2012/01/25

ماذا حققت الثورة المصرية وماذا لم يتحقق؟

ماذا حققت الثورة المصرية وماذا لم يتحقق؟
 
طوسون يطالب بتخصيص نسب من عقود لاعبي الكرة التي تنفق ملايين ومليارات الجنيهات من أموال الشعب لصالح العلم والثقافة.
 
ميدل ايست أونلاين

كتب ـ محمد الحمامصي

لم نر شهيدا ملتحيا
عام على الثورة المصرية وما حققته لا يتناسب مع حجم التضحيات التي قدمها الشعب المصري على مدار هذا العام، حيث سقط ما يتجاوز 1000 شهيد حتى 23 ديسمبر/كانون الأول 2011، فضلا عن آلاف المصابين، وحالة من الفوضى الاقتصادية والسياسية والأمنية ترتب عليها أيضا قتلى ومصابين، ولا تزال الأمور مرشحة للمزيد.
عام على الثورة وشبابها الذي أطلقها وناضل من أجل استمرارها يقتل ويشوه ويطعن في وطنيته ويحاكم عسكريا ومن خرجوا من الجحور ركبوها وسلبوها أهدافها واستحوذوا عليها ليستمر أسوأ ما في الماضي اللعين الذي حكم مصر قبل 25 يناير.
جاءت الثورة بما لم يتوقعه أحد من صعود لتيارات الإسلام السياسي وما تحمله من خطط للانقضاض على الحريات العامة وحقوق الإنسان، حتى بات شبح الإسلام السياسي في مصر والذي لم يعد قصراً على جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب المنبثقة منها كحزب الحرية والعدالة أو المنشقة عنها كحزب الوسط والعديد من الأحزاب السلفية المُحافظة، يشكل تهديدا مباشر لبنية المجتمع المصري ونسيجه الخاص.
وهنا نتساءل عما حققته الثورة وما لم تحققه في محاولة لرسم صورة لمختلف الرؤى.
الماضي يحكم المستقبل
يرى الكاتب والأكاديمي د. عصام عبدالله أن ثورة 25 يناير بعد عام أصبحت "حدثا تاريخيا" بالمعني الفلسفي، والحدث التاريخي حسب الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا: هو اللحظة التي تصدع الزمان وتفتح الباب أمام أحداث أخرى قادمة، وتشير حركة الأحداث إلى أن الثورة هدفت إلى التخلص من الماضي وليس إلى بناء المستقبل، وأن الإخوان المسلمين والسلفيين والعسكر أقرب في تفكيرهم من مبارك نفسه، منهم إلى الشباب الليبرالي الذين جاءوا بهم إلى السلطة.




د. عصام عبدالله

ويقول: "وهو ما يجعلنا نستشرف طبيعة الصراع القادم في العام الثاني للثورة، الذي سيكون أشبه بالصراع بين القبائل وليس صراعا بين تيارات وحركات سياسية قادرة علي الحوار. إن ما حدث في مصر ليس تغييرا لنظام الحكم، بقدر ما هو عملية مدروسة نفذها العسكر بعناية لنقل السلطة، واستغلوا المظاهرات لإجبار مبارك على الرحيل. وهي حالة فريدة تطابقت فيها المصالح الإستراتيجية لكل من العسكر والإخوان المسلمين والولايات المتحدة وإسرائيل، فكان أن سعت هذه الأطراف للمحافظة علي النظام المصري وسياسته الحالية، مما أوجد حالة من (التمفصل) تقف حجر عثرة في طريق استكمال الثورة، وما أشبه الليلة بالبارحة، فقد شعرت ألمانيا بفرحة عارمة عندما أطاح الثوار البلاشفة بالنظام القيصري في روسيا سنة 1917، لكن هذه الفرحة لم تدم طويلا، لأن موجة من الفوضى والنزاعات الإقليمية عمت أرجاء أوروبا في أعقاب الثورة الروسية، ويبدو أن الوضع في جزء من منطقة ما، عندما يصل إلى نهايةٍ منطقية، فإن الأوضاع في جميع أجزاء تلك المنطقة تتخذ نفس المسار، وهو ما يحدث حاليا في مصر ومنطقة الشرق الأوسط، بعد عام من الثورة، التي دخلت في مرحلة من الفوضى قد تستمر لعقود، على غرار ما حدث في أوروبا في النصف الأول من القرن العشرين. وقد تجتاح المنطقة موجة عارمة من الحروب والثورات والحروب الأهلية".
لم نرَ شهيدًا ملتحيًا
ويشير الشاعر والمترجم سيد جودة إلى أن الثورة حققت أهدافًا ولكنها لم تحقق كل أهدافها. من الأهداف التي تحققتْ هو خلع مبارك، وإفساد خطته لتوريث الحكم لنجله جمال، إرسال رسالة قوية من الشعب لمن سيحكم مصر مستقبلاً مفادها هو أن الشعب عرف طريق التحرير، وما حدث مع مبارك سوف يحدث مع كل من يسير على نهجه، وإبلاغ العالم بأن الشعب المصري هو الذي سيقرر مصير مصر، ولن يحكم مصر حاكم يعمل لمصالح قوى خارجية أكثر من مصالح شعبه.
أما المطالب التي لم تتحقق بعد فيرى أنها تتمثل في تغيير النظام السابق "حيث ما زال نفس النظام السابق يحكمنا بنفس أسلوب القمع الوحشي، وبنفس أجهزته التي تدربت لعقود على القمع والتنكيل بشعب مسالم. نفس النظام السابق لا يزال يحاول خداع الشعب بمحاكمات زائفة لا تعدو أن تكون تمثيليات مملة وفاشلة نعلم مسبقاً ماذا ستسفر عنه، وما هي إلا لامتصاص غضب الشارع المصري، وإعطاء الفرصة لفلول المتهمين لاستجماع قواهم والانقضاض على الثورة.




سيد جودة

للأسف الثورة خرجت عن مسارها الذي كنا نأمل فيه، وتم اختطافها من قِبل الجماعات الإسلامية التي ستصل للحكم بديمقراطية زائفة تتلخص في دجاجة وعشرين جنيهًا لكل مواطن يصوِّت لهم! وما نخشاه ونتوقعه هو أن تكون هذه الديمقراطية الزائفة مجرد مطيَّة للوصول لسدَّة الحكم. إنَّ من قاموا بالثورة ودفعوا ثمنها بأرواحهم وأعينهم ليسوا هم الجماعات الإسلامية التي لا يهمها سوى الوصول للحكم على حساب أي شيء. لم نرَ شهيدًا ملتحيًا فكل الشهداء مصريون ككل المصريين، لم نرَ ثوريًّا واحدًا فقعَتْ عينه ينتمي لجماعة إسلامية، فمن فقعتْ أعينهم مصريون ككل المصريين. حتى عندما سُحِلَتْ فتاة مصرية منتقبة وتعرَّتْ لم يحرِّك أحدٌ منهم ساكنًا، لأنه لم يكنْ في صالحهم الاصطدام بالمجلس العسكري، فمن الواضح أنَّ هناك صفقة سياسية تجمعه بهذه الجماعات. غير أني واثقٌ من أنَّ غدًا سيكون أفضل بإذن الله طالما أن حاجز الخوف قد انكسر، وسيظل ميدان التحرير في انتظار الثوار إذا تنكر الحكام لمطالب شعبهم المشروعة".
لا يزال المشوار طويلا
وتؤكد الناشرة د. فاطمة البودي أن أهداف الثورة لم تحقق بعد والمشوار لا يزال طويلا، وتقول "أهم نتاج الثورة هو هدم حاجز الخوف الذي كان يكبل نفوس المصريين، ولكن النظام نفسه لم يسقط، علينا العمل بجد مع البسطاء من أبناء مصر في الريف والصعيد لتوعيتهم اجتماعيا وسياسيا (لسه المشوار طويل).




د. فاطمة البودي

جسد النظام لم يسقط بعد
ويلفت الناقد عمر شهريار إلى أنه رغم حالة التشاؤم التي تسيطر على البعض إلا أن الثورة حققت بعض الإنجازات الجوهرية، "لا ننكر أن تحولا بنيويا قد حدث في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أصبح الشعب قادرا على أن يجهر برأيه في حكامه ويعارضهم بل ويفضحهم أحيانا كما نرى الآن في حملة (عسكر كاذبون)، فهذه العقلية جزء من منجزات ثورة يناير، وفي المقابل فإنه لا احد ينكر أن جسد النظام لم يسقط بعد، فما سقط وزال هو مجرد رؤوس النظام الظاهرة للعيان والتي أمكن التخلص منها في 18 يوما الأولى وما بعدها بقليل، ولكننا اكتشفنا أن النظام عبارة عن طبقات أو صفوف وأن التطهير لم يحدث كاملا بعد، فما زال فلول النظام وأعوانه هم الذين يتحكمون في معظم مؤسسات الدولة ومفاصلها الرئيسية، فأصبحت الثورة أسيرة لدى هؤلاء والذين لا يمكن أن يفرجوا عنها ويجعلوها ترى النور بشكل حقيقي وتصل إلى نهاياتها الطبيعية لأن هذا يتناقض مع مصالحهم بطبيعة الحال، وللأسف الشديد فإن المجلس العسكري بقيادته المرتبكة للمرحلة الانتقالية أسهم في هذا الوضع المتردي الذي نعيشه، ويتحمل المسئولية كاملة عن تحويل الثورة إلى نصف ثورة، لأن أنصاف الثورات كما تقول الكلمة المأثورة أكفان للشعوب وأتمنى أن يتم استكمال أهداف الثورة، ولكن الثوار وصلوا لحالة من اليأس من الإجراءات التي يتخذها المجلس العسكري ومن إمكانية أن يكون دافعا للثورة، بل يعتبرونه عقبة في طريقها بقصد أو بدون قصد، وأظن أن هذا التصور ليس بعيدا عن الحقيقة.




عمر شهريار

بعد مرور سنة على ثورة 25يناير
ويقول القاص والروائي السيد نجم: عندما نقول إن ثورة 25 يناير أنجزت: تنحي رأس الدولة وبطانته، وبالتالي أطاحت بعقلية الفساد ورأسه المدبرة، ونقول أتاحت الفرصة أمام جيل من المفروض أنه ما تشكل خلال حكمه، لكي يؤكد وجوده، وما ينتظر منه الكثير، ونقول أزاحت غيما جاثما على عقول وصدور الجميع بالخوف الغامض والرقيب الداخلي، صدور كل فئات الشعب الذي عجز عن التعبير عن انتمائه وهويته. ونقول أطلقت الثورة الشعلة، وبدأت نقطة الانطلاق.
وعندما نقول إن ثورة يناير خلال سنة كامل: كشفت عن حيوية المجتمع، وتمثل ذلك في الملايين المشاركين في أكثر من عملية انتخابية، وفى الكشف عن ترهل أحزاب سياسية قديمة، ونزوع إلى تشكيل قوى سياسية جديدة، متمثلة في أحزاب جديدة، جاوزت أكثر من العشرين حزبا، ومازالت، كما كشفت عن رغبة دفينة لجموع الناس بالبحث عن الجديد، وهو ما أعطى قوى تسيس الدين هذا الزخم اللافت ـ بصرف النظر عن رفضي الشخصي له ـ وحتى الوقفات الفئوية ـ على اعتراضي على أكثرها ـ لها معنى الانتباه والمطالبة بعد صمت وصل إلى حد الكبت.




السيد نجم

وعندما نقول إن ثورة 25 يناير سوف تكشف أكثر كثيرا عن نفسها فى المستقبل القريب والبعيد: عندما تتحول المفاهيم الديمقراطية إلى سلوك داخل الأسرة، وفي العمل، وفي الشارع، وفي التجمعات، وعندما يجد الجميع قوت يومه، ويطمئن على غده، وعندما يقول ما يريده، ويفعل ما يعتقد أنه الصحيح والحق في حرية.
هنا نقطة البداية الآن، وبعد مرور سنة، ماذا نحن فاعلون: أن ننتقل سريعا مما هو آني ومؤقت وانفعالي، أن نضع الخطط والرؤى المستقبلية، أن نبدأ بأنفسنا وكلنا ثقة، لن يستطيع أحد أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، مهما حاولت قوى الظلام.
كل الثورات، لم تنجز أهدافها خلال سنة، لكنها ظلت متوهجة وقادرة على فرز الأفضل بالمؤسسات القوية، وتعديل المسار خطوة فخطوة، بعزم ثوري ناضج غير منفعل بل متفاعل مع الوقائع والباحث عن الحلول.
عقل الكتاب والمثقفين
ويؤكد الكاتب أحمد طوسون أن الشعب المصري سيحتفل بمرور عام على ثورته الأكبر عبر التاريخ دون أن يكون على يقين من نجاحها، ويضيف "سيهلل تيار الإسلام السياسي فرحا بحصد مقاعد البرلمان وسيخرج إلى الشوارع حتى لا يستأثر بها الشباب الذي يستشعر أن ثورته سرقت منه، وسيخرج الشباب الثائر إلى الشوارع مطالبا بإسقاط العسكر وتسليم السلطة إلى المدنيين غير عابئ بالخطوات التي تم اتخاذها ويتم استكمالها لنقل السلطة إلى سلطة شرعية منتخبة، لأن هذه الخطوات لم تعبأ به ودهسته في طريقها رغم دماء الشهداء التي لم تبرد، فزجت بهم خلف قضبان السجون ولم ولن يجدوا لهم مكانا في مقاعد البرلمان أو كراسي الحكومة أو مقعد الرئاسة الذي ينتظر فرعونه الجديد، وسيخرج الطرف الثالث الخفي كعادته محاولا إثارة الفوضى هنا أو هناك وسط دعوات مغالية من بعض القوى بإسقاط الدولة أو التطرف في الأفكار إلى حدها المهلك، وستظل القوى السياسية التقليدية والجديدة تغازل مقاعد شرعية الصندوق تارة وتغازل شرعية الشارع تارة أخرى في انتظار أن تربح في كلا الشرعيتين، بينما المجلس العسكري سيقف في خلفية المشهد مراقبا بخطوات السلحفاة ردود الأفعال هنا وهناك وكأنه ليس طرفا أصيلا في كل ما يحدث بوعي أو بدون وعي بحكم إدارته للمرحلة الانتقالية الشائكة. وسيخرج مقدمو برامج التوك شو والساسة والناشطون على شاشات الفضائيات يلهبون الشارع ويتلاعبون بالمشاعر ويتغنون بأحلام البسطاء الذين لا يجدون ثمن علاج مرضاهم ولا عشاء أبنائهم أو مصاريف مدارسهم وفي النهاية يقبضون رواتبهم بالآلاف والملايين".




أحمد طوسون

ويرى طوسون أن الثورة في مصر خطت خطوتها الأولى حين أسقطت رأس النظام في 11 فبراير الماضي، لكن أي ثورة لا تحقق نجاحا إلا ببناء نظامها الجديد، وما تواجهه الثورة المصرية من صعوبات يرجع في نظري لغياب المرجعية الفكرية الواضحة التي يجب أن تصاحب أي ثورة وتكون المحدد لمسارها والحامي لها من أطماع وانتهازية القوى السياسية بكافة تنوعاتها الإسلامية والليبرالية والاشتراكية، فالساسة عبر التاريخ انتهازيون، بينما الثورة حلم يحلق بنا في سماء المستقبل، والثوار هم أبطال من خيال لا يتوقفون عن الأحلام بكل مثالياتها بينما الساسة يهرعون إلى حصد الغنائم!
ويقول "يخطئ من يعتقد أن بناء نظام سياسي جديد خلفا للنظام الذي أسقطته الثورة دليل على نجاح الثورة، على العكس من ذلك قد يكون النظام الجديد دليلا على وأد الثورة والعودة بنا إلى نقطة الصفر إذا لم يكن النظام الجديد متوافقا مع مرجعية الثورة الفكرية والثقافية. وحتى لا يبدو كلامي متناقضا حين تحدثت عن غياب المرجعية الفكرية والثقافية للثورة كنت أشير إلى التنظير لها من جانب الكتاب والمثقفين لكن هذه المرجعية تبدت واضحة في الوعي الجمعي للشعب المصري منذ اللحظة الأولى لخروجه إلى الميادين في 25 يناير الماضي حين لخصها في شعار "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية"، ذلك الشعار الذي يلخص موضع الخلل في الدور الثقافي لكتاب ومثقفي مصر في غالبيتهم، فهؤلاء الذين يفترض أن يكونوا عقل الأمة وضميرها أكثر فئات المجتمع تعرضا للظلم الاجتماعي ومعاناة، والكثيرون منهم بلا دخل وبلا غطاء تأميني يكفل لهم نظاما علاجيا لائقا وحياة كريمة تضمن لهم تفرغهم للإبداع والكتابة، بينما تنتهك حقوق ملكيتهم الفكرية وتباع كتبهم وإصداراتهم هنا وهناك.
ويلفت إلى أنه إذا أردنا لهذه الأمة التقدم والرقي والسير في طريق ركب الحضارة "لابد أن تنظر الدولة بجدية في حال الثقافة وأن تجد نظاما يضمن دخلا شهريا للكتاب والأدباء (يقدر تقريبا عدد أعضاء اتحاد كتاب مصر 3000 عضو ومثلهم بحد أقصى خارج الاتحاد) عن طريق ميزانيات إدارة المكتبات بوزارة التربية والتعليم التي تذهب "سبوبة" لبعض الناشرين كل عام دون أن يستفيد منها الكتاب، وكذلك بمساهمة واضحة من وزارة الثقافة والضمان الاجتماعي والشباب والرياضة من خلال دراسات لمتخصصين بحسب إنتاج الكتاب الثقافي والفكري وأن تخصص نسب من عقود لاعبي الكرة التي تنفق ملايين ومليارات الجنيهات من أموال الشعب لصالح العلم والثقافة، فلن ينصلح حال هذه الأمة إلا إذا طال شعار الثورة (عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية) عقل هذه الأمة وضميرها من الكتاب والمثقفين والعلماء. لأننا لا نريد ديكتاتورية جديدة تحت شعار ديني يبتز مشاعر البسطاء، أو شعار انتهازية سياسية ما، فالشعب المصري متدين بطبيعته وأشد ما يحتاجه هو الدولة القائمة على العدل والمساواة وسلطة القانون، الدولة التي تقدم العالم على لاعب الكرة (وهذا ليس تقليلا من الرياضة ودورها)، وتقدم العقل على الشعوذة والدجل، وتحفظ لهذا الوطن خصوصيته القائمة على التسامح والتعدد والوسطية الدينية المتأصلة في وجدان وضمير المواطنين، تحتاج الثورة قبل أن نحتفل بذكراها الأولى ـ وقبل أن نقع في المتاهة ـ أن تلتفت إلى مرجعيتها الفكرية التي قامت عليها من أجل الخبز والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية ومن أجل عقل متحرر من القيود يدفع بنا إلى الأمام لنقارع المستقبل بخطى وثابة".




أحمد عبدالباقي

الإجابة صادمة
ويقول الكاتب والمحامي أحمد عبدالباقي إن الإجابة الحقيقية الصادمة أن الثورة لم تحقق أهدافها، ويضيف "نعم لم تحقق أهدافها فالثورات عندما تندلع بصفة عامة تكون للثورة على نظام فاسد والتخلص منه ومن ثم الارتقاء بالوطن والانتقال به إلى مراحل التطوير، وتطوير السلبيات التي عانى منها الشعب على مر سنوات من الذل والفقر والمرض والفساد، وثورتنا المجيدة في محلك سر، لم نشهد أيا من التطورات ولا علاجا للسلبيات، الثورة عندما تقوم تنتفض للقضاء على الحكام الفاسدين وثورتنا لم تقض وبعد مرور عام كامل على أي من الفاسدين ولم يحاكموا حتى الآن.
بعد مرور عام على الثورة لم يتغير أي شيء في مصر إلا تغير الترددات والقنوات وإلغاء التوقيت الصيفي، قضينا على مبارك وسلمنا الحكم لمبارك، ودنك منين يا جحا، قضينا على الحزب الوطني وأنشانا حزبا آخر بنفس المواصفات وبنفس التواطؤ مع الحكام.
بعد مرور عام من الثورة تم تبرئة قتلة الثوار ولم يعالج المصابين ولا حتى صرف تعويضات لهم وكل ما نسمعه من تقديم المساعدات ما هو إلا كسبا للوقت لا أكثر، فأغلب المصابين يعانون الآن من آثار الإصابات التي منوا بها خلال الثورة ما بين فاقد لعينيه أو فاقد ليديه أو مشرد دون عمل.
خلال عام من الثورة لم يسترد الشعب ولا الحكومة المصرية أيا من الأموال المسروقة والمهربة للخارج والمودعة بحسابات مبارك وعائلته أو حتى وزرائه، مع العلم بان ليبيا التي قامت ثورتها بعدنا والتي قضت على قائد الفساد فى ليبيا قاموا باسترداد أموالهم وتوزيعها على الشعب الليبي كل حسب حصته.
أيضا في تونس والتي قامت ثورتهم للتخلص من ظلم وفساد والتي تأسينا بهم وقامت ثورتنا تأسيا بهم الآن تنعم وتجني ثمار ثورتهم بتشكيل حكومة وبداية التنظيم، أما نحن فما زلنا ننتظر الانتخابات فى شهر يوينو القادم ولا ندري ماذا ينتظرنا في تلك الأيام من مجهول.
بعد مرور عام كامل تحولت جماعه الإخوان المحظورة إلى حزب قوي استحوذ على أغلبية المقاعد في انتخابات مجلس الشعب وينتظر مثله أيضا مجلس الشورى بعد اكتساحه أيضا للنقابات وسيطرته الكاملة على مقاليد الحكم في مصر وبمساعدة من المجلس العسكري الذي يتغنى به الآن الإخوان ويطالبون بالصلح والتسامح مع المجلس العسكري على لسان محمود غزلان المتحدث الرسمي للجماعة، مما يثير الشك في صفقات متوارية بينهما.
بعد مرور عام من الثورة تستمر المسرحية الهزلية التي تعرض يوميا وعلى فترات متقاربة للسيد الرئيس المخلوع وأعوانه، فيظهر علينا المخلوع وهو يرقد على سرير ويحيطه طاقم من الأطباء وتظاهرة بالمرض ليستعطف الشعب وطبعا شعبنا شعب طيب ومتسامح وهي سامحه، أيضا جمال وعلاء نراهم يوميا وحبيب نراهم يتحركون برشاقة وخفه وكأنهم قادمين من ملاعب الاسكواش وملاعب الرجبي.
بعد مرور عام من الثورة تم القبض على أبطال الثورة ووضعهم في السجون وسحل المتظاهرين وحرق المجمع العلمي، وتم بناء سور عازل حتى لا يقوم المتظاهرون بالاحتفال بالثورة مرة أخرى، وقتل المتظاهرين في ميدان محمود. أيضا تم اكتشاف مكان آخر للتظاهر في ميدان العباسية والذي اكتشفه الباحث الفرعوني توفيق عكاشة، ليضيف إلى معالم مصر أثرا آخر.
بعد مرور عام من الثورة ما زالت البطالة كما هي وما زالت الأمراض كما هي وما زال أمن الدولة كما هو ومازالت الأسعار مرتفعة وتم تغيير الحزب الوطني إلى الحزب الإخواني الوطني وتم تسليم الحكم إلى محمد سيد مبارك، وفشلت الثورة فلم تكن الثورة انقلابا عسكريا ليحكم العسكر ولم نتخلص من استبداد الوطني لنفاجأ باستبداد الإخوان، فالثورات تقضي على الفساد والاستبداد وتكفل حرية للمواطنين ولكن ما يزال الاستبداد موجودا ومازالت العنصرية موجودة ومازالت الفوضى موجودة لم نشعر بحريه ولا بعدالة اجتماعية، ولم يحاكم الفاسدون.
كل ما جنيناه من الثورة هو الوجه الجديد في الساحة وهو حزب النور، فأهلا به في نادي الانتخابات ونتمنى ان تكون البروفة التي شاهدتموها من الثورة قد نالت إعجابكم مع وعد منا بان نكون في المرة القادمة أفضل، وننتظركم يوم 25 يناير القادم للعرض الأول والحصري من ثورة الغضب والتصحيح، وكل عام وإحنا مضحوك علينا، وثورتنا مش بين أيدينا.
أهداف بعيدة
ويرى الكاتب حسن حجازي أن الثورة حققت أولا على المدى القريب، الكثير من الأهداف منها: إسقاط نظام فاسد، القضاء على حلم التوريث، إسقاط مؤسسات فاسدة كمجلس الشعب والشورى والمجالس المحلية، إقامة مؤسسات ديمقراطية وانتخابات حرة نزيهة ومجالس محترمة تعتمد على صناديق الاقتراع وتحترم حرية الشعر ورأيه وتحترم آدميته.
ويضيف: لكن هناك أهدافا بعيدة لم تزل بحاجة للتحقيق منها: إقامة عدالة اجتماعية شاملة، تطهير الكثير من المؤسسات القائمة التي لم تصل إليها الثورة بعد كالتعليم والصحة ومراعاة حقوق الفقراء والطبقات الكادحة من أبناء الشعب، حرية الإعلام واستقلاليته، تفعيل دولة القانون والمؤسسات على الجميع دون تفرقة ولا تحيز، وأخيرا الثورة ما زالت على الطريق.

ليست هناك تعليقات: