ياسر
محمود محمد
اعتدت
سماع صوت السرينة الهادر .. – تعرفونه بالتأكيد – طالما سمعته عندما أحمل هؤلاء
الناس ، فأنا سائق سيارة إسعاف ، هذه مهنتي التي كثيراً ما أرقتني .. و أنا أحمل
هؤلاء ، ربما ينتمون إلي الملائكة .. لا إلي البشر العاديين ، و كان البشر الآخرون
فرحين بصوت سرينتي الذي يشق الشوارع سريعاً ، حالمين مثلي بيوم من تلك الأيام !
ربما كانت الإصابة في جسدهم .. بطلق مطاطي أو ناري ، أو ربما الإصابة في
أغلي ما يمتلكون .. عيونهم التي يرون من خلالها أجمل الأشياء .. جزر و شوارع الميدان
و من كانوا في الميدان . ربما الإصابة في ضمير إحداهن من تعليق لرجل الأمن القابع
هناك و دائماً يرزخ فوق فتيات
مدينتي كقزم ثقيل .
تحولت الصرخات التي يطلقها هؤلاء إلي إصابة في قلبي أنا الذي ينز دماً و
دموعاً علي حالهم و حالي . كان لهم غناء يصرخ في أنحاء الميادين برغم جراحهم
الحمراء و الشاش الأبيض الذي يغطي عيونهم و السواد الذي تتشح به بناتهم .
أنا مثلهم . . تقت لهذا اليوم .. و اشتقت لعبق الربيع الآتي مبدداً برد و
ظلام الشتاء الطويل . أنا مثلهم أؤدي الآن واجبي ( أعني ما ينبغي علي فعله ) لكني
حزين .. مر المساء و آتي الصباح و أنا حزين – كل ما يمكنني فعله هو حمل أجسادهم
الطاهرة إلي المستشفي في القاهرة أو في السويس أو في الإسكندرية . و في كل ربوع
الوطن و ميادينه .
أحملهم إلي المستشفي الذي به رجل مثلي يحصي عددهم و يفتش في جيوبهم عن
تحقيق الشخصية و يكتب في ورقته في كل الخانات ( مصري ) .. أحملهم للمستشفي و لا
يعلم إلا الله أي حال سيصيرون عليه ؟ فربما تحملهم سيارة نقل الموتى بعلم من ثلاثة
ألوان لتطوف بهم عرس الميادين ثم تصل إلي المثوى الأخير .. جنة في تراب الوطن .
سائق سيارة إسعاف ، و حزني أنني لست مثلهم ، أنا مجرد مواطن عادي .. مواطن
ربما حلم أن يضحي بل ربما لا أتحدث كثيراً في السياسة .. و يشغلني نجم كرة القدم
أو السينما .. أو وجبة الغذاء اليومية لكن لم يتحقق حلمه .
و سأظل حزيناً . . إلي أن يأتي اليوم الذي أصبح فيه مثلهم . و تدوي السرينة
في أنحاء الوطن لتعلن أن ضيفاً جديداً لحق بقافلة هؤلاء الناس الذين أناروا شمعة
تحت سماء الميدان !
الأربعين –
السويس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق