قراءتان لرواية "الروح وما شجاها" للسيد نجم
(ندوة بصالون الدكتور العشماوى)
فى الأربعاء الموافق 29-12-2010م، انعقدت الندوة الأدبية الشهرية بصالون الدكتور العشماوى الشهرية، لمناقشة رواية "الروح وما شجاها" للروائي السيد نجم.
وقد استهل الدكتور السعيد الورقة تقدمة بالتعريف بصاحب الرواية، حيث تعتبر هذه الرواية هي الخامسة له، بعد أن نشر سبع مجموعات قصصية، وأربع كتب في أدب المقاومة، وكتابان فى الثقافة الرقمية، بالاضافة إلى أحد عشر كتاب (قصص) فى أدب الطفل.
أشار الدكتور السعيد الورقي قبل قراءة ورقته النقدية، إلى أن رواية "الروح وما شجاها" تستند على قاعدة فلسفية، بينما الشائع فى الروايات (غالبا) توافر الشخصيات المتفلسفة، ولا يوجد إلا القليل من الروايات المرتكنة على قاعدة وأسس أو مفاهيم فلسفية (مثل قبل الليل- حضرة المحترم لنجيب محفوظ) وبعض روايات "مصطفى محمود. وقد اعتمد السيد نجم فى هذا على أن يجعل "الحدوتة" هي الإطار الذي يتضمن أفكاره الفلسفية، وتوظيف الحدوتة لخدمة الفلسفة.
وبدأ الناقد "شوقي بدر" بعرض قراءته النقدية، التي هي بعنوان "قراءة اللاشعور فى النص الروائي.. رواية "الروح وما شجاها" للسيد نجم نموذجا".
استهل الناقد القراءة بتعريف العلاقة بين الرواية والتحليل النفسي، مستعينا بمقولات "مارت روبير" فى كتابه "أصول الرواية".. مشيرا إلى أن الرواية تتكون أو ما تتكون على غرار أحلام اليقظة، أي بين الحلم والواقع، وبلورها التعبير فى نص..". والرواية (الروح وما شجاها) تعبر عن تلك الرغبات المكبوتة, وأحلام اليقظة.. لذا جاءت الشخصية المحورية (يوسف عرفة) غرائبية النزعة, كما أدى إلى حالة شبه مرضية.
انتقل الناقد إلى قراءة حالات "عرفة"، وبدأ بحالة اللاشعور منذ النشأة، وكل مراحل حياته. ففي طفولته كان يقف على الكوبسته فى شرفة المنزل يتابع لعب الأطفال فى الشارع، بينما هو منفردا يتقافز، وعندما يدخل إلى أمه، تسحبه إلى الحمام، لأخذ حمام ساخن، وهى تصرخ فيه بالسباب على شقاوته!.. وفى العمل كان مع زملائه (الأنذال) كما يطلق عليهم، على صراع دائم ومستمر، وهكذا وبالرغم من تواجده هنا وهناك، إلا انه منعزلا دوما! كما بلور اللاشعور فى الرواية، ما توقف أمامه الروائي مع هوايات "يوسف" الغريبة.. جمع الصبار الغريب، وأوراق الحلوى، والعملات القديمة، حتى جمع الديدان والحشرات!
وقد توقف الناقد أمام "إشكالية الموت" فى الرواية طويلا، تلك الإشكالية التي جاءت لتحدد ممكنات الحياة من خلال الموت.. وهو ما عبر عنه مع السطور الأولى للرواية، يقول، ".. فلما رمى نظرة فاحصة.. ظن انه يرى شبح الموت.. مع بريق زجاج بوابة الفندق الفيمية البني، قال: .. لخمسين سنة ظننت أنني اهرب منك.. ولخمسين سنة تركتني، لماذا تبين لي الآن؟!" ص7 وتكثر المواضع التي يتناول فيها فكرة الموت.
أما بنية النص: تنقسم الرواية إلى أربعة أقسام، فى كل قسم تتشكل بنية خاصة، تندرج تحتها مشاهد متواترة، تكشف عن زوايا ومحاور التجربة، وتكمل ما شجته الروح فى مراحلها المختلفة الصغيرة والشابة والرجولة. كان يوسف: "يملك قدرا وافرا من الخيال كفيلا بتحويل العالم إلى مزق لا يعوقه اى شيء" ص134 لذا وجه همه كله للنساء..
أما عن عنوان الرواية، يبدو وكأنه نوع من التخييل الخاص تتواجد آثاره ومفرداته داخل نسيج النص، كما يمنح هو أيضا من النص بؤرة مفرداته.. لذا يتواجد داخل النص فى أكثر من موضع وأكثر من صورة.
وفى الختام يوجز الروائي ما أراده، حيث أذاع الراديو والتليفزيون خبر هجوم العراق على الكويت، لما طلب منه الجيران تفسيرا، رفض، إلا أنه شعر بمن يتعلق به ويسأله عن مكان البلدين، فقال: "أتمنى لو قلت: أنهما بلدان بعيدان.. هناك.. فى مكان أقصى.. على الكرة الأرضية(179).. ويوسف فند بتلك الجملة، رؤيته على الحالة المتردية التي وصلت إليها رأسه ورأس العرب كلهم.
وفى القسم التالي من الندوة قدم الدكتور "السعيد الورقي" قراءة مطولة بعنوان "السيد نجم وسرد الموقف الفلسفي.. دراسة فى رواية الروح وما شجاها".
حيث قال: "الروح وما شجاها للكاتب المثقف الدكتور السيد نجم، من الروايات القليلة فى الدب العربي والتي تستند إلى قاعدة فلسفية. فالسرد يقدم بطلا مسكونا بالقلق والغربة والضياع، تحركه حيرة قلقة متسائلة من خلال تأمل الذات التي تشك فى كل الثوابت التي تقيم وتحرك عالم الأنذال الذين يتحركون ببواعث غير حقيقية".
وأشار إلى أن الرواية على مستوى الحكى الواقعي تأملات فى الواقع الاجتماعي والسياسي لحياتنا المعاصرة، من خلال بطل مغامر غير عادى.
ويقول الناقد: "يوسف عرفة كما قدمه السرد شخصية غريبة فى طبيعة تكوينها وفى سلوكها اليومي، وفى ردود أفعالها".. "لم يهدأ فى لحظة ولم يقنع ولم يؤمن.. فى حياته الخارجية دائم التنقل حتى فى علاقاته النسائية".. وملأت "يوسف" أسئلة الوجود: لماذا الموت؟
ثم أوضح الناقد "د.السعيد الورقي" أن الرواية استحضرت ما طرحته الوجودية الحديثة وفكر حياة الغشاشة وهم اللاعاديون الذين يرفضون حياة الأنذال (فى الرواية) ولم يكن أمامهم إلا أن يقوموا بدور الروائي الذي يطل على الواقع والوجود من مركزية حيادية لا تتفاعل ولا تنفعل، ويواجهون العالم ببرودة المشاعر.
اكتفى "يوسف عرفة" بتلك الحياة الخارجية، والمشاركة الحيادية، حتى لا يتسبب فى أذى الآخرين له.
أما حياته الداخلية فالأمر مختلف، فالأمر مثير حتى فى الفوضى والعبثية المسيطرة عليه، كأنه يريد من خلاله كسر حدة الرتابة والعادة والمألوف.
يتابع النقد فيقول: "هذه الرواية هي رواية التساؤلات الحيرى التي بدأت مع العنوان المقلق وهو الروح وماهيتها والكيفية التي تحل بها وترحل.
العجوز "أم سالم" التي لا تتوقف عن الثرثرة لجذب انتباه الحياة والحياء، ماتت فجأة.. زميل يوسف فى الخندق مات فجأة ى المعارك.. زوج "سعاد" الحبيبة القديمة اختفى فجأة.. وقبلهم جدوه وأبوه وآخرون.
من هنا علق الناقد على تقنية لسرد فى الرواية قائلا: "ولأن الوجود يتحرك من دائرة تصبح معها أي نقطة هي البداية والنهاية معا، فيحمل موجود نهايته فى بدايته، اتخذ السرد هذا البناء الدائري".
كما أن لغة السرد أقرب إلى الحيادية، فهي لغة تؤدى وتوصل وتسجل، وقليلا ما تنفعل حتى فى المواقف الشديدة التعلق بالذات.. يقول السارد:
"احتل الموتى الملاعين راسي، أصبحت عاجزا من الاستفادة بأي شيء,,"
فمع أن السرد هنا يعتمد على صيغة تيار الوعي، وهى صيغة تؤثر اللغة الشاعرية لتعاملها مع مناطق الوعي الداخلي، وهى مناطق شعرية، إلا أن السرد وهو يحاول التوافق مع الرؤية العامة كان من الضروري أن يلجأ إلى حيادية الروائي، الذي لم يكن يعنه طرح وجهة النظر... وهو ما أثر على بنية الرواية التي جاءت بلا نهاية، حيث النهاية تمثل وجهة نظر.
وقد ختم الناقد "د.السعيد الورقي" ورقته النقدية يقول: "رواية الروح وما شجاها للدكتور "السيد نجم" رواية ممتعة وذكية على الرغم من حدة الموضوع، وجعل للفن القدرة على تناول الموضوعات الشائكة المتصلة بحقائق الوجود".
انتهت الندوة بحوارات مع الحضور، وشكر الروائي للناقدين "د.السعيد الورقي" و"شوقي بدر".
********************