كيف رأى الأدب العربي شخصية الديكتاتور؟
القاهرة - إيهاب مسعد
بعد ما شاهدناه مؤخرا من الحكام المستبدين في بعض الدول العربية مثل مصر وتونس وليبيا وسوريا، والذين تميزوا بالديكتاتورية وحكموا البلاد بالقوة والاستبداد، نتذكر أنه على مر العصور كان هناك الكثير من هؤلاء الحكام المستبدين والطغاة الذين ذكروا في التاريخ وفي الأدب أيضا، فكان لا بد من معرفة كيف رأى الأدب العربي شخصية الديكتاتور، وذلك من خلال بعض الروائيين والنقاد المصريين الذين تناولوا الديكتاتورية في أعمالهم.
ومما لا شك فيه أن الأدب العربي قديمه وحديثه لم يترك شيئا إلا ورصده من خلال الشعر أو القصة أو في الرواية، وبالتالي فالأدب العربي رصد شخصية الحاكم الديكتاتور الطاغية، فلا يمكن للأدباء العرب أن يتجاهلوا شخصية الديكتاتور وجمهوريات القمع التي عاشوا فيها وتعرضوا للاضطهاد، مما دفعهم إلى ترك بلادهم والإقامة في أماكن أخرى، فسجلوا ما شاهدوه من الحكام المستبدين.
ولجأ بعض الأدباء إلى أسلوب «الإسقاط» في كتابتهم، بمعنى أنهم تناولوا الحاكم الديكتاتور بأسلوب غير مباشر أو بالرمز. وقد صدرت منذ وقت قريب روايات تتناول شخصية الحكام الطغاة والمستبدين، مثل رواية «الزعيم يحلق شعره» للكاتب الراحل إدريس علي عن القذافي، وكذلك رواية «قلاع ضامرة» للكاتب السوري عبدالرحمن حلاق، وغيرهما من الروايات التي تناولت ذلك الموضوع.
الديكتاتور في الأدب العربي
وعن شخصية الديكتاتور في الأدب العربي يقول الروائي أحمد طوسون: إن كثيرا من النقاد يتهمون الأدب العربي بموالاته لأنظمة الحكم الفاسدة والديكتاتوريات الغاشمة، لذا حين يتمحور السؤال عن شخصية الديكتاتور في الأدب العربي يسارعون إلى الاستشهاد بأدب أميركا الجنوبية كنموذج معبر عن تصوير شخصية الديكتاتور.
لكن بنظرة واقعية على المشهد الإبداعي العربي لا يمكننا التسليم بمقولتهم، فالإبداع العربي كغيره من الإبداع الإنساني لا يمكنه تجاهل وضعية القهر والتسلط التي عاشها تحت حكم الديكتاتوريات، ولكن صعوبة الاستشهاد بالنصوص العربية التي تناولت شخصية الديكتاتور ترجع بالأساس إلى غياب الدراسات والكتابات النقدية التي تبحث عن وضعية شخصية الديكتاتور في الأدب العربي، فقد تخاذل النقاد أنفسهم عن تخصيص الجهد والوقت لإلقاء الضوء على هذه الأعمال وتخصيص دراسات عن صورة الديكتاتور في الأدب العربي، لتجعل النماذج والاستشهادات حاضرة في ذهن المتلقي بمجرد الحديث عن شخصية الديكتاتور. فالمشهد الإبداعي العربي ثري بتنوعه وتعدد أجياله والانعكاسات التي تتبدى في الأعمال الإبداعية عن حكم الديكتاتور، خاصة فيما يعرف بأدب السجون، سواء في المذكرات عند مصطفى أمين وأحمد رائف وزينب الغزالي، أو في الأعمال الإبداعية عند كثير من كتابنا مثل عبدالرحمن منيف، وصنع الله إبراهيم، والطاهر وطار، ومحمد البساطي، وغيرهم كثير لا يمكننا حصرهم هنا. ولا يمكننا تجاهل صورة الديكتاتور في أدب نجيب محفوظ، سواء بالرمز (كما في شخصية الجبلاوي -التي يمكن تأويلها على أنها المفهوم الديني للسلطة- وكما هو ثابت تاريخيا فإن الرواية أزعجت عبدالناصر بمجرد نشر أولى حلقاتها بجريدة الأهرام)، أو من خلال المفهوم الأبوي للسلطة في شخصية السيد عبدالجواد، أو الانعكاس الواضح لشخصية الديكتاتور في رواية «الكرنك»، كما أنها واضحة في رواية إدريس علي «الزعيم يحلق شعره»، كما يمكننا أن نرصد في الشعر صورا كثيرة للديكتاتور في أعمال أحمد فؤاد نجم وصلاح عبدالصبور وصلاح جاهين وأمل دنقل ونجيب سرور وعبدالرحمن الشرقاوي ومحمود درويش وأحمد مطر ومظفر النواب، وغيرهم الكثير.
صورة الديكتاتور تجسده رواية ممنوعة في سوريا
من ناحيته يؤكد الروائي خليل الجيزاوي أن شخصية الديكتاتور تتجسد بصورة واضحة في رواية «قلاع ضامرة» للكاتب السوري عبدالرحمن حلاق، فنجد أحداث الرواية تدور في مجتمع يُحكم بقبضةٍ حديدية، لتتم السيطرة على مجريات الأمور، وهكذا تحول المكان الروائي إلى سجن كبير، ويظهر ذلك من واقع شخوص الرواية المفعم بالمتناقضات المنتشرة في جميع المدن السورية المحكومة بأفكار الحزب الواحد (حزب البعث العربي السوري)، وبالتالي يؤدي هذا الجوُ إلى خنق كل التيارات السياسية التي تخالفه؛ لأن هذا المجتمعَ يُحكمُ بمنطوق الفكر الواحد، الذي يغلق كل الأبواب على التيارات الأخرى المعارضة له، بل يتم سجن ومطاردة كل المنتمين لهذه التيارات، ومن هنا جاءت أهمية أن تروى الرواية بتقنية رواية الأصوات؛ لتمثلَ هذا الواقع المفعم بالمتناقضات مع أحلام شخوص الرواية.
الطاغية والديكتاتور
ويشير الكاتب محمد جراح إلى أن رواية «شيء من الخوف» لثروت أباظة تبرز لنا كيف تحول الطفل الوديع والشاب اليافع المحب والحالم إلى طاغية وإلى ديكتاتور، فهناك أشياء أسهمت في تحول عتريس من صورته الطبيعية –الإنسان السوي- إلى الشرس متحجر القلب ومتصلب الرأي.. ظروف اجتماعية وضغوط وضعف تنجرف معه الشخصية إلى مستنقع الطغاة.. كان وديعا لكن جده زرع الكراهية في قلبه، وساعدته الزمرة أو البطانة أو العصابة حتى صار طاغية وصار ديكتاتورا، لقد أصبح مريضا نفسياً، لكن المريض النفسي انتصر على الإنسان فصار طاغيا، أي أن الطغاة هم من المرضى النفسيين في كل الأحوال. ويضيف أنه على مدار التاريخ هناك طغاة، وهناك من تحول إلى ديكتاتور بمساعدة ومساهمة جمهور المحيطين به، سواء أكانوا -أي هؤلاء المحيطين- بطانة أو شلة أو شعبا كاملا.
الديكتاتور في «ليالي ألف ليلة وليلة»
أما الناقد الدكتور شريف الجيار فيعرف الديكتاتورية بأنها شكل من أشكال الحكم، تصبح فيه جميع السلط المطلقة بيد شخص (حاكم فرد)، يمارسها وفق إرادته وأهوائه، دون اشتراط موافقة الشعب على القرارات التي يتخذها، وهذا ما ترفضه جميع شعوب الأرض الباحثة عن الديمقراطية، لاسيَّما الشعوب التي تطمح إلى الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، حتى يتمتع كل فرد بحقوقه الأساسية في الحياة، وهذا ما نلحظه في ربيع الثورات العربية التي أتت متوالية من تونس إلى مصر فليبيا فاليمن ثم سوريا. ويضرب المتحدث المثل بنموذج لنجيب محفوظ في روايته «ليالي ألف ليلة وليلة»؛ حيث يقرر نص محفوظ أن القرار في يد الشعب لا الحاكم شهريار، ذلك الحاكم الذي انعزل عن الشعب في قصر الجبل، ولا يصدر إلا القرارات وعلى شعبه السمع والطاعة، وهو ما دفع بالشعب الممثل في المقهى بكل فئاته أن يختار من بينه مَن شعر بآلامه، وهو معروف الإسكافي، مما دفع شهريار إلى الاستسلام لقرار الشعب، ومن ثم ينتصر النص المحفوظي للشعب ضد الحاكم الديكتاتور الذي لا يرى إلا ذاته.
http://www.alarab.qa/details.php?issueId=1495&artid=168459#.Txah8ZfrP-8.email
ومما لا شك فيه أن الأدب العربي قديمه وحديثه لم يترك شيئا إلا ورصده من خلال الشعر أو القصة أو في الرواية، وبالتالي فالأدب العربي رصد شخصية الحاكم الديكتاتور الطاغية، فلا يمكن للأدباء العرب أن يتجاهلوا شخصية الديكتاتور وجمهوريات القمع التي عاشوا فيها وتعرضوا للاضطهاد، مما دفعهم إلى ترك بلادهم والإقامة في أماكن أخرى، فسجلوا ما شاهدوه من الحكام المستبدين.
ولجأ بعض الأدباء إلى أسلوب «الإسقاط» في كتابتهم، بمعنى أنهم تناولوا الحاكم الديكتاتور بأسلوب غير مباشر أو بالرمز. وقد صدرت منذ وقت قريب روايات تتناول شخصية الحكام الطغاة والمستبدين، مثل رواية «الزعيم يحلق شعره» للكاتب الراحل إدريس علي عن القذافي، وكذلك رواية «قلاع ضامرة» للكاتب السوري عبدالرحمن حلاق، وغيرهما من الروايات التي تناولت ذلك الموضوع.
الديكتاتور في الأدب العربي
وعن شخصية الديكتاتور في الأدب العربي يقول الروائي أحمد طوسون: إن كثيرا من النقاد يتهمون الأدب العربي بموالاته لأنظمة الحكم الفاسدة والديكتاتوريات الغاشمة، لذا حين يتمحور السؤال عن شخصية الديكتاتور في الأدب العربي يسارعون إلى الاستشهاد بأدب أميركا الجنوبية كنموذج معبر عن تصوير شخصية الديكتاتور.
لكن بنظرة واقعية على المشهد الإبداعي العربي لا يمكننا التسليم بمقولتهم، فالإبداع العربي كغيره من الإبداع الإنساني لا يمكنه تجاهل وضعية القهر والتسلط التي عاشها تحت حكم الديكتاتوريات، ولكن صعوبة الاستشهاد بالنصوص العربية التي تناولت شخصية الديكتاتور ترجع بالأساس إلى غياب الدراسات والكتابات النقدية التي تبحث عن وضعية شخصية الديكتاتور في الأدب العربي، فقد تخاذل النقاد أنفسهم عن تخصيص الجهد والوقت لإلقاء الضوء على هذه الأعمال وتخصيص دراسات عن صورة الديكتاتور في الأدب العربي، لتجعل النماذج والاستشهادات حاضرة في ذهن المتلقي بمجرد الحديث عن شخصية الديكتاتور. فالمشهد الإبداعي العربي ثري بتنوعه وتعدد أجياله والانعكاسات التي تتبدى في الأعمال الإبداعية عن حكم الديكتاتور، خاصة فيما يعرف بأدب السجون، سواء في المذكرات عند مصطفى أمين وأحمد رائف وزينب الغزالي، أو في الأعمال الإبداعية عند كثير من كتابنا مثل عبدالرحمن منيف، وصنع الله إبراهيم، والطاهر وطار، ومحمد البساطي، وغيرهم كثير لا يمكننا حصرهم هنا. ولا يمكننا تجاهل صورة الديكتاتور في أدب نجيب محفوظ، سواء بالرمز (كما في شخصية الجبلاوي -التي يمكن تأويلها على أنها المفهوم الديني للسلطة- وكما هو ثابت تاريخيا فإن الرواية أزعجت عبدالناصر بمجرد نشر أولى حلقاتها بجريدة الأهرام)، أو من خلال المفهوم الأبوي للسلطة في شخصية السيد عبدالجواد، أو الانعكاس الواضح لشخصية الديكتاتور في رواية «الكرنك»، كما أنها واضحة في رواية إدريس علي «الزعيم يحلق شعره»، كما يمكننا أن نرصد في الشعر صورا كثيرة للديكتاتور في أعمال أحمد فؤاد نجم وصلاح عبدالصبور وصلاح جاهين وأمل دنقل ونجيب سرور وعبدالرحمن الشرقاوي ومحمود درويش وأحمد مطر ومظفر النواب، وغيرهم الكثير.
صورة الديكتاتور تجسده رواية ممنوعة في سوريا
من ناحيته يؤكد الروائي خليل الجيزاوي أن شخصية الديكتاتور تتجسد بصورة واضحة في رواية «قلاع ضامرة» للكاتب السوري عبدالرحمن حلاق، فنجد أحداث الرواية تدور في مجتمع يُحكم بقبضةٍ حديدية، لتتم السيطرة على مجريات الأمور، وهكذا تحول المكان الروائي إلى سجن كبير، ويظهر ذلك من واقع شخوص الرواية المفعم بالمتناقضات المنتشرة في جميع المدن السورية المحكومة بأفكار الحزب الواحد (حزب البعث العربي السوري)، وبالتالي يؤدي هذا الجوُ إلى خنق كل التيارات السياسية التي تخالفه؛ لأن هذا المجتمعَ يُحكمُ بمنطوق الفكر الواحد، الذي يغلق كل الأبواب على التيارات الأخرى المعارضة له، بل يتم سجن ومطاردة كل المنتمين لهذه التيارات، ومن هنا جاءت أهمية أن تروى الرواية بتقنية رواية الأصوات؛ لتمثلَ هذا الواقع المفعم بالمتناقضات مع أحلام شخوص الرواية.
الطاغية والديكتاتور
ويشير الكاتب محمد جراح إلى أن رواية «شيء من الخوف» لثروت أباظة تبرز لنا كيف تحول الطفل الوديع والشاب اليافع المحب والحالم إلى طاغية وإلى ديكتاتور، فهناك أشياء أسهمت في تحول عتريس من صورته الطبيعية –الإنسان السوي- إلى الشرس متحجر القلب ومتصلب الرأي.. ظروف اجتماعية وضغوط وضعف تنجرف معه الشخصية إلى مستنقع الطغاة.. كان وديعا لكن جده زرع الكراهية في قلبه، وساعدته الزمرة أو البطانة أو العصابة حتى صار طاغية وصار ديكتاتورا، لقد أصبح مريضا نفسياً، لكن المريض النفسي انتصر على الإنسان فصار طاغيا، أي أن الطغاة هم من المرضى النفسيين في كل الأحوال. ويضيف أنه على مدار التاريخ هناك طغاة، وهناك من تحول إلى ديكتاتور بمساعدة ومساهمة جمهور المحيطين به، سواء أكانوا -أي هؤلاء المحيطين- بطانة أو شلة أو شعبا كاملا.
الديكتاتور في «ليالي ألف ليلة وليلة»
أما الناقد الدكتور شريف الجيار فيعرف الديكتاتورية بأنها شكل من أشكال الحكم، تصبح فيه جميع السلط المطلقة بيد شخص (حاكم فرد)، يمارسها وفق إرادته وأهوائه، دون اشتراط موافقة الشعب على القرارات التي يتخذها، وهذا ما ترفضه جميع شعوب الأرض الباحثة عن الديمقراطية، لاسيَّما الشعوب التي تطمح إلى الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، حتى يتمتع كل فرد بحقوقه الأساسية في الحياة، وهذا ما نلحظه في ربيع الثورات العربية التي أتت متوالية من تونس إلى مصر فليبيا فاليمن ثم سوريا. ويضرب المتحدث المثل بنموذج لنجيب محفوظ في روايته «ليالي ألف ليلة وليلة»؛ حيث يقرر نص محفوظ أن القرار في يد الشعب لا الحاكم شهريار، ذلك الحاكم الذي انعزل عن الشعب في قصر الجبل، ولا يصدر إلا القرارات وعلى شعبه السمع والطاعة، وهو ما دفع بالشعب الممثل في المقهى بكل فئاته أن يختار من بينه مَن شعر بآلامه، وهو معروف الإسكافي، مما دفع شهريار إلى الاستسلام لقرار الشعب، ومن ثم ينتصر النص المحفوظي للشعب ضد الحاكم الديكتاتور الذي لا يرى إلا ذاته.
http://www.alarab.qa/details.php?issueId=1495&artid=168459#.Txah8ZfrP-8.email
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق