الفريد سمعان بين الأشرعة والصدى البعيد
مثنى كاظم صادق
يقال : إن أعصاب البشر تحت جلودهم ، أما الأدباء ، فأعصابهم
فوق جلودهم !! . يتمظهر الحزن الشفيف عند الشاعر الفريد سمعان في مجموعته الشعرية
( أشرعة الصدى البعيد ) التي صدرت عن شركة الوفاق للطباعة الفنية المحدودة ، حيث
الجمال في استعارة الشاعر لثريا نصه (
العنوان ) بلفظ ( أشرعة ) المضاف إلى ( الصدى ) الموصوف بـ ( البعيد ) ؛ ليكشف
حالة الشاعر ( الجوانية ) كحالة فاعلة ومتفاعلة في فضاء الحياة الواسعة ، التي
يبحر فيها مثل ملاحٍ قلقٍ ؛ ليعبر عن واقع ورؤيا شعرية موشاة بالهم الاجتماعي ،
حيث ترتبط قصائده بخيط خفي يجمعها ذلك الشجن العراقي الحزين ، إذ يعيش الشاعر
معاناة الأحداث في قصائده ضمن مستويين زماني ومكاني ، مما أضفى على نصوصه بعداً
إنسانياً يتمحور حوله الواقع المقهور . وإذ يكتنف قصائده الحزن ، فيشكل فيها ظاهرة
بارزة فإنه يعبر من خلاله عن نداء إنساني شفيف
، وتأسيساً على ما تقدم بدت ظاهرة الحزن سمة أسلوبية واضحة في جميع نصوص الشاعر ، ففي
قصيدة ( أنا ... والنهر) نجد روافد حزن الشاعر تصب في النهر( الحزب) الذي تجذرت
حياته فيه (( يرافقني النهر / تمتد فيه جذور حياتي / وتنصب فيه روافد حزني )) ص 5 إذ
إن للحزن عند الشاعر عدة روافد ، وليس رافداً واحداً ، كلها تصب في النهر ؛ لتمتزج
فيه ؛ لأنه ـ النهر ـ ممتدة فيه جذور حياة الشاعر ، وهذا ما جعل ياء المتكلم تظهر
في سياق النص مرتفعة النبرة ( يرافقني / حياتي / حزني). أما في قصيدة ( لأن الإله
يحبك ) فيبدو فيها صوت الحزن واضحاً (( في القلب شوك الأنين / ويخطو عليه ضباب
الأسى والشجون / ومازال تنبع فيه وتحبو عليه / غمامات شوق / وحزن دفين )) ص 9 من
خلال هاجس التشكيل الصوتي لصوت الياء ، الذي أعطى امتداداً صوتياً طويلاً ؛ لينفتح
على سرد تعبيري متأوه ، فالأنين شوك ينغرز في القلب ، وبذلك ترهص الفاجعة . إن
الحزن عند الشاعر أزمة ، وموقف ، ولاسيما عند الوقوف على إشكالية الحزن الإنساني ،
كما في قصيدة ( سنوات العتمة ) إذ يقول في مقطع منها (( لست وحدي / عاشر الكتمان
دهراً / وتلاشى صوته بين ضجيج ... / القهر والأشجان )) ص 25 يشرك الشاعر هنا الآخر
في ثيمة الحزن والقهر ومشاركة هذا الآخر فيه ، إذ يتمركز حوله النص ، ولاسيما
بدايته واستعمال النفي بالأداة ليس المرتبط فيها ضمير المتكلم ( الشاعر ) إذ مثل
ضمير الغائب في الفعلين ( عاشر / تلاشى ) ظاهرة بلاغية ، وهي ظاهرة ( الإلتفات )
للتأثير في المتلقي وجعله ينتبه ، حيث
انتقل الشاعر من ضمير المتكلم الدال على الحاضر ( لستُ ) إلى ضمير الغائب ( هو )
في الفعلين السابقين. وتزداد وتيرة الحزن كلما اشتد الصراع ، واحتدم ، فقد نأى
الشاعر عن تقديم الحزن جاهزاً تقريرياً ، كما في قصيدة ( تأكيد ) إذ يشتغل النص
على سياق الصورة المخاتلة (( وراء صهيل الرمال / ندلج بين مروج العذاب / يسافر فوق
الحدود / قطار الدموع )) ص 43 حيث قسوة
الواقع المكاني واضح في النص فالمكان له خصوصية معينة لدى الشاعر ، ويبدو أن
الشاعر أراد تفريغ شحناته العاطفية وتوزيعها حتى على الأمكنة التي تبهج النفس ، فالمروج
هي ( مروج عذاب ) والقطار ( قطار دموع ) . وينتشر الحزن ويتوالد في عملية إلباس
النص عباءة التراجيديا ، كما قصيدة ( أصداء ) (( على كل ثغر نشيد حزين )) ص 54 فالحزن
نشيد يغنى وتصدح به الأفواه ، ويؤكد الشاعر ذلك من خلال تقديمه الخبر ( على كل ثغر
) جوازاً على المبتدأ ( نشيد حزين ) ويصل بعد ذلك إلى سلامه وبركاته لكل أغنية تمر
على المنازل الحزينة ، ويتمثل ذلك في قصيدة ( ترانيم الغربة ) (( طوبى / لإغنية
تجوب منازل / الأحزان )) ص 64 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق