2012/01/24

حساسية الروائـي وذائقـة المتلقي للروائـي السوري : عبد الباقـي يوســـــف

حساسية الروائـي وذائقـة المتلقي للروائـي السوري : عبد الباقـي يوســـــف
جديد إصدارات وزارة الثقافة والإعلام السعوديةسلسلة كتاب المجلة العربيــة
كلمة تقديم
شيء هام أن يتحدث روائي متمكن من أدواته الروائية ، ويقف على مؤلفات روائية شهيرة ترجمت إلى العديد من لغات العالم ، وحاصد لعشرات الجوائز الروائية والقصصية والأدبية عن ملتقيات ومؤسسات ووزارات وحكومات وجامعات ، ومحاضر في العديد من المؤتمرات والجامعات والندوات الثقافية العربية ، يتحدث بشيء من السيرة عن حميمية علاقته مع الرواية ، وهي فرصة أن يطلعنا على أفضل ما قرأ وتوقف من أعمال روائية في العالم .
عندما استقبلت مكتبات العالم العربي ، وغالبية دول العالم التي تصلها مجلة المجلة العربية ، عددها الجديد (521 ) يناير 2012سرعان ما ذيع النبأ في غالبية القنوات الأدبية والثقافية عن هذا الحدث الأدبي الهام الذي يستحق أن تستقبل مجلة معتبرة تتمتع بشعبية هائلة ، وسرعة وقوة انتشار واسعة وتصدر عن وزارة الثقافة السعودية عامها الثقافي الجديد وتهدي قرّائها مع العدد هذا الكتاب الضخم في شكله ومضمونه لروائي من وزن عبد الباقي يوسف الذي يعد من أشهر الروائيين العرب وأكثرهم حضوراً في وسائل الإعلام وتعد أعماله من أكثر الأعمال مبيعاً وانتشاراً في معارض الكتب ، كما أن العديد من المؤسسات الثقافية والمؤلفات النقدية أعدت بعض أعماله من أكثر الأعمال العربية الروائية السبعة إثارة للجدل .
كانت فرصة ذهبية ثمينة لنا أن نقرأ هذا العمل الذي وقع في 250 صفحة من حجم كبير ، ونقدم ملخصاً عنه .

في متن الكتاب

يقع هذا الكتاب في ثلاثة فصول هي :
1- حساسية الروائـي
2- من أعمدة الرواية في العالم
3- أسرار الرواية النسوية

كل فصل من هذه الفصول يحتوي على محاور متماسكة متناسقة ومتناغمة وكأننا نقف أمام رواية من حيث تناسق الفكرة العامة للكتاب ، وعبد الباقي يوسف معروف عنه حرصه الشديد على دقة مؤلفاته بحيث يأخذ الكتاب سياقاً متدرجاً يشعر القارئ معه بالمتعة والفائدة .
في الفصل الأول يتحدث عن علاقته الشخصية بالرواية ، ويسرد بعض الأحاديث والمواقف الشخصية عن صلب علاقته مع كتابة الرواية وهي تقدم ما يشبه المشكاة لقارئ أعماله بشكل خاص ، ولقارئ الرواية بشكل عام .
من هذه المحاور التي تناولها بالدرس :
عالم الروايـة
هيمنة فكرة الرواية
المؤلٍف والمؤلَف
الأسطورة والرواية
أصداء الشخوص الروائية
تقنيات استخدام الضمائر في الرواية الفرنسية الجديدة
بين شخصية الروائي وأجواء الرواية
الفصل الثامن : جوهرة الرواية ومشكاة النقد

يقول : نحن لانحتاج أن نقرأ رواية لمجرد أننا نرغب في قراءة رواية ، إننا نحتاج إلى رؤيةعالم لم نره ، ولم نقرأ عنه من قبل لدى شروعنا في قراءة رواية جديدة ، ذلك لأن الرواية معنية بفتح عالم جديد أمام قارئها .
الرواية التي لاتحمل بين غلافيها شمسا وقمرا ونجوما وبحارا وصيفا وربيعا وخريفا وشتاء كثير عليها أن تحمل اسم رواية .
الرواية تحمل عبق الإنسان , تحمل رائحته الزكية , إنها أكثر الحالات صفاء وانسجاما مع تفاصيل الحياة .
تتغلغل الرواية في أعماق أرضها ســـــنوات طويلة من العواصف والرعود والأمطاروتقلب الفصول حتى تخرج إلى النور حاملة ريح الأرض والناس والبيئة التي ولدت فيها .
ويرى عبد الباقي يوسف : تحقق أي رواية في العالم الخلود علـى قدر ما تتفوح بروائح تربتها لأنها تقدم زمنا وأرضا ومجتمعا , ولذلك فان الصدق ينفجر من أكثر الكتابات التصاقا بتفاصيل المحلية , وليس ثمة سبيل أقرب إلى العالمية من محلية الأفكار والتعابير .
الرواية هي الإنسان, هي كتاب الحياة الأكثر إضاءة ووضوحا ،
إنها السراج إلى الأعماق المظلمة.
لقد حاولت الرواية عبر تاريخها المضيء أن تقدم الإنسان إلى نفسه, وتسعى للدفاع عن حريته وعن حقه في حياة كريمة .

الفصل الثانـي


أما في الفصل الثاني ، فيتحدث الروائي عن علاقاته الشديدة الخوصوصية مع بعض أعمد الرواية في العالم ونذكر من المحاور التي تناولها بكثير من التأني والدرس والشرح :

مدارج الدخول إلى عالم فرانز كافكا الروائي
المركيز دي ساد .. النزوع السادي في الرواية
دينو بوتزاتي .. قوة الإصرار على العمل
ستيفان زفايج .. الروائي الذي تناول تفاصيل النفس البشرية
غابرييل غارسيا ماركيز .. الروائي الذي أحب في زمن الكوليرا
يوكيو ميشيما .. إيقاع الحياة الروائية
كنزا بورو أويـه .. دفق شاعرية الخيال
ماريو بارغاس يوسا .. بين الرواية والسياسة
وليم فوكنر .. البحث عن البراءة المفقودة .

ومما يقول عبد الباقي يوسف في هذا الفصل :

الإبداع العظيم يحتاج لشخصية عظيمة غير مهزوزة، ورغم الاهتزاز في بعض تصرفات/ تولستوي/ إلا أنه كان جبارا في قوة النفاذ إلى العمق البشري لقد كانت شخصيته
قوية بشكل ملفت، ورغم نوبات صرع دستوفسكي فكان عظيما في مواقفه الأدبية والاجتماعية وكان مخلصا بشكل مذهل لأدبه ويعتبره القيمة الكبرى في حياته, ورغم هذا
فان الأديب يمتلك شيئا من الميل إلى الحياة حتى يصقل روحه ويلبي حاجاته الذاتية انه يرغب في ان يجرب كل شيء ويرى كل شيء , باختصار انه يرغب أن يرى من الحياة
كل شيء ليمنحها كل شيء , وعلى هذا الإيمان يمضي .
تبقى للأديب حساسيته تجاه كل المجريات حوله ويبقى له نضجه ووعيه ومفهومه العالي لكل القضايا الشكلية والحسية، وهذه الحساسية هي التي تصنع الأديب وتضفي الشفافية والشاعرية على إبداعه، ووسط هذا العمل لابد ان تظهر أسماء متفاوتة ومدعية،وهذا أمر طبيعي
لايسبب الحساسية ولابد لذلك فحتى تتميز عليك أن ترى شخصا بجانبك وتتفوق عليه وكذلك عندما تقدم إبداعا فمن الطبيعي ألا ّ يصفق لك أشخاص من أصل أناس يصفقون
وإلا ّ لما كان هناك داع لإبداعك , وإذا صفق لك الجميع فإن ذاك التصفيق لن يكون حقيقيا فأنت ترغب في حضور مَن لا يصفقون لك قدر رغبتك في حضور مَن يصفقون لك
،إنك تريد أن تصغي لكل ما يقال ويهمك دوما أن تصغي للرأي الآخر سواء كان موضوعيا أو غير موضوعي .
أؤمن أن على الإنسان أن يمارس مطلق حريته ويقوم بتجارب أخرى وينفتح على الحياة كما تتفتح الزهور في الحدائق الكبرى . وأفهم أن الحب هو وسيلة الإنسان الوحيدة للخلاص من ثقل الوصاية السوداء .
وأظن أن العالم لن يكون بخير إلا إذا لبثت نوافذ الحب مشرعة وتسرب منها هواء نقي .
إنها قوة الكتابة التي تؤرخ الإنسان، تؤرخ مجده وتؤرخ فشله وهي الدليل على هذا المجد وعلى هذا الفشل وهي محاولة من الإنسان لإطلاق صيحة مدوية خالدة لا تنطفئ في عالم مجهول أتى إليه ويريد أن يتفهمه ويعيه ويترك فيه شيئاً يدل عليه وعلى ما توصل إليه من أفكار عن هذا العالم وهي كذلك صيحة من ضمير الإنسان في وجه الشر العام، هذا الإنسان الذي يرتعب من المجهول ودوماً يخشى مما هو أكثر منه قوة برغم جهله عن إمكانات مجهولة وخافية لديه، وثقته بهذه الإمكانات الخارقة في نفسه.
حتى الآن لم يجد وسيلة أجدى من الكتابة تلخص وتقدم هلوساته وتصوراته وأفكاره عن العالم وكذلك تسجل نقاط ضعفه ونقاط قوته ومشاعره وموسيقاه الداخلية، وفي النهاية فإن الكلمات الخالدة هي التي تنجح في أن تجمع مابين الهذيان والعقل، لأن الإنسان في كثير من مواقفه يمكن له أن يهذي كما أنه في كثير من مواقفه يقدم العقل، الإنسان هو الكتابة والكتابة هي الإنسان بكل وضوحه وغموضه , وعقله وجنونه , وضعفه وقوته 0


الفصل الثالث

يأتي الفصل الثالث ليتوج حساسية المرأة الروائية من خلال ما تبدع من رواية وقد تناول في هذا الفصل أسماء بالغة الحساسية في تاريخ الرواية ومن محاور الفصل :

آغاتا كريستي الملكة الثانية للإمبراطورية البريطانية
توني موريسون سيدة الواقعية الأمريكية السوداء
سيمون دي بوفوار قوة التضامن مع بنات جنسها
شارلوت برونتي الروائية التي أوقدت شمعة في ظلام دامس
جورج سانـد الروائية التي أرّخت لتجربتها الشخصية
فرنسواز ساغان الروائية التي قالت وعاشت : صباح الخير
أيها الحزن

يرى عبد الباقي يوسف في هذا الفصل :

المرأة تجيد الحكي السردي بشكل يميزها عن الرجل ، ومن هنا اتسم أدبها بخصائص أغنت جنس الرواية في العالم .
الرواية النسوية هي الرواية التي تكتبها المرأة وتقدم فيها المرأة من كونها امرأة ، هذا التقديم الذي يكسب خصوصية كونه يأتي بقلم المرأة التي هي أبلغ وأدق تعبيرا عن نفسها من الرجل ، ومن هنا كان مصطلح / الأدب النسوي / الذي أحدث ومايزال يحدث الكثير من الجدال حول مشروعيته .
أركز هنا على وجود فوارق الإبداع وخصوصياته وتمايزه في الأدب الذي تبدعه المرأة سواء في بلادنا أم في مختلف أنحاء العالم ، هذا الذي أرى أنه بذات الوقت يضفي على المرأة خصوصيتها كأنثى مختلفة عن خصوصية الرجل سواء من الناحية السيكولوجية أم من الناحية الجسدية . فالمرأة ليست رجلا كما أن الرجل ليس امرأة ، وهذا الخلاف هو الذي يضفي خصوصية على كل واحد منهما ويدفع كل واحد منهما للحنين إلى الآخر ، لأن كل واحد يفتقد في ذاته ما لدى الآخر ، ثم يرى بأنه لايكتمل إلا بوجود الآخر .
من هنا فإنه من الأمر الطبيعي أن يكون أدب المرأة غنيا بمزاياها في أي منطقة من العالم ،ومعبرا عن وجهة نظر وقلق ومشاعر المرأة بصفة عامة ، وهو على الأغلب يكون أكثر ثراء بتفجير العواطف ومسألة الإخلاص والعفاف في الحب ذلك أن المرأة عندما تحب شخصا وتنظر إلى الارتباط به ، فهي تكون على يقين بأن هذا الرجل هو مستقبلها لأنها لاتستطيع أن تتزوج غيره ، وهي على عصمته ، بينما عند الرجل ، فإن الأمر مختلف بعض الشيء ، والفضاء مفتوح أمامه حتى وهو متزوج بأكثر من امرأة ، وهذا ما نلمحه في الرواية التي تكتبها المرأة والرواية التي يكتبها الرجل على الأغلب في بلادنا ، حيث نرى مشاعر القلق دائمة لدى المرأة حتى وزوجها في السبعين من عمره ، وربما تبقى هذه المشاعر لديها حتى اليوم الأخير في حياتها ، بينما في الرواية التي يكتبها الرجل فإنه بمجرد الزواج من امرأة حتى لو كان يكبرها بثلاثين سنة، فيشعر بحالة من الاستقرار الزوجي معها حتى لو فصلت بينهما قارتان .

إنها ثنائية مكملة لبعضها ، وهذا ما يجعل التمايز ثراء لكل واحد بالنسبة للآخر ، وبالتالي يجعل ماهو مفقود لدى أحدهما موجودا في الآخر .
إنني كثيرا ما أقرأ الأدب النسوي ، وعندما أقع على مجلة تحتوي على مجموعة إبداعات فإنني أباشر بالأدب النسوي وألمح تلك الخصوصية المتميزة في هذا الأدب ، وعلى الأغلب فإنني عندما أقرأ قصة لكاتبة فينتابني شعور بأنني أقف في حافلة ما أمام امرأة تسرد حكاية لصديقتها وأنا أختلس السمع منهما ، في حين عندما أقرأ قصة لكاتب فينتابني شعور بأنني أقف خلفه خلسة وهو جالس على مائدة كتابة يكتب شيئا سريا بينه وبين نفسه بسرية تامة . إذن عندما تكتب المرأة يكون الآخر موجودا بقوة وهي تكتب ، بينما الرجل فيلغي هذا الآخر أثناء عملية الكتابة كما أظن في الروايات التي قرأتها سواء في بلادنا أو في العالم ، فعندما أقرأ رواية لكاتب حتى لو كانت تتناول حياة امرأة فإنني لاأجد حضور المرأة في تلك الرواية على قدرما أجد رأي الرجل في المرأة ، بينما عندما أقرأ رواية لكاتبة تتحدث عن امرأة فإنني عندذاك أقرأ المرأة .
من هنا فإنني عندما أقرأ سيمون دي بوفوار في / الجنس الآخر / أو في / مذكرات فتاة رصينة / أو في / المرأة العجوز / سأرى خلافا في التعابير عندما أقرأ / الوجود والعدم / لسارتر رغم قوة العلاقة بينهما . وعندما أقرأ إيزابيل الليندي في / إيفالونا / أو في / بيت الأرواح / ستختلف قراءتي عندما أقرا / مائة عام من العزلة ، أو الحب في زمن الكوليرا / لماركيز ، رغم قوة تأثير سارتر على / إيزابيلا / ، وكذلك مع / أنديانا ، وكونسويللو ، ومستنقع الشيطان ، والساحرة الصغيرة / لجورج ساند ، فهي تكون مختلفة من حيث المبنى والمعنى عن / مدام بوفاري / التي أبدعها غوستاف فلوبير رغم خصوصية العلاقة بين الكاتبين ، وهذا يكون مع توني موريسون في / أشد العيون زرقة / و / سولا / ومع فوكنر في / الصخب والعنف أو في نور في آب / . ومع فرنسواز ساغان في / صباح الخير أيها الحزن / وألبير كامو في / الغريب / . وعلى قدر هذه الخصوصية وهذا التمايز الإبداعي بين الأدبين يكمن الثراء في الإبداع ، وتكون المرأة مبدعة أصيلة ومتميزة إلى جانب الرجل في ثنائية إبداعية مكملة
لبعضها .
إن المرأة هي التي تنجح في أن تقدم نفسها كامرأة ، هذا التقديم الذي ليس بوسع أحد أن يقدمه غيرها .
عندما يتحدث الروائي عن حميمية علاقته بالمرأة ، فإنه يتحدث بطلاقة لأنه يتحدث عن مآثره ، وعن مزايا فحولته . وعندما تتحدث المرأة عن حميمية هذه العلاقة ، فإنها تتحدث بشيء من الحياء لأنها تشعر بأنها تفضح سرّاً من أسرار بنات جنسها ، وتروي خفايا أكثر نقاط أخواتها ضعفاً وخدشاً للحياء .
لقد أحب الرجل المرأة حباً عميقاً ، وحباً صوفياً ، وحباً أسطورياً ، كما أن المرأة بادلته ذات العمق من قوة الحب وقدمت في سبيله تضحيات جسيمة ، ودوماً كانت المرأة ضحية سوء فهم الرجل لبعض تصرفاتها التي تخص شخصيتها وكينونتها كأنثى ، فكان رد فعل الرجل قاسياً عليها .

ختاماً

كتاب جديد تغتني به المكتبة الروائية ، أصدرته وزارة الثقافة والإعلام السعودية ضمن سلسلة كتاب المجلة العربية ، لشهر يناير 2012 ، واقع في 250 صفحة ، وبغلاف أنيق ينسجم تماماً مع مضمون الكتاب ، وغني في فصوله ومحاوره ، وهو يكتسب أهميته وخصوصيته من أهمية وخصوصية المؤلف الذي يعبر عن مدى حساسية الروائي الذي أحياناً قد تصطدم بذائقة المتلقي ، بيد أن الروائي الذي يتمتع بقوة الملاحظة ، يمكن له أن يحافظ على ذاك الخيط الذي يجعله منتشراً لدى مختلف فئات القرّاء وفق مختلف مستوياتهم الثقافية والمعرفية ، وهذا ما لايتحقق إلا لتلك الأسماء الروائية الذهبية التي هي نجوم وأعمدة في تاريخ الرواية .
لقد كتبوا بدمائهم وبحساسيتهم المفرطة كل تركيبات الإنسان ، فكانوا خير محللين نفسيين ، وخير أطباء وحكماء للبشرية .
إنها فرصة ثمينة لقرّاء عبد الباقي يوسف وهو يتحدث هذه المرأة عن تجربته وعلاقته الشخصية مع عالم الرواية .

ليست هناك تعليقات: