2013/01/26

مسابقة (مملكة السرد العربي) القصصية تجربة في التفاعل المباشر بين الكاتب والقارئ


مسابقة (مملكة السرد العربي) القصصية
تجربة في التفاعل المباشر بين الكاتب والقارئ
متابعة ـ علي كاظم
استثماراً للفضاء التفاعلي المتاح في الفيس بوك، وبهدف تنشيط الحركة الابداعية في المجال القصصي، عمدت مجموعة (مملكة السرد العربي) إلى اقامة مسابقة قصصية، تستند إلى تصويت القراء مباشرة لاختيار القصة التي اعجبتهم لتفوز باحد المراكز الثلاثة في المسابقة. وقد اسفر عن التصويت فوز قصة (حبّـة البندورة) للكاتبة فاطمة محمد الفضلي بالمركز الأول. بينما أحرزت قصة (محاولة) للكاتب حسين الهاشمي المركز الثاني. في حين حازت المركز الثالث قصة (شيخ وشمس شتاء) للكاتبة إنعام عبد العزيز. وقد شارك في المسابقة 37 من مختلف البلدان العربية، وكان من بين المشاركات نصوصاً جميلة حازت اعجاب القراء لكن لم يكتب لها الفوز.
الجديد في هذه التجربة انها اوجدت تفاعلاً مباشراً بين الكاتب والقراء، وخلقت نقاشاً واسعاً، في حين أبدى بعض الكتاب، عبر تعليقات لهم، مبررات اختيارهم وتصويتهم لهذه القصة دون غيرها. فقد كتب، مثلاً، الكاتب جمال الفزازي تحت قصة (حبة البندورة) : اعجبتني القصة لانها احسنت حبك متتالياتها/ وحداتها السردية، بتلقاية الحكي وعفويته، التي تحيل على الطفولة ... وحدث موت الاب فعل ايجابي في البناء السردي.
بينما كتب عن قصة (محاولة) الدكتور محمد عبد الرضا شياع معنوناً تعليقه بـ (شعريّة التّشاكل): "يسجّل الكاتب انتقالة نوعية من الواقع المتخيّل إلى الواقع الحالم. في اللحظة الأولى يرمز إلى الموت بالعاصفة ويفعّله بالتوصيف، ثم يرمز للأم بالشجرة، وهنا يُضحي الترميز مركّباً نظراً للأبعاد التي تحملها الشجرة بوصفها دالّاً متعدّد التجليات في الثقافات الكونية. بعد ذلك ينهض الواقع الحالم الذي يتجسدن في سلوك الطفل؛ وبذلك نكون في سياق تشاكل يتجاذبه الموت والحياة، الواقع المتخيّل، والواقع الحالم، ولعل ذروة التشاكل تنشأ بين المذكر والمؤنث، المفارقة هنا أن المؤنث أقوى من المذكر، حتى إن فعل الموت جاء متخفّياً بهذا الرداء، وإذا شئنا التعمّق أكثر نجد أن الصغير يتّسم بقوّة المواجهة القائمة على الحلم، في المقابل يسجّل عجز الكبير حضوره في حيرة الأب. وعليه يكون الكاتب قد سجّل مفارقة نوعية في ظل نسق الكتابات الفلسفية التي تصنّف الأنثى والصغير في نسق الضعف، والعكس تماماً بالنسبة للذكر والكبير، هكذا نكون مدعوّين لقراءة هذا النص في ظل أطروحة سيميائية التشاكل. لكن في المقابل أن كل هذا لا يُنجَز إلاّ في ابتناء لغوي (حادّ) لذلك نطالب الكاتب بإعادة ترتيب بناء اللغة على صعيد الكتابة الإملائية بحذف همزة القطع من (لأقتلاع)، وتنوين (أيضا)، ثم حذف كلمة (يهرع) لأن التكرار هنا في نظري لا يمنح البناء اللغوي قوة الإلحاح المعنوي، بالقدر الذي يمنحه الشكل والخطاب الذي تعهّدت به نقاط الحذف أو الفراغات المؤثّثة للنص".
الكاتب سلام عبيد علق على قصة (شيخ وشمس شتاء) قائلاً أن في القصة: "تصوير سلس للألفة التي نفتقدها، بأعين الآخرين كلما تقدم بنا الزمن ... اجادت الكاتبة في وضع حد للخوف من وحشة قاتلة توقعنا فيها تصوراتنا ان التهمت السنون احبابنا".

القصص الفائزة:
حبّـة البندورة
فاطمة محمد الفضلي

في صباح يوم شاحب استيقظ من نومه، حمد الله على كلّ شيء، ودّع أسرته وذهب إلى عمله في الحقل، وحين أنهى عمله عاد إلى منزله الأثري الصغير، استقبلته طفلته ضاحكة، سألته: ماذا جلبت لي معك اليوم يا والدي؟ مدّ الوالد يده في جيبه، أخرج لها حبّة (بندورة)، ناولها إياها فابتسمت وعادت إلى غرفتها، جلس وأكمل قراءة تاريخ أجداده اللعين، وعندما انتهى من القراءة أغلق الكتاب وحمد الله لأنه لم يكن يوماً من الأيام مثلهم.
ككلّ يوم استيقظ في الصباح الباكر وذهب إلى العمل... عاد إلى البيت، استقبلته طفلته، سألته السؤال ذاته: ماذا جلبت لي معك يا والدي؟ مدّ يده في جيبه، لم يجد أيّ شيء، تفاجأ كثيراً حين وجد جيبه المعتّق بعرق الأيام مثقوباً، اعتذر من طفلته لأنّه لم يُحضر لها شيئاً، ابتسمت وعادت إلى غرفتها.
عندما جاء الليل طلب من زوجته أن ترقّع الجيب البائس، نهضت وأرادت إنارة المكان ولكنّها قالت له: (ليس في قنديلنا زيت) تأوّه الرّجل قائلاً: حسناً! رقعيه لحظة تستيقظين في الصباح. لم تنم الزوجة خشية أن يفوتها الوقت، أشرقت الشمس فأمسكت بالإبرة ويداها ترتجفان من شدّة التعب. 
لبس جلبابه، مرّ لأول مرّة على غرفة ابنته، شاهد في الغرفة علبة زجاجية احمراريّة التوهّج، ابتسم بعمق وهو ينظر إلى صغيرته كيف تعانق أهدابُها أحلاماً لم تزرها أبداً، فظلّت ابتسامة طفولتها رفيق رحلته ذاك اليوم.
سألت الفتاة أمها بقلق: لقد تأخر والدي اليوم عن موعد مجيئه؟ أطرقت الأم قليلاً ثم رفعت رأسها ونادت بأعلى صوتها: بُنيّتي لقد عاد أبوك.. ركضت نحو أبيها، وجدته ملقىً على الأرض، وإذا بالوالد شعر بالدوار في طريق عودته؛ وكأنّ الشمس داعبته كثيراً هذا اليوم، قبّلته وكلّمته: هل أنت متعب يا والدي؟ مدّت يدها في جيبه، أخذت حبة (البندورة) وعادت إلى مكانها.
مضت فترة فأدركت أنّ أباها لن يجلب لها شيئاً بعدُ، غادرت المنزل خلسةً وهي تحمل في يدها العلبة الزجاجية، وصلت إلى قبر أبيها، جلست عنده، أخذت ترتّب تلك الكرات الحمراء على القبر، صنعت منها شكلاً عجيباً، ذرفت دمعة وحيدة ندّت بها ثرى القبر، وعادت... 

محاولة
حسين الهاشمي

العاصفة المخبولة في طريقها لاقتلاع شجرة البيت الوحيدة, والحيرة تعصف أيضا بوجه الأب العاجز ... وقبل انهيار كل شيء ، يهرع الطفل ... يهرع لتصحيح جهاته الأربع في كراسة رسوماته ........... ثم ينام بهدوء. 

شيخ وشمس شتاء
إنعام عبد العزيز

يجلس على كرسي مريح مصنوع من شجر البامبو في البرندة المطلة على الشارع الذي لا يهدأ من حركة السيارات... يلبس معطفا قصيراً... وثوباً شتوياً طويلاً مع جورب سميك . بجانبه حذاؤه، مكسورة نهايته عند الكعب ... يلقي برأسه للخلف مباشرة للشمس... يضع ساقيه على وسادات عالية فوق الأرض ليقيها برد الرخام!
تأتي غيمة خفيفة تمر من أمام الشمس... فيتململ ...! لكنها تذهب سريعاً... يحرك رأسه... يفتح عينيه الصغيرتين ... يطلب كأس ماء ثم يعود لوضعه السابق...
هي تجلس أمامه تراقبه... تحت معطف شتوي ثقيل... وقبعة مهترئة منسوجة من صوف قديم له وبر ... عيناه اصبحتا أصغر من اللازم , وأنفه أكبر من حجمه الطبيعي يتدحرج للأسفل من ضغط نظارتة الثقيلة فوقه... فيتكور ويصبح لونه مائلا للأحمر الداكن على غير لون وجهه الأبيض الجميل ... حاجباه كثيفان ولحيته شبه طويلة بيضاء، لا تؤذي الناظر لها، لترتيبها المنسق بل المفرط فيه ...! يشبك كفيه بعضهما ببعض أسفل بطنه بتركيز.
تراقب كل حركاته حتى تتدبر الأمر قبل ان ينزعج , تراقب السماء...! تصنف الغيمات إن كانت كبيرة سوداء يصعب على الهواء تحريكها بسرعة أم صغيرة بيضاء رشيقة... وبينما هي على هذه الحال، أحست بثقل في جفونها , تدلى رأسها فوق صدرها فتسلل النوم اليها..!!.
أحست بجو رطب فجأة ..!! انتفضت مفزوعة..!!  غيمة سوداء غطت الشمس ... احست بالذنب ... لم تنجح بابعادها ... سهت وغفت... لو انها بقيت تراقب السماء بنشاط لكان الأمر اختلف. تنحنح وقال لها : برد!... لم تدرِِ ماذا تقول .. تنظر الى الغيمة مرة، واخرى الى وجهه الذي يرتجف من غياب الشمس..سألته ان تحضر له بعض الأغطية ، أو أن ينتقل لينام بالداخل ... لكنه لم يرد على سؤالها...
نهضت ... حاولت ان تغير له موقع الكرسي الى اقصى زاوية في البرندة ... رفض ان ينهض قال لها: لا اترك شمس الشتاء واذهب للداخل... انفرج الأمر ..ذهبت الغيمة ثقيلة الظل ..عاد كما كان... امسكت بحديد النافذة.. رفعت عينيها الى اقصى مدى يمكن أن تراه ... لتتأكد أن لا غيوم كبيرة ستأتي لتزعجه... لكنها السماء ...!! ومن يستطيع ان يتحكم بما ترسله السماء ... حتى وان راقبتها ...!؟ مع ذلك بقيت تراقبها!...

ليست هناك تعليقات: