المرأة في شعر زهير بهنام بردى
مثنى كاظم صادق
قد تكون الحياة الشعرية لمعظم الشعراء ، متقدة من أنثى ،
سواء أكانت هذه الأنثى في الحقيقة أو محض خيال ، ولعلي لا أبالغ إذا قلت : إن وجود
المرأة في القصـــيدة هو ( حلم ) ..... حلم يتمنى الشاعر ألا يفيق منه ؛ لأنها أحدى
مكونات العالم المثالي لديه ، حيث الدفء والتجلي الإلهي كما يراه المتصوفة . وبعد
فيشكل ديوان الشاعر المبدع زهير بهنام بردى ( الليل إلى الآن )(1) احتفاءً
من نوع شفيف خاص بهذا الكائن ابتداءً من عتبة الإهداء ( إلى كل من تشبهني بـ :
الهذيان / الفوضى / الجنون / إليك حتماً ) إذ تتجلى هذه العلاقة الخاصة وانشغاله
بها وبكينونتها ، من خلال بنية الإهداء كموجه نصي دلالي إلى المضمون ، الذي يمكننا
قراءته ضمن مستويين الأول : عمق العلاقة بينه وبين الذات الأخرى التي تشبهه
والثاني : أسلوبي تركيبي من خلال الحتمية التي وضعها في الإهداء ( إليك حتما ) مما
يفضي إلى توكيد هذا التشابه ، على أن الإهداء ذو ملمح إيهامي ، فهو في بدايته يحمل
الجمع ( إلى كل من تشبهني ) وينتهي بالإفراد ( إليك حتماً ) فهي إذن امرأة واحدة
تلخص الجميع .... لكن أتراه يريد أن تكون المرأة شاعرة مثله ؟ ؛ لأن من صفات
الشاعر( الهذيان والفوضى والجنون ) أو بتعبير أرسطو ( إن الشاعر إنسان مريض في أعصابه
) أو لعله يريد أن تندمج التي تشبهه مع ذاته الشاعرة فيكون هو/هي ـ وهي/ هو من
خلال حفاظه على عدم شطبها في قوله المتمرد : ( دائما كنت اشطب ما يشبهني ) ص 20 إنه
يشطب الأشياء غير العاقلة التي تشبهه إلا هي بدلالة استعماله ( ما ) الدالة على
غير العاقل بدلا من استعماله الأداة ( من ) الدالة للعاقل ، إذن فهي خارج منطقة
الشطب ؛ لأنه سيشطب نفسه معها !! . تشكل المرأة
ثيمة مرهونة بالشاعر ، فهما لا ينفكان عن بعضهما ( مادمت / أسير إليك الليلة /
أكيد لست حزيناً جداً ) فالمسير إليها يخفف من هذا الحزن الذي يريد أن يخلعه كاملا
، بالوصول إليها ضمن حالة الديمومة في هذا المسير ؛ فنراه يكرر إليك كثيراً ؛ فهي
الغاية والمنتهى والهدف ( أن امضي إليك )
13 ( لن أكون لوحدي / من جديد / في الهروب إليك ) ص 14 فينفي زمن وحدته مستقبلاً ،
ويؤكد النفي بـ ( لن ) بعدما كان وحيداً من قديـم !! ( وحين أشطب سهواً / ما ينفرط من جسدي إليك /
حتما / سأسير وقتها إليك الليلة )ص 14 مؤكداً على حتمية السير ، إن هذا الإلحاح بالمسير
والمضي والهروب ، قد جعله يتعب ويطلب منها مجازاته على هذا المسير ( أجل تعالي /
اقطفي الحب معي / مادمت أسير إليك الليلة ) ص 16 فهي دعوة بصيغة الأمر ، مشروطة
بالمشاركة بقطاف الحب ؛ لأنه يسير إليها
بغية الاتحاد معها ، وتبياناً لهذا المسير وإظهاراً له وعدم التوقف بحث
الخطى إليها ؛ مما جعله يشطر ذاته شطرين
للمسير ( سأسير معي إليك ) ص 16 ويبقى الشاعر في هذا المسير الليلي المتعب في
عملية تشويق للمتلقي بنهاية هذا السير المضني ، فيقرر هدفه ـ أخيراً ـ من هذا
المسير ( لأمسك جمالك الباذخ ) ص 19 فقد شكل المسير إلى المرأة حضوراً واسعاً وثرياً
بمعانيه ، ودلالته ، مما يعبر عن انشغال الشاعر كثيرا بها ، واستغراقه في حضرة
جمالها الباذخ ؛ لذا جعلها بعيدة عنه في المسافة ؛ ضمن إحساسه أنه موجود بها وموجودة
به ، فهذا الجمال الباذخ هو تعويذته الليلية التي يحملها في السير؛ مما ربط هذه
الثيمة ـ السير في الليل ـ بثريا مجموعته الشعرية ( الليل ...... إلى الآن ) الذي أعده كناية
كبرى لهذه المجموعة . إن المرأة قد تداخلت كفكرة مشحونة بالعاطفة الذاتية ، حاضرة
لا يمكن أن تشطب من خيال الشاعر وذهنه ، لدرجة أنه يقول : ( ما استطعت أن اشطب إلا
أناي ) ص 21 فهو لا يجرؤ على شطبها معه ، وهذا ما منح للمرأة في تجربته الإبداعية هذه معناها المتميز .
(1) الليل .... إلى الآن ، شعر زهير بهنام بردى ، تموز
للطباعة والنشر ط1 / 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق