قراءة في مجموعة "شخص صالح للقتل" للكاتب شريف صالح
بقلم: عبد القادر كعبان
من يقرأ للكاتب شريف صالح سيكتشف أنه أمام واحد من المبدعين في مسيرة القص المصري ومن الأسماء البارزة في السنوات الأخيرة، حيث استطاع الكاتب أن يشكل في قصصه خصوصية تقنية وأسلوبية وجمالية ذات فرادة في رؤاها ومعالجاتها لكثير من شؤون و مشاكل الواقع المعاش.
من يتصفح مجموعته القصصية الوسومة "شخص صالح للقتل" سينتبه إلى فطنة الكاتب من خلال تكنيك ساهم في رسم لوحات من عدة عوالم تجعل القارئ يحلق بين أكثر من مكان و يعيش أكثر من حالة درامية ونفسية في آن واحد.
العنوان أولى العتبات التي يتلقّاها القارئ لفك مفاتيح النّص ومعرفة فحواه، ومن هنا تأتي أهميته في شدّ الانتباه، وتوجيه مسار القراءة بما يحقّق غايته ومرماه. و ما نلاحظه هو الإستفزاز من عنونة المجموعة التي تدفعنا للتسائل هل هناك شخص صالح للقتل يا ترى؟ هو نفس التسائل راودنا خلال قراءة عنوان رواية الكاتب الجزائري سمير قسيمي ًيوم رائع للموت ً و بالتالي نستنتج أنه عنوان يحمل أكثر من رمز دلالي سيكتشفه القارئ ما بين سطور قصص المجموعة.
نلاحظ أنها إجمالا مجموعة متمرّدة في بعض قصصها خارجة عن مألوف الكتابة السردية، تنفلت من سياق القوالب السردية الجاهزة، وتحلّق إلى عوالم جديدة تصنع قوانينها بنفسها بعيداً عن القوانين الجاهزة للاستهلاك السردي كقصة «صلعة عواطف» و التي تعكس صور من الحصار المجتمعي وسيطرة الموروث الشعبي الذي يحمل بين طياته كثيرا من آليات القمع والمصادرة والاستبداد فـالشخصية «عواطف» التي كانت تحمل في داخلها روح فنانة حالمة تتعرض لمشاكل نفسية جراء الكبت والحصار وسيطرة ثقافة مبتذلة فقد حلقوا لها شعرها وألبسوها طاقية أبيها الصوفية.
تتحكم قصص المجموعة إجمالا في الكتابة على تقنيات مختلفة تعتمد على تكريس المفارقة، التكثيف، والشعرية، وترك معظم حمولة النص في الخارج، في اللامكتوب وليس المكتوب. كما جرب الكاتب شريف صالح صيغاً سردية مستلهمة من برامج التوك شو والوثائق والأفلام وأخبار الصحف و المجلات و الأساطير والأحلام والحكايات الشعبية وما يكتب على جدران الشوارع والذكريات والتخيلات المشوشة، حسية وذهنية و نذكر على سبيل المثال قصة تثير انتباه القارئ من عنوانها المستفز«رائحة البول» و في مضمونها نكتشف التشارك في سكن بين شخصين أحدهما ذو سلطة فهو صاحب عقد الإيجار والآخر يخشى تأثير هذه السلطة فلا يجرؤ على مفاتحة صاحبها بما يعانيه جراء هذه الشراكة حيث رائحة بول الساكن المتحكم التي لاتطاق والتي لم تفلح معها كل الحلول، ومن ثم تكون لحظة المواجهة بالحقيقة، ليتجلى الصراع عن مفاجأة غير متوقعة حين يدرك الساكن الجديد المعاني أنه ليس وحده من يعاني وأن رائحة البول في الحمام له وليست لغيره، حين يقدم صاحب عقد الإيجار/ السلطة الدليل على تجنب الصدام، ذلك لأنه يتبول منذ مجيء الساكن في علبة يخبئها تحت سريره و منه نستخلص أن هذه الصورة تعكس أهمية التعايش مع الآخر و ضرورة تقبله رغم كل الظروف الصعبة في هذه الحياة.
ما نلاحظه من خلال قصص هذه المجموعة هو تعمد الكاتب تعليل البواعث النفسية لسلوك الشخصيات، وبخاصة إذا كان السلوك خروجا عن منظومة المألوف، ويتخذ شريف صالح من تأثير السياق المكاني حاضنة لتشكل الباعث النفسي انطلاقا من أن البيئة المكانية توجه في الغالب سلوك الشخصية كقصة « فداك يا أيشواريا» والتي تدور حول سيطرة جماعات إرهابية واقتيادهم مائة شاب إلى ساحة ترابية لجلدهم لمشاهدة فيلم، وكيف ينتصر الكاتب في النهاية لحريته في المشاهدة رغم الجلد لكنه يفاجأ بأن الأمر ليس مما يطاق، تاركا الموقف بين يدي القارئ الذي عليه الانحياز إلى التضحية لقاء الحرية أو الاستسلام والخضوع طلبا للنجاة.
الكاتب يثري مجموعته القصصية بتنويع الضمائر منتقلا من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب والمخاطب عبر جدلية الالتفات السردي وبلاغة الانتقال وتغيير المنظورات الانعكاسية كما أنه في بعض الأحيان يلبس ثوب المحلل السياسي أو الفيلسوف المتأمل أو السائل الباحث عن إجابات لأسئلة مستعصية إجاباتها تتخبط في تفاصيل الحياة اليومية.
أخيرا نذكر أن الكاتب المصري شريف صالح كتب مجموعة قصصية بعنوان "إصبع يمشي وحده" عن دار المحروسة 2007 وهي بدايات جمع خلالها أهم النصوص ـ من وجهة نظره طبعاً ـ التي كتبها طوال عشرة أعوام، وبعضها نال جوائز فردية على مستوى الجمهورية. و قد غلب عليها ثيمات مستلهمة من أجواء مرحلة التجنيد والشعور بالحرب والصحراء الصامتة التي كان يعيش فيها أثناء الخدمة العسكرية.
مجموعته الثانية "مثلث العشق" صدرت عن دار العين 2009 وهي أكثر نضجاً في رأي النقاد كونه حفر في ثيمة محددة عن علاقة الرجل بالمرأة، ومن ثم جاءت ناضجة على مستوى التقنية والرؤية وهو ما أهلها للفوز بجائزة ساويرس في القصة القصيرة.
مجموعته الثالثة التي تطرقنا إليها من خلال هذه القراءة الموجزة "شخص صالح للقتل" شكلت محاولة بها قدر من الوعي للتمرد على النصوص ذات الثيمة المشتركة، نحو نصوص لا رابط بينها، وفرة من الثيمات والتقنيات والحس التجريبي وقد صدرت عن بيت الياسمين للنشر والتوزيع وتضم المجموعة 65 نصاً ما بين قصة قصيرة وقصيرة جداً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق