سمر إبراهيم
أعشق الرجوع
إلى البيت سيرا على الأقدام، ربما من أجل الحركة ربما، للحفاظ على وزني، ربما
لفترات الجلوس الطويلة على الكمبيوتر، ربما ربما.. يتعجب الكثيرون من ذلك حتى صغار السن مع أن
المسافة قريبة من عملي إلى موضع بيتي 25 دقيقة فقط، ومع ذلك يعجب منها الكثيرون،
وقد أرى الحسد في عيون البعض.
أسير دائمًا لا
أرى ما حولي، لا أسمع شيئًا، أسير بخطى تعلم إلى أين تتجه في طريق مطول مستقيم بلا
أى حدوات أو انحناءات، فعقلي لا يعمل أثناء السير، أكون منفصلة عما حولي فبالرغم
من أنني أسير الطريق نفسه منذ سنوات كل
يوم إلا أنني لا أعرف أية ملامح فيه لا المحلات، بل إنني كثيرا ما أترك بيتي ثم
انتبه فأعود مسافة ليست طويلة غالبًا.
لم أكن أعلم
السر وراء تلك الحالة الخاصة في السير، انظر أمامي دائمًا، لمسافة طويلة أبحث عن
شيء ما لا أعرفه.
اليوم فقط أدركت
السر، رأيت فجأة طيف شعر أبيض رمادي، شعر أعرفه تمامًا في كافة أشكاله وطرق قصه
المختلفة في علاقات كل شعرة بالأخرى في تقاربها وانفصالها وتكويناتها عبر كل قصة
لها سواء بالتطويل أو التقصير الزائد الذي لا أفضله أو مع الفلفلة المحببة أو
الرجوع إلى الخلف القريب إليّ.
أسرعت في الخطو
قليلا إنه هو هذا الشعر الذي أعرفه تمام المعرفة، بدأت تظهر بقية الرأس من الخلف
تلك الرأس المستوية في علاقاتها بالأكتاف تتحرك حركة متناغمة تبعًا لطبيعة المشية،
ولكنها الآن ليست مسترخية بل سريعة الخطى، أسرعت في الخطى. الطريق مزدحم والرؤوس
كثيرة، لن أجعل هذا الطيف يضيع مني، أسرع، أتمنى الوصول إليه ولحاقه، وكلما جريت
يبتعد.
أنادي عليه؟ لا.. اللحاق به جميل، جميل عندما
أصل إليه جريًا وأمسك بمعصمه. أذوب عندما أرى تلك النظرة المفاجئة عند التفاته
إليّ حين تبدو الحيرة على وجهه، في رد الفعل ما بين السعادة بالمفاجأة وضبط النفس،
ارتباكة خاصة أسعد بها.
سأظل أجرى
بأقصى سرعة لي حتى أفاجئه. يختفي طيف الشعر فأسرع متلفتة حولي هل هرب مني، لا. ظهر
من جديد بعد لحظات، فابتسمت.
ظللت أجرى حتى
وصلت بيتي، وفجأة وقف طيف الشعر واكتمل الجسد أمامي برشاقته ويفاعته وتناسقه.
اقتربت في فرحة، مددت يدي، قاربت أن تلمس معصمه،
التفت إليّ فجأة، كان هو، وجدت يدي تبتعد عنه، لا تجرؤ على لمسه، لا لم تكن نظرتُه
ثاقبة فرحة كما اعتدتها، كانت باردة، كأنها من عين زجاجية لا حياة فيها. اختفت
ابتسامتي، وأكملت طريقي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق