شرفات التنهيدة
عبد القادر صيد
لما
شرعت
نسمات السلو في الهبوب من على شرفات النفس في هدأة الليل تجرأت كي أعلن
عليها السلم
،و أنا أعرف مدى مقتها للراية البيضاء، لأن علاقة تتحكم في مقاليدها الحرب
الباردة هي هيكل عظمي مخيف و
مجهول الهوية يتوجس منه خيفة حارس المقبرة و السكان غير الشرعيين فيها.
لطالما
تباهيت بشعرة معاوية ، و لكن في آخر المطاف اكتشفت بأنها في عالم الحب نفاق
غير
مبرر . ها أنا في لحظة تاريخية أتبنى عقيدة اقطع لتوصل، نحن لا نعرف أحسن
من الحب
،فهو يعرف عنا أكثر مما نعتقد ، لذلك من الأفضل مطاوعته فيما يرسمه على وشم
الأوردة اللاهثة..لا ضير من أن تتألم تلك
الوردة المسحوقة بين صفحات كتاب لأنك إذا أخرجتها
فستتكسر ، دعها بين دفتي الماضي المزركش بجمل من الحبر غير المناسبة
للموضوع تتنفس البلاغة المتبجحة و تتكور على نفسها كجنين يخشى الخروج إلى
هذا
العالم القاسي.. يحلو لي أن أقتحم عالم الألم اللذيد بمحض إرادتي و أنا في
كامل قواي العاطفية فاسحا المجال لأجواء
الغموض تستوطنني بكهانة لها رمزيتها المقدسة بعبق عرق الخيول العربية
توخزها أرجل
الفاتحين المغبرة..حاولت في العديد من المرات أن أعيش الحب كما هو معرّف في
القاموس ، فلم أفلح ، و وجدتني أتسكع على
حافة أرصفة البركان المجاهر
بالعداء لكل ما هو روحاني، رجعت في باديء الأمر باللوم على واضع القاموس ، و
عندما
استفقت تذكرت أنه ضرب لي الأمثلة فلم أتعظ ، هذه العاطفة أوسع بكثير من
جسمي البشري
المفرط الحساسية.لطالما سمعت صيحات تحذر من لباس يفصّل من نسمات الفجر ذات
الجلد
الناعم، لكنني لم أترك فرصة للنهب منها
إلا و اعتنمتها، و أنا الآن أنتظر الوقت المناسب لخياطة بذلة على مقاسي
بتجاويف
حلزونية تتناوح فيها رغباتي المذبوحة ، فلا شك أنه عندما يموت الحب يترك
ميراثا
يتناهبه العطشى و هو عبارة عن قصائد ندية و عطرة يعتقدون أنها تُغني و تسمن
من الحرمان ، و تطفيء حرارة تنهدات الدماء الفائرة في مستنقعات
الفضيلة.أيّ
تذكار يمكن أن يرجع حالة الحب المعيشة كما مرت بالفعل؟ لا شيء سوى صدى
الآهات يعود
بأثر رجعي زائف ليسترجع التمتع بهزة الفجيعة.. أنا مدين لظلال إنسان الكهف
الأول في
كل شيء ،فهي تخدمني بالمجان، و تبسط أياديها
دون سابق طلب ، و يوم تتوقف لن يكون لتلك الوجوه الملهمة أدنى سحر . لا
أستطيع أن
أعد المرات التي تخون دمعتي عيني بحسن نية
؛ تخرج حين أريد كظمها ، و تنضب لما أتسولها ، الدمعة تشبه زوجة سفير ملت
من
الترحال،فالتصقت ذاكرتها بدولة معينة و بابتسامة صباح مخصوص، لا تنشط إلا
إذا تذكرتها
، و الدمعة ضرة سحابة حبلى لم تجد مناخا رطبا لتضع حملها قبل أن تجهض على
جبل صلد
لا يستحقها و لا تنفعه،حين تنفجر
الدمعة تحاكي انعتاق شرنقة ليس لها إلا أن تزغرد لعالم جميل و لكنه مزدحم
بالسهام
الطائشة المسمومة بريق الانتقام.
التثاؤب العاطفي هو سيد مواقفي و هو سبب كساد
مشاريعي العاطفية الأصلية، لأن القنبلة الموقوتة المسجونة وراء قفصي تنتظر زيارة
رعشة روحية في جفون إحداهن يوما ما ، و لكنها لا تقوم بأدنى جهد لاستجلابها ، لأنها واثقة من قدرتها على الانفجار
دون الاستعانة بصديق ،لا شيء يحلو لها سوى المماطلة .. أيتها المضغة النووية
انفجري ما دام ليس لديك الوقت للاستماع إلى الآراء التي قد تصب في صالحك و تجعلك تنفجرين دون أن تؤذي نفسك أو
تتفرق شظاياك جزافا .. ولد الحب وراء قفصي و في فمه ملعقة من لهب ألسنتها نزوات
مشروعة و نزق مقنع بقانون الرقابة الاجتماعية
يغيظ القنبلة ، فتكتفي بالتنديد ، فمتى ستقولين كلمتك يا هذه ؟متى ستذرين
حفنة الرماد في عيني و تقومين بعملك و أنا أتصنع الغباء كعادتي حتى تهدأ العاصفة
ثم أعزف سينفونيا التأسف الأبدية ،ففي شرعة الأجلاف الحب محتسب و الذنب مغتفر..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق