2012/01/24

صدور ديوان ( خمَاصاً تؤوبُ الطيورُ ) للشاعر الدكتور محمد حلمى حامد

صدور ديوان ( خمَاصاً تؤوبُ الطيورُ ) للشاعر الدكتور محمد حلمى حامد



ديوان ( خمَاصاً تؤوبُ الطيورُ ) للشاعر الدكتور محمد حلمى حامد عن سلسلة كتاب نون، وهو الديوان الذى صدره الشاعر باهداء الى شهداء وجرحى 25 يناير الذين سطروا بدمائهم الطاهرة قصيدة عجزت كتائب الشعراء عن كتابتها طوال عقود ، ويتضمن الديوان ثلاثين قصيدة اتسمت بالوضوح والسهولة والتوجه السياسى والاجتماعى، فالشعر - على الرغم من نبعه الاجتماعي – دائماً في أزمة، سواء مع السلطة أو مع مجتمعه ذاته ، إنه مناقض للبناء الفوقي الذي هو جزء منه وفرع من شجرته ، ونلاحط حضور التراث ببعض مكوناته في القصيدة، حضور الأسطورة والدين والتاريخ والحكاية الشعبية ، وهذه المكونات قد درست في الشعر العربي تحت تعكس مصطلح متداول ومعروف وهو مصطلح الرمز، والديوان رؤية شعرية لحالة الوطن قبل الثورة، مثل نقده لعبدة المناصب فى قصيدة (طين ودواليب):
كَمْ رَجُلٍ شَاهَدْتُ
بِلا مَوْهِبَةٍ أوْ طَلَّةْ
أبْيَضَ مِثْلَ بَيَاضِ الْفُلَّةْ
فَإذَا جَلَسَ إلى الكُرْسِىِّ
الْتَفّوا كَجَرَادٍ حَوْلَـه
وكَمَا يَنْفُخُ دُوْلابُ الْخَزَّافِ القُلــَّة ْ
يَتَشَكَّلُ فى لحظاتِ غَباءٍ
يتبَعُها ذِلــَّة
يَتَشَكَّلُ مِن كلِّ نَسيْب ٍ وقريبٍ عَمَلَه
دولابٌ ليسَ لهُ دِين ٌ أو مِلــَّةْ
يَلعَبُ بالأسْبابِ
ويرصُدُ فى السَالم ِ عِلــَّة
يَعبرُ بالعجلِ البَحرَ ولا يعرفُ بَلــَّة
كما اشارة الى تعطل القانون عن ضبط الحياة الاجتماعية فى مصر ، من عدم تنفيذ للأحكام وما إليها من القوانين التى لا تخدم الا كبار المسئولين:
قَانُونُنا شَبَكْ
تَمُرُّ مِنْ ثُقُوْبِهِ الْحِيَتَانُ كُلُّهَا
وَيَسْقُطُ السَّمَكْ
قَانُونُنا بِلا قانُونٍ
يَقْرأ الطَّالِعَ وَالفلَكْ
، ولأن لغة الشعر هي لغة الإشارة في حين أن لغة النثر هي لغة الإيضاح ، فلابد للكلمة في الشعر أن تعلو على ذاتها، أن تزخر بأكثر مما تعنيه، أن تشير إلى أكثر مما تقول، عبر إدراك الشاعر لقدرات المجاز في منح اللغة مساحة أوسع من دلالتها المعجمية، يزيدها قوة تبدو في أنه يمكن للكلمات أن تعني أكثر مما تشير إليه، الكلمات لدى الشاعر تختلف عن الكلمات المستخدمة في الحياة اليومية؛ فالشاعر يستنفذ في الكلمات كل طاقاتها التصويرية والإيحائية والموسيقية، واللغة الشعرية تنظم وتشد مصادر اللغة العادية وأحياناً تنتهكها ، ولذا قام الشاعر برثاء ثورة 23 يوليو التى ماتت على يد النظام السابق ، قبل انداع ثورة 25 يناير ، فى قصيدته (رد قلبى)التى يصور فيها (على وانجى) ولكن فى الألفية الثالثة التى سحقت الأفراد والمجتمع:
هَذَا عَلَىٌّ فى الصَّبَاحِ
يَلُمُّ أوْسَاخَ الشوَارِعْ
هُوَ حَارِسٌ للأمْنِ
زَبَّالٌ وَبَائِعْ
هَذا عَلىٌّ عَمُّهُ فى الحَرْبِ قاتَلْ
رَوَّىَ ثَرَى سَيْنَاءَ
بِالدَّمِ وَالْمَفَاصِلْ
مَاذَا تَبَقَّىْ مِنْهُ
غَيْرُ الْصُّوَرةِ الشَّوْهَاءِ
فَوْقَ جَدَارِها بَاتَتْ تُجَادِلْ
مِنْ أجْلِ مَنْ حَارَبْتَ فى النُّوْرِ الْعَمَاءْ ؟
مِنْ أجْلِ مَنْ ؟
وَيَدُ الْبَراءَةِ تَحْتَمِى بِيَدِ البَغَاءْ ؟
مِنْ أجْل مَنْ بَاعَ المَصَانِعَ وَالْمَزارِعَ
وَاسْتَذَلَّ رِقَابَنَا أرْضاً ومَاءْ
لا يهتم الشاعر بالصورة الا فى اطار انها أداة لتوصيل المشاعر والأفكار ، لأن صوت الشاعر هو صوت الشعب، نسْمعُ صوته المُنْشِد الذي يمتزج بأصوات الناس، يُعلنُ انتسابهُ إلى العامة الفقيرة التي تصارع وتخوضُ حروبها فلا تحصد حتى الهواء،
ان كل قصيدة من قصائد الديوان تمثل وجعا من اوجاع الوطن ، وصرخة شعرية تحريضية وان بدت دائما يائسة ،ووظيفتها تنويرية تعبيرية، فهى تسلط الضوء على الحالة دون أن تسقط فى شرك المباشرة ، وتعبيريتها محكمة الألفاظ دقيقة الصياغة ، والوحدة العضوية فيها أساسها وحدة الحالة الشعورية والبناء المحكم ، والتعبير الشعري مستمد من البيئة المحيطة ومفرداتها اليومية ،وما يتّصل بها من صورٍ شعريةٍ وخيال ٍوتشبيهٍ ولغة شعريّة تدور فى الفلك الشعبىٍ ، فمنشأها ومردها من الناس واليهم ، حتى انه يذكر القارئ بنجيب الريحانى وموقفه المشهور فى تعليم أصول السرقة فى المحاسبة ويأسف لأن هذا أصبح قانونا فى نظام فاسد فسد كله ، ولذا فالرمز هو عبارة عن إشارة تومئ من طرف خفي إلى أمور لا يريد أن يذكرها الأديب صراحة لغرض في نفسه ، كما فى قصيدته التى رمز فيها الى الرئيس السابق بالعمدة الذى سرق طعام الاطفال وترك المنازل بلا أبواب :
لَيْسَ لَدَيْنَا بَابٌ
كَىْ نُغْلِقَهُ فى وَجْهِ الرِّيحْ
عُمْدَةُ قَريَتِنَا قَحْفٌ وَقَبِيحْ
سَرَقَ طَعَامَ الأطْفَالِ
وَخَلَّفَهُمْ بَيْنَ طَرِيْدٌ وَطَرِيحْ
إن استخدام الرمز في الشعر أمر حسّاس جداً، وأي خطأ يحدث في ذلك الاستخدام يُعطِّل الرمز، و يُبطل فاعلية الصورة، ومن ثم قوّة النص التأثيرية في المتلقي ، وهناك قصيدة له عنوانها ( فى مصرائيل) يقول فى جزء منها :
يَنْسِلُ الموتى حُفَاةً جائعِينْ
يحصدونَ القَشَّ فَجْراً طائعِينْ
علَّمَتْهُمْ حِرْفَةُ الأرْضِ
انـْحِناءَ العَابدينْ
وركُوعَ السَّاجِدينْ
والتِقَاطَ الـحَبِّ كالطَّيرِ
ونَوحَ الميِّتينْ
"ادخلُوهَا بسَلامٍ آمنين"
واحلبُوهَا سَالمينْ
واتركُونا فوقَ هذى الأرضِ أجْلافاً
عَلَى يَبْسٍ وطينْ
أوْ دَعُونَا للمراكب هَاربينْ
إنَّها ضَرْعٌ سَمينْ
قد تركناها لَكمْ
تبَّـاً لَكم ........ مِنْ سارقينْ
وتتعد الدلالات الرمزية فى القصيدة بداية من العنوان الذى يمزج بين مصر واسرائيل فى طرف جلى ، ثم تحليل لمكون الشعب المصرى بالرمز الى الرجل بالبحر والمرأة بالورد والطفل بالنبت ، ولكل منهم همه الذى يثقل كاهله ويحيل حياته الى كابوس ثقيل ، بل لعله فى قصيدة (أفسح لهم ) يقدم نماذج أخرى يجب الابتعاد عنها فى المجتمع المصرى ، كما ان الرصيف يتردد بوضوح فى الديوان .
والشاعر له ديوانان سبقا هذا الديوان هما ( قصائد برية ) و(طقوس) وقد تخرج فى كلية الآداب قسم اللغة العربية بعدما تخرج من كلية الفنون التطبيقية التى يعمل أستاذا بها يعلم المصممين الابداع و الابتكار ، ولذا جاء البناء الجمالى للقصائد سهلا وبسيطا ودالا برموز بسيطة ، كالكرسى الذى يرمز كما يعرف العامة الى المنصب ، والعمدة الذى يرمز الى الحاكم ، بل وانجى وعلى اللذان تحولا الى رموز تدل على تباعد الهوة بين الطبقة الغنية الحاكمة المتحكمة وبين الطبقة الكادحة الفقيرة ، والشاعر يعبر عن مواقفه السياسية والاجتماعية بوضوح شديد وبساطة تجعل من قصيدة الفصحى منافسا شرسا لقصائد النقد الاجتماعى الزجلى، التى مثلت صوت المعارضة الحقيقى للشعب فى فترة حكم النظام البائد ، فقد تخلى محمد حلمى حامد عن الموروث الثقيل الذى ورثه من شعراء الستينات والسبعينيات ، موروث الغموض والأقنعة والمرايا ، وهى الأساليب الفنية التى فصلت المتلقى عن القصيدة خوفا من ضباط أمن الدولة ، والتى تعالت أحيانا على المتلقى باستعراض ثقافات شتى قد لا يمتلكها المتلقى ، لتدرج القصيدة فى حال من الفوضى والالغاز والإبهام ، ان قصيدته هى قصيدة التحريض التى تدعو الى التأمل والثورة ، ولم يكن وحده فى هذا المضمار وانما شاركته أقلام كثيرة من شعراء العامية ، وأقلام قليلة من شعراء الفصحى، فى وقت دشنت فيه المؤسسة الثقافية الرسمية بزيف واضح لقصيدة النثر، باعتبارها مطلب جمالى وشبابى حتمى ، منفصلة عن الدور الاجتماعى والسياسى للأدب ، وماذا كانت تريد سوى ضياع الشاعر وسط الهراء ، أليس هذا كافيا لكى يخرس المنشد فلا ينطق .
ان عدم وجود قصيدة عاطفية واحدة بالديوان يشير الى فهم الشاعر لطبيعة وحدة التجربة الشعرية ، وحتمية الظرف الراهن ، وكان قد حاول نشره فى يوليو منذ عامين وقبيل اندلاع الثورة ، الا أنه تم رفضه من دور النشر الحكومية لما به من اشارات واضحة مثل اتهامه للرئيس السابق بالفساد :
أتَرَى مُلكَكَ فى كُلِّ البِلادْ
أيها الفاسِدُ
بَلْ أنتَ الفَسادْ
قاسمِ الرزقَ إماءً وعِبادْ
يأكلونَ السُّحتَ قَرْضا فى عِنَادْ
قاسمِ الأنفاسَ
فى كُلِّ الصُّدورْ
وترابُ الأرضِ فى الصَّدرِ يَغورْ
ولَكَ الفِرْدَوسُ أنهارٌ وحُورْ
واذاء عجز الشاعر عن نشر كتاباته ، قام بتأسيس ( كتاب نون) الذى يصدر الجهود الذاتيه، والذى نشر خلال عام ونصف قرابة العشرين اصدار ، من دراسات وشعر فصحى وعامية وقصص للكبار والأطفال ، يقوم باخراجها وتصميم أغلفتها ، قائما على دوره الاجتماعى.






هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

شكرا للأديب القاص أحمد طوسون مع خالص الود والمحبة

Unknown يقول...

الصديق العزيز المبدع الأستاذ/ أحمد طوسون...تحياتي واعتزازي الكبير بمدونتك الثرية.....أتمنى أن تتيح لي الاتصال بالشاعر الدكتور/محمد حلمي حامد....رقم هاتفه مثلا..ولك وافر التقدير والشكر...
هاتفي 01005709633