2015/08/20

البطل الشهيد زيغود يوسف: القيمة والقيم بقلم: د.محمد سيف الإسلام بـوفـلاقـــــة



البطل الشهيد زيغود يوسف: القيمة والقيم  
د.محمد سيف الإسلام بـوفـلاقـــــة
-جامعة عنابة-
        البطل الشهيد زيغود يوسف هو أحد رجال الجزائر الأفذاذ الذين لعبوا دوراً ريادياً و رائعاً في الجهاد المسلح ضد الاستدمار الفرنسي،تميز بذكائه الخارق، وقد كانت سيرته،وجهاده وعبقريته وما تزال نوراً يسطع ويتجدد عبر الأجيال لتؤكد عظمة هذا الشهيد البطل الذي يذهب الكثير من الدارسين والمؤرخين إلى التأكيد على أنه هو الذي غير مجرى تاريخ الثورة الجزائرية المظفرة بتصميمه لخطة هجومات 20أوت1955م التي شكلت مرحلة حاسمة في الكفاح التحرري الجزائري،ومنعرجاً رئيساً لاكتساب الثورة الجزائرية  المباركة طابعها الشعبي،وأعطت ضربة قاصمة للاحتلال الفرنسي الذي حاول القضاء على الثورة المجيدة في عامها الأول حتى لا تشمل مختلف أنحاء القطر الجزائري،كما منحت  هجومات20أوت1955م  بعداً دولياً للثورة الجزائرية، وعجلت بدخولها إلى الأمم المتحدة،وكانت هزيمة كبرى لا تُنسى لكبار جنرالات فرنسا.
          فهجومات20أوت1955م هي واحدة من أهم الذكريات النضالية المجيدة في تاريخ الجزائر،فالأحداث العظيمة تنمو وتكبر قيمتها مع مرور الزمن،وتظل معانيها وقيمها خالدة في نفوس الشعوب ،نظراً لما تستمده منها من زخم وصور خالدة تبث الثقة في النفوس،فمراحل النضال والانتصار تعتبر صفحات خالدة تفرض على الأجيال المعاصرة أن تعتني بها عناية بالغة من أجل تحقيق تواصل تاريخي وحضاري يربط الماضي بالحاضر،ويبني جسور تواصل وطيدة بين السلف والخلف وينير الدروب.
     إن هجومات20أوت1955م تعتبر من المحطات المفصلية التي مرت بها ثورة التحرير المجيدة،وهي الحدث الأبرز الذي حقق الكثير من الإنجازات الكبيرة للثورة الجزائرية في عامها الأول،كانت لها تأثيرات  عميقة على مسار الثورة وتطورها،وانعكست نتائجها على المستوى المغاربي والإقليمي.
         وصاحب الفكرة ومن خطط لهذه الهجومات هو البطل الشهيد زيغود يوسف،حيث يذكر المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط أنه في شهر     جويلية1955م تحدث زيغود يوسف مع كل من بوقادوم بشير وبوبنيدر،وبوجريوي،واسماعيل زقات،وساسي وبوركايب وبوشريخة ومجموعة من معاونيه المقربين من منطقة الوسط عن المشروع وبرمج اجتماعاً مع بن طوبال وبن عودة،وقد تم الاجتماع الذي حضره أكثر من مائتي جندي من بينهم عمارة العسكري بالمكان المسمى( قندابو) الذي يبعد خمسة عشر كيلومتراً عن سكيكدة،ولم تتسرب أية أخبار إلى مصالح الاستخبارات الفرنسية،وخلال التسعة أشهر التي سبقت هجومات 20أوت1955م عمل زيغود يوسف مع مجموعة من مرافقيه جاهداً على تنظيم سكان الأرياف والمدن بالناحية الثانية من الشمال القسنطيني.
         يقول الباحث صالح جراب في كتاب موسوم ب: ( زيغود يوسف:قيم ومواقف) الذي صدر حديثاً عن منشورات مؤسسة بونة للبحوث والدراسات: «فإذا كان الأمير عبد القادر رجل دين ودولة (مشروع مجتمع ودولة)  فإن "زيغود يوسف" بعبقريته وحنكته أنقذ الثورة من الضياع ، وغير مجرى التاريخ ، وخطة 20 أوت 1955 شاهدة على ذلك فيها هـزم عشرات الجنرالات والمارشالات الفرنسيـين المشهود لهم بالنظام والتنظيم ، ومن ورائهم الحلف الأطلسي  بأرمادته الجهنمية التي رست بميناء سكيكدة ، ومن نتائج هذه الخطة فك الحصار المضـروب على الأوراس قلعة الثورة العتيـدة التي ظلت تقاوم ، إلى أن وجدت من يساندها ويقف إلى جانبها،لقد جاء في وقت قصير ، ثم مضى سريعا ، ليترك الثورة تمضي آمنة  بعد أن صحح مسارها!  
    كان الوطن في أمس الحاجة إلى من يحميه ، ويعيد له مجده السليب حتى يخلصه من نير الاحتلال الغاشم ، الذي ظل يرزح تحت وطأته عشرات السنين ، إلا أن قيض الله  له رجالا مخلصين كانوا كالسد المنيع ، في وجه الغزاة ، أمثال هذا البطل الفذ زيغود يوسف ، الذي لولاه لكان للوطن شأن آخر ،وظل رفاقه من بعده يواجهون العدو بكل ما لديهم من سلاح الإيمان وصدق العزيمة ، فمنهم من قضى نحبـه ، ومنهم من ما يزال يناضل ، وما بدلوا تبديلا ،والتاريخ الجزائري حافل بالبطولات والأمجاد ، وما زالت مآثره تضيء درب الحرية لكثير من الشعوب المقهورة ، في شتى بقاع العالم  ويكفي الثورة الجزائرية فخرا ، أنها توصف بثورة الشهداء .
    يحسن بنا أن نلتفت إلى هذا البطل الشهيد ، ونتحرى في حياته الدؤوبة ، والظروف التي بوأته هذه المكانة المرموقة  وساهمت في إعداده ليكون قدوة لجيلنا وللأجيال القادمة» .
         ومن جهة أخرى يقول المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط ووزير المجاهدين الأسبق في كتابه: «زيغود يوسف الذي عرفته» والذي يعد مساهمة ثمينة وجادة في إضاءة الكثير من الجوانب الهامة من شخصية الشهيد البطل زيغود يوسف،بعد أن تساءل:   من هو زيغود يوسف؟
        «ما أن يذكر هذا الاسم إلا وتستحضر ذاكرة الجزائريين اسم الوطني الذي كان عضو( 22)،اسم ذلك الذي زعزع أمن المحتل بالشمال القسنطيني،اسم الذي نظم الأيام الثلاثة20-21-22أوت1955.هذه الأيام التي سمحت للشعب الجزائري بأن يغوص في المقاومة التحريرية ليبين لفرنسا الاستعمارية أن عهد الشغب المحلي انقضى بدون رجعة.
     زيغود يوسف كرّس شبابه للجزائر،توفي في سن الخامسة والثلاثين( 35)لم يخصص لعائلته سوى ست سنوات( 06)من عمره.انخرط منذ الثامنة عشرة في حزب الشعب الجزائري،وقد تمكن من أن ينتخب مستشاراً بلدياً.
      ولد زيغود يوسف بقريدة كندي سمندو( حالياً بلدية زيغود يوسف)عاش طفولته قرب والدته وجده( والد أمه).غرابي محمد الطاهر بكندي سمندو.لقد كان يتيم الأب.من مواليد كندي سمندو حيث قضى طفولته بمدرستها القرآنية ثم بالمدرسة البلدية الفرنسية للأهالي.اجتاز امتحان الشهادة الابتدائية بمركز الحروش بامتياز.بكندي سمندو بدأ حياته كرجل بجانب عائلته إذ صار صانعاً. وانطلاقاً من هذه القرية كندي سمندو كتب زيغود يوسف صفحة تاريخية ينبغي أن نعرفها ونتأملها...» ( ص:9 وما بعدها).
             واعتماداً على منظور الباحث صالح جراب في كتابه( زيغود يوسف:قيم ومواقف)،فالبطل الشهيد زيغود يوسف يمتد نضاله من انتقاله من الكشافة الإسلامية إلى الانخراط في صفوف حزب الشعب الجزائري   وعمره لا يتجاوز الثامنة عشرة ، وقد أصبح المسؤول الأول لهذا الحزب ، ناحية السمندو ، رغم صغر سنه ، واستمر في النشاط السياسي ، يناضل متحديا غطرسة الاستعمار ، هازئا بوعيده ، وكان خلال هذه الفترة نموذجا للسلوك الحميــد ، والخصــال السامية ، أخلاقيا ودينيا ، متشبثا بالقيم الإسلامية ، والوطنية النبيلة ، وهو الشيء الذي أكسبه تقدير رفاقه، ليتحمل المسؤوليات الكبرى ، وكانت له مسؤوليات تنظيمية ، اضطـلع بها على أحسن ما يرام ، فكون رجالا مناضلين ، شحنهم بالعزيمة والروح النضالية العالية ،ولا غرابة أن تسند له مهمة الإشراف على مظاهرات  8 ماي 1945 السلمية بناحية - سمندو - مما جعله ينجح في تنظيمها حيث قام أثناءها بإخفاء (24) بندقية بمنزله .ويشير في هذا الصدد المجاهد (بولعراس) أن "زيغود يوسف" هو الذي أشرف على عملية الإعداد للمسيرة  بالجهة ، وعقد في هذا الشأن اجتماعا بمسجد القرية ، تحددت فيـه خطة المسيرة   واللافتات المحمولة ، وكذلك العلم الوطني .
       ويُنبه الباحث صالح جراب إلى أن زوجته (عائشة) هي أول من صنع راية جزائرية في المنطقة  صنعتها بمساعدة إحدى جاراتها التي تدعى (نيني حلاّسة)  وكذلك اللافتات التي كتبت عليها شعارات وطنية ورفرف هذا العلم الجزائري في سماء - سمندو- لأول مرة ، مما جعل عدداً كبيراً من الناس يعتقدون أن الثورة اندلعت في ذلك الوقت بالذات ،وفي سنة 1947 برز "زيغود يوسف" كنموذج لحركة الانتصار للحريات الديمقراطية ، في القوائم الانتخابية لبلدية –سمندو- إذ فاز في هذه المعركة الانتخابية فوزا ساحقا ، رغم مكائد الإدارة الاستعمارية ، وألاعيبها التزويرية ، هذا الذي جعله يتأكد أكثر بأن القوة الحقيقية تكمن في قلوب الجماهير ، لا في غطرسة الاستعمار الفرنسي .وأصبح نائبا لرئيس بلدية – سمندو- من عام 1947 م حتى عام 1949 م.

 وفي غمرة نشاطه النضالي ، وتطلعاته واتصالاته بالمسؤولين الكبار في المنظمة السرية   لحركة الانتصار للحريات الديمقراطية ، أشرف “زيغود يوسف “ على تنظيم هذا الجهاز السري في بلدته ، وتطور نشاط هذا الجناح  السري الشبه عسكري ووسع مجاله في الناحية ،ورغم سرية هذا التنظيم فقد تمكن بوليس العدو من اكتشافه سنة 1950م على إثر ما يعرف بحادثة تبسة ، ومؤامرة 1950م ، وتم على إثر ذلك اعتقال مئات المناضلين ، من التنظيم السري للحزب ، في عدة مدن وقرى من التراب الوطني ، ومن بينهم "زيغود يوسف" حيث ألقي القبض عليه بتاريخ 22/03/1950م ، ونقل إلى سجن عنابة ، وحكم عليه بـ (20) سنة حبسا ، إذ حوكم بتهمة (المس بالأمن الخارجي للدولة) ، ومن ضمن رفاقه الذين ألقي عليهم القبض في المناسبة نفسها ، ابن زعيم محمد المستـــشار لدى بلدية (بونا) عنابة ، وعجـــومي إبراهيــــم بن مصطفى ،و مصطفى بن عودة ، وبكوش عبد الباقي ، الذين كانوا على متن عـــربة واحـــدة ، ومن الذين ألقي القبـــض عليــهم ابن عمــه الطاهر بـ – كندي سمندو- وهنا تروي (الحاجة زبيدة) ، وهي تتذكر يوم إلقاء القبض على أخيها ، سنة 1950م ، وكيف كان سريع البديهة ، لا تزعزعه الأحداث ، مهما كبرت ، حتى لو تعلق الأمر بحياته ، فتشير أنه عندما شاهد عربة البوليس ، وكان وقتها يصلح سقف بيته ، أمر على الفور زوجته بإخفاء كل الوثائق السرية في صدر ابنته (شامة) ، البنت الوحيدة التي ظلت على قيد الحياة حتى استقلال الجزائر ، وهي من أبنائه الستة ، وهكذا ظهرت براعة هذا القائد الفذ في أصعب اللحظات ، ولم تتمكن السلطات الاستعمارية من العثور على الوثائق ، باستثناء الكتب التي كان يطالعها،وبعد بضعة أشهر ، ألقي القبض على (بوشريحة بولعراس) وتمكن هذا الأخير أن يحضر عملية الفرار من السجن ، التي نظمها البطل الشهيد "زيغود يوسف".

    وقد لخص الباحث صالح جراب عدة محطات متميزة من مسيرة الشهيد البطل زيغود يوسف،حيث جاءت في كتاب: ( زيغود يوسف:قيم ومواقف)،رواية  مفصلة عن هروبه من السجن،حيث يقول: «في انتظار المحاكمة ، كان المناضل القائد يفكر في طريقة التخلص من هذا الكابوس ، إذ دبر عملية للهروب من السجن وخطط لها ، وبعد محاولة الفرار الأولى التي فشلت اهتدى "زيغود" إلى ضـــرورة صنع مفتـــاح لبــاب السجن ، صنعـــه بنفسـه  وهو الحداد الماهر- وبعد تجاوز صعوبات الحصول على قطعة حديد أدخلها تحت قشابيته من مرحاض السجن ، وصقلها في سرية تامة،وصنع منها مفتاحا ، فتح به باب غرفة السجن ، ثم ثغرة في السقف فكانت خطته لتدبير الفرار من السجن ، وقد رواها لنا أحد رفاقه الذين كانوا معه في السجن ،وهو الشيخ (بوشريحة بولعراس) ، وقد كانت خطة ذكية وجريئة لم ينتبه إليها العدو ، رغم مخابراته الذائمة الحركة ، وتجربته الواسعة ، فإنه لم يتوصل إلى الكيفية التي تمت بها خطة الفرار المحكمة ، وقد فشل العدو فشلا ذريعا ، في الحصول على أية معلومات عن ذلك ، ولم تستطــع مخابراته تحــديد المكان الذي توجــه إليه "زيغود يوسف" ورفاقه ، وقد قرر أن يكون الفرار  في  ليلة 21 أفريل 1954 م لتنفيذ خطة الهروب ، وكان معه ثلاثة من المناضلين الذين اقتنعوا بنجاح خطته ، فقطعوا الجبال والوديان والوهاد ، حتى وصلوا إلى ضواحي – سمندو- عند الشيخ (بوشريحة بولعراس) بدوار صوادق ، حيث وجدوا هناك مأواهم ونصرتهم ،وبعد عملية الفرار ظل الشهيد يتنقل في سرية تامة ، من موقع إلى آخر (الصوادق- الداموس) ، وهي أماكن جبلية حصينة ، وواصل
نضاله فيها إلا أن أصبح مسؤولا على منطقة - السمندو- كلها ،إذ عالج فيها الجرح الذي أصابه أثناء عملية الفرار ، كما كان  يتنقل ما بين الحروش  وسمندو عند أصهاره ، فينتقل إلى "لقرارم" عند (عمار قوقة) فالأوراس ، مع مجموعة من القادة الذين اعتصموا بالجبال أمثال : مصطفى بن بولعيد ،وعلى إثر ذلك عمل "زيغود يوسف" على ربط الاتصال بالأوراس ، هذه المنطقة التي نجت من مؤامرة 1950 ، ولم يكتشف الاستعمار تنظيمها السري،
وفي شهر جوان 1951 م كان "زيغود يوسف" يقيم في منطقة الأوراس في سرية تامة ، حيت كان مطاردا من طرف بوليس العدو،وبعد فترة قصيرة قضاها في المنطقة ، عاد إلى ناحية قسنطينة ليواصل نشاطه السري ...
وفي أواخر أكتوبر قام الشهيد "زيغود يوسف" بتهريب عدد من الأسلحة الحربية ، وكمية من الذخيرة أتى بها من مدينة قسنطيــــــنة استعدادا ليوم الفصل . فتولى مع رفاقــــــه عمليــة التنظيم بالشمــــال القسنطيني».  
     وبالنسبة إلى مشاركة الشهيد البطل زيغود يوسف في مؤتمر الصومام سنة:1956م،يؤكد الباحث صالح جراب على أن زيغود يوسف شارك بفعالية في مؤتمر الصومام التاريخي (20 أوت 1956) الذي أرسى قواعد تنظيم الثورة التحريرية ، وانبثقت عنه لجنة التنسيق والتنفيذ ، وكذا المجلس الوطني للثورة الجزائرية ، الذي كان الشهيد أحد أعضائه المؤسسين ، لقد كان على دراية كبيرة بالأمور العسكرية ، للولاية الثانية ، التي أقرها له مؤتمر الصومام ، ورقّاه بموجبها إلى رتبة عقيد ، كما هو الشأن بالنسبة إلى عدد من ضباط جيش التحرير الوطني ، وكلف رسميا بقيادة الولاية الثانية ،و يذكر الأستاذ صالح جراب أن زيغود يوسف لم يكن يلهيه التنظيم العسكري عن التخطيط السياسي ، فقد لعب دورا بارزا في مؤتمر الصومام   الذي انعقد بقرية إيفري (وادي الصومام) بالمنطقة الثالثة ، هذا اليوم الذي يمثل الذكرى الأولى لهجومات 20 أوت 1955 في الشمال القسنطيني ، لقد شارك كعضو بارز ونشيط في أشغال المؤتمر ،فقد حضر عدد كبير من ممثلي الولايات ، باستثناء الولاية الأولى ، ويرجع السبب في ذلك إلى استشهاد البطل مصطفى بن بولعيد في القتال   في مارس 1956م ، وكان استخلافه صعبا ،لذا أوفدت الولاية الأولى بعض المندوبين عنها ، وفي وقت متأخر  وعندما وصلوا ، كان المؤتمر قد انتهى ،ونتيجة لمقررات مؤتمر الصومام الحاسمة في مختلف الميادين المتعلقة بتنظيم الثورة على المستويين ، السياسي والعسكري ، وفور عودته من المؤتمر شرع "زيغود يوسف" مباشرة في إجراء اللقاءات لإعداد الرجال وضبط الأهداف،وتم تنفيذ ما اتفق عليه في مؤتمر الصومام ، وبعد سلسلة من الاجتماعات والأعمال ، التي استغرقت شهرا كاملا ، في نواحي الولاية الثانية ، قصد"زيغود يوسف" مقر الولاية الثانية الذي كان موجودا بنواحي وادي زهور قرب الميلية ، وقد كلف المؤتمر "زيغود يوسف" بمهمة  إعلام  الولاية الأولى بقرارات المؤتمرين ، فقد اختير لأنه كان يعرف عدداً كبيراً من مجاهدي الولاية وقضى معهم فترة من الزمن عايشهم فيها ، لكن ، بينما كان التحضــير للاجتماع التنسيقي المتعلق بإذاعة الأخبار المتعلقة بمؤتمر الصــومام الذي اختتمت أشغاله مند فترة وجيزة ، فإذا بـ "زيغود يوسف" يسقط شهيدا في مواجهة مع العدو غير متكافئة  ، حينما كان في طريقه إلى الأوراس (النمامشة) .
 وقد قدم الباحث صالح جراب في كتابه:( زيغود يوسف :قيم ومواقف) مجموعة من التفاصيل الدقيقة عن ظروف استشهاده،حيث يقول في هذا الصدد: «بعد عودته من المؤتمر يوم 08/09/1956م عاد يواصل ما تم الاتفاق عليه في هذا المؤتمر ، وكانت المهام كثيرة وذات شأن عظيم،فزيادة على مواجهــة ضرورات الكفـــاح المسلح اليومية للثورة فقد توسع مجالها وحجمها ، لذا كان عليه أن ينصب الهياكل الجديدة ، على أساس ما تقرر في المؤتمر ، وشرح تلك القرارات للقاعدة النضالية للثورة ، زيادة على ذلك تقرر أن يتوجه إلى الولاية الأولى (الأوراس) ، في مهمة  كلف بها من طرف المؤتمر ،وعقد عدة اجتماعات مع أقرب مساعديه ، ليُوصل إليهم ما تم الاتفاق عليه ،وعند عودته زار عائلته ومكث معها ثلاثة أيام ، وبعد انقضاء إجازته ، غادر دوار (الصوادق) واتجه إلى مشتة (شرشال) بنفس الدوار ثم انتقل إلى (سطيحة) قرب سيدي مزغيش .
    ويروي المجاهدان (موسى بوخميس) و(رحايل بوشريط)  وهما من ضمن من كان حاضرا في الاشتباك الذي استشهد فيه "زيغود يوسف" فيذكران أنه  بعد عودته من مؤتمر الصومام عقد اجتماعا بمشتة (الخربة) بدوار الحمري بالقرب من سيدي مزغيش في منزل المناضل (زيدان بوزرد) ، بعــد أن ســرح الفيــلق الذي كان يقوده ومنح جنوده  إجازة قصيرة ، وكان يضم (400) مجاهد ، ولم يبق  معه إلا نفر قليل من جنده البواسل حوالي (08) مجاهدين من بينهم (صالح بوجمعة) و(بوجمعة لمباردي)   و(جامع بوصبع)   وهذا للاطمئنان على القائد في المنطقة وعلى  سكانها ،وهذا بعد أربعة عشر يوماً فقط من مؤتمر الصومام 08/09/1956 م  الذين أضناهم التعب في التحضير والسهر على أن تجرى  أشغال المؤتمر في ظروف حسنة ، وهذه الوقائع  يؤكدها رفاقه : بوشريحة بولعراس ، وريكوح ، وزوجته عائشة ، وفي نيته  أن يقضي ليلته عند المناضل المذكور ، ويستريح ، على أن يواصل سيره في اليوم التالي إلى الأوراس ، وكان هذا في:  22-23/09/1956 ،وضم الاجتماع عدداً من مسؤولي مشاتي (سطيحة) ، ونوقشت عدة مسائل تتعلق بتنظيم عملية العبور إلى الحدود الشرقية ، بإنشاء مخابئ للأدوية ، والمؤن الخاصة بالقوافل المارة بالجهة ، وكذلك مسألة تحديد المسؤوليات المحلية بالمشتيين : بوساطور والعشرقة ،ومع الصباح عرف العقيد زيغود يوسف أن قوات العدو تتمركز في إحدى المناطق المجاورة بناحية الغرب ، فظن أنها عملية مسح للجبل القريب من مكان تواجده ، فاختار التسرب مع من كان معه إلى أحد الوديان ، وكانت خطته تهدف إلى عدم الاشتباك مع قوات العدو ، حفاظا على السكان ، لأن مبدأه كما روى لنا (يوسف رمضان) كان دائما "من كسب الشعب كسب الثورة   ومن خسره خسر الثورة"،لذا فهو يحافظ على الشعب أكثر من المحافظة على نفسه وكانت الخطة حكيمة ، غير أن الوقائع لها مسببات ، وما يخفيه القدر لا يطلع عليه أحد ،ذلك أن قوات العدو (فرقة كومندوس من الفيلق الأول للفرقة الرابعة) حسب أقوال  (موسى بوخميس ورحايل بوشريط) قد أخذت أربعة مناضلين من المناطق المجاورة ، على إثر وشاية بلغت عنهم ، ففاجأتهم  في بيوتهم ، وألقت القبض عليهم وقيدتهم وعند طلوع الفجر ، قفلت راجعة إلى (سيدي مزغيش) ، وفي طريقها فوجئت بشخص يجري في الاتجاه الذي كان يوجد فيه "زيغود يوسف" ورفاقه ،وكان في حقيقة أمـره حارس البيت الذي يقيم فيه زيغود يوسف" ويدعى(جامع بوصبع) ، ولا يعد ضمن المجاهدين التسعة المرافقين لـ"زيغود يوسف" ، فأطلقوا عليه الرصاص فقتلوه ، كما التقت بمناضلين آخرين وسط الأحراش ، وعندما لاذوا بالفرار تبعتهم دون إطلاق النار عليهم ، واتجهت قوات العدو إلى المنخفض الذي كان يسير فيه "زيغود يوسف " ورفاقه ، ووقع ما لم يكن في الحسبان  وما هي إلا لحظات ، حتى التقى الطرفان وجها لوجه وكان "زيغود يوسف" في المقدمة لذا كان أول من أصيب بجروح ورغم هــذا فقد استبســل وقاوم  ، فأصيب حيث أصبح يستحيل عليه الســير لذا أتلف ما استطاع إتلافه من الوثائق ،وحسب المعلومات التي رواها أحد المشاركين في المعركة   فإن "زيغود يوسف" لما تيقن من محاصرة العدو له ، قام بإحراق جميع الأوراق التي كانت تحوي قرارات المؤتمر ونتائجه ،حتى لا تقع يد العدو ، الذي كانت غايته الوحيدة  إلقاء القبض على "زيغود يوسف" حيا وليس شهيدا،ووسط النيران الكثيفة تفرق المجاهدون ، ولم يبق معه في المكان إلا ثلاثة هم : بوجمعة لباردي (رامي شهير) ، كاتبه وقد قتل معه وكذلك عبد الله لعليوي (مسؤول بوساطور) وشاوش عبد الله مسؤول (الصفصافة) ، فاشتبكوا مع قوات العدو وقاتلوهم  قتال الأبطال ، وسط جحافل العدو ، التي أحاطت بهم من كل مكان ، ورغم قلة عددهم وعدتهم فقد أحدثوا  في صفوفهم خسائر فادحة ، مما أثار الهلع والخوف في صفوفهم ، كيف لا وهم يعتبرون من أشهر الرماة ، قبل أن تلحق أرواحهم الطاهرة بالرفيق الأعلى .
انتهت المعركة ، واستشهد في ميدان الشرف تسعة شهداء هم (زيغود يوسف ،و بوجمعة لمباردي ،و عبد الله شاوش ،و عبد الله لعليوي  - الساسي حداد - بوجمعة حسين - أحمد رامول  بورحالة الحواس .
    استشهد القائد البطل "زيغود يوسف" بعد أن قام  بواجبه المقدس   حتى آخر لحظة من حياته،وقد لقي استشهاده صدى عميقا في أوساط جيش التحرير وأفراد الشعب.  

ليست هناك تعليقات: