2014/06/03

لماذا أكتب؟ بقلم: فؤاد قنديل



لماذا أكتب؟
بقلم: فؤاد قنديل
أكتب لأننى منذ الثانية عشرة من عمري أحببت القراءة بمعناها المعرفي الواسع، وأدركت أني ربما أكون كاتبا  يوما ما لأن القراءة  تلبى حاجاتى الروحية فألقيت بكل نفسي فيها حتى امتلأت وكان ضروريا أن أعبر عما تحتشد به أعماقى.
أكتب لأني مبكرا أحببت الأنثى فتوجهت نحوها مثل عباد الشمس محمولا على محفة الكتابة .
أكتب لأن بداخلى بحر متلاطم حيث تضرب عقلى أمواج الفكر بينما سماوات روحي ملبدة  بالهواجس و قلبي تعصف به رياح هائجة من الانفعالات والمشاعر وأنا بكل حواسي زورق صغير يجدف بقوة ولا يقبل الاستسلام ولا التمسك بالضفاف كطفل يمسك بتلابيب أمه خشية الضياع .
أكتب لأنى أحب أن أفكر في الأشياء وأتحاور معها ، وبالكتابة يفتح الوجود كنوزه
أكتب لأنها لذة لا مثيل لها أن تعمل وتذوب
أكتب لأنى  أشعر لأقل الأسباب بعدم التكيف والحصار والقهر  وتعذر القدرة على أن أكون على طبيعتى .. أكتب لأنى أود أن أكون صادقا أبوح بكل ما يخطر ببالي ويتجول في أعماقي كأسد يعيش هانئا في الغابة وتم صيده وحشره في قفص لذلك لا يفتأ يبحث عن سبل الانطلاق ليستنشق نسمات الحرية وهي عبير الحياة في المعرفة .. معرفة الكون والجمال والحب .. معرفة المجهول الذي لا ينتهى.
أكتب لأنى مولع بكشف أسرار الحقائق وأحاول دوما أن أخلع عنها هويتها وأغيرها ، فهى على صورتها البدائية مستفزة ومضجرة .
أكتب لأننى شخصيا كائن غير منظور وغير موجود ولا متعين ..أنا وهم وخيال ولا أثر لعقلى ولا جسدى أو روحي ولا دليل على أنى مررت من هنا غير كتابتى .
أكتب لأن الحياة كما أتصورها مدينة فيها الكثير من الحب والجمال وأحيانا الخير والسلام والأحداث المدهشة فضلا عن اللذائذ والمتع ، ولابد أن أكتب تعبيرا عن سعادتي وانتشاء روحي وعن إعجابي وتعاطفي ، ولأن الحياة  عامرة في الوقت ذاته بالقبح والنذالة والكثير من القسوة والكذب والخيانة ، فلابد إزاء هذه الحالات من التعبير عن الاستياء  والرفض وتمنى زوال كل ما يؤذى مشاعر الناس .
أكتب لأن الحياة لا تكف عن التغير فلم تطالعنى على مدى عشرات السنين بصورة واحدة .. ليس في الدنيا ما يتغير قدر الحياة ، فهي ترتدي شكلا جديدا كل يوم وكل ساعة وأحيانا كل دقيقة .. الحياة قد تبدو مرة كأم ومرة كأخ  ومرة كصديق ،وقد تظهر كأنثى وأحيانا مثل إعصار ومرة مثل بحر عميق ومرة عاهرة ومرة كملاك ومرات كسوق وحرب ومستشفى وسجن وجبل وبئر ومطر وبرق وغابة وحضن دافئ وجدول عذب وشجرة صبار أو توت والكتابة محاولة لاستنشاق العبير الحقيقي للحياة.
أكتب لأننى وحيد ولا أريد أن أكون وحيدا والكتابة عالم رائع من الأصدقاء.
أكتب لأنى بالكتابة أقترب من الله ، وكلما كتبت اتضحت تدريجيا ملامحه.
أكتب لأنى أحب الوجود رغم حماقاته وأحاول من خلال الكتابة أن أعيده إلى صوابه حتى أراه جميلا وجديرا بأن نستمر فيه وعلىّ أن أتركه جميلا .
أكتب لأنى كثير الأحلام في النوم واليقظة ..أكتب لأنى هائم في البرية وكائن بلا قواعد ولا نظام ولا تحدنى حدود وقابل للتغير والتحول إلى عصفور وفهد أو حصان ونملة  وقبعة وبيانو  ومظلة ومرمى لكرة القدم وعشة فراخ وبانيو ، وفي الأغلب قصيدة تكتب نفسها وتفيض بالنور وتعانق القمر ثم تتحول مجددا لتصبح قلبا أبيض له عيون سوداء واسعة و شعر طويل ناعم تتبدل عليه ألوان قوس قزح.
ولهذا السبب وغيره أكتب كي أحاول فهم نفسي المرسومة أمامى من مئات الأسئلة المعلقة دون إجابات وبعضها حصل على إجابات منتجة للأسئلة ، حتى أيقنت أحيانا أنى مخلوق على شكل علامة استفهام كبيرة .. نعم .. يبدو أن هذا صحيح ..أنا علامة استفهام كبيرة .
أكتب لأنى إذا لم أكتب حتما سيصيبنى الجنون  أو يُزج بي في السجون وربما تهاجمنى رغبة عميقة وملحة لمفارقة الدنيا بأية طريقة. وقد حاولت ذلك بالفعل لكن الحياة كانت تتمسك بي ..لا أدرى لماذا.
الكتابة إذن هي الوسيلة الوحيدة القادرة على تخليصى  من براكين داخلية مَوّارة لا تتوقف عن إنتاج الحمم وأنهار النار ..إنها الحبيبة التى تغمرني بحنانها وتربت على حنايا قلبى وتغسل أبهاء روحي برؤاها وآفاقها وخيالها اللانهائي  .
 الكتابة ..الساحرة المالكة لأسرار غريبة وناعمة ..هي التى تستطيع  تحقيق التوازن بين ذاتي والعالم الغارق في الالتباس.
الكتابة رتق لشراع التواصل الممزق .

ليست هناك تعليقات: