أبي.. مصطفى الأسمر
أيمن مصطفى الأسمر
تخلق عملية الكتابة عن الأب الذى فقدته منذ أيام قليلة عبئاً نفسياً
وعاطفياً شديد القسوة والصعوبة، فإذا كان هذا الأب الذى فقدته مبدعاً وإنساناً
بقدر وقامة مصطفى الأسمر تتضاعف على الفور جسامة هذا العبء أضعافاً لا نهاية لها،
مصطفى الأسمر المولود فى منتصف ثلاثينيات القرن الماضى (25 يونيو 1935) والذى رحل
عن عالمنا (11 أكتوبر 2012) امتزجت مسيرة حياته مع العديد من أعماله الأدبية التى
تنوعت بين القصة والرواية والمسرح والدراسات الأدبية، نجده في روايته
"المشوار العظيم" التى صدر الجزء الأول منها عن سلسلة إبداعات التفرغ
بالمجلس الأعلى للثقافة (2009) يهديها إلى الإنسان خليفة الله في الأرض، وتدور
أحداث الرواية فى قالب فانتازي في سبعة أيام - من السبت إلى الجمعة - لكنها أيام
دائمة لا تنتهى إلا بانتهاء الحياة على وجه الأرض، أى يوم من هذه الأيام
السبعة ليس هو اليوم المألوف والمحدد بفترة زمنية هى 24 ساعة بل هو يوم بدايته منذ
حط الإنسان بقدمه فوق هذه الأرض فلا ينتهى إلا بنهاية هذا الكون، الأماكن السبعة
هى بعض الأماكن التى عاش فيها هذا الإنسان وستظل موجودة حتى قيام الساعة.
بدأت علاقة مصطفى الأسمر بالنشر في خمسينيات القرن الماضى بمجلات وصحف
مصرية وعربية مختلفة، وكانت له تجربة ثرية ـ مع آخرين ـ فى تأسيس جماعة ثم جمعية
"الرواد" الأدبية بمدينته دمياط كأول جمعية أدبية أهلية خارج العاصمة في
زمانها، وخاض من أجل دعم نشاط هذه الجمعية والمحافظة على استقلالها عن سلطة الدولة
خلال الستينيات وأوائل السبعينيات معارك عديدة، ولعبت الجماعة ثم الجمعية دوراً
ثقافياً وتنويرياً هائلاً تعدى دمياط ليشمل مصر بأكملها، ثم تدخلت الدولة فقضت على
الجمعية المستقلة ودمجتها قسراً في جمعية "رواد قصور الثقافة"، وقد توقف
بعدها عن الكتابة لفترة تقارب عشر سنوات، وإن ظل متابعاً للحركة الثقافية
والأدبية.
أصدر مصطفى الأسمر مجموعته القصصية الأولى "المألوف والمحاولة"
بالماستر فى أوائل الثمانينيات، ويبدو من اسم المجموعة اهتمامه بالتجريب منذ
بداياته، أما آخر أعماله المنشورة فى حياته فهى رواية "الرعية تبتسم والحكومة
تشاطرها الأحزان" (2010) ورواية "متتابعة الموت والحياة" (2011)،
وتتجلى في الأولى روحه الساخرة وولعه باستدعاء الموروث الشعبي، وتوظيف ذلك في قالب
فانتازي يناقش العلاقة الأزلية الشائكة بين الرعية والحكومة في كل زمان ومكان، أما
في الثانية فيتناول حياة شخصية عاشت عمرها تشغلها الحياة والوطن، ويمثل البحر
مصدراً للإلهام الأساسي لهذه الشخصية، كذلك كل مفردات الطبيعة التي لها رموز خاصة
عند هذه الشخصية التي قاربت على إنهاء الحياة، ويقدم تصوراً عاماً لحياة كبار السن
وعلاقاتهم بالأشخاص والأشياء، كما ترصد التحولات النفسية والذهنية في لغة جديدة.
وبين البداية والنهاية تتنوع أعمال مصطفى الأسمر "لقاء السلطان"،
الصعود إلى القصر"، "انفلات"، "غوص مدينة"،
"الحظ"، "ابتسموا للحكومة"، "حيوانات"، "هذه
الأقوال لكم"، "هنا"، "رحلة س"، "جديد الجديد فى
حكاية زيد وعبيد"، "الغالب والمغلوب"، "إظلام فى
الظهيرة"، فضلا عن كتابه المحبب إليه والقريب إلى نفسه والذي أعده عن عمه
الشاعر الكبير محمد الأسمر تحت اسم "رحلة شاعر"، وله العديد من الأعمال
التي لم تنشر بعد ونأمل أن يتم نشرها تباعاً.
تناول أعمال مصطفى الأسمر العديد من كبار الكتاب والنقاد، نذكر منهم د/
عائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ" والتي ارتبط بها وبزوجها الشيخ أمين
الخولي بعلاقة قوية فيما بعد، أ/ علاء الدين وحيد، أ/ عبد الرحمن فهمي، أ/ صالح مرسي،
د/ سيد حامد النساج، أ/ سامي خشبة، د/ عبد العزيز شرف، د/ عبد المنعم خفاجي، د/
حمدي حسين، د/ جمال التلاوي، أ/ محمد قطب، د/ مدحت الجيار، أ/ حزين عمر، أ/ عمر
شهريار وغيرهم.
عندما ذهبت إليه ذات يوم وكنت في السابعة عشر على ما أتذكر بقصة كتبتها،
كانت فرحته بها كبيرة وأصبح من يومها القارئ والناقد الأول لكتاباتي، كان يقول لي
رأيه لكنه لا يفرض عليَّ شيئاً، وقد أهديت إليه مجموعتي القصصية الأولى
"الوقوف على قدم واحدة" اعترافاً بفضله، ثم أسعدني الحظ أن قدم دراسة
ملحقة بروايتي الأولى "التحولات".
كان مصطفى الأسمر بشهادة كل من عرفوه سواء داخل الوسط الأدبي والثقافي أو
فى حياته العادية إنساناً نبيلاً مخلصاً، ومبدعاً كاشفاً، شديد التواضع والترفع عن
المتاجرة بأعماله، وهكذا ستظل ـ بإذن الله ـ ذكراه وأعماله علامات مضيئة في مشوار
الأدب المصري والعربي الحديث.
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق