2018/07/10

المجاهد القائد حسين بـــــــوفــــلاقـــــــة -الذكرى والعبرة- بقلم:الدكتور محمد سيف الإسلام بوفـلاقــة



المجاهد القائد حسين بـــــــوفــــلاقـــــــة
-الذكرى والعبرة-
بقلم:الدكتور محمد سيف الإسلام بوفـلاقــة
           المجاهد البطل،و القائد الفذ حسين بوفلاقة-عليه رحمة الله- المسؤول السياسي بمنطقة بو البلوط التابعة إلى الولاية التاريخية الثانية، أحد أبطال هجومات20أوت1955م، ذلك الحدث الأبرز الذي حقق  إنجازات كبيرة للثورة الجزائرية في عامها الأول،وكانت  له  تأثيرات  عميقة على مسار الثورة، وتطورها،وانعكست نتائجه  على المستوى المغاربي ،والإقليمي.
          ينتمي المجاهد حسين بوفلاقة إلى الفرقة التي هاجمت حزوزاين(طريق سكيكدة)، إذ   ذكر المجاهد مسعود بوعلي مسؤول المنطقة الأولى التابعة إلى الولاية التاريخية الثانية في حديث له مع «مجلة أول نوفمبر» العدد :52 سنة:1981م، أنه تم تقسيم مجموعات الفرق على النحو التالي:
-فرقة هاجمت السطارة(كاطينا سابقاً) بقيادة الشهيد علي بوزردوم.
-فرقة هاجمت عين قشرة بقيادة مزدور صالح.
-فرقة هاجمت حزوزاين(طريق سكيكدة) ،وقد شارك في هذه العملية مجموعة من المجاهدين من بينهم المجاهد حسين بوفلاقة.
-فرقة بقيادة مسعود بوعلي مكثت فوق مدخل الطريق لمدة أربع ساعات تترقب حركات العدو،وتمكنت من الاستيلاء على كمية من الأدوات التقليدية منها الفؤوس، والمعاول، والمذارى،وغيرها ،والتحقت فيما بعد بفرقة قرفي عمر، وتصدت لإحدى الشاحنات ،وقتلت إحدى الدركيين، وغنمت سلاحه.
     وقد  لعب المجاهد حسين بوفلاقة دوراً بارزاً في التخطيط، والتنسيق، والتهيئة ،نظراً  لخبراته السابقة التي اكتسبها  بفضل مشاركته في الحرب العالمية الثانية، فقد تميزت الهجومات في اليوم الثاني بعدم التصدي للعدو وجهاً لوجه بعكس ما حدث في اليوم الأول،وقد تم إطلاق النيران على قوات العدو ،وتدمير عدة سيارات،وفي اليوم الثالث هاجمت فرقة من المجاهدين عساكر العدو في طريق عصفورة، وقتلت أكثر من خمسة وأربعين جندياً ،وغنمت مجموعة من الأسلحة.
             إن المجاهد حسين بوفلاقــة ينتمي إلى ذلك الجيل الذهبي الذي عاش في ظروف قاسية جداً في ظل جثوم الاستدمار الفرنسي على الجزائر، قدم خدمات جليلة للثورة الجزائرية في منطقة الشمال القسنطيني ،ولعب دوراً كبيراً في تجنيد عدد غير قليل من فرق المسبلين بمنطقة الشمال القسنطيني ،كما ساهم في تجنيد مجموعة من الفدائيين،
و المجاهدين  في منطقة بو البلوط،   قرب الميلية،و دائرة عين قشرة،و ليس يخفى على المهتمين بتاريخ ثورة التحرير الجزائرية، ذلك الدور الكبير الذي  قام المسبلون بتأديته،  من حيث إنهم  كانوا عوناً للفدائيين، يستطلعون لهم الأخبار، ويحضرون للرحلات،وتنقلات المجاهدين، إضافة إلى أدوار أخرى.
            ولد حسين بوفلاقة يوم:30آذار –مارس1917م، بعين قشرة التابعة آنذاك إلى دائرة القل، ولاية سكيكدة،و نشأ   في عائلة بسيطة،وفي وسط فقير شأنه في ذلك شأن أغلب الجزائريين في القرن العشرين، اجتهدت والدته الشهيدة المناضلة سمراء فرطاس في تربيته على حب الدين الإسلامي الحنيف، والوطن العزيز  ، وقد تشبع منذ صغره بالأفكار الوطنية، بفضل والده المناضل  رابح بن مسعود الذي نبهه منذ  بداية وعيه إلى مخاطر الاستعمار، وجرائمه الفظيعة،فانتبه مبكراً إلى الفوارق الشاسعة بين حال الجزائريين أصحاب الأرض المغتصبة من قبل الاستدمار الفرنسي، والمستعمرين الغرباء الذي نهبوا خيرات البلاد،ونسبوا كل شيء إلى أنفسهم.
               وكغيره من الجزائريين، التحق المجاهد حسين بوفلاقة بالخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش الفرنسي بين عامي:1937 و1940م،وكانت المدة يمكن أن تكون أقل لولا اندلاع الحرب العالمية الثانية، التي شارك فيها ،وأبدى شجاعة نادرة شهد له بها حتى الأعداء،كما عُرف بذكائه الحاد، وذهنه الوقاد ،وقد نجا من الموت المحقق عدة مرات خلال جملة من المعارك العنيفة التي خاضها خلال الحرب العالمية الثانية.
             وبعد عودته إلى الجزائر،تأكد المجاهد حسين بوفلاقة بعد مجازر 8ماي1945م،بأنه من الاستحالة أن تنجح الحركات النضالية السياسية، وظل يؤكد لأصدقائه قبل اندلاع ثورة التحرير المظفرة بأن الاستقلال يجب أن ينتزع بالقوة،فالحل الوحيد هو حمل السلاح، والنضال إلى غاية الشهادة، ولذلك فقد كان في طليعة المحرضين على الحراك الثوري ، وبقي في ظمإ شديد  لمحاربة المستعمر الفرنسي، وبعد قيام ثورة التحرير،وبعد أن دعاه داعي الواجب شارك فيها منذ البداية،وحتى النهاية،وعاش مجاهداً مخلصاً قريباً من قيادتها، وكثيراً ما كان يُستشار في قرارات مصيرية تكتسي أهمية بالغة، فبعد بداية عمليات الثورة المظفرة البطولية في منطقة بو البلوط لم يتأخر لحظة واحدة  عن تلبية نداء الوطن،و كان المجاهد حسين بوفلاقة شعلة في بث الروح الوطنية، وإبراز مساوئ المستدمر الفرنسي، وفضح أعماله الإجرامية  في منطقة الميلية الجبلية ،وقد عمل على  توسيع  الخلايا السرية، والاهتمام بالعناصر الحية،والفاعلة، وجمع التبرعات ،والأموال لخدمة العمل الثوري، وبث الروح  الثورية ،ونشر مبادئها، وأفكارها لدى جمهور الناس، ومساعدة العائلات  التي سُجن من يعيلها من قبل الاستعمار، وكان المجاهد حسين بوفلاقة رفقة رفاقه يدعو إلى مقاطعة الانضمام إلى الشرطة السرية الفرنسية، ومقاطعة التعاون مع المستعمر، والتأكيد على أن حب الوطن من الإيمان، وأن هذه الأرض الطاهرة التي سقيت بدماء الشهداء،وقوافلهم  يجب لا أن تذهب هدراً،وشارك في عدة عمليات ضد العدو، وكُلف في عدة مناسبات بتأمين فرق دخول المجاهدين،ونجح نجاحاً باهراً في مهمته بصفته مسؤولاً سياسياً على مستوى المنطقة، رغم كثرة كمائن العدو الغاشم، وصعوبة طبيعة المنطقة،وكان المجاهد حُسين بوفلاقة يحضرُ مع المجاهدين للاجتماعات التكوينية، واللقاءات الدورية، وقد تولى في عدة مرات مهمة استقبال المناضلين ،والمجاهدين القادمين من جهات أخرى إلى منطقة الميلية،وقد ذكر لنا بأنه كانت له بينه،وبين الذين يقدمون إلى المنطقة عدة إشارات رمزية خاصة يتم استعمالها بينه، وبين من يقدم، وقد اتسم عمل المجاهد حسين بوفلاقة بالسرية التامة،والحزم القوي، والجدية المفرطة،  وشارك رفقة العديد من المجاهدين  في إدخال، وتمرير الأموال، والسلاح إلى الولاية التاريخية الثانية،وساهم في عمليات التدريب على السلاح، واستعمال المتفجرات،إضافة إلى التنظيم العسكري،فقد كان الجنود يحترمونه، ويُقدرونه، لأنه كان يُعاملهم بالمثل،وكثيراً ما كان المجاهد حسين بوفلاقة يُوضع في الصفوف الأمامية،وهذا ما يُشكل اعترافاً بقوته، وإدراكاً لشجاعته.
           كانت للمجاهد القائد حسين بوفلاقة مشاركة فاعلة في ثورة التحرير الجزائرية في منطقة بو البلوط، وتميز بشخصية قوية جداً،فقد كان رجلاً ثورياً بامتياز،يصفه كل من عرفه بأنه صاحب شخصية قوية، وشجاعة،ومبتسمة،وبشوشة،كل من خامره يشعر بالراحة نظراً لتواضعه،وبساطته،وإحساسه بآلام الغير،ولكنه حاد، ومنضبط جداً أثناء العمل، وتطبيق المبادئ الثورية، و لا يخشى في الحق لومة لائم  ،ومن خلال عصاميته ،واعتماده على الذات استطاع أن يرقى في تخطيطه لكثير من العمليات العسكرية إلى درجة المثقف،والمتكون،فقد كانت له كفاءة عالية في التوجيه، والتنظيم تفوق صاحب الشهادة العلمية،يعد قامة سامقة من القامات الجهادية النادرة في منطقة الشمال القسنطيني التي لم تنل حظها من الدراسة ،والبحث،له مسيرة حافلة بالإنجازات في منطقة(بو البلوط)،تجاوزت شخصيته حدود العمل العسكري وحسب، لتمتد إلى التفكير، والتدبير، والتخطيط لعمليات معقدة،وصعبة في المنطقة،وقد تعرض في كثير من  العمليات النضالية لأخطار الموت المحقق،وهو الذي شهد على تطور الثورة منذ بدايتها في المنطقة، إلى غاية تحقيق الاستقلال، وعمل مسؤولاً سياسياً في الولاية الثانية بمنطقة الولجة بو البلوط ،وساهم مساهمات فاعلة في الاتصال بالشعب، وإقناع الشباب بحمل السلاح،والصعود إلى الجبال لمؤازرة المجاهدين، والقتال في صفوفهم، ودعم الثورة في شتى الجوانب، والسهر على التموين،وجمع الأخبار التي تقتفي أثر المستعمر لإنجاح العمليات العسكرية، وقد لعب دوراً بارزاً في الحفاظ على وحدة الصف، وضمان مسيرة الثورة على مبادئ بيان أول نوفمبر بمنطقة بو البلوط ذات الطبيعة الجبلية الصعبة.
           عُرف المجاهد القائد حسين بوفلاقة بالإخلاص في العمل،والحماس له، والتخطيط الدقيق،والصراحة،والنزاهة، والمجاهدة من أجل الحقيقة،فقد كافح بإخلاص مع رفاقه الأبطال من أجل أن تنعم بلاده بالحرية، وكان ينبهنا قبل رحيله بفترة قصيرة بأنه من سوء التقدير الاعتقاد بأن اندلاع ثورة التحرير ،وانتصارها جاء بطريقة عفوية، وساذجة،فهو يشدد على أن هذا التصور مرفوض، وخاطئ من أساسه،فالثورة الجزائرية انتصرت بفضل التخطيط الجيد، والدقيق، والعمل الثوري المنهجي، والمنظم،والمحكم،إضافة إلى التلاحم الشعبي، وقد ذكر المجاهد حسين بوفلاقة في عدة مناسبات بأنه أيقن منذ البدايات الأولى لثورة التحرير الجزائرية المظفرة بأنها ستنتصر لا محالة،فالمؤشرات الأولى أسرتهُ، وأشعرته بالسعادة منذ الانطلاقة الأولى ،عندما لا حظ إقبال المواطنين في منطقة الميلية بحماس شديد، وتدافعهم بشكل مكثف على الطلائع الأولى يرغبون في الانضمام إلى الثورة لتكوين جيش قوي لمواجهة العدو الفرنسي،إضافة إلى الانسياق التلقائي للمواطنين لتقديم المساعدات للثورة بسخاء كبير، ودون خوف،أو رهبة من العدو الفرنسي،فضلاً عن أن كثيراً من المواطنين انضموا ،وبشكل تلقائي إلى صفوف الثورة،حيث إنهم بدؤوا يُراقبون تحركات العدو ضد الثورة،ويُقدمون تقارير مفصلة عن الذين يُساعدون العدو، ويشيرون إلى الذين يقفون ضده،كما بدأوا يشعرون بأن عزتهم،وكرامتهم في نجاح الثورة، وتأكد لدى النسبة الأكبر منهم أن نجاح الثورة أمر حتمي،وأنها بدأت في العد العكسي ليوم رحيل المستعمر، فهي ثورة شعبية من الشعب وإليه،وكل هذا يقتضي تخطيطاً ،وتفكيراً ثورياً موضوعياً، واستعداداً كبيراً للتضحية، والفداء.
                 بعد الاستقلال بقي المجاهد القائد الفذ  حسين بوفلاقة وفياً لمبادئ ثورة نوفمبر المجيدة، فلم يحفل في حياته بشهرة، ولا بجاه،بل آثر أن يعيش مخلصاً للحقيقة،ومتحصناً بالفضيلة،والوفاء لتضحيات الشهداء،متزوداً بدينه،وتقواه،ولقد تجمعت فيه علامات الشخصية المتميزة، مع مظاهر النبوغ، وآيات الرفعة،والسمو، وظل المجاهد حُسين بوفلاقة يُذكر بالمبادئ ،والقيم النبيلة التي سادت خلال صراع الشعب الجزائري مع العدو الفرنسي الغاشم من أجل الحرية، والاستقلال،وظل يُذكرنا دائما باليوم المشهود الذي شارك فيه بفعالية،و غير مجرى الثورة الجزائرية يوم:20أوت1955م،   فهجومات20أوت1955م ،تظل واحدة من أهم الذكريات النضالية المجيدة في تاريخ الجزائر،فالأحداث العظيمة تنمو وتكبر قيمتها مع مرور الزمن،وتظل معانيها، وقيمها خالدة في نفوس الشعوب ،نظراً لما تستمده منها من زخم ،وصور خالدة تبث الثقة في النفوس،فمراحل النضال ،والانتصار تعتبر صفحات خالدة تفرض على الأجيال المعاصرة أن تعتني بها عناية بالغة من أجل تحقيق تواصل تاريخي، وحضاري يربط الماضي بالحاضر،ويبني جسور تواصل وطيدة بين السلف ،والخلف، وينير الدروب.
             وسيظل المجاهد القائد الشهم حسين بوفلاقة نبراساً يضيء دروبنا،نقتدي بأخلاقه الرفيعة، ونسير على نهجه، ونحافظ على مبادئه، وثوابته الثورية الخالدة، رحم الله المجاهد الجد الطيب صاحب النفس العزيزة  الغائب الحاضر حسين بوفلاقة، ذكراك ستظل في قلوبنا، وصوتك ما زال يرن في الذاكرة،عليك رحمة الله نتذكرك، ونذكرك، ونترحم عليك كل يوم، وستذكر الأجيال الشابة جهودك، وتضحياتك العظيمة من أجل الجزائر العزيزة.


        

ليست هناك تعليقات: