محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com
22 كلمة هى أقصى عدد يمكن كتابته فى الرسالة الواحدة فى مستطيل تويتر الساحر(twitter) وهو ما يعادل 144 حرف شاملا الفراغات .
والترجمة العربية لكلمة تويتر هى (تغريدة)
ومرادفها المتداول فى مفرداتنا اليومية هو (رسالة تلغرافية)
ولتويتر أخوة كثيرون، أشهرهم الفيسبوك الذى لا يحبذ زواره أيضا (الكلام الكثير) ، ويفضلون الرسائل القصيرة والصور النادرة، فيعلقون عليها تعليقات سريعة أو يبدون إعجابهم بها أو يتجاهلونها وينصرفون الى غيرها فى لمح البصر.
أما المقالات الطويلة التى يسمونها (ملاحظات) Notes ، فقراءها معدودين ، ودمها ثقيل على القلب ، ومكانها الطبيعي هو الصحف الورقية أو الالكترونية .
انه عصر السرعة والاختصار
لا وقت فيه للتدبر والتفكير والدراسة والتحقق
ولا وقت للتأصيل النظرى والفكرى والمبدئى
فالأسرع يكسب
والأحرف يتفوق
والصورة تقش مثل الولد فى الكوتشينة
والتعليق الأروش ينتشر بسرعة البرق ( من الروشنة ومفردها روش )
وفى دقائق معدودة يتشكل موقف جماعي تجاه أى قضية أو حدث أو شخص
سواء كان موقفا صحيحا أو خاطئا
مدروسا أو متعجلا
محل توافق أو اختلاف .
كل هذا لا يهم ، المهم أن هناك موقفا قد تم اتخاذه بالفعل .
وقبل ان تنطق أو تحاول ان تفهم ، تجد نفسك أمام حالة جماعية عامة
و خيارك الوحيد هو أن تتجاوب معها او تصمت
فآليات السرعة والاختصار لا تسمح بالحوار والنقد والتقييم والتعديل
كما انك فى غالبية الأحوال لا تعلم من هو صاحب (التوييت) الأول .
انها أكثر الطرق تأثيرا وأوسعها انتشارا لبناء رأى عام قوى يتبنى فكرة واحدة محددة و بسيطة
وهى ظاهرة لها وجهها الايجابى والثورى ، فيكفى انها ساهمت فى إسقاط بن على ومبارك .
ولكن معضلة الثورات لا تقتصر على إسقاط الملوك والقياصرة
فما يأتى بعد ذلك أكثر تعقيدا ومشقة و يحتاج الى وضوح رؤية كامل .
ولقد علمنا التاريخ أن وراء كل ثورة جهود فكرية عميقة :
· فالثورة الفرنسية على سبيل المثال تأثرت بأفكار كثيرة مهدت لها وحددت توجهاتها ، على رأسها كتابات أفكار جان جاك روسو في كتابه الأشهر ((العقد الاجتماعي)) الصادر عام 1762 قبل 27 عاما من تفجرها .
· أما الثورة الروسية 1917 ، فلقد قامت بعد حوارات طويلة فى أوروبا على امتداد أكثر من نصف قرن لنقد النظام الرأسمالي وسوءاته والبحث فى كيفية إصلاحه أو التخلص منه بنظم بديلة ، بالإضافة الى الصراع الفكري والسياسي و الاجتماعى الحاد التي جرى فى روسيا نفسها قبل قيام الثورة على الأقل بخمسة عشر عاما و كان أشهرها كتاب فلاديمير لينين الشهير (ما العمل؟) الصادر فى 1901
· أما عصر التحرر العربي بعد الحرب العالمية الثانية ، فلقد فجر حوارات وصراعات فكرية عميقة وجادة بين مختلف النظريات الثورية و التيارات السياسية الرئيسية ، استمرت لعقود طويلة ولا زالت آثارها مستمرة حتى الآن ، وأعطتنا ثروة ثمينة من الكتابات و الإبداعات ومئات من المفكرين ذوى الوزن الثقيل .
وهو ما تكرر مع كل ثورات العالم .
وأتصور ان الثورة المصرية ليست استثناء من كل ذلك ، فنحن فى أمس الحاجة الى وضوح الرؤية وامتلاك الإجابات الصحيحة على الأسئلة الصعبة التى لم نتصدَ لها بعد مثل كيف نتحرر بسلام من الهيمنة الأمريكية ومن كامب ديفيد ومن قبضة صندوق النقد وسيطرة رجال الأعمال بالإضافة الى أسئلة أخرى كثيرة، وهو ما يحتاج منا جميعا الى حوارات وطنية عميقة وجادة ، قد لا تسعفنا فيها كلمات تويتر الـ 22 !
*****
القاهرة فى 9 يناير 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق