2013/11/18

قصّة قصيرة: ( بي دي آف ) pdf بقلم: عبد الله لالي



  ( بي دي آف ) pdf  
بقلم: عبد الله لالي
جنون الأسعار لم يعد يترك له مجالا لاقتناء الكتب، التي عشقها قبل أن يدع ألعاب الطفولة الأولى..تمدّد الأسرة في الاتجاهين الأفقي والعمودي لا يسمح له أيضا ولو بوضع حفنة من الدّنانير خارج مجال التغطية، تحسّبا لشراء كتاب جديد؛ روحه الثانية التي يحي بوهجها في هذا العالم متكاثف المتعاب غائم الرؤى..
حمد الله أنّ جلّ الكتب التي يرغب في قراءتها أو يحلم بأن تحتلّ مكانا معتبرا في مكتبته؛ صارت متاحة في الأنترنت..وبلا ثمن تقريبا لا يكلفه ذلك سوى زيادة يسيرة في فاتورة الكهرباء..
وهو يحمد الله أيضا أنّه يملك اشتراكا في بسعر معقول في ( الشّابكة )، أذهله هذا الاسم السّحريّ ( الشّابكة )؛ أكثر مما أذهله اسم ( الأنترنت ) عندما رنّ في أذنه أوّل مرّة، فرغم سحر الاختراع العجيب؛ إلّا أنّ سُكر التعريب الموفّق من مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة كان أكثر دهشة وتأثيرا في نفسه..
شكر الأستاذ أحمد الذي نقل له هذا ( التعريب ) وهو يكاد يطير من الفرح، توقه للّغة لا يقلّ عن توقه الجارف لاقتناء الكتب والغياب في عوالمها المكتنزة بفيوض المعاني النفيسة..
الكتب بفضل ( الشّابكة ) وبفضل بطلها المغوار الشيخ ( غوغل )؛ صارت متاحة بضغطة زرّ واحدة لكلّ النّاس.. ورغم أنّ صديقه الباحث في التّاريخ أخبره أنّه لا يحبّ أن يستبدل بالكتب الورقيّة أيّ كتاب إلكترونيّ أو أيّ شيء من مخترعات الحضارة الحديثة، إلّا أنّ سحر كتب ( بي دي آف  pdf) له إغراء الذي لا ينكر..
يقول صديقه:
" الكتاب المطبوع لا يعوّضه شيء فأنت تلمسه بيدك..تقلّب صفحاته بأناملك تشمّ رائحته..تفوح أوراقه بعبق خاص تنتشي له الرّوح..تأخذ الكتاب حيثما تذهب..تقرأه في مكتبك أو في سريرك، حتى وأنت مضطجع أو مسترخ للقيلولة أو لسهرة صيفيّة طويلة ..فكيف تفعل بالحاسوب وأنّى لك حمله في كلّ مكان..؟ !
أدرك في أعماقه وجاهة رأي صديقه مدمن الكتب مثله، ولكن سحر الـ( ـبي دي آف ) يجذبه بحرارة ويشدّه إليه عنوة..يجعله يتربّع على عرش عالم جديد من القراءة والمطالعة، عالم لا يقلّ إغواءً عن عالم الكتب المطبوعة ورقيّا..لاسيما أنّه بشيء من التّقشّف وحسن التدبير الذي بلغ حدّ البخل أحيانا، تمكن من اقتناء حاسوب محمول ..
صار يمكنه أن يقرأ في أيّ مكان الآن.. في سريره أيضا، كما اعتاد أن يفعل قديما مع الكتب الورقيّة..السّرير يوفّر له ساعات طويلة من القراءة المتّصلة؛ دون الشعور بانفصام الظهر أو وهن الرّقبة.. صحيح أنّ ضوء الحاسوب يعشي بصره إذا ما طال به أمد القراءة أكثر من الوقت المعقول، وخصوصا إذا انغمس في قراءة هستيريّة لمئات الصّفحات المشوّقة التي يسابق بها زمن العطل والإيجازات أن تنسرب دون مهل.. !
إنّ كتب ( بي دي آف ) لها ميزة أخرى بل ميزات لا توجد في الكتب الورقيّة، إنّك تستطيع أن تكبّر حجم الصّفحات إلى الحدّ الذي يمكنك معه أن تقرأ من أيّ مسافة تريد، وأن تبعد ضوء الحاسوب عنك أو تخفّفه بوسائل التظليل المتنوّعة فلا يؤثّر في عينيك..
كما يمكنك أيضا تقليب الصّفحات بسرعة البرق، وتسجيل الملاحظات وتدوينها بطريقة القصّ واللّصق بسرعة جنونيّة لا تقارن بأيّة سرعة أخرى..
أخذته نشوة الفكرة المدهشة..كتاب ( بي دي آف pdf ) يمكنه أن ينسخ منه مجّانا نسخا كثيرة ويهديها للأصدقاء، ويمكنه أن يحمّل من ( الشّابكة ) عدّة طبعات مختلفة للكتاب الواحد، ويقارن بينها ويستفيد من الزّيّادات أو الحذف والتعديل الذي طرأ عليها في أحدث طبعاتها..
ليس ذلك فحسب بل الأمر المذهل أكثر أنّه يتسطيع تأليف كتبه الخاصّة وطباعتها ونشرها على الشابكة؛ ليقرأها كلّ النّاس على وجه المعمورة، دون حاجة إلى مطبعة أو ناشر أو مال ينفقه في سبيل طبع الكتاب، أو مؤسّسة ثقافيّة أو حكوميّة رسميّة تعكّر عليه صفو حياته قبل أن تخرج كتابه إلى الوجود؛ مشوّها باهتا لا يكاد يغري قارئا ولا مثقفا متخصّصا.
( بي دي آف ) من هذا العبقري الفذّ الذي قدّم هذه الخدمة المزلزلة في عالم الثقافة والكتب ..؟ من هذا النجم السّاحر الذي ألغى كلّ الحواجز والعوائق المتشابكة الموضوعة في درب المعرفة..؟
كلّ تلك الخواطر المضيئة اختلجت في صدره وهو يتجوّل عبر الآف العناوين من الكتب المتاحة في الشّابكة برونق بديع وطباعة خلّابة، بغير ثمن يذكر ولا مقابل يبذل..
وخطرت له فكرة ثانية فاتنة:
" أيمكن له أن يكتب تاريخ حياته المغامرة بين طوايا صفحات الكتب.. ويتركه على شكل كتاب (بي دي آف ) نسخة إلكترونيّة مفتوحة لا تمتنع عن أيّ قارئ مهما كان .. ! ( بي دي آف ) وحسب نسخة أخرى منه هو ..حيّة تسعى على حزم من نور في عالم افتراضي ..تبقى خالدة بعد تبدّد إيهاب التّراب..يا له من ( بي دي آف ).. ! 

ليست هناك تعليقات: