2018/04/18

عندما يُظهر الشِعر الشيء وضِدّه! إطلالةٌ على ديوانِ (الفارس حزين الطلعة)، للشاعر/ أحمد سمير علام.. بقلم: عمرو الرديني



عندما يُظهر الشِعر الشيء وضِدّه!
إطلالةٌ على ديوانِ (الفارس حزين الطلعة)، للشاعر/ أحمد سمير علام..
عمرو الرديني

   ضِمن إصدارات فرع ثقافة البحيرة لعام 2017 ، يَخرج لنا ديوان شِعر الفُصحَى (الفارس حزين الطلعة)، لصاحبهِ "أحمد علام".. في 96 صفحة من القطعِ المتوسط، بغلافٍ بسيط لكنه مُوحي كما العنوان: (الفارس حزين الطلعة) وهو إسم القصِيدة الخامسة ضمن 16 قصيدة ضمَّها الديوان البليغ، والعنوان هنا يجمع بين النقيضين: الشجاعة/ الإنهزام!
   وجاءتْ رسمة الغلاف لتؤكد ذلك المعنى، حيث هي لمُحارب يشهر سيفه، لكنه يمتطي درَّاجة بائسة! تلك المفارَقة تبدُو مقصودة ومُمَهِّدة لما سنُقابله بين دفتيّ الكِتاب الذي صمَّم غلافه "أحمد الشاعر"، فالكاتب يُبيِّن لنا منذ البداية أنه مقسُوم لنصفين: فهو ذلك الفارس المِغوار، لكنه في نفسِ الوقت الإنسان المُنهزم الحزين!
   وقبل أنْ نترك الغلاف –وهو العتبة الأولى لأيِّ عملٍ- نُلقي الضوء على المقطعِ الذي أورده في الخلفية، والذي جاء مِن قصيدة (العنب حصرم والليمون ليس حلوًا):
الريح تعصف، والشتاء –كما ترين- بغير قلب...
لكنما، لا تنشدي الصحو المؤقت
في عيون الآخرين.
فخذي المظلة في هدوء المغتربْ
وامشي الطريق وحيدةً...
لا تستديري إلى الوراءْ
؛ إن الطريق بلا انتهاء...
أظنه، لا يقتربْ...
من أي شيء.
لكنه، قد يبتعدْ.
   هنا إختيار دقيق لمَلْمَح هام مِن ملامح الديوان، حيث التعلُّق بالفصول والشهور، ومُصاحبة الطبيعة وجمالياتها.. كذلك الاعتزاز بالنفس، حتى وإنْ كانت نفسٌ مغتربة، وحيدة، وشريدة.
***   ***   ***
يُصدِّر الشاعر ديوانه بقطعتين، أحدهما لـ"سانتشو بانثا": (دون كيخوت- لـ"ثربانتس"، ترجمة "رفعت عطفة")، والآخر لـ"أبي الطيب المتنبي"..
   وفيهما تمهيد لدخولنا معركة شعرية تحوي بين جنباتها (الفرسان، الخيل، القادة، المعارك، الجيش، الخير والشر...) ملحمة إنسانية مُتكاملة يصُوغها لنا "أحمد علام" في لغةٍ شاعرية فَصيحة، تحوي كثير من الثقافةِ والنُضج..
ثم يُهدِي الديوان إلى ثلاثة من عمالقة الموسيقى: (موتسارت/ سيد درويش/ بليغ حمدي)، وفي ذلك جَمع بين القديم والحديث/ المحلِّي والعالمي.. وهذا ما نجده في أولِ عنوان يقابلنا لقصيدة (المَسيح باكيًا)، وفيها مناجاة للمحبوبة، واعتراف بكثرة الحمُول، وطول المشوار.. فيضعنا منذ البداية وجهًا لوجه مع أوجاعه ويأسه/ أحلامه وأمله..
   وتتوالى معاركه على مدار القصائد التي تتفاوت في طولها، وتختلف في عناوينها.. فنجده أحيانًا يتناص مع الأسطورة كما في قصيدة (عن سيزيفيوس)، وأحيانًا مع الطبيعة (العنب حصرم والليمون ليس حلوًا).
***   ***   ***
   أهم ملامح عالم "أحد علام" الشعري:
·       الغُربة: فنجده قد خصَّ قصيدة كاملة بعنوان (الغريب)، يُرثي فيها غربته..
وتمتد غربة الشاعر لتتجاوز المكان والزمان، الغربة هنا مرافق له.. هي غربة البشر في الحياة: غربة الخير في دنيا الشر، غربة العدل في عالم الظلم.. نستشعرها كهالةٍ تُغلِّف الديوان، نستطعمها مع كل قصيدة.. هي بحث عن الذات المُشتَّتة منذ الأزل في كلِّ بقاع الأرض، بحثٌ عن الإنسان، وانظر إلى قوله: (حق المسافر يا بعيده يلتقي/ وطنًا بآخر عمره ليقيه)، أو قوله: (أنا وحيد/ ولست أدري/ من أنا؟).
·       المرأة: يعامل الشاعر المرأة معاملته للشمس..
هي مَصدر النور/ الدفء، الحنان/ العطاء.. يُكرِّر من ذِكر (تقبيل الشفاه)، و(عَصْر النهُود)! وفي الأول دليل العطش.. العطش للحب، للإرتواء من الحنان، الظمأ للوطن، الراحة، والاستقرار.. أما في الثاني فرغم تكراره لها أكثر من مرةٍ على مدار القصائد إلا أنها لا توحي بشهوةٍ قَدر ما هي دليل لإشتياق لحضن الأم، ولصدرها الذي هو نبع الإطمئنان الذي يفتقد إليه الشاعر.. مثلما قال في قصيدة (يتكرر كثيرًا بين الفارس الحزين وحامل سلاحه): (وإنني يا سيدي لا، لم أعد أريدْ/... عيشة الأباطرة/ بل ميتة الفلاح في فراشه الفقير/ يلاعب الصغار/ ويعصر النهود في يديه... يعصر النهود).. هنا حنين طاغ للرجوع للبيت/ الوطن، والموت في حضن مَن يُحب.
·       الأوقات:
يُقسِّم الشاعر أزمانه بالفصُول (ربيع/ شتاء)، وبالشمسِ والقمر (نهار/ ليل).. يَفرح بمجيء النهار، ويخشَى حلُول الليل! (في الليل حين يدق ناقوس السكون/ وتنام عين العاشقين/ لتكمل الأحلام ما لم يكتمل/ ويعود جمع الساهرين/ على لقاء/ وتغلق الأبواب في وجه المطر/ وتخربش الأحلام أحداق الصغار/ ويلوذ كل بالفرار/ تحت الغطاء/ تحت الفراء/ في الليل يبكي الليل وحدته/ ومن برد الشتاء.)، وقوله (هو الفجر لاح ابتهجن/ بأنواره يا عذارى/ ابتهجن.. ابتهجن)..
   ونجده أيضًا يَستجدي الربيع في أيِّ شيء حتى وإن كان في نظرةِ رضا مِن عيون حبيبته (من كان مثلي بالغيوم مضرجًا/ بعض الربيع بعينكِ... يرضيه)، أو يحذِّر منه عندما يقول (قد تصدمين/ إذا أتى ذاك الربيع المنتظر/ إذا أتاكِ يرتعد).
***   ***   ***
   وهكذا يمضِي بنا الشاعر الواعد "أحمد سمير علام" في ديوانه الممتليء بالصور الشعرية، والصيغ الجمالية حتى نهايته.. باعثًا لنا رسالة بالأمل رغم كل الحزن، رسالة بالحب رغم حجم الكُره، رسالة بالسلام رغم كثرة الحروب.. ليؤكد لنا أهمية دور الشعر والشعراء في إبراز المعنى وضده، (والضدُّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِدُّ) كما يقال..
ويكفينا من ديوانهِ قوله: (كن شاعرًا حتى ترى ما تشتهي/ كن شاعرًا حتى تكون ولا تكون).. تحيةٌ له، ودعوة للنقاد بالقراءةِ والتمحيص، ولكم بالمتعة والتفكير.

ليست هناك تعليقات: