بقلم: د.محمد مبارك
البندارى
إنّه الشهر العظيم
المبارك ، وأىّ عظمة وبركة في رمضان ! بركات معنوية ومنها مضاعفة الثواب في رمضان ، وبركات حسيّة في زيادة الطعام
والخيرات ، إنه الشهر العظيم الذى تفتح
فيه أبواب الجنّة ، وتغلق فيه أبواب النار ، وتُربط مَرَدة الجنّ والشياطين
بالسَّلاسل والأغلال – إكرامًا للمؤمنين الصائمين – لئلا تغوى بنى آدم ....
فرمضان شهر القرآن"
شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن " ( البقرة / 185 ) ، القرآن الذى ينظّم لنا الحياة ، كما تنظّم
إشارات المرور المرور ، وقد قال عثمان – رضى الله عنه – لو طهرت القلوب لم تشبع من
قراءة القرآن ، وقال يونس بن يزيد : كان
ابن شهاب إذا دخل رمضان فإنّما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام .
فرمضان يُعرف بالقرآن
، عكس ما اعتاد عليه بعضُ النّاس من سماع للمسلسلات المتلفزة التى تعرض لأول مرة في
ليل رمضان ، وكأنّ رمضان يُعرف بهذا الهراء ، فهل جعلتَ أخى المسلم لنفسك
تلاوة معينة في رمضان ؟ ؛ لتقتدى بالسلف الصالح – رحمهم الله – فقد كانوا يُكثرون
من تلاوة القرآن في شهر رمضان ، فمن ذلك : الأسود بن يزيد : كان يختم القرآن في
رمضان في كل ليلتين ، وكان ينام بين المغربِ والعشاءِ ، وليس معنى ذلك أنَّه يترك
القرآن في غير رمضان ، بل كان يختم القرآن في غيرِ رمضان في كلّ ست ليالٍ ، كما
كان سعيد بن جبير يَختم القرآن في كل ليلتين .
وختم الوليد بن
عبدالملك القرآن في رمضان سبع عشرة ختمة ، وكان يختمه في كل ثلاثٍ ، وهى أقلّ مدة
قال بها العلماء ، استنادًا لحديث عبدالله بن عمرو بن العاص – رضى الله عنهما –
الطويل في قصة زواجه وقيامه وصيامه ، وفى آخره قول النبى – صلى الله عليه وسلم -
... من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهه " ، وليس ثمت تعارض بين الحديث
وما نذكره من أحوال السلف والصالحين مع القرآن العظيم في رمضان ن فالمنفى – والله
أعلم – في الحديث هو الفهم والفقه فقط وليس ثواب القراءة ، وليس المقصود مطلق
النهى عن قراءته في أقل من ذلك .
فكان قتاة : يختم القرآن في سبع ، وإذا جاء رمضان ختم في كل
ثلاثٍ ، فإذا جاء العشر ختم كل ليلةٍ .
وأمّا الإمام الشافعىّ
محمّد بن إدريس – رحمه الله – فقد كانَ يختم القرآن في شَهر رمضان ستين ختمة ، واحدة
بالنهار وأخرى بالليل ، وفى غير رمضان ثلاثين ختمة كلّ شهر ، ولا غرو فهم أصحاب
همم عالية ،فالمسلم همته في الثّريا .
وأما إمام أهل الحديث
محمد بن إسماعيل البخارى ّ: فقد كان يختم في رمضان في النهار كلّ يوم ختمة ، ويقوم
بعد التراويح كلّ ثلاث ليالٍ بختمة .
وأما قيام رمضان وما
يُعرف بصلاةِ التَّراويح ، فمذ جَمع
الخليفة عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – النّاس على إمامٍ واحدٍ لصلاةِ التّراويح
والنّاس يؤدّونها في المساجد ، فقد أخرج البيهقى
عن السَّائب بن يزيد أنه قال : أمر عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – أُبىّ بن كعب
وتميمًا الدَّارىّ – رضى الله عنهمَا – أن يقوما للنَّاسِ في رمضَان ، فكان القارئ
يقرأ بالمِئين ، حتى كنّا نعتمد على العصىّ من طول القيام ، وما كنّا ننصرف إلا في
فروع الفجر " ، والمِئُون هي السُّور التي يقتربُ عدد آياتها من
المائة أو تزيد ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أعطيتُ مكان التوراة السبع ، وأعطيتُ مكان
الزبور المِئِين، وأعطيتُ مكان الإنجيل المثاني، وفضِّلت بالمفصَّل" ( حديث
حسن: رواه الطبراني في الكبير ) .
وعن مالك عن عبدالله
بن أبى بكر قال : سمعتُ أبى يقول : كنّا ننصرف في رمضان من القيام فيستعجل الخدم
بالطَّعام مخافة الفجر .
وقال نافع : كان ابن
عمر – رضى الله عنهمَا – يقُوم في بيتهِ في شهر رمضان ، فإذا انصَرف النّاس من
المسجد أخذ إداوةً من ماءٍ ثم يخرج إلى مسجد رسول اللّه – صلى الله عليه وسلّم –
ثمّ لا يخرجُ منه حتَّى يصلّى فيه الصّبح . ( أخرجه البيهقىّ )
وصلاة القيام عمومًا
لها فضلها ، فعبّر سبحانه بالقيام لأنه أشرف جزء في الصلاة فقال سبحانه آمرا نبيّه
بالقيام " قم اليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا " ( المزمل /2-3
) ، وعن الحسن البصرىّ : لم أَجد شيئًا من العبَادة أشدّ من صلَاة في جوف الليل
، ومن عجيبِ ما قرأتُ أن أبا هريرة وأهله كانوا يقسّمون الليل ، فهذا يقوم ، وهذا
ينام ، قال أبو عثمان النَّهدىّ : تضيّفتُ أبَا هريرة سبعًا فكانَ هو وامرأته
وخادمه يُقسّمُون الليل ثلاثًا يصلّى هذا ثمّ يوقظ هذا ، وكان شدّاد بن أوس إذا أَوَى إلى فِراشه كأنَّهُ
حبَّة على مقلى ، ثمّ يقُول : اللَّهمّ إنَّ جهنَّم لا تدعنِى أَنام فيقُوم إلى
مصلاهُ ، وكان طاوس يثبُ من على فِراشه ثمَّ يتطهّر ويستقبِل القبْلة حتَّى
الصَّبَاح ، ويقول : طيَّر ذكر جهنَّم نوم العابدين .
نسأل الله أن يتقبل
صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا ويعتقنا من النار في شهر رمضان ، اللهم آمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق