شيماء عبد الناصر حارس
المواعين
في المطبخ هي الوحش الذي يراودني في الأحلام الليلية، هي بالطبع ليست مجرد
أحلام إنها رزمة من الكوابيس ملفوفة معًا وتأتي بشكل تتابعي كأن تضغط على
زر الكاميرا أو حتى هاتفك المحمول لالتقاط صور متعددة لنفس المنظر، التعدد
يصنع حدثًا، والحدث يصنع من الأكواب والأطباق والحلل والصواني، إن في الأمر
–وصدقوني- سر خفي، ربما سحر أو هناك جن، إن الأمر ليس مزاحًا أو شيء من
هذا القبيل، أنا جادة تمامًا.
أجلس
في غرفة نومي، أعرف أن المواعين في المطبخ هناك، موجودة، نعم إنها موجودة،
مثلي ومثلك، نحن البشر، تفعل ما نفعله، لكن الكيفية هي التي لا أعرفها،
أراها تتكاثر في المطبخ، كيف يتم هذا، لم أجد إجابة حتى الآن، لكني أراها
تفعل ذلك في لحظات قليلة.
في
الحلم –الكابوس- تنشق الحائط التي تفصل بين المطبخ وغرفة النوم، هي ربما
لا تنشق بالمعنى الحرفي لكن في الأمر سر كما قلت، هي تتحول لكيان شفاف
طالما أردت أن أقوم من فوق السرير وألمس الحائط، أو ذلك الذي كان حائطًا
أظن أن ملمسه سيكون حريرًا ولذيذًا، ربما هي هلاوسي أنا الشخصية، يداي،
نعم، يداي أراها كإطار يظهر ويختفي كالأضواء الملونة حول شاشة كبيرة تشبه
المسرح، مكانها تمامًا الحائط المقابل للسرير وخلفه تمامًا الثلاجة وهي
بالمطبخ. الثلاجة تختفي في الكابوس، لا يظهر سوى حوض غسيل ستاليس عادي
كالذي يوجد في الكثير من المطابخ. على الرف بجواره كوب. إنها رمشة عين. أو
ربما أقل تلك التي تفصل لحظة التوالد أو التكاثر. الولادة القيصرية التي
يتم بعدها إنجاب كوب آخر. ثم رمشات عيون أخرى كثيرة طول الليل- فترة نومي-
تصنع أكوابًا، ملاعق وشوك صغيرة وكبيرة، أطباقًا ستاليس وصيني وألومنيوم.
طاسات من كل نوع من الخامات والأحجام والألوان، كلها جميعًا قذرة ومليئة
ببقايا الأطعمة والدهون الثقيلة. هذا غير الحلل والصواني والأكواب والكاسات
والمغارف....... كل هذا يتوالد بالسرعة التي تسمح بها رمشة عين واحدة
يزداد حينها الضغط على قلبي وأشعر أن جبلا ضخمًا يجثم فوق صدري. لا استطيع
التنفس. إنهم يتكاثرون. يتوالدون. يكثرون بشكل غير طبيعي. أعرف أنه من
المفترض أن كل هذه المواعين في مطبخي علي أنا وأنا وحدي بدون أدنى مساعدة
من أحد. علي غسلها. تنظيفها. إن الكارثة لا تقف عند هذا الحد. لكن حوائط
المطبخ تبدأ في التغير. السيراميك الذي كان أبيضَ ناصعًا يتحول إلى خلفية
بعضها أبيض وعليها دهون تبدأ صفراء وتنتهي إلى درجات قاتمة، كلما زادت
قتامتها زاد الضغط على صدري وأكاد أختنق. أموت. ربما هزة أرضية ما تحدث
فتحول كل ذلك الكابوس إلى نثار من قطع الصيني تملأ عيني والبيت. اهتز معها
فأصحو من نومي لاهثة. احتاج إلى جرعة ما لأن حلقي يكاد يحترق تمامًا. أو
تلتصق اجزاءه ببعض. أهرع إلى المطبخ لمعرفة حجم الكارثة التي وصلت إليها
الأحداث- لم ينتبه عقلي بعد لكون ذلك كان كابوسًا- أجد الكوب على حافة
الحوض ما زال وحيدًا كما هو. في قاعه بقايا اللبن وبعض السكر. كان كابوسًا.
أعرف أني كنت نادمة حينما وطئت رأسي سطح الوسادة أني تركته. كسلت أن أغسله
فظل مثل سيف يطعن في ضميري ويصور لي كل تلك الأشياء المفزعة التي ظهرت على
الشاشة. وهنا لمعت مرة أخرى تلك الفكرة. هل تحول الحائط إلى شاشة، تلمسته
من الناحيتين، ناحية المطبخ حيث الإطار السيراميكي، ناحية غرفة النوم حيث
الحاجز العادي من الدهان. وأخيرًا ابتلعت ريقي وأخذت أستعيد أنفاسي
المحترقة شيئًا فشيئًا. شهيق وزفير. النوم يحوط رموش عيني ولكن الخوف يطرده
بعيدًا. ويظهر الكوب المتسخ أمامي كجني أو شبح. أغسله وابدأ في استحلاب
الراحة رويدًا رويدًا. الهدوء يتسرب لنفسي. والنوم يعبق روحي. أضع رأسي مرة
أخرى على الوسادة. هذه المرة. لا ضمير يئن. ربما لن تأت كوابيس أخرى. فلا
أكواب متسخة في حوض المطبخ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق