2011/01/20

سناء الشعلان ضيفة في المكتبة الوطنية لتوقيع مجموعتها القصصية" تراتيل الماء"

سناء الشعلان ضيفة في المكتبة الوطنية
حفل توقيع مجموعتها القصصية" تراتيل الماء"
استضافت المكتبة الوطنية في العاصمة الأردنية عمان الأديبة الأردنية الدكتورة سناء الشعلان وسط حضور حاشد نخبوي في أمسية قصصية على هامش توقيعها لمجموعتها القصصية الجديدة " تراتيل الماء" للعام2011،وهي مجموعة صادرة عن مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع بدعم من وزارة الثقافة الأردنية،وهي المجموعة القصصية التاسعة لها،فضلاً عن الاشتراك في ثلاث مجموعات قصصية مع أدباء عرب من الأردن ومصر وفلسطين.
والمجموعة تتكوّن من عدد كبير من القصص الفرعية المتولّدة من إحدى عشرة قصة رئيسية.وتقول الشعلان:" إنّها قد مارست التجريب في هذه المجموعة بشكل كبير،وأنها انحازت إلى المضمون المدشّن في شكل جديد،واستفادت من تقنية التوليد والانبثاق من قصة أم على شاكلة السّرد الشفوي التراثي كي تشكّل مجموعتها القصصية،كما أنّها لجأت إلى تفكيك التراث القصصي العربي والإنساني،وأعادت تشكيله وفق رؤيتها.
وقد قرأت الشعلان في الأمسية عدداً من قصص مجموعة" تراتيل الماء"،وهي:حذاء سندريلا،والسندباد السماوي،وشهريار يتوب،وأحزان هندسية،وخرافات أمي،وقاموس الشيطان،وملك القلوب.
وقد قدّم الشعلان في أمسيتها وعرّف بها العلاّمة الأردني الأستاذ الدكتور عبد الكريم غرايبة أستاذ كرسي الشرف في قسم التاريخ في الجامعة الأردنية الذي قال في معرض تعريفه بالشعلان:" "استغربت من اسم سناء الشعلان لأنّ سناء هو السواد على زجاجة ضوء الكاز نمره 2 و 3 الذي كنا نعتبره ساطعاً مثل الشمس، ولا نعرف غيره ليلاً ، وتجمع على زجاجه رماداً أسود ناعماً سميناه سناء، وتوقعتها أن تكون سمراء عابسة مغرورة، فإذا بها عكس ذلك ، وعدت إلى كتب اللسان والمعاجم، فإذا الكلمة معناها مختلف معاكس لفهمي، واذا بها بيضاء باسمة ضاحكة.
وأهدتني كتابها مجموعة قصصية نشرتها عام 2010م باسم تراتيل الماء ، وشعرت بعلاقة بينها وبين كتابي عرب الماء والإنسان المنشور عام 2006 أي سنة نليها الدكتوراة ، وقرأت المعلومات عنها ،فإذا بها عضو في قرابة ثلاثين جمعية ورابطة أدبية وعلمية، ونالت قرابة أربعين جائزة، ولها العديد من الكتب والقصص والمسرحيات وقصص الأطفال.
واستغربت الأسماء التي أطلقتها على ما كتبتْ، ولأسماء لا تتفق مع ابتسامتها ومرحها وضحكتها :مقامات الاحتراق ، قافلة العطش ، الكابوس ، السقوط في الشمس ، سيرة مولانا الماء ، قاموس الشيطان، مليون قصة للحزن.
وسيولة ومائية كتاباتها تجعلها مماثلة لسيولة اللغة العربية، فالمدّ العربي في صدر الإسلام سمّاه عمر بن الخطاب انسياحا ، وتابع فقهاء العربية هذا الاتجاه المائي حين أطلقوا على كتب اللغة أسماء مائية مثل المحيط الأعظم في اللغة ،وينابيع اللغة ،ودرة الغواص والعباب، ومجمع البحرين، وارتشاف الضرب ،والقاموس المحيط، ومحيط المحيط".
في حين قالت الأستاذة الدكتورة هند أبو الشعر أستاذة التاريخ في جامعة آل البيت التي أدرات الندوة في ورقة نقدية لها بعنوان" تجليات سناء الشعلان كاتبة تحمل في قبضتها عبقرية الماء": " متى يلجأ كاتب القصة القصيرة إلى التجريب وإلى إعادة تشكيل تقنياته ...؟ وهل يصلح فن القصة القصيرة لطرح قضايا فكرية رصينة وإعادة تشكيلها وفق رؤية فلسفية من الكون و الحياة ...؟ أم إنها بطبيعتها قاصرة عن مثل هذا التناول ...؟ لينتقل القاص إلى ابتداع شكل جديد يكسر الحواجز الضيقة و الحدود المرسومة لخارطة فن القصة القصيرة ، ليعيد بدوره رسم حدود جديدة لهذا الفن ...؟
هذا التساؤل ظل يلازمني وأنا أقرأ ( تراتيل الماء ) لسناء الشعلان ، وعندما انتهيت ، لم انته من التداعيات التي صاحبتني ، وعدت إليه لقراءة ثانية بحس كاتبة قصة قصيرة تعرف مداخل هذا الفن وآفاقه وهواجسه ، فهل نحن أمام ( مجموعة قصصية ) كما يقول غلاف الكتاب ...؟ هل نحن أمام ( متوالية قصصية ) أم ماذا ..؟ هل يمكن لفن القصة القصيرة احتمال هذا الزخم في القول و التجريب ...؟ ولأن هذا الهاجس الفني يقلقني فقد استولى علي طوال قراءتي الأولى وأفقدني متعة التذوق ، لكنني استعدت حسي الفني بغزارة شلالات سناء الشعلان النقية المتدفقة في القراءة الثانية ، وتيقنت أن هذا الذي كتبته سناء يمثلها بكل تحولاتها الجميلة كاتبة مفكرة وأكاديمية و إنسانة ، تحمل روحا طيبة عصية على التدجين ، لا تقبل الوقوف في الطابور ، وتندفع إلى الأمام بجرأة جميلة .
يتغلب المضمون على الكاتبة حتى يعتقل القارئ ، فلا يسمح له بالانفلات ، ليظل المضمون هو السيد ، فقد استندت إلى التاريخ السردي المتخيل وقامت بتفكيكه بجرأة لأنها على ثقة من أنه حاضر في ذهن وذاكرة القارئ عبر موروثه الديني والإنساني وتراثه المتخيل في الذاكرة الجمعية ، وهذه الثقة بالمعرفة المسبقة في الذاكرة الجمعية أعطتها الجرأة على التفكيك وإعادة التشكيل بذكاء فنانة محترفة ، ومع أن المضمون ظل هو السيد ، ومع أن الماء ظل البطل في كل الحالات ، إلا أن الجديد الذي تشكل ، أعاد بدوره تشكيل الكاتبة نفسها من جديد أمامنا لنرى سناء الشعلان أمامنا كاتبة مفكرة ذكية ونقية مثل الماء ...!
ولأن الماء حالات عصية على الحصر ، تماما مثل الحياة ، ولأن الماء هو الحياة ، فقد تجلت الكاتبة مع كل حالة بفكرها ، فانبجس الماء من كل نصوصها ، واعتبرته الوحيد الذي يحفظ سيرة الحقيقة ، أي أن الماء هو الحقيقة عند الكاتبة ، إنه اليقين ، بدءا بماء السماء ثم ماء الأرض ثم البحر ثم البحيرة ثم ماء النهر وماء الينبوع ثم الشلال ثم ماء البشر ، أما قمة التجلي عند سناء فتبدأ بسرد سيرة ( مولانا الماء ) وتجليها بتفكيك سيرة التكوين وتتبعها لسيرة مولانا الماء الأزلية ورصدها بكل عصورها ، لنحس هنا بعمق ثقافة الكاتبة ومخزونها المائي الذي يتجدد بثقافات متنوعة تنبجس من كل نص بلا تكلف ، وهذا هو امتيازها نصوص مثقفة ومفكرة ومتدفقة مثل الماء بكل حالاته .
قرنت الكاتبة بين كل حالة من حالات الماء وبين الشخصيات التي أقحمتها أحيانا على هذه الحالة ، المقاتل الطيب النقي الذي يشبه ماء السماء ، والمرأة المخلوقة من ماء الأرض الآسن و المستنقعات والتي صنعتها الحياة بقسوة من إتحاد ماء أب مجرم و أم مومس ، والمرأة البحر التي لا تعرف الرحمة والتي تشبه البحر في تقلبها والتي تسمم حبيبها بكأس خمر مسمومة وتتقاسمها معه ، لكنها تشرب الكأس وحدها ليكون الرجل البحر الغادر هو الذي يبقى ، والأسير المريض ، أسير مرض الجذام الذي يشبه في أسره ماء البحيرة المأسور إلى الأبد في حدود البحيرة التي لا يسمح لها بالرحيل و الحركة ، ونماذج أخري لماء النهر والشلال والينبوع وماء البشر ،ـ كلها نماذج مصنوعة بتفكير كاتبة مثقفة تحمل منهجية أكاديمية واضحة .
والآن وبعد أن انتهيت من القراءة الثانية ، توقفت أمام هذه ( المجموعة القصصية ) التي تحمل الرقم التاسع في إنتاج سناء الشعلان ، وأحسست ن سناء أعادت تشكيل نفسها بذكاء قاصة مثقفة ، ومع أنني أحسست أنها فصلت الشخصيات على الحالة الفكرية ، وأن التشكيل كان نمطيا في بعض الشخصيات مثل شخصية بطل النهر مثلا ، لكن سناء تفوقت على نفسها ولم تقف في الطابور ... إنها لا تعرف ثقافة الطابور وتحسن اختراق الصفوف ولا تريد من هذا الوقوف في المقدمة ، فهذا ليس هاجسها ، إنها مثل الماء لا تعرف حالة واحدة ، هاجسها التجدد وهو ما قدمته في كتابها الذي لا أعرف إن كان مجموعة قصصية أم متوالية قصصية أم حالة أخرى .
سعدت حقا بأن يكون هاجس كاتبة أردنية بمثل هذا العمق والجرأة في التعامل مع تقنيات فن القصة القصيرة ومع الموروث و الذاكرة الجمعية ، جرأة في التفكيك و التشكيل ، تتصاحب مع ثقافة ومنهجية أكاديمية ، ألم أقل بأن سناء لا تعرف ثقافة الاصطفاف في الطابور وأنها تعرف تجليات الماء بكل حالاته المدهشة ...؟ وأقول أخيرا بأنني اعرف نقاء روح هذه الكاتبة وطيبة قلبها ، التي تجعلها تختار الماء بكل حالاته ليتدفق من صفحات قلبها وروحا وصفحاتها".
وقد دار على هامش الأمسية حوار بين الجمهور والشعلان حول خصوصية إبداعها ومضامين قصصها،ومغامرتها التجريبية في القصّة القصيرة،وأهمّ تحديتها.
ومن أجواء ماقرأت الشعلان من قصة" ملك القلوب": البعض يقول إنّه مبروك , وإنّ له كرامات مع أنّهم لم يروا له يوماً ولو كرامةً واحدة، البعض همس إنّه لا يصلّي أصلاً لكي تكون له كرامة الأولياء والصّالحين، همس فضوليون ضاحكون إنّه على دينٍ عجيب تدين به مردة الجان، بعض النّساء تستعيذ منه، وتعدّه ممسوساً أو على أفضل تقدير على علاقةٍ مع الجان، إحدى عواجيز البلدة زعمت مرّةً بضحكةٍ تنزّ عن سنّها الوحيد الذّي نخرته السّوس بلا رحمة أنّه من ذراري الغجر، وبقايا بني ساسان، أمّا هو فلم يكن يصرّح بالكثير عن نفسه، بل يجيب عن الأسئلة الفضوليّة بقهقهةٍ مجلجلةٍ تبرز ترقوته، وتهزّ معطفَيْه، وتبرز شفتيه الغليظتين الغارقتين في لحيةٍ شعثاء مثل غابةٍ شوكيّةٍ، فيردّد الكهف الذّي يسكنه ضحكته، وجملته المعهودة، "افتح كفّك اليمنى، وصفّي قلبك . . . وأظهر بياضك، وكلّه على ربّك".


ليست هناك تعليقات: