2012/05/28

الفريد سمعان بين الأشرعة والصدى البعيد بقلم: مثنى كاظم صادق


الفريد سمعان بين الأشرعة والصدى البعيد
مثنى كاظم صادق
يقال : إن أعصاب البشر تحت جلودهم ، أما الأدباء ، فأعصابهم فوق جلودهم !! . يتمظهر الحزن الشفيف عند الشاعر الفريد سمعان في مجموعته الشعرية ( أشرعة الصدى البعيد ) التي صدرت عن شركة الوفاق للطباعة الفنية المحدودة ، حيث الجمال في استعارة الشاعر  لثريا نصه ( العنوان ) بلفظ ( أشرعة ) المضاف إلى ( الصدى ) الموصوف بـ ( البعيد ) ؛ ليكشف حالة الشاعر ( الجوانية ) كحالة فاعلة ومتفاعلة في فضاء الحياة الواسعة ، التي يبحر فيها مثل ملاحٍ قلقٍ ؛ ليعبر عن واقع ورؤيا شعرية موشاة بالهم الاجتماعي ، حيث ترتبط قصائده بخيط خفي يجمعها ذلك الشجن العراقي الحزين ، إذ يعيش الشاعر معاناة الأحداث في قصائده ضمن مستويين زماني ومكاني ، مما أضفى على نصوصه بعداً إنسانياً يتمحور حوله الواقع المقهور . وإذ يكتنف قصائده الحزن ، فيشكل فيها ظاهرة بارزة  فإنه يعبر من خلاله عن نداء إنساني شفيف ، وتأسيساً على ما تقدم بدت ظاهرة الحزن سمة أسلوبية واضحة في جميع نصوص الشاعر ، ففي قصيدة ( أنا ... والنهر) نجد روافد حزن الشاعر تصب في النهر( الحزب) الذي تجذرت حياته فيه (( يرافقني النهر / تمتد فيه جذور حياتي / وتنصب فيه روافد حزني )) ص 5 إذ إن للحزن عند الشاعر عدة روافد ، وليس رافداً واحداً ، كلها تصب في النهر ؛ لتمتزج فيه ؛ لأنه ـ النهر ـ ممتدة فيه جذور حياة الشاعر ، وهذا ما جعل ياء المتكلم تظهر في سياق النص مرتفعة النبرة ( يرافقني / حياتي / حزني). أما في قصيدة ( لأن الإله يحبك ) فيبدو فيها صوت الحزن واضحاً (( في القلب شوك الأنين / ويخطو عليه ضباب الأسى والشجون / ومازال تنبع فيه وتحبو عليه / غمامات شوق / وحزن دفين )) ص 9 من خلال هاجس التشكيل الصوتي لصوت الياء ، الذي أعطى امتداداً صوتياً طويلاً ؛ لينفتح على سرد تعبيري متأوه ، فالأنين شوك ينغرز في القلب ، وبذلك ترهص الفاجعة . إن الحزن عند الشاعر أزمة ، وموقف ، ولاسيما عند الوقوف على إشكالية الحزن الإنساني ، كما في قصيدة ( سنوات العتمة ) إذ يقول في مقطع منها (( لست وحدي / عاشر الكتمان دهراً / وتلاشى صوته بين ضجيج ... / القهر والأشجان )) ص 25 يشرك الشاعر هنا الآخر في ثيمة الحزن والقهر ومشاركة هذا الآخر فيه ، إذ يتمركز حوله النص ، ولاسيما بدايته واستعمال النفي بالأداة ليس المرتبط فيها ضمير المتكلم ( الشاعر ) إذ مثل ضمير الغائب في الفعلين ( عاشر / تلاشى ) ظاهرة بلاغية ، وهي ظاهرة ( الإلتفات ) للتأثير في المتلقي  وجعله ينتبه ، حيث انتقل الشاعر من ضمير المتكلم الدال على الحاضر ( لستُ ) إلى ضمير الغائب ( هو ) في الفعلين السابقين. وتزداد وتيرة الحزن كلما اشتد الصراع ، واحتدم ، فقد نأى الشاعر عن تقديم الحزن جاهزاً تقريرياً ، كما في قصيدة ( تأكيد ) إذ يشتغل النص على سياق الصورة المخاتلة (( وراء صهيل الرمال / ندلج بين مروج العذاب / يسافر فوق الحدود / قطار الدموع )) ص 43  حيث قسوة الواقع المكاني واضح في النص فالمكان له خصوصية معينة لدى الشاعر ، ويبدو أن الشاعر أراد تفريغ شحناته العاطفية وتوزيعها حتى على الأمكنة التي تبهج النفس ، فالمروج هي ( مروج عذاب ) والقطار ( قطار دموع ) . وينتشر الحزن ويتوالد في عملية إلباس النص عباءة التراجيديا ، كما قصيدة ( أصداء ) (( على كل ثغر نشيد حزين )) ص 54 فالحزن نشيد يغنى وتصدح به الأفواه ، ويؤكد الشاعر ذلك من خلال تقديمه الخبر ( على كل ثغر ) جوازاً على المبتدأ ( نشيد حزين ) ويصل بعد ذلك إلى سلامه وبركاته لكل أغنية تمر على المنازل الحزينة ، ويتمثل ذلك في قصيدة ( ترانيم الغربة ) (( طوبى / لإغنية تجوب منازل / الأحزان )) ص 64 .
   

ليست هناك تعليقات: