي الافيون خاصة لدي الشعراء اعتقادا منهم انه يعمل علي استثارة القدرة الإبداعية وهذه حقيقة فالمخدر بانواعه يزيد من حالة الاوعي التي تقوي الملكة لدي الفنان لكنهم يفعلون ذلك بحكم عاداتهم الاجتماعية ومن المتعاطين الافيون الشاعر الفرنسي جان كولستو الذي استخدم المخدر لاستعادة توازنه العاطفي وقال انا افضل التوازن الاصطناعي علي عدم التوازن علي الاطلاق حدث تغير غريب في التصورات الخاطئة حول المخدرات مع ظهور عقار المسكالين وهو من المخدرات المسببة للهلوسة وقد زعم الشاعر الون جنزبرج انه رغم عدم تفضيله لتعاطي الحشيش خلال كتابة الشعر الا انه وجد انه بعد اخذ الماريجونا ذات مرة شعر ولاول مرة انه يفهم ويتذوق لوحات بولي كلي وستران سيرانت ويمكن تلخيص ما توصلت اليه الدراسات العلمية في النحو التالي يحتاج الابداع الي قدر من المرونة العقلية والي المثابرة والواقعية والي قدرات كبيرة من الطموح والي درجة متوسطة من الذكاء والي طاقة الأفكار وأصالتها ومرونتها والي حساسية خاصة للمشكلات والي متابعة خاصة للاهداف والي تفتح خاص علي خبرات داخلية وخارجية والي ارادة تقوم بالصياغة والتشكيل والي خيال خصب قابل للتجديد والي خروج عن المالوف بقصد العودة الي مالوف والي قيمة خاصة تتجاوز الفرد الي المجتمع وتتجاوز المجتمع الي الانسانية عامة والي احساس عميق بالزمان والمكان وبالتاكيد فان الذي يندرج تحت قانون الادب والفن ويواصل هذا الطريق يعيش في مراحل التيقظ الوجداني هذا في كل حياته لكي يصيغ مادته الفنية كما يراها بعقله وحسه وبالتالي فانه يلجا الي المخدرات لتخرجه عن حالة اللاوعي وتزيد من احساسه بالفن حيث يكون في حالة ابداعية تماما ولكنها اصلا موجودة لدية ثم يعود الي حالته ثانية بعد زوال المخدر ولكنه لا يدري عاقبة المخدرات ولكن ماذا يفيده  فالمجتمع الذي يعيش فيه ربما اتاح له احقية تعاطي مثل هذه الاشياء فهو فرد سلبي داخل المجتمع ويعيش علي قوت الابداع

مذاهب الشعر العربي

 الكلاسيكية المذهب الاتباعي أو الكلاسيكي نشا عند الاغريق وترعرع عند الرومان وشاع في اوروبا في عصر النهضة وهذه المدرسة تهتم بالاحتذاء بالقوافي في البلاغة والأسلوب والشاعرية مدرسة الرومانتيكية ظهرت في فرنسا في مطلع القرن التاسع عشر بعد الثورة يلوذون بالتجارب الباطنه ويهتمون بمشاهدة جمال الطبيعة ويميلون الي الاصالة والابتكار والتجديد متحررين من افكارهم وحاربت الكلاسيكية ودعت إلي حرية الفن ولاذت بالشعر المجنح باشجانه العاطفية ويطلق علي ذلك الادب الغنائي او الوجداني والراي عندي ان هذا المذهب نشا نتيجة للطبيعة البشرية لهذا الموقع الذي يعتمد علي العواطف المرهفة الزجاجية وبالتالي فشعرهم ناتج عن بيئتهم الواقعية تهتم بمظاهر الحياة المادية وتعرض الانسان مخلوقا يتاثر بالبيئة ويتجارب معها " محمود حسن اسماعيل في ديوانه لا بد " مدرسة البرناسية حركة جديدة منذ ادخل شتراوس الافكار الفلسفية وعلمها وقد شاركه رومان جاكسون وبالتاكيد فهذه نابعة من الفكر الشيوعي الروسي الذي فيه ينضح الرمزية بدات في فرنسا محاولة الافصاح عن العواطف المكبوتة في النفس وذلك بجرس الالفاظ وإيقاع الوزن وبالتالي فهي التعبير عن شعاع النفس وأوجاعها وأقذائها من البلاء الذي يعلوها وبالتالي فسوف يقذف في وجدان السامع من كان علي نفس الوثيرة نفس سلبية والنفس الطبيعية لا تستجيب لذلك فكفاها ما فيها واعتقد ان هذا مذهب الشواذ عن الفطرة السريالية نزعة متطرفة تدين بالحرية المطلقة والخروج علي كل مالوف ونفر من الفكر الجارية وتسخر من العقل وجل الهاماتها من الاحلام والرؤي ودفقات التاثيرات الماضية واملاء الفكر بدون رقابه كانها تمثل في داخلها فئة الحمقي الذين يصابون بجنون العظمة ويتبعهم كل موهوم وربما تناسبت هذا مع الافكار الناتجة عن العصبية مدرسة الفن للفن والفن للحياة



الأدب مصدره الجماعة ورح الشعب وهي اقرب المدارس الي الاستقامة وامتداد للرومانتيكية حيث يتخذ الفرد كمتعة او وسيلة لافراز شحناته النفسية وهذه المتعة الشخصية لا حجر عليها المدرسة الوجودية ويقوم هذا المذهب علي تمثيل ذاتية الانسان وحقه الحر في التفكير وباللغة التي يريدها والذي دعا لها جابول سارتر الداعية الاول المدرسة الإنسانية في الأدب والفن أن لن تقل في الفسلفة ولماذا لا تكون في الفن واعتقد أن هذه المدرسة تحتوي علي الاصلاح الفكري وتسعي الي بث تهذيب فكري وان كانت بعيدة عن الواقع الفني فهي اقرب الي الفلسفة  .

 وان كانت هذه هي مدارس الفن في الدول الغربية فان الشعر في العرب انقسم حسب البيئة والنشأة الاجتماعية والنفسية الي الاتي مع تماسك الشعر كفن الشعر العربي وكان له رواده وموجهوه واتسمت حياتهم بحب المغامرة والتنقل والخفة مع الرعونة وكان يوثق بهؤلاء داخل المجتمع العربي المحافظ ذو النخوة العربية شعر الصعاليك يدور معناه حول الفقر وكتب التراجم تصف اشخاصا بانهم صعاليك وتسوق اخبار صعلكتهم علي انها لصوصية وغارات والذي ادي الي ذلك في العرب هو عدم وجود دولة او سيطرة و ظهور زعامات غير متزنة اسهمت في نشاة الصعلكة وهناك سمات مشتركة لشعرهم خلقيته التي تتمشي مع عقله ووجدانه ولكنها تحمل نفس خصائصه فالشعر العربي فن رفيع لا يمكن التغاضي عنه وان اختلفت الافكار تحت ستاره وبالتالي كان الشعراء الصعاليك يشتهرون بالقوة الجسدية والعفة والمرونة في الحياة والتواضع ومصاحبة الحيوان افضل عندهم من مصاحبة الانسان فهم اقرب الي الوسط القهري في عصرنا وننظر الي تابط شرا أو مالك بن الريب شعراء الهجاء والمديح علي قمتهم الاخطل والحطيئة فهؤلاء يمدحون من اجل المال ويهجون حين يجف العطاء أو حين المنافسة وكان الحطيئة بطبعه ميالا الي الهجاء والي مخالفة الناس في ما يرون فنكر ما يستحسنون لا لشيء ويستحسن ما ينكرون لا لشئ ويلجأ الي اعابة ما كان في نظره قليل المحامد ويمدح ما كان غير ممدوح لا يحكم الا من السعة وراحة البال اما اسلوبه في هجائه فلم يمل الي الفحش والاقذاع اذ كان لانه كان عفيفا بخلاف ما كان ينتظر من مثله ويمكن ان يري ان غالبية شعر الاخطل واتجاهه الاصلي في الكتابة كان من اجل المال والتقرب والعطاء وبالتالي لا ينفك شعره عن وجود اعداء وعداوات وخاصة لهذا الشاعر كان هجاءم من النوع اللاذع    .

شعر العاطفة الدينية أحيانا ما ينفجر الشعر من بين ثنايا شيخ عابد ليس لشيء ونتيجة لتاثره في موقف معين لا يستطيع التصرف فيه ومن امثال هؤلاء عبد المطلب جد النبي ص حين وجد أبرهة الأشرم يريد هدم الكعبة والامام علي كرم الله وجهه في مواقفه الدينية ونصائحه وهو ان دل فانما يدل علي ذكاء العزيمة وسعة الافق والمثالية التي تحملهاهذه النفس كما يوجد من الشعراء من تاب في اخر حياته فاتجه الي الشعر الديني امثال ابو العتاهية وغيره من من اقل فيه ولم يكثر وكما ان للامام الشافعي ديوان وهو يقول ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم اشعر من لبيد الشعر عموما يتنافي مع الفطرةالدينية السوية لانعدام السيطرة علي هوي النفس حيث تخرج من طورها السوي الي حالة الشتات والفوفوضي شعراء الزهد يقول بن سينا " ان العارف دائما طلق الوجه بسام المحيا ذلك انه دائما فرح بالحق انه فرح بكل شيء لانه يري الحق ينما ولي وجهه والناس عنده سواء ويقول العارف مستعد بسر اللله في القدر فهو لا يستهويه الغضب عند مشاهدة المنكر " ومن شعراء الصوفية ذو النون المصري

ولقد كان الصوفيون واولوا الامر يطلق عليهم الزهاد او النساك والعباد الفقراء والسائحون وكان منهم الكثير من اعلاء البيان والادب والشعر منهم احمد البدوي .

ومنهم محمد إقبال شاعر الإسلام والصوفية وله مختارات عظيمة في الفلسفة تنبئ عن عبقريته الأدبية والصوفي صاحب نزعة سريالية وهو يدعو الي التحلل من كل شئ من منطلق التقليد ويبين دور اللاوعي في العمل الفني وهذا إلي ما يمثله الصوفي من ثراء المعاني واتساع الخيال وتنوع الاغراض والقدرة علي استخدام الصور لرسم كل خطوط الفكرة ويعبر عن وجدان الشاعر نفسه وعن ذاته وعن اعماقه وتنوع الشعر الصوفي بين شعر الزهد والحب الالهي والدعوة والحكمة والمدائح النبوية والسحر والتسبيح وهو كثير في الشعر العربي ومن فنونه الاستغاثة وهي لون من الوان الادب الرفيع والمعاني الحسية التي يستعملها الصوفيون في الدلالة علي المعاني الروحية يرمزون اليها بالمفاهيم الوجدانية علي الرغم من الرداء المادي الذي يبدو ومن ثم استعملوا الوصف الحسي والغزل الحسي والخمر الحسية واراد بها معاني روحية

 وسبب ذلك هو عجز الصوفي في طول الازمان عن ايجاد لغة للحب الالهي تستقل عن لغة الحب الحسي مثل الاستقلال والحب الالهي والقلبي لا بعد ان تكون قد انطبعت عليها اثار اللغة الحسية فيمضي الشاعر الي العالم الروحي ومعه من عالم المادة ادواته واخيلته التي هي عدته في تصوير عالمه الجديد  .

واحيانا ما تكون الرمزية في الشعر بكثير ما يشمل عليه من طباق او تورية او جناس او مقابلة وانظر الي قول بن الفارض عتبت لم تعتب وسلمي أسلمت وحمي أهل الحي رؤية ري فعتب وري اسماء محبوبات والشاعر هنا يشير إلي معشوقة العلوي

وقد يكون سبب اظهاره الحيرة والصوفي يرتاح كما يرتاح الجاهلون الي اليقين ويلجأ الصوفيون اليه . لذلك ذكر بن عربي عداوة المنكرين علي المتصوفة لاهل التصوف وحقدهم عليهم وحسدهم لهم وان اهل الحلال اي المتكلمين هم اشد الناس عداوة للمتصوفين في التعبير عن مداركهم الروحية مما يلحقهم الي الرمز وان رغبتهم في منع الرحيل من ادراك نجواهم ومزعم كلامهم يقتضيهم ذلك  شعراء الفلسفة الشعر في حد ذاته نوع من الفلسفة الخاصة ولكنه بعيد عن فلسفة الحياة فهي لا تتمشي مع هدف الشعر فهو يحتاج الي اجدهاد وتكلف مع احوال الشعراء بيد ان هناك منهم من تضطره الظروف الي البحث والتامل نتيجة لضغوط نفسية او اصابات ذهنية من أمثال هؤلاء أبو العلاء المعري فقد اقعده الضرر الي هذا التامل شعراء الوصف وامتاز الشعر العربي باروع ما كتب في وصف الطبيعة والمناظر الجميلة والحيوانات والاجواء ومن امثاله طرفة بن العبد وامثال البحتري وكل الشعراء الأندلسيين الذين برعوا في الوصف وانما يرتبط الوصف بالبيئة التي تلهم الشعراء وبالجو الاجتماعي الي يبعث علي الجمال والتامل شعر الحكمة اجداه درة من الشعراء عالجوا الحكمة واهتموا بها ومثالهم صالح بن عبد القدوس والمتنبي وغيرهم وقد تاثرت اشعار فطاحل العرب به كالدرر المنظومة وقد تاثرت بالامثال ايضا كنوع رفيع من الوان الابداع والحكمة تنتج من عقلية متزنة مدركة بصيرة تاتي داخل القصية في نسق حميل مبدع مثل لؤلؤ داخل عقد مزقزق الشعر ودرجاته هل من تفسير لتفوق انتاج العرب في الشعر ارتبطت كل واحدة من الثقافات الانسانية القديمة بسمة تميزها عن غيرها كانت السمة عند العرب ابداعهم الشعري وهذا ما يفسر قولهم الشعر ديوان العرب لا علي معني ان الديوان هو ذلك السفر او الكتاب ولكن معني انه اعتبر الذي عليه يلتقون ويتفاخرون ويتساجلون فدلالة كلمة ديوان العرب تعني ان الشعر هو المؤسسة المرجعية التي تحكم اليها الناس في مجالهم الابداعي والشعر لا يلجا اليه الصعاليك ولكن الفطاحل من العرب ومنهم من يبقي في اعمال اخري من امثال الشريف الرضي ولو كان الشريف الرضي غير شاعر لاستطاع ان يزاحم العلماء ولكن عبقريته الشعرية جنت عليه فخف ميزانه في الحياة العملية بالقياس الي بعض معاصريه ولاتي بالاعاجيب في الفقه والتوحيد ولو ان الرضي وقف عند اثاره العلمية لكان له مكانه بين اقطاب المؤلفين ولكنه شغل الناس بشعره الفائق فظنوه وسطا بين الباحثين وهو عند التامل من اساطين التفكير المنتظم الدقيق

ومن الشعر ما انت تري الحس يهجم عليك منه دفعة وياتيك من ما يملآ العين غرابة حتي تعرف من البيت الواحد كان الرجله الفضل وموضع الحذف وتشهد له لفضل المنة وطول الباع وحتي تحكم القبائل انه من قبل الشعر فحل وانه خرج من يد صانع ويقول " إن العرب اقدر في البيان واللعب بالالفاظ منهم في الابتكار وغزراة المعني ويفضل الكاتب من اخر علي اساس كانت تقبل قريش من الاشعار ما تقبل وترد ما ترد وما الخصائص الفنية في قصيدة علقمة حتي تكون افضل وباي شئ كان اعشي قيس افضل من الخنساء وما الذي كان رائعا في قصيدة الخنساء حتي فضلت علي حسان وماذا حوت قصيدة حسان حتي بترت جميع المدائح تلك الاحكام لا تقوم علي تفسير او تحليل ولا تستقر علي قواعد مقررة   وكان بن ابي ربيعة قد اقترب من الاساليب المالوفة في الحياة وعن التعبير السهل الميسور بل استخدم وسائل القص الشعري والحوار داخل القصيدة والبعد عن التعقيد بل البعد عن ما يمكن ان ينتمي الي الجزالة وفخامة الجرس وجلال التعبير وقد امعن بشار في هذا الاتجاه فاصبح اكبر ظاهرة قبل ابي نواس في رقة الشعر ويسر تناوله واشاعة معجم الالفة بين قصائده مع براعته في دعدعة غرائز المراهقين وقد لقي شعره من النساء الحرائر اللائي يتضورون جوعا الي تصوير غرائزهم المكبوتة في شعره اسبح شعرا خطرا واضحا علي اخلاقيات ذلك المجتمع "

انس داوود وقال الجاحظ " والمعاني المطروحة في الطريق يعرفها العربي والأعجمي والبدوي والقوي والمدني وانما الشأن في اقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج وكثرة الماء في صحة الطبع وجودة السبك فانما الشعر صناعة ويقول " والشعر لا يستطاع ان يترجم ولا يجوز عليه النقل ومتي حول تقطع نظمه وبطل وزنه وذهب حسه وسقط موضع التعجب لا كالكلام المنثور "

وقد سارع البعض الي عد الجاحظ من انصار اللفظ ومن الذين لا يكترثون بالمعني والحقيقة انه من أولئك الذين يوحدون بين اللفظ والمعني ما قد قرر ان الشعر لون من النسيج وضرب من الصيغ و جنس من التصوير " وبن قتيبة يقول في كتابه " قد رتبت الشعر فوجدت اربعة اضرب منه حسن اللفظ وجاء معناه كقول القائل في بني امية " في كفه خيزران لجة عبق من كف أروع في عرنينه شمم لم يقل في الهيبة احسن منه وكقول اوس بن حجر ايتها النفي احملي جزعا إن الذي تحذرين قد وقعا لم يبتدي احد ببيت احين منه وكقول ذؤيب والنفس راغبة إذا رغبتها وان ترد الي قليل تقنع فيقال ابدع بيت قالته العرب كتاب الشعر والشعراء ص 87 وضرب منه حسن لفظه وحلا فاذا فتشته لم تجد هناك فائدة في المعني ثم ضرب جاد معناه وقصرت الفاظه عنه كقول الشاعر لبيد بن ربيعة ما عابت المرء الكريم كنفسه والمرء يصلحه الجليس الصالح وكقول النابغة للنعمان خطاطف حجن في حبال مثبتة يمد بها ايد اليك نوازع ولست اري الفاظه حيادا ولا مبينة للمعني ومعناه انه اراد انك في قدرتك كخطاطيف عقدته يمد بها وانا كدلو تمد بتلك الخطاطيف وضرب تاخر معناه وتاخر لفظه كقول الاعشي وفوها كاقاحي غداة دائم الهطل كما شيب براح بارد من العسل

وعن ما يقال في الشعر والخيال فيه " اصدق الشعر اكذبه " فهو فهم خاطئ لطبيعة الشعر وذلك لما ياتي ان الخيال الصحيح وسيلة للتعبير الصادق لس ترتيبا للواقع وانه لا يبعدنا عن الحقيقة ولكنه يزيدنا شعورا بها الخيال الكاذب يفقده جماله وتاثيره وبان الصدق عموما شرط في كل فن جيد لانه صورة صادقة النفوس وعن انواع الشعر

 1- الغنائي 2- الملاحم يتحدث عن الأساطير 3-لمسرحيات ويعالج فيه الشاعرمشكلة اجتماعية معينة وعلي حين تهتم البلاغة في الشعر العادي فاننا نتجاوز احيانا في الشعر المسرحي لمناسبته للحال والموقف المسرحي يجعلنا نتجاوز يسيرا الوحدة الموضوعية هدف اساسي داخل القصيدة الواحدة " ان الاساس الأول في الوحدة المطلوبة في القصيدة هو ترابط المعاني وتكامل الصور وتعاون الاجزاء مع اخراجها في الثوب الملائم والصورة المحبوبة

 فاذا نحن وجدنا الشعر قد تغير اسلوبه في جزء من اجزاء القصيدة دون مقتضي علمنا ان الوحدة اختلت فلا يلجا الشاعر الي الغرابة والتكلف بعد السلامة واليسر ولا يتخذ الطريقة الا الاكثار من الصناعة اللفظية التي ترهق الفكر والوحدة الرومانسية هي ما يقصدون بها الارتباط العاطفي بين اجزاء القصيدة او الوحدة السيريالزمية وهي ما يقصدون بها مسميات لم تتكون بعد وتعتمد علي اسس يعرفها النقد وربما ياتي المستقبل بما يحدد مفاهيم هذه الوحدات التي لا تنفع معرفتها ولا يفيد جهل بها

الشعراء الذين عانوا من الفقر قد يكون من الحسبان أن هناك من تناول فن القريض ومع ذلك اصابهم وبال الفقر وعانوا مرارة الحياة والعلاقة بين الادب والعوز والحرمان او بينه وبين الحيرة وخفض العيش " واذا عددت العشرات من الادباء الذين سعدت حياتهم ورفهت معيشتهم فابن حجة الحموي نفسه كان مثلا لهؤلاء فقد رفعه الادب من عامل حريري عقاد الي مرتبة الوزارة فكان علي ديوان الانشاء " ولا نستطيع أن نصف المكدين من ادبائنا ونرتبهم في طبقتين اثنين طبقة المحاويج : الاصلاء من المفاليس الذين ادركتهم الحرفة وطبقة المتبائسين الذين يدعون البؤس وليسوا به ومثل هؤلاء ليسوا اعتبارا علي اي حال من كتاب الذين ادركتهم حرفة الادب لطاهر ابو فاشا ومنهم علي مر التاريخ العربي الحطيئة جحظة البرمكي حسين شفيق الجزار بن دانيال الكحال ابو الشمقمق ابو الرقعمق بن لنكك محمود ابو الوفا - عبد الحميد الديب اما العبد ومحمد حمام حافظ ابراهيم تركيب القصيدة من حيث الوزن والقافية الحق الذي يجب أن يقال أن أهم أسباب التي وراء التحرر من القافية هي قصور الهمم وقله الاطلاع وضحالة المادة لدي الشعراء الذي تجعل الكثيرين منهم يختلقون العلل للتخلص من القافية الموحدة بل من القوافي جميعها ولعل الشعر المرسل بما انه يصلح للملحمة او المسرحية لان حاجتها الي الحرية لتصوير الاحداث والشخصيات اشد من حاجة الشعر الغنائي ولان ما فيها من موضوعية وما لهاا من اصول ينزعان بهم الي الافاضة التي تعرفها وحدة القافية والوزن ويقول عن الصورة الشعرية قد تكون كبيرة تعتمد علي قدر من الالفاظ والعبارات يوضح كل منما لجانب من جوانب الصورة مع سائر اجزائها وتعتمد الصورة الشعرية علي جزيئات مؤتلفة لو نظرت في كل منها مفردة لم تجد لها دلالة نفسية او ذهنية كبيرة ولكنها باجتماعها ترسم لوحة متكاملة الاجوانب وقد تكون الصورة صغيرة تعتمد علي الالفاظ القليلة الموحية ولكنها لا تقل في تاثيرها عن اللوحة الكبيرة كما يفعل الرسام حين يعتمد علي الالفاظ القليلة السعر وعن اثر الوزن فهو يرثر في اختيار الشاعر للالفاظ وتاليفها ويساعده علي اختيار العبارة الصائبة ويبعث للقصيدة روحا جديدة كانها عصا سحرية وسجعل النفس اسرع استجابة للشعر واكثر تاثرا به وإذا كان هناك نفر من العربيين لا يتطلب في الشعر ايقاعا وانما يريده مجرد صورة محسوسة في ابيات يفترض انها علي نسق عبارة ذات نغمة ولا يعتمد علي موسيقي الشعر علي الاذن وحدها بل علي كيان النفس الحساسة كله فيرد عليهم الدكتور مكي قائلا ان هذا الاتجاه يمثل الجانب الاضعف في تيار الشعر كما ان دعاة هذا الاتجاه يجب ان لا يغتروا بان بعضا من هذا الشعرمترجم لان الدكتور مكي يرد عليهم قائلا ان صغار المستشرقين قد يؤثرون علي غيره لانه سهل الترجمة لا يلاقون في غفلة الي لغاتهم رهقا ولا عنتا واحيانا لدوافع سياسية ترتبط بالشاعر ولها صلة بالشعر نفسه

 وهناك فجوة واسعة بين الشعر الحر والذوق العام لدس القراء ولا يمكن تجاهل هذه الفجوة بحال هذه الفجوة شارك في صنعها هذين الطرفين الوزن والقافية والقصيدة الحديثة بعد اللغة العربية وتقنياتها الفنيةالمعقدة لا تضع في اعتبارها القدر الكافي للقارئ العربي الذي تتجه اليه والتقاليد الشعرية التراثية التي نما في ظلها ذوقه .

 والشعر الحر لا يقيد الشاعر فيه بنظام التفاعيل العروضية اذ يتنوع فيه النغم وتتحد فيه التفعيلات ولا يقيد البيت بنظام الشطرين المعروف في البيت الشعري ونظمه من شعراء مدرسة ابولو وكثير من الشعراء الواقعيين والرمزيين في مصر وسوريا ولبنان والعراق والتفعيلة العروضية هي الاناء الشعري الجديد ومن اشهر دعاته نازك الملائكة ومصطفي السحري ومحمد مندور

الشعر النسائي في العصر الحديث هناك ايضا من اسهمن في الحياة الادبية وواكبن سيرتها ووقفن علي تياراتها المختلفة بين الكلاسيكية ورومانسية وواقعية فلا تنسي ان بزع نجيمات كثيرات مع مطالع النهضة الحديثة علي الساحة الاقليمية والعربية منهن وردة اليازجي وعائسة التيمورية وملك حفني ناصف وغيرهن ثم انتظم عقدهن بعد ذلك وتتابع فتقرا مثلا لفدوي توقان ونازك الملائكة وملك عبد العزيز وجميلة العلايكي وجليلة رضا وروحية القليني موازنة بين الشعر والنثر 1-من حيث التفكير ليس معني موازتنا بين الشعر والنثر في الفكرة اننا نقصد ان الشاعر يكون سطحي الافكار مبتذل المعاني وان النثر يكون عميق الفكرة دقيق الترتيب محكم السبك وانما الذي نريد ان نشير إليه هو أن الشاعر مقيد يوزن وقافية وان وظيفة الشعر الاولي هي استثارة العواطف فهو لا يقوي علي التحليل والبسط مثل النثر ولهذا كان لل منهما وجهته وميدانه فالنثر اداة طيعة لحمل الاراء وتحليلها وبسطها فهو اكثر تجاوبا بالحاجات التي تعالج المجتمع امور سياسية او اقتصادية او غيرها ومن اجل ذلك نري كثيرا من الكتاب السطحيين يلمعون ثم يهوون سريعا الي زوايا النسيان لأنهم يعتمدون علي الأسلوب البراق الذي يستهوي اشباه المتعلمين ثم يتساقط هؤلاء تحت اقدام المتاصلين 2- من حيث التصوير: قلنا ان وظيفة الشعر الاولي انه تعبير انفعالي يحفل بالخيال والصور اكثر مما يحفل بهما النثر الذي عرفنا ان اهم صفاته غلبة الناحية الذهنية وان كان لا يخلو من الصور الادبية بنوعيها

3- من حيث الموسيقي : يلاحظ أن الموسيقي في الشعر اظهر واوقي منها في النثر لان الشعر له من الوزن والقافية وغيرها من مميزات لفظية ما يجعل موسيقاه اقوي تاثيرا وان كانت اقل حرية وانطلاقا من الموسيقي في النثر لا تتقيد بوزن ولا قافية 4- من حيث التعبير الكلمات في النثر اكثر تحديدا واشد دقة اذ الكلمات في الشعر تكون فضفاضة ذوات جرس كلا من يشير الي المعاني ويوحي بها ليستعيض بها الشعر عما فاته من قيود بسبب الاوزان والقوافي 5- - من حيث العاطفة بالطبع الشعر اقوي عاطفة من النثر لان الجانب الانفعالي يغلب عليه ولهذا يطلب الشعر في المواقف التي تستدعي استثارة العواطف كالدعوة الي انشاء مؤسسة ما او عند الهجوم علي الاعداء او ضد خصومهم ودفع المغير فقد يكون بيت واحد من الشعر اشد تاثيرا من عشرات الصفحات من النثر في مثل تلك المواقف

خاتمة والذي يمكن ان نقوله عن الشعر عموما انه نبع يخرج من النفس ذات الحاسةالمرهفة والتي تعبر عن ما بداخلها وما ترتب عليه من فكر ونمط وعن اطوارر مجتمعها وبالتالي لكل مجتمع افكاره وصوره واساليبه وعن الشعر عموما فهو ملكة تهذب وتسوي حتي تخرج للاذان قوية جيدة في اسلوب منتظم يحمل الوزن والقافية حتي يحمل طابع الشعر العربي الذي يتناسب مع هويتنا اما ما نجده في الانماط الاخري فهو ليس منا او من طبيعتنا ولا يتناسب مع مساعرنا واففكارنا وهويتنا ومن تشبه بقوم كان منهم فمن اتجه الي الشعر الصوفي صادق محمد مثلا يحمل في النهاية طبيعته وخصائص من يتجهون اليه حتي يتتطبع بطباعهم وهكذا ثم ان الانفتاح العالمي ووسائل الاتصال جعلت الامتزاج والاختلاط بين الثقافات حتي ذابت الهويات وانصهرت الافكار واختلط الحابل بالنابل ونحن في حاجة ماسة الي ان نضع معاييرا لهويتنا المصرية والعربية والاسلامية حتي نخرج منها شوائبها غبار الثقافات الاخري التي افسدتنا وغيرت من عقولنا وكل حياتنا وهذا ما يحتاج الي جهد جهيد وثورة اولا علي انفسنا ودعوة الي العودة الي الاصول ونبذ كل ما يشوب صفونا وشكرا تمت



المراجع والمصادر

1-    الأدب وفنونه لعز الدين إسماعيل

2-    - مجلة العربي العدد يناير سنة 1998 العدد 480 عنوان

   الإبداع والمخدرات

3- كتاب مختارات من مدارس النقد الحديث

3-     وكتاب دفاع عن البلاغة

4-     4- ديوان الحطيئة دار الجبل بيروت د/ يوسف عيد

5-     كتاب شعر الأخطل تحقيق د/ فخر الدين فباوة / دار الآفاق بيروت

6-     قصة الأدب في مصر

7-     الأدب في التراث الصوفي مكتبة غريب د/ محمد عبد المنعم خفاجي 8

8-     زكي مبارك التصوف الإسلامي

9-      اليواقيت والجواهر للشعراني

10-     مصر مجموعة الرسائل الإلهية مطبعة محي الدين بن عربي

11-   عبقرية الشريف الرضي ج1 زكي مبارك

11-     الذين ادر كتهم حرفة الأدب لطاهر أبو فاشا

13 - بناء القصيدة الحديثة    د/ علي العشري

 14- مدارس النقد للأدب الحديث

 15- رحلة مع النقد الأدبي د/ فخري الخصراوي دار الفكر العربي

16 -   مجلة العربي العدد يناير سنة 1998 العدد 480 عنوان الابداع والمخدرات

ليست هناك تعليقات: