من أحلى الأيّام
بقلم: عبد
الله لالي
الجزائر
63 ..
مع معجم أعلام بسكرة..
أهداني صديقي الفاضل الأستاذ عبد
الحليم صيد[1]
كتابه الجديد ( معجم أعلام بسكرة ) والذي كنّا ننتظر صدوره منذ مدّة طويلة
بشغف بالغ، ولمّا نظرت فيه وجدت كتابا أنيق الطباعة جميل الخط حسن التنسيق والبناء
كما يقول الأقدمون؛ ثريّ المادّة عالي القيمة..
يُعتبر ( معجم أعلام بسكرة ) إضافة
نوعيّة للمكتبة العربيّة عموما والجزائريّة خصوصا، ويقع الكتاب في حوالي 255 صفحة
من القطع المتوسّط صدر عن محافظة[2]
المهرجان الثقافي المحلي لولاية بسكرة، وطبع في ( دار الهدى ) بعين مليلة.
وتأتي أهميّة الكتاب من حيث أنّه
أوّلُ معجم يصدر عن أعلام منطقة بسكرة، وصدّر للكتاب كلٌّ من مدير الثقافة لولاية
بسكرة والشيخ الأستاذ عبد القادر عثماني والأستاذ المؤرّخ سليمان الصيد ( رحمه
الله )، وشاءت الأقدار أن يكون الأستاذ سليمان الصيد أحدَ المترجمِ لهم في الكتاب،
وذلك لأنّه توفي قبل صدور الكتاب وكان قد كتب له المقدمة في 2002 م وتوفيَ عام 2004 م وهذا يحيلنا على
المنهجيّة التي اتبعها الكاتب في وضع تراجم الكتاب وقد اتبع فيه منهجيّة خاصّة
ذكرها في مقدّمته ومما ذكره فيها أنّه:
-
يترجم للأعلام المتوفين
-
يعتمد الاختصار والاقتصار على ذكر المعالم الرئيسيّة في
حياة المترجم لهم
-
الاستئناس ببعض النصوص التي تشهد للمترجم بالعلم أو
الصلاح
-
الترجمة للأعلام المتوفين الذين لهم صلة بمنطقة الزاب (
بسكرة ) بالولادة والنشأة أو الإقامة إلى عهد الوفاة ثمّ الدفن. وكما يقول الكاتب
نفسه" وبهذا الشرط يخرج كلّ من له صلة بالمنطقة بأصل، أو إقامة غير دائمة،
ولا مقرونة بدفن."
وإذا نظرنا إلى مقدّمة المؤلّف
التي كتبها في أكتوبر 2012 م ومقدّمة الأستاذ سليمان الصيد المكتوبة في 2002 م
فإنّنا نجد بونا شاسعا بين المقدّمتين ونعرف أنّ الكتاب أو جلّه على الأقلّ تمّ
إعداده والفراغ منه قبل مقدّمة الأستاذ سليمان الصيد، ولكن لظروف ما لم يتمكن
الكاتب أو لم يرغب في طبع الكتاب. وأخّره عشر سنوات كاملة وأضاف إليه ترجمة سليمان
الصيد وترجمات أخرى بلغت العشرة، كما أخبرني الكاتب نفسه، وزاد ونقّح في الكتاب
بقدر ما تقتضيه الحاجة.
وكِتاب بدئ فيه سنة 1999 م وتمّ
بعد ما يقارب الثلاث عشرة سنة لا شكّ أنّه يكون كتابا محكما ودقيقا، لاسيما إذا
كان مؤلفه مثل الأستاذ عبد الحليم في دقته وتتبعه وحسن عنايته بالبحث التاريخي،
وأنا أعلم ذلك من الكاتب ربّما ما لا يعلمه غيري ونفر قليل ممن خالطوه وعاشروه،
وقبل أن أتحدّث عن متن الكتاب لابدّ من الحديث عن بعض ميزاته العامة وخصائصه جملة.
فأوّل ما لفت انتباهي في الكتاب؛
الإهداء والذي ذيّله باسم المؤلّف ونسبه إلى جدّه فقال على طريقة المؤرّخين
والكتاب القدامى أو ما اصطلح على تسميّتهم بالمحافظين: عبد الحليم صيد ابن ساعد بن
عبد الحميد، وذِكرُ الكاتب اسمه بهذه الطريقة غير الشائعة في عصرنا هذا له مناسبة؛
تتوافق مع موضوع الكتاب الذي هو معجم لتراجم أعلام بسكرة، ثمّ هو بعد ذلك يرمي إلى
إحياء سنّة كادت تندثر وتزول وهو ذكر اسم الأب والجدّ في التعريف بالنفس، وعدم
الاقتصار على ذكر الاسم مضافا إليه اللّقب، وهي عادة رسخها فينا الاستعمار البغيض
لننسى بذلك آباءنا وأجدادنا الأُوَل. فيزول التاريخ وتذهب الأمجاد.
الأمر الثاني الذي لفت انتباهي في
الكتاب هو الحديث الذي صدّر به مؤلفه؛ كلمة ( شكر خاص ) حيث قال:
" قال الرسول الأعظم صلى الله
عليه وسلّم: ( لا يشكر الله من لا يشكر النّاس ) " أخرجه أحمد في المسند عن
الأشعث بن قيس مرفوعا.
ليس من المعتاد لدى الكتّاب تخريج
الأحاديث بهذا الشكل؛ إذا لم يكن موضوع الكتاب له صلة بالفقه أو علم الحديث أو
الفتوى، وإذ فعل الأستاذ عبد الحليم ذلك ينبئ عن اهتمامه بعلم الحديث وعنايته به،
وقد كانت لي معه وأصدقاء آخرون في ما مضى من السنين؛ حوارات ومناقشات في علم
الحديث استفدنا منها أيّما استفادة، وضلّت آثارها تمدّنا بالنفع والخير إلى يومنا
هذا.
الأمر الثالث تقديم الكتاب بثلاث
مقدّمات الأولى لمدير الثقافة لولاية بسكرة الأستاذ عمر كبّور والثانية للأستاذ
الشيخ عبد القادر عثماني؛ شيخ زاوية طولقة، والثالثة للأستاذ سليمان الصيد –رحمه
الله- بالإضافة إلى قصيدة تقريظ من قبل الأستاذ صالح يعقوب كان مطلعها:
أقول لحبّ وضعت كتابا * * نفيسا جديرا لكلّ خليل
فنعم الأنيس تضمّن إرثا * *
يخلد قوما كرام الأصول
وهي شهادات أربع تنبي عن أهميّة
الكتاب وقيمته العلميّة..
رتّب المؤلف كتابه ( المعجم ) على
ترتيب حروف الأبجديّة، كما جرت العادة في مثل هذه التآليف وجعل اللّقب أو الكنيّة
هي الأصل في الترتيب ربما لكثرة الأسماء وتكرارها، أو لشهرة أصحابها بها أكثر من
اشتهار الاسم نفسه.
وعدّة من ترجم لهم الكاتب بلغ 170
علما أو شخصيّة من الشخصيّات البسكريّة قديمها وحديثها، وهذا يدلّ على غنى المنطقة
بأعلامها ورجال العلم والأدب والإصلاح فيها، وأنّها من أزخر مناطق الجزائر
بالعلماء والمشاهير.
وفي ( معجم أعلام بسكرة ) لا يكتفي
الكاتب بإيراد نبذة عن حياة الكاتب ونشأته، بل يذكر معها أعماله ومؤلفاته إن كان
له مؤلفات، أو انجازاته العلميّة والأدبيّة، ويذكر أحيانا بعض المغمورين من
الأعلام، فيقول أنّه لم يعرف عن حياته شيئا، مثل الفطناسي الذي قال عنه:
" محمّد الفطناسي البسكري
عالم صوفي مؤلّف من أهل فطناسة وهي قرية كانت موجودة قرب مدينة بسكرة ثمّ اندثرت
الآن، لا نعرف عن حياته شيئا "
وترجمته كلّها لم تزد عن ستة أسطر،
بينما في تراجم أخرى قد يترجم للعلم في صفحتين أو ثلاث وهذا عائد – بطبيعة الحال –
لتوفّر المعلومات أو ندرتها بحسب الشخصيّة المترجم لها، كما عمد الكاتب إلى
الاستعانة بالصور المعرّفة بكلّ شخصيّة لاسيما الشخصيّات التي أدركت زمن التصوير
وتركت صورا عنها.
كما حفل الكتاب بكثير من الهوامش
الهامّة التي تزيد التراجم توضيحا، أو تعلّق عليها أو على مصادرها أو من كتب عنها
تعليقات مفيدة وهامّة لا يستغنى عنها.
وذيّل الأستاذ عبد الحليم صيد
كتابه هذا بقائمة أسماء المصادر والمراجع، التي استعان بها في تأليفه هذا المعجم المتميّز،
ومنها جملة من المخطوطات وقد بلغت العشرين ما بين وثيقة وكتاب مخطوط، أمّا
المطبوعات ( كتبا ودراسات ) فعَدَّ منها 122 عنوانا، فضلا عن الأبحاث والدّراسات
التي نيفت على الأربعين.
وختم كتابه بفهرس للأعلام المترجم
لهم في هذا المعجم وفقا للترتيب الأبجدي الأمر الذي يسهّل على الباحث والدّارس
الرجوع إلى كلّ علم في مكانه بكلّ سهولة ويسر.
والكتاب في مجمله أُعدّ بعناية
فائقة وبطريقة علميّة دقيقة، لا ينبغي أن تخلو منه مكتبة مثقّف أو باحث متخصص،
ففوائده جمّة ومنافعه عظيمة، ومادته دسمة وموضوعه قليل في بابه، شامل لأعلام طالما
غمرهم الزمن وكاد ينساهم النّاس.
[2] - قامت محافظة المهرجان المحلّي لولاية بسكرة في
الفترة الأخيرة بنشاطات ثقافيّة متميّزة ونوعيّة، وأشرفت على عديد من الفعّاليات
في المجال الثقافي بعثت بها الروح والحيويّة في الساحة البسكريّة، كما سهرت على
طبع مجموعة من الكتب الهامّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق