الفجوة السوداء
محمد نجيب مطر
قبل انصرافها من العمل أخبرت
السكرتيرة مهندس الصيانة عن تعطل ماكينة التصوير الرئيسية بالشركة وأكدت على تأكيد
الادارة على إصلاحها لأنها الماكينة الرئيسية في المطبعة وفي حالة توقفها يتعطل
الانتاج وتخسر الشركة، برغم طرازها الحديث وسعرها المرتفع، وكان ذلك خبراً سيئاً
للمهندس الذي كان يخطط لقضاء سهرة مع خطيبته في نادي نقابة المهندسين على ساحل
النيل في الزمالك، أما الآن فعليه أن يسهر هذه الليلة ويبذل قصارى جهده لإصلاحها
قبل طلوع النهار وحضور العمال، دخل المهندس المطبعة وأغلق بابها بعنف في ضيق، وقام
بفك الماكينة، وبدأ بتنظيف الأجزاء وتتبع عمل القطع وراقب حركتها الميكانيكية ولما
وجدها سلسة خمن أن يكون سبب العطل دائرة التحكم الالكترونية وخصوصاً دائرة الضغط
العالي، قام المهندس بفك بطاقة الضغط العالى وقام بتفريغ المكثفات التي تخزن
الطاقة الكهربية ثم بدأ في قياس القطع المختلفة على البارد أي بدون وجود تغذية
كهربية للدائرة، فوجد جميع القياسات سليمة، أعاد المهندس تثبيت البطاقة في مكانها
الصحيح، ثم وضع المفك في مكان تأمين غلق باب الماكينة حتى يتيح لنفسه قياس الجهود
أثناء عملها وهي مفتوحة وبها القدرة الكهربية، وضع المهندس ورقة بيضاء مكان ورقة
التصوير، ثم قام بتشغيل الماكينة وقام بقياس الجهود أثناء التشغيل، وأخذ يراقب
الحركة والجهود وبينما يركز على مراقبة حركة التروس اهتزت يده التي تقيس الجهد
العالي فحدث تماس كهربائي مفاجئ تبعه صوت انفجار عالي أطاح بالمهندس لعدة أمتار
وجعلت رأسه يصطدم بأحد ماكينات الطباعة القريبة، ففقد الوعي لفترة قصيرة أفاق
بعدها على صوت الماكينة وهي تخرج ورقة كبيرة من الماكينة بها دائرة سوداء وسط
الورقة البيضاء، كانت الورقة من الحجم الكبير وكانت الدائرة السوداء في وسطها
تماماً، نظر المهندس إلى الصورة الناتجة التي ليس لها أي علاقة بالمستند الرئيسي
الأبيض الفارغ.
أمسك المهندس النسخة ذات الدائرة
السوداء ووضعها على سطح الماكينة ثم وضع أحد المفكات فوقها ليجمع باقي الأدوات ففوجئ
بسقوط المفك داخل الماكينة، وضع المهندس يده على الفجوة السوداء في الورقة فوجد
يده تهبط للأسفل مخترقة سطح الماكينة والتقط المفك، رفع المهندس الورقة من على
الماكينة ووضع يده فاصطدمت بالسطح العلوي لها، فأعاد وضع الورقة ومد يده في الفجوة
السوداء فوجدها تخترق الماكينة فتعجب مما حدث، أتكون هي الفجوة السوداء التي يقرأ
عنها في علوم الفلك، تلك المنطقة التي تجذب كل الأجسام إليها وتذوب داخلها، أيمكن
أن يكون جهد الضغط العالي قد صنع فجوة
سوداء في ورقة التصوير.
أخذ الورقة ثم لصقها على الحائط ثم
مد جسمه داخل الفجوة السوداء وخرج من المطبعة، أراد الدخول من حيث خرج فلم يستطع،
دخل المطبعة من الباب، ثم أخذ الورقة وقام بلصقها من الخارج ثم مد جسمه داخل
الفجوة فاصبح في داخل المطبعة، ولمعت في رأسه فكرة فشرع في تنفيذها على وجه
السرعة.
أخذ الورقة وركب سيارته وانطلق إلى
مكان البنك الذي يتعامل ويعرف كل تفاصيله من الداخل، كانت الساعة تقترب من الواحدة
صباحاً والبرد يلف الوجود بدثار لا يمكن لأحد تحمله، دار حول البنك وتأكد أنه لا
أحد يراقبه واختار أقرب نقطة للدخول إلى خزينة، ثم لصق الورقة وأدخل منها شنطة
اشتراها على عجل من أحد المحلات في طريقه إلى البنك ثم دلف سريعاً إلى داخل الخزينة
الكبيرة التي كانت في حجم الغرفة مباشرة، أخذ يجمع الدولارات الكثيرة في حتى ملأ
الشنطة بالدولارات من فئة المائة، في نفس الوقت كانت رياح الشتاء تعوي في الخارج،
طارت الورقة من على الجدار، وحاول المهندس الخروج دون جدوى، أحس المهندس بالبرد
يخترق عظامه، ولم يستطع تحمل كل هذا البرد، فأخذ رزمة من دولات البنك واشعل فيها
النيران لكي يستدفئ بها.
حضر الموظفون في الصباح وكانت رائحة
اللحم المشوي تزكم الأنوف وبعض الأدخنة تتسرب من الخزانة المحكمة الإغلاق فبلغوا
الشرطة التي أتت على عجل وتم فتح الخزانة ليجدوا جثة المهندس متفحمة بجوار بقايا
النقود المحترقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق