أَرِيج الرِسالة
سعاد محمود الأمين
إنْدلق الحِبر على
صفحة ورقةٍ بيضاء، خط القلم المسجون بين أناملها
رسالة اليه، تقول: أنا البدر الذى يطل كل مساء يعتصر سُهد الليالى. بين سطور رسالتى نهاية اغتراب وبداية اقتراب.نحن الغرباء فى الأرض
حين نلتقى نتوحد ويذوب جليد التنائى، عندما تجد رسالتى أرجوك لاتمزقها لقد عزف قلبى
على سطورها نغمات الحُب والأمل، لاتصمت أيها الرجل وأسمح لرسالتك أن تنهمر كالمطروتقطع
الفيافى وتجتاز قمم الجبال. فتعيد لقلبى المَهجور
النبض. وأجعل الحياة تنساب دون تعقيد. منذ
زمن لم إشتم أريج التَدانى فقررت المغامرة برسالة اليك. وأنا أتساءل متى ترد الرسالة؟
وتطرحنى وردا يفوح أريجه لثوانى، أغمض عيْناى من خيوط الضياء. لأرى النور فى داخلى، لقد حان
العِيد ولم تدق أجراسى المُعلقة على غصون شجرة الميلاد فاجعل هذا العيد مختلفًا..
المحبة شذازين
العنوان :الكرة الأرضية
فى مصنع للملابس الرجالية،
فى بلدة نائية، تقف الفتاة القادمة من هناك أمام جهاز التعبئة النهائية لسراويل الجينز
الزرقاء. كانت صامتة طوال اليوم. هذا المصنع
لة قوانين صارمة. أن يتحول العاملون فية الى آلات صماء. ممنوع الحديث أو الجلوس أو... لاتعرف الفتيات هنا
سوى العمل المضنى وطاعة الأوامر، وهن فى هذا العمر الغض، كم من الزمن عبر، كم من اللحظات
الجميلة انفرطت من عقارب الساعة المسرعة. وشذازين تنطوى فى ذبول، تتعثر فى خطاها وقد
عاهدت قلبها أن تلقمه حجرًا إن نبض بمشاعر حتى يصمت ضجيجها، ولكن ضجيج المشاعر لن يتلاشى
بين صبح ومساء، يحاصرها فتنتفض وتسرح بخيالها
وتُقرب ذلك الرجل وتبعد آخر، حتى يرحل جميع النزلاء من قلبها.
خَلقت شذازين علاقة
حميمة مع النسيج الذى تصنع منه الملابس الرجالية. شجبت جميع وجوه الرجال التى تراها فى المصنع. عند
المراحل النهائية فى تعبئة الملابس وشحنها للأسواق العالمية تودعها وتسألها:الى أين أنت راحل أيها السروال الجميل؟من
سيرتديك؟ هل يشعر بنا مُرتديك كيف وقفنا على صناعتك الساعات.
تمسح بكفيها الصَغيرين
على سطحة فتَخاله همس لها::راحل حيث لا تستوقفنى الأحداث.
شذازين تهمس: ترحل
دون جواز سفر! ليتنى مثلك.دعنى أخبئ هذه الرسالة بين طَيّاتك،
دست الرسالة فى جيب
السُروال، وكانت قد رشت عطرها المفضل المِسك على صفحتها، لقد ورثت حبها لهذا العطر
من أمها التى كانت تُضمِخها به فى صغرها، لذلك
يحمل لها أريج المِسك الذكريات اليانعة وأغلقتها بخصلة من شَعرها الجميل المُتمرد.وودعته
قائلة: أرحل أيها السروال من هذا المكان... ساحتفظ فى ذاكرتى بلونك الأزرق وسانتظرك
تعبر مسافات الكرة الأرضية المستديرة. وفى
طياتك رسول الحب والتدانى.
اعتصرته بكفيها وقَبّلته وأودعته صندوقه. همس اليها
داخل الصندوق قائلا: إنه الوداع الأخير..
قاطعته قائلة: لن
يكون الأخير...وهدرت محركات الشاحنات وأختفى السروال يحمل رسالة الأمل.
هناك فى المدن البعيدة،
التى تنوم وتصحى على وسائد الطرب، حيت العالم الحر المُتمدن، الذى جعل مواطنيه يطلقون
العنان لعواطفهم كيفما إتفق.. حب حتى الثمالة مثل روميو جولييت، أو قَسْوة قاتل مُتسلسل
لاتعرف المشاعر طريقها اليه. الكل يمارس مايشعر به .
وقف مارك يتفحص الملابس المشدودة، على جسم جامد يطفئ
عليها جمودا، لولا المصابيح التى تضيئها ليل نهار داخل الوجهات الزجاجية. وَلج مارك داخل المتجر الفخم، إنتقى سروال جينز
أزرق وعندما دخل غرفة القياس ـ أصابه ضجر المدينة الذى يقود الأقدام الى الأسواق لتطفئ
النفوس توترها بالشراء والشراء والشراء ـــ القى بسروال الجينز الأزرق أرضًا. داس بقدمه
فوقه وهو خارج ـ صَوت من الداخل المُعقْد همس له بأن يرتدى السروال، مد يده و رفعه من على
الأرض، وشده فى وسطه وأدخل يديه متفقدا متانة الجيوب فبرزت الرسالة المثيرة للدهشه قرأها ... وقرأها ...وقرأها
.وانبعثت منها رائحة المسك رسول الحب إشترى السروال.
جلس فى حجرته يقلب
الرسالة، ويستنشق أريجها الفواح الذى جعل قلبه
يخفق بشدة، مضى عليه زمنا طويلا لم تدغدغ حواسه
كلمات معسولة وهو فى موطنه الآلى الذى لاتجد العواطف الجياشة موضعها فى قلوب تضخ المادة
فتوقف نبضها، حزم أمره على متابعة هذه الرسالة والى أين تقوده؟.ذهب للمتجر وقرأ ما
كتب على عنوان البضائع.
ملأ رأئتيه بالهواء. وطار مُحلقا حيث المصنع الذى يضم فتاة الرسالة. وعند الوصول أسرع الخطى اليه.
بقامته المديدة وأناقته
البادية للعَيَان، وسحنته التى تدل على موطنه، أكسبته إحتراما مقدرا من أرباب المصنع. سأل واللهفة تسابق كلماته: أريد مقابلة شذازين...العاملة
فى قسم الملابس الرجالية...
عندما سمعت اسمها
على مكبر الصوت داخل المصنع، إنهارت عزيمتها، وقد ظنت أن نهاية عملها قد حانت، لابد
أن خطب جَلل قد حدث وهى لاتدرى، وصارت تراجع يومياتها وهى فى الطريق الى مكتب المدير،
ترتدى بالطو العمل، وتختمر قبعة، وتنتعل حذاءا رخيصا، ونظرة الطاعة والولاء التى تطل
من عينيها التى تظللهما أهداب تقف متراصة متساوية
.
مع أرباب العمل ضاعت نظرات الصبا والدلال، رغم جمالها
الأخآذ تسللت متقوسة الظهر مثل قطة تلقت ضربة على ظهرها هكذا ولجت داخل المكتب. عندها
نهض مارك ليحضنها بشدة وهى تنظر الى سروال الجينز الذى ودعته منذ زمن، فاغرة فاها لاتدرى
ماتقول، مد يده اليها نازعا منها البالطو، واستاذن وخرج قائلا: دعينا نرتحل من هذا
المكان فلن يطول بك المقام فيه ثانية. ابتسمت
بشدة متألقة وقالت له: ستدق الأجراس المعلقة فى غصون شجرتى هذا العام. هاهى ملامح وجهه
المضئ تاخذها بعيدا حيث لم يعد المقعد المجاور لها خاليًا ولم يعد قلبها خاويًا.أغتسلت
من أدران المصنع فمحت سنوات الشقاء من عمرها الغض، وسقطا فى بحر التدانى ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق