بقلم: عبد القادر كعبان*
لا يزال العالم يعرف تغيرا هائلا في شتى المجالات
السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية حتى أصبح الكثيرون يكررون جملة
مفادها أننا في "زمن العولمة" أما البعض الآخر فيقول أنه زمن سيشهد
"نهاية العالم" لكن هل هذه الفئة الأخيرة انطلقت في فكرتها من كتاب الله و سنة رسوله صلى
الله عليه و سلم أم تبقى مجرد حدس لا أكثر؟
تأخذ قضية التحولات التي تهز العالم تجليات شتى و أبعادا
مختلفة خصوصا في بلدان وطننا العربي و هذا ما قد دفعنا لنقف وقفة أمام وجهة نظر
فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي من خلال كتابه الموسوم "نهاية
العالم" الذي يهدف الى استخلاص فكرة السعي في تصاعد دينامية الصحوة
الإسلامية التي تعتبر أكبر صرخة للعودة الى الذات عودة ستقلق بلا شك العالم الغربي
المستهتر بقيم الرسالة المحمدية في آخر الزمان.
ينقسم كتاب "نهاية العالم" في مجمله الى
ستة فصول كما يلي: الفصل الأول جاء تحت
عنوان "المتغير و الثابت" أين يشير فضيلة الشيخ في بدايته الى التكهنات السنوية بحلول نهاية
العالم التي يسعون في نشرها بين الناس الذين يصدقون هذه الترهات لضعف إيمانهم و
هذا ما يدفعهم الى مصير التفكك بعينه.
يستوقفنا هذا الفصل بعنوانه المثير للتساؤل: من هو
المتغير و ما هو الشيء الثابت يا ترى؟ سنجد الإجابة مباشرة فالإنسان هنا الذي
يتغير و يتبدل من حال الى حال بخلاف الكون الذي من طبيعته الثبات و عدم التغير، و
هذا هو القانون الإلاهي الذي لا يزال يسري منذ نزول سيدنا آدم عليه السلام الى
الأرض. و يجدر الإشارة الى أن الدين هو الذي جعله الله رسالة إصلاحية لتقويم مسار
الإنسان في حياته.
يشير الفصل الثاني في عنوانه الى نقيضين "البداية
و النهاية" و هنا قد يتساءل القارئ عن البداية المقصودة و التي يشير
إليها متولي الشعراوي من خلال قصة سيدنا آدم عليه السلام و كيف خلقه الله من طين
ثم نفخ فيه من روحه فدبت الحياة في جسده مثله مثل سيدنا المسيح عليه السلام لقوله
تعالى: "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون
(59)" (آل عمران). و من هذا المنطلق يؤكد فضيلة الشيخ على أن
الجسد المادي تركه الله ليكتشف ذوي العقول قوانينه على مدى الزمان على غرار الروح
التي أخفاها الخالق عز وجل و جعلها سرا من أسراره العظمى لقوله تعالى: "و يسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي و ما
أوتيتم من العلم إلا قليلا (85)" (الإسراء).
"الإستقبال الإيماني للحياة" هو عنوان الفصل الثالث الذي يدفعنا بدوره الى التساؤل عن
المفهوم الصحيح للإيمان و عن آثاره في حياة الإنسان، و هذا ما سنجد له حتما إجابة
من خلال منطلق الشيخ متولي الشعرواي الذي يشرح لنا عظمة الإرتقاء البشري التي
وضعها الله في كونه لنفقه معيار عظمته و هذا كله يكون بفهم محتوى الإيمان الذي إذا
ما استقر في قلب أحد من البشر سيثمر حتما جملة من الصفات الحميدة. كما لم ينسى
فضيلة الشيخ أن يشير إلى أهمية التقدم العلمي الذي يشهده عصرنا اليوم و الذي يجب
أن يكون محفزا لزيادة إيماننا بعظمة الله.
مهما عاش الإنسان فنهايته الموت و لكن خلال حياته
الدنيوية قد يألف أشياء يتعود على رؤيتها و معايشتها و من خلال الفصل الرابع "المألوف
ينتهي" يباشر فضيلة الشيخ على التركيز فيما أسماه (اتباع المنهج..
وقاية للمجتمع) على أن الإنسان ضحية شهواته التي تتناقض في كثير من الأحيان مع
منهج الله و الدواء هو التقيد بسلوك رباني لا شهواني بما يحقق للمجتمع الإسلامي
حياة كريمة، لكن هذه النظرية لم تعد تواكب العصر في رأي الكثير من الناس فمثلا
حينما يطلب الله عز وجل عدم التعرض لعرض الغير يقوم الكثيرون بعكس ذلك فإذا أعجب
أحدهم بإمرأة متزوجة يغريها و يحاول إستفزازها
أو تقوم إمرأة متزوجة بإباحة ذلك لنفسها إذا أعجبها شاب أعزب فتساومه على نفسه،
فهذا في رأي الشعراوي منافي قطعا لمنهج الله.
أما الفصل الخامس فعنوانه مثير للفضول "الثابت..
يتغير" و قصديته واضحة فحياة الإنسان الدنيوية منتهية بعد وفاته أما
حياته الأخروية أبدية و لنا مثال واضح في القرآن يثبت حقيقة البعث بعد الموت حينما
مر أحد أنبياء بني إسرائيل على قرية دمرها عذاب من الله تساءل النبي بدوره عن
إحياءها فأماته الله مائة عام ثم بعثه و لنا في القرآن الكريم حكم إلاهية بالغة،
لكن في زماننا هذا اغتر بقدرة القادر كثيرات و كثيرون بمالهم و بكل ما أتيح لهم من
خير لكن هم فعلا يجهلون أسرار الله في كونه و يجدر بهم التوبة الخالصة لله سبحانه
و تعالى.
العنوان السادس "و نعرف الحقيقة" حقيقة
نعرفها و لكن للأسف نتجاهلها كلنا في حياتنا اليومية فالإنسان يظن أنه يعيش رفاهية حقيقية
من خلال التقدم العلمي الذي وصل إليه
متناسيا أن كل ذلك من فضل الله و حين يشاء سبحانه فكل زينة على الأرض ستصبح
حطاما لا محالة ليكتشف الإنسان تلك الحقيقة التي لا يريدها أنه قد اغتر فعلا بنفسه
و ترك منهج الخالق، ويضرب لنا الشعراوي مثلا يهز النفوس في كتابه "نهاية
العالم" حيث يشير الى تسبيح المخلوقات كالجبال و الطيور التي يراها
الكثير من البشر أنها أقل إدراكا ووعيا من الإنسان لكنهم يجهلون سر الرحمن في خلقه،
و هذا شأن النملة التي صاحت محذرة باقي النمل في زمان سيدنا سليمان عليه السلام
الذي آتاه الله العلم و الحكمة و النبوة، فسبحان الله جاء رده في قوله تعالى: "فتبسم
ضاحكا من قولها و قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي و على والدي و أن
أعمل صالحا ترضاه و أدخلني برحمتك في عبادك الصالحين (19)" (النمل).
*
كاتب من الجزائر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق