الأندلس
العربية إسلام الحضارة وثقافة التسامح
بقلم: الدكتور محمد سيف الإسلام بوفـلاقـــة
كلية الآداب،جامعة عنابة،الجزائر
تحتل
الأندلس العربية موقعاً متميزاً في العطاء الحضاري الإنساني، والعالمي،فمما لا
يشوبه ريب، ولا يخامره شك، أن دولة الإسلام في الأندلس، قد أرست دعائم حضارة
باذخة،تعايشت فيها الأجناس، والأديان، وتثاقفت فيها اللغات والثقافات، وانصهرت
فيها الطاقات على تنوعها،فأثمرت مجتمعاً حياً،متفاعلاً،مبدعاً تحققت للإنسان
فيه،كإنسان كرامته، وكفلت له حريته وحقوقه، وثمن سعيه وعطاؤه،ولعل أبرز جوانب هذه الحضارة
قيمة وإشراقا،ما يتعلق بمسألة التسامح الذي ساد الأندلس الإسلامية تجاه النصارى،
واليهود، الذين كانوا يشكلون شريحة هامة من شرائح المجتمع الأندلسي،فقد عاش
اليهودي والنصراني ،إلى جنب المسلم،حياة ملؤها التآزر، والتعاطف، والتراحم،
والمشاركة الفاعلة المثمرة.
وليس من شك في أن إثارة هذا الموضوع الذي
يكتسي طابعاً حضارياً، والذي يتصل بمسألة التعايش بين الشعوب، والديانات المختلفة،
والحوار الحضاري، والثقافي بين شتى الأمم والأعراق، له ما يبرره، فالحوار بين الثقافات والديانات المختلفة، كان
من المواضيع المحترمة في المجتمع الأندلسي، الذي لم يعرف التعصب الديني إلا في حالات استثنائية قليلة وشاذة، فقد كانت بعض التجارب مريرة ومؤسفة،
ومأساوية. ولكنها لا
تنطوي تحت حكم أو تندرج تحت مبدأ. وتزداد أهمية
هذا الموضوع خاصة عندما نعلم أن العالم
المعاصر يسعى لتأسيس نظام جديد،كما أن الإسلام والمسلمين يتعرضون لحملات شعواء
ترمي إلى تشويه صورتهم، وتقديم نظرة خاطئة عن ممارساتهم، بالإضافة إلى رواج بعض
النظريات التي تسعى إلى التنكر لهذا العطاء الحضاري الإنساني الفريد من نوعه.
وهذا ما يُلقي على الباحثين والكتّاب مسؤولية
الكشف عن العوامل التي جمعت بين الشعوب، ووحدت أهدافهم ورؤاهم، والتنقيب عن الأسس
والمرتكزات، التي أفرزت قاعدة صلبة لحوار الحضارات عبر مراحل التاريخ.
لقد هيأت
الحضارة الأندلسية،منذ مراحلها الأولى،الإطار الأنسب للتفاعل الحضاري الإيجابي؛فقد اندمج اليهود والنصارى،في جو من الحرية والسماحة وتكافؤ الفرص
في المجتمع الأندلسي الجديد؛ يتعلمون ويتثاقفون، ويسهمون في البناء دون عائق أو
عقدة، وهو الأمر الذي جعل الكثيرين منهم يحظون بمكانة عالية، ويتقلدون مناصب عليا في الإدارة
والسياسة،فقد عاش الذميون الأمن
والاستقـرار في دولة الإسلام يتمتعـون بحرية العقيدة والتعبد منذ الفتح الإسـلامي
لإيبيرية وقـد مورس الحـوار بين مختلف
عناصر الشعب الأنـدلسي طـوال عصور المسلمين في الأنـدلس في أزمنة السلم وأزمنة
الحرب، وبين المنتصرين والمهزومين ،ولعل حضارتنا وثقـافتنا العربية الإسـلامية في
الأنـدلس هي » الأعلى « صوتـا وفـعـلاً في رسالتهـا » الحـوارية «، وعلى مدى قرون عديدة .
لقد شكّلت الفسحة الأندلسية حيّزًا إنسانيا
ممتـازًا للحـوار والتفـاعل بين الأديـان السـمـاوية الثـلاثة، وأكثر منها فـقـد
شهـدت هـذه الفسحـة العصر الذهبي للثـقـافة العبرية التي اتخـذ شعـراؤها وأدبـاؤها
وعلمـاؤها ومفكـروها العـربية أداة تعبير وتواصـل وتفكـيـر دوّنـوا بها خير مـا
جـادت به قـرائحهم.بل إنَّ كـثـيـرا من النّصارى واليهـود والصقالبة
احتَلّوا مراكز سامية في الحكم وتبوأوا مراتب ممتازة في الحياة العامة، فكان منهم
الوزراء والشعراء والشاعرات والأطباء والموسيقيون . وقد بدا الأندلسيون
في الأعين منصفين بأمّ فضائل المدنية، فضيلة التسامح المطلق، والحوار والتفاعل مع
العناصر الأخرى لدرجة أثارت إعجاب الأعداء
قبل الأصدقاء على نحو ما ذهب إليه غوستاف لوبون(1).
في هذا الإطار
يأتي كتاب الباحثة الكوبية الدكتورة ماريا روزا مينوكال،الموسوم ب:«الأندلس العربية:إسلام الحضارة وثقافة التسامح»،إذ أنه
يقدم شهادة حية عن التسامح، والتعايش، والحوار الحضاري النبيل الذي ساد الحضارة
الأندلسية،فالباحثة تقدم لنا عبر صفحات هذا السفر الشائق رصداً شاملاً لتاريخ
الأندلس العربية«من منظور يغاير ما دأبت عليه خطاباتنا التاريخية عن الأندلس وعن
إسلامها وعروبتها وثقافاتها ولغاتها.إنه منظور تصر عليه المؤلفة، وهو يتشكل من
نظرة الغرب(نوع من الغرب الذي لا يصادر الآخر،و لا ينساق وراء بعض التعميمات
المختزلة للثقافة العربية الأندلسية،بل يعترف بها وبمنجزاتها الإنسانية)، ومن نظرة
الحاضر، وضرورة الاستفادة من دروس الماضي الثقافية القائمة على التلاقح والتعايش
في إطار ثقافة كانت تجمع بدون غضاضة بين المتعارضات،بل ترفعها إلى مصاف التعبير.
وهذا ما سيشكل الإرث المشترك النابع من اتساع الفكر وامتداده ليدرج الآخر
المختلف.إنه إرث يجب الوعي به وتغذيته في الحاضر والمستقبل.
إن هذا الكتاب
الذي يحمل تصوراً آخر للتاريخ،التاريخ بوصفه بحثاً في الظواهر الحية والمأمولة،
وليس بوصفه بحثاً في الظواهر الزائلة،لهو صرخة مدوية في وجه العالم الهمجي المعاصر
الذي تلفه الأحادية والأصوليات من كل نوع، وتغلفه الأفكار الإيديولوجية الجاهزة.
تكمن روح هذا
الكتاب في محاولته تقديم نماذج من الحوار والتسامح بين الأديان الثلاثة التي
تعايشت في الأندلس، ومن التساكن الذي غلب على تجاور القيم الثقافية المتنافرة
والمنتمية لشعوب وجماعات إثنية متباينة. وتبين المؤلفة،إلى جانب هذا الإقبال
الكبير الذي كان على الثقافة واللغة العربيتين من قبل الجماعات غير العربية،التي
أتقنت اللغة العربية ولبست اللباس العربي وأقبلت على الفنون العربية من شعر وغناء
ومعمار وبستنة. وكان لهذا التأثر نتائج على نهضة الفنون والآداب بأوربا فيما بعد.
ويُقدم عمل مينوكال درساً قوياً لمن يحسن استخلاص
الدروس،حول الدور الذي لعبته الترجمة في تمرير الثقافات وسيرورات التملك المعرفي
المنشئة لأسس التسامح والحوار. وتتبع الكاتبة المصائر المتشعبة لعينات من الذخائر
العربية المنقولة من قبل المعربين من اليهود والمسيحيين اللاتينيين في لغات عالمية
ومحلية.حركة غير معزولة عن مخاض تشكل وتطور اللغات في أوربا الوسيطية، وتدافعها
وتجددها المتصل المفضي إلى العصر الحديث، وهو مسرح
شاسع خشبته طليطلة، معهد الترجمة العالمي وقبلة المنقبين عن كنوز العربية رمز
عقلانية الفكر وحداثته يومئذ، وأطرافه إشبيلية وغرناطة وصقلية ونورماندي وباريس...
على هذا المسرح عبرت لغات و
تلاقحت وسكبت تراث اليونان والعرب في أقداح بعضها البعض،في حمية تغذي وحدة أبناء
إبراهيم وتكرس التسامح الحضاري الذي لم تتوقف عن إجهاضه وهدر مكتسباته النزعات
الإيديولوجية والدينية المنشطة لدورة سياسية آلت بمستقبل التسامح إلى الاضمحلال ثم
الكارثية.
لا يتجلى انزياح هذا الكتاب عن سرد التاريخ التقليدي في الموضوع،بل
إنه يتحقق كذلك في اللغة وفي التراكيب التي تعتمدها المؤلفة في تتبعها للشخصيات
وللثقافات وهي تتلاقح وتتجاور وتتحاور.فالأزمنة المعتمدة في سرد الوقائع التاريخية
أزمنة حضور،أزمنة منظورها حضوري،أزمنة تمكّن السارد من التواجد في الواقعة والعيش
داخلها رفقة أبطالها، ولعل هذا الانشغال هو الذي جعل جُمل ماريا روزا مينوكال جُملاً
طويلة،جُملاً تعتمد تقنية الدمج،فلا تترك المؤلفة معلومة تعرفها دون أن تدسها في
الجملة حتى تكتمل الصورة ويحضر معها القارئ ضمن الشخصيات.أما الوقائع المسرودة فهي
وقائع من منظورات أشخاص عاشوا المرحلة و بنوا فيها معالم ثقافية،مادية أو مجردة،من
معمار وأدب وفكر وفنون.
وإذا كانت ماريا روزا
مينوكال،ذات الأصل الكوبي، وأستاذة اللغة الإسبانية والبرتغالية في جامعة ييل
الأمريكية،قد أصبحت معروفة على المستوى الدولي بإعادة قراءتها للتاريخ الثقافي
والأدبي في الأندلس،فإن هذا الكتاب يمثل عملاً تركيبياً للحضارة الأندلسية. ولكنه
مفاجئ أيضاً باختلافه،عندما يؤكد أن الحداثة الأوروبية تعود في كثير من مظاهرها
وأفكارها إلى ما قدمته الأندلس من نموذج حضاري وإنساني،ثم عندما يصرّ على أن تعايش
الديانات السماوية الثلاثة في ظل الإسلام الأندلسي والأندلس العربية يظل حلماً
إنسانياً مفتوحاً على المستقبل»(2).
ثقافة الحوار والتسامح في الأندلس العربية
خصصت الدكتورة مينوكال جزءاً كبيراً من كتابها
للحديث عن جوانب من التعايش والتسامح الذي ساد المجتمع الأندلسي،فأكدت في افتتاحها
للكتاب على أنها تسعى بشكل كبير للتأريخ لذلك المناخ الحواري الذي ألقى بظلاله على
المجتمع الأندلسي،حيث عبرت عن ذلك قائلة:«تبرهن أكبر إنجازات الثقافة الوسيطية على
سموها في جعل رأيين يتعايشان،بل غالباً ما كانت تصل إلى أبعد من ذلك،كما يبين هذا
العصر الذي شهد تعايش اليهود والمسيحيين والمسلمين:لقد تمكنوا، بعيداً عن
اختلافاتهم التي يتعذر حلها وعن الحقد
المترسخ بينهم،من تغذية ثقافة ثاقبة قائمة على التسامح.هذا المفهوم الصعب هو الذي
أردت أن أثيره في العنوان الفرعي للكتاب. ولم يكن يعني هذا التسامح،إلا فيما
نذر،الاعتراف بالحريات الدينية أو حرية المعتقد كما نتصوره،في إطار مفهوم معاصر
لهذا اللفظ؛إن هذا التسامح كان يتجلى
فعلاً في العقيدة الضمنية والمضمرة،بدون شك، والتي يمكن لتعارضاتها،في ذاتها وداخل
ثقافة ما،أن تكون إيجابية ومنتجة، وفيما يطبع الثقافة الوسيطية،تجد عناصر لا تُحصى
جذورها في هذه الثقافة،في تعقدها،في مُتعها، وفي تحديدها للتعارض،وقد كانت هندسة
التعارضات تجد تعبيرها في الثقافة التي كانت تأويها الأندلس، وهذا ما يجعلنا نعيد
النظر في خريطة أوروبا، ونضع البحر الأبيض المتوسط في مركزها، ونعيد النظر على
الأقل في هذا الجزء من تاريخنا من منظور الأندلس.هنا أعاد اليهود، وقد تعربوا
بصورة عميقة،اكتشاف العبرية وأعادوا ابتكارها. وهنا تبنى المسيحيون كل مظاهر
الأسلوب العربي تقريباً،والمنهج الفلسفي،وحتى الهندسة المعمارية للمساجد. ولم
يقتصر هذا على زمن السيادة العربية،بل تعداه إلى زمن ما بعد انتزاع السلطة
منهم.هنا، أيضا لم يتردد رجال ذوو إيمان راسخ،أمثال أبيلار وابن ميمون وابن رشد،
وهم يبحثون عن الحقيقة الفلسفية أو العلمية أو الدينية،في تجاوز حواجز المعتقدات.
لقد أدرك هذا النموذج المثالي من التسامح ما كان يمنحه التنوع والتعدد الفردي
والثقافي،من غنى ومن ثمار،إننا نقف حيارى أمام ما بقي واستمر من الثقافة الأندلسية… »(3).
وتؤكد الكاتبة على أن
الاحترام والحوار الحضاري النبيل الذي رقاه الأندلسيون قبل أي أحد آخر قد
وصل إلى درجة الفن، مما جعله يؤثر أعمق التأثير في أوروبا متجاوزاً بذلك
الأندلس،ومتجاوزاً الحدود الجغرافية لإسبانيا، وكثيراً ما تدعم المؤلفة كلامها بشهادات
معبرة لجملة من الكتاب والمفكرين، ورجال الدين ممن عايشوا تلك الأحداث، ومثال ذلك
ما شهدت به الراهبة البحاثة هرُوتْسفيتا دو غاندرسهايم،والتي كانت تتمتع بمكانة
كبيرة في الأوساط الدبلوماسية والاجتماعية في بلاط الملك أوتون الأول قائلة عن
قرطبة:«كانت جوهرة العالم الساطعة التي
تلمع في الغرب، معروفة بثرواتها
وكبريائها،يحتفى بها لملاذّها ومُتعها،متألقة في كل شيء،لامعة على الخصوص بالعلوم
العقلية السبعة(الثلاثية والرباعية) وبانتصاراتها المتوالية».
وتعلق مينوكال على شهادة هروتسفيتا مؤكدة أن ذلك
البريق واللمعان قد أشع على كامل الكون، وجعل تنوع الديانات متعالياً، ولكي تدلل
المؤلفة على تسامح المسلمين واحترامهم للأديان الأخرى، والأعراق المختلفة تعقد
مقارنة بينهم وبين من سبقهم من القوط فتشير إلى أن هناك اختلافاً كبيراً بين
المسلمين والقوط، وقد عبرت عن ذلك بقولها:«فخلافاً للقوط، الذين تميزهم إثنيتهم
قبل كل شيء،ولبثوا أقلية على مدى السبعمائة سنة التي هيمنوا فيها على إسبانيا،كان
المسلمون ينحدرون من جماعات إثنية متنوعة. وكانت قوة المسلمين تكمن،شأنهم شأن
المسيحيين قبلهم في اقتناعهم بأن الحوار لم يكن ممكناً فحسب،بل إنه كان مرجواً
ومأمولاً، وينبغي تشجيعه ودعمه، وإذا دعا الأمر،بالضغط البراغماتي الذي تمثله
المزايا المدنية التي تتيحها منزلة المسلم، لا فرق في ذلك بين مسلم أسلم منذ يومين ومسلم ينحدر من
قريش. وقد جعل هذا الأمر الناس يقبلون بكثافة على اعتناق الإسلام».كما تطرقت الكاتبة
إلى العلاقات والوشائج التي نشأت بين الأندلسيين، فأبرزت تلك العلاقات الدينية
التي قلما نلفي لها نظيراً،إذ أن العشيرة اليهودية انبعثت من رمادها وخرجت من تلك
الحياة الفظيعة التي كانت أغرقت فيها من قبل الحكم القوطي،حتى أضحى وزير الشؤون
الخارجية يهودياً،يعمل جنباً إلى جنب مع الخليفة المسلم.
كما تشير الكاتبة
إلى المكانة المرموقة التي تمتعت بها اللغة العربية فعبرت عن ذلك تقول:«كانت
العربية لغة محترمة،تستعمل في الإمبراطورية كلها، وموصولة بباقي الحضارة. وعلى
مرمى البصر،بل في ما وراء ذلك،كانت اللغة العربية اللغة المشتركة عالمياً، وفي كل
مكان تقريباً من شبه الجزيرة المفعمة بالحيوية،فرضت العربية نفسها بوصفها اللغة
الدالة على الرفعة والسمو داخل الجماعات من الديانتين. ولم تترك الإدارة الإسلامية
الجديدة اليهود والمسيحيين على قيد الحياة فحسب،بل إنها، في إطار تنفيذها لما ورد
في القرآن،عملت عموماً على حمايتهم؛فعرفت
الجماعتان،يهود الأندلس ومسيحيوها،تعريباً واسعاً بعد سنوات على وصول عبد الرحمن
إلى قرطبة. وفي أواسط القرن التاسع،في أحد أشهر وثائق ذلك العصر، نجد بول ألفار
القرطبي يشكو من عجز الشبان المنحدرين من الجماعات المسيحيين عن كتابة رسالة واحدة
باللاتينية،في حين أنهم يكتبون قصائد بعربية فصحى تضاهي تلك التي يكتبها المسلمون»(4).
وقد شكلت اللغة
العربية جسراً من جسور التواصل الحضاري بين المسلمين والمسيحيين واليهود، وهذا ما
نلفيه في حديث بول ألفار القرطبي المسيحي
من خلال كتابه:«الدليل المنير»، والذي أشار إلى أن المسيحيين يعشقون قراءة الأشعار
والقصائد العربية،يدْرسون الفقهاء والفلاسفة العرب،لا من أجل الرد عليهم أو
مجادلتهم، وإنما من أجل اكتساب عربية جيدة وأنيقة، ويتساءل ألفار:«هل يوجد من بين
غير المتدينين من مازال يستطيع قراءة الحواشي على الكتابات المقدسة باللاتينية،أو
يعكف على دراسة الأناجيل أو الأنبياء و الدعاة والمبشرين؟للأسف؛فبحماس يقرأ الشبان المسيحيون ويدرسون الكتب العربية؛إنهم يصرفون
أموالاً طائلة في جمع مكتبات هائلة؛يحتقرون الأدب المسيحي، ويعتبرونه غير جدير
بالاحترام. ومن فرط ذلك نسوا لغتهم.مقابل كل رجل قادر على كتابة رسالة إلى صديق
باللاتينية،هناك ألف يتحدثون العربية بأناقة، وينظمون بهذه اللغة أشعاراً تتفوق
على أشعار العرب أنفسهم».
وفي هذا الشأن أشارت الكاتبة إلى أن العرب المسلمين قد حملوا إلى
إسبانيا شيئاً لم تكن مملكة القوط تملكه في يوم من الأيام، وهي اللغة التي يعبر
بها الإنسان بأناقة عن كل حاجاته الأساسية،وقد كان اليهود يعشقون اللغة
العربية؛حيث تشير في هذا الشأن إلى أن«التعلق الذي كانت
تحس به العشيرة اليهودية إزاء العربية، وهي العشيرة الآمنة والنافذة، لم يثر أي رد
فعل مماثل لرد فعل بول ألفار القرطبي،ذلك أن الجماعات اليهودية عرفت المنفى منذ
الأزل تقريباً،وكانوا يعرفون التكلم منذ أمد بعيد بلغة الآخرين دون أن يتنكروا
لعقيدتهم اليهودية.بل أكثر من هذا،لقد طور قرن من الهيمنة الأموية الوضع الاجتماعي
والحياة اليومية لليهود بصورة واضحة.فالجماعة التي كانت حتى هذا الحين تعيش في
الفقر المدقع والعبودية أصبحت ترتقي بسرعة في السلم الاجتماعي،إلى درجة أن يهودياً
سيصير يوماً الوزير الأكبر لخليفة أموي»(5).
وقد
اهتمت المؤلفة بالدور الكبير الذي لعبته الترجمة في نقل العلوم والمعارف من
الأندلس، ومن قرطبة تحديداً إلى أوروبا، وهذا ما أثر أيما تأثير في الحياة الفكرية
والعلمية لأوروبا ككل، فقد اتسع مشروع الترجمة أيما اتساع،وتمت ترجمة آلاف الكتب
من العربية إلى اللاتينية،وهذا ما مكن مختلف المسيحيين من الإطلاع على عدد كبير من
المصادر،وتشير المؤلفة إلى أن الكتب التي ترجمت يصعب تخيلها،وهي مصادر تعد غاية في
الأهمية، ومن الكتب النفيسة مثل الأعمال الكاملة لأرسطو،وهي مغناة بشروح ضافية
لكتاب مسلمين ويهود، ومثل مصادر أخرى قديمة ومعاصرة ،وتشير المؤلفة إلى أنه بإمكان
الباحث أن يذهب إلى مدينة طليطلة في بداية القرن الثالث عشر، ويجد بها إضافة إلى
كثرة المترجمين الموهوبين،ثقافة ترجمة برمتها، وقد قدمت مثالاً بمكاييل سكوت الذي
حلّ بطليطلة بغرض تعلم اللغة العربية، ودراسة أسرار الترجمة المزدوجة أو المتحدة،
وكانت الطريقة المتداولة في غالب الأحيان،أن يترجم يهودي في البدء النص العربي إلى
لغة محلية مشتركة هي القشتالية،ثم يأخذ المسيحي تلك الصيغة ويترجمها إلى
اللاتينية، ولم يقتصر المترجمون الآتون من مدرسة طليطلة على ترجمة نصوص مفردة،بل إنهم
يترجمون الثقافة كلية، وكان المترجمون المسيحيون يحسون تدريجياً أن الأعمال التي
يشتغلون عليها، إنما هي ترجمات إلى العربية من نصوص إغريقية ،تعبق بالثقافة
الأندلسية،وتؤكد المؤلفة على أن الترجمة قد لعبت دوراً كبيراً خلال القرون التي
كان فيها المسلمون يعتبرون العلوم العقلية والفلسفة عنصراً ضرورياً لمكانتهم،هذه
الثقافة القائمة على الترجمة،المتسامحة بالضرورة، هي التي أسرت الآن المسيحية
اللاتينية،وانتقلت بفضلها العلوم من قرطبة إلى سائر الأقطار الأوروبية وأثرت على
الصعيد العالمي ككل، وتؤكد أن مشروع الترجمة كان أكثر من مجرد ملائمة آلية بين
الشرق والغرب،سواء من حيث نتائجه المباشرة أو البعيدة المدى،وفيما يتعلق بما تمت
ترجمته فالكاتبة تشير إلى أن الأمر لم يكن يتعلق بمجرد ترجمات من العربية،لقد كانت
هناك نصوص تستلهم دعائم ثقافة لتجعلها تدخل ثقافة أخرى، وهكذا فقد حُررت دراسات عن
تاريخ العالم،وعن مجاميع القوانين،وأبحاث علمية أغنت التراث القديم،بالإضافة إلى
أنه كانت هناك مؤلفات لم يسبق ترجمتها من قبل إلى اللاتينية لعدم الاهتمام
بها،فوجدت اهتماماً كبيراً بها وانتشرت الكلاسيكيات التخيلية الأولى، ولقيت أصداء
طيبة، وقبولاً واسعاً.
ركزت المؤلفة على
العطاء الحضاري الكبير الذي قدمته مكتبة قرطبة،وأبرزت دورها في إشاعة ثقافة
التعايش والحوار والتقريب بين الأديان،فقد كانت تضم ما يقارب الأربعمائة ألف كتاب،
وقد وصف المؤرخ إدوار جيبون«في واحدة من عشرات الصفحات التي خصصها لقرطبة،شغف هذه
الإمارة الإسلامية بالكتب،الذي أثار إعجابه(ويرى أنه كبير جداً مقارنة بالثقافة
المسيحية الوسيطية التي تعادي الكتب حسب قوله).ويأتي برقم آخر،فهو يذكر أن فهارس
مكتبة قرطبة وحدها يصل عددها إلى أربعة وأربعين كتاباً،تصنِّف قوائمها أكثر من ستمائة
ألف كتاب. كانت النخب ذات الامتياز في الإسلام من علماء الشريعة،الذين يدرسون
النصوص المقدسة، وكان الكتاب والإداريون يشتغلون في الدواوين الملكية. إلا أنه،بغض
النظر عن هذه الفئة الأساسية من السكان كانت المكتبات تعد من مآثر ثقافة تحترم
العلماء، وقد شيدها أمراء كانت لهم الوسائل التي يظهرون بها هذا الاحترام.لقد كانت
الدراسات عن الدين أو اللغة تحتل مكانة هامة في المكتبة الإسلامية،غير أنه كانت
توجه كتب أخرى، وبعض هذه المؤلفات قد يندهش لها أي زائر مسيحي، وقد تقلب معرفته
الفضفاضة في الغالب بالعالم الكلاسيكي. ومن الأمور الموحية أن الشخص الذي أمد
الراهبة هروتسفيتا بمعلومات عن عجائب قرطبة،بما في ذلك المعلومات التي تحتل مكاناً
مركزياً في محكيها،أي الثلاثية والرباعية كان مسيحياً، ولم يكن مسلماً،كان هذا
الشخص هو راسموندو،أسقف إلفيرا. وقد كانت مكتبات قرطبة تشكل أيضاً علامة بينة على
الشعور العام بالرضى والاكتفاء(وليس على المعرفة والعلم فحسب)،ذلك أنها كانت تقع
تحديداً في الترابط بين المادي والفكري.إن المكتبات التي كانت تبنى بقرطبة، والتي
ظلت مجهولة لمئات السنين ومتوارية عن أعين ما تبقى من الإمبراطورية الرومانية،يرجع
الفضل في نهاية المطاف في وجودها إلى عافية الاقتصاد التجاري ونشاطه بالبحر الأبيض
المتوسط. وقد عملت هذه المكتبات بدورها على تحفيز نشاط كثيف في ميدان التجديد
والابتكار»(6).
وقد قدمت المؤلفة الكثير من النماذج التي تثبت
وجود تعايش سلمي وحضاري بين مختلف الديانات والطوائف والجماعات،فأشارت إلى أن
الجماعات اليهودية شكلت عنصراً هاماً في المشهد الثقافي الذي كان في أزهى عصوره،
وفي كامل تفتحه وازدهاره، فقد حذا الكثير من اليهود حذو أثرياء قرطبة فغادروا
العاصمة العتيقة المنهارة،ويمموا وجوههم شطر العاصمة الجديدة،وتضرب الدكتورة
مينوكال مثالاً تؤكد من خلاله على عدالة ونزاهة وتسامح المسلمين،حيث تمكن صموئيل
ابن نغريلة بعد فراره مع أسرته من قرطبة واستقراره في مدينة مالقة،من أن يدخل
ويؤصل في هذا الركن القصي تفننات قرطبة الأموية، وسرعان ما صار وزيراً،كما أضحى في
نفس الوقت«النغيد» الأول للجماعة اليهودية، وقد كان أيضاً أحد الشعراء المجيدين
بعبرية العصر الذهبي الجديد كما عبرت عن ذلك المؤلفة.
وقد توقفت المؤلفة
ملياً مع مشروع مسجد قرطبة،كما سلطت الأضواء على كاتدرائيتها، وهذا ما نستشف منه
أن الباحثة تريد التأكيد على أن المسلمين بالأندلس كانت لديهم رؤى معمقة، وكانوا
متفهمين لضرورة التأسيس لحوار حضاري، وديني، وفكري رصين بين مختلف الأديان،
والتوجهات، وتأسيس المسجد، والكاتدرائية في نفس الوقت هو دليل على إدراكهم بأن
قيام دولة حضارية مستقرة، لا يتأتى إلا من خلال إتاحة الفرصة للديانات الأخرى،
واحترامها، وتركها تمارس شعائرها،وقد تطرقت إلى هذا المشروع الضخم مشيرة إلى أنه
رغم «المئات من النجاحات العسكرية والمدنية، والسياسية والفنية، ورغم الاستقرار
والرخاء اللذين نعمَ بهما عبد الرحمن مبكراً بقرطبة،فإنه لم يحقق ذلك المشروع الذي
كان يهمه كثيراً إلا في نهاية حياته،ذلك المشروع الذي سيشهد تاريخياً بما كانه وما
كان يمثله. كانت كنيسة سانت بيسانت المقدسة أكبر كنيسة بقرطبة؛وقد بُنيت على أنقاض هيكل روماني. ومن الأمور الأثيرة عند مؤرخي
الأندلس حكاية يتداولها بشكل لافت من يعرفون تاريخ بناء مسجد الأمويين الأكبر
بدمشق عندما طالب مسلمو المدينة بفضاء للصلاة،ثمّ شراءُ نصف كاتدرائية دمشق، وبذلك
أصبحوا يشتركون فيها مع المسيحيين؛ وصار المسلمون الذين قدموا حديثاً يصلون في نصف
الفضاء، والجماعة المسيحية الموجودة هناك من قبل،تصلي في النصف الآخر،بعد
سنوات،عندما قرر الخليفة بناء مسجد يليق بعائلته وبإرثه،اشترى النصف الآخر، وهدم
هيكل الكنيسة القديمة، وشرع في أشغال بناء مسجد عاصمة ملكه المزدهرة في نفس
الموقع.
تبين هذه الحكاية كيف انطلق الأمويون، الذين نزلوا
بسوريا المُهَلَّنة المسيحية،في بناء مسجدهم الكبير الأول،وكيف استطاع الأمير
المنفي بناء أول مسجد-كاتدرائية في الأندلس؛كما تكشف أن مشروع قرطبة والأندلس كان
يتمثل في السعي إلى إعادة إنتاج ما دُمر
في سوريا. وهذا يفيدنا كثيراً في فهم انشغال الأمويين بالحفاظ على هذه الدولة
وتعددها الإثني والديني.منذ البداية،كان هذا المكان،الذي خصه المسلمون من كل مكان
وزمان بالعديد من القصائد،موسوماً بشكل قوي بالجمالية الأندلسية»(7).
ومن خلال خاتمة الكتاب تتحدث المؤلفة بنوع من
الأسى والمرارة والشجن، نظراً لعدم استمرار ثقافة التسامح والتعايش والتراحم بين
مختلف الأديان والأعراق،سواء بعد سقوط الأندلس، وكذلك في الأحقاب التي أعقبت تلك التحولات،
وقد قدمت عدة نماذج من التاريخ، ومن العالم المعاصر أكدت عدم استثمار هذه التجربة
، وتعميمها، وجعلها نموذجاً يُحتذى به،واصفة تلك
التجربة بأنها أنوار الأندلس التي لابد أن لا تنطفئ وتتألم الباحثة نظراً
لسير الأحداث في دروب مغايرة تماماً لما كانت عليه طيلة خمسة قرون،فتتساءل:«ما ذا
جرى؟كيف تتفتت ثقافة التسامح هاته وتتحلل، ولماذا؟كيف يضحي شعب بثقافة كانت تغرس
جذورها في أخلاقيات التوفيق، وتُظهر كل هذا الحب لمعمار منافسيها الثقافيين أو
الدينيين وشعرهم، وتعبر عن شغفها وتلهفها للقراءة،بغض النظر عن الجهة التي تأتي
منها الكتب؟تتناقض الأجوبة.كان كل هذا جلياً وتدريجياً في الآن ذاته؛فمنذ البدء كانت النتائج متوقعة إلى حد بعيد، ولكن هذا لم ينزع عنها
الفجائية وتعذر التصور في هذه الفترة. ورغم ذلك،كان بالإمكان أن تأخذ الأحداث مجرى
مغايراً. وما يمكن أن نؤكده،دون الخوف من السقوط في الخطأ،إن توالي الأحداث إنما
هو درس في الاحتراس والتعقل، وفي الأمل أيضاً»،وتشير الباحثة إلى أن التحولات التي حدثت اتسمت
بالغرابة، وهي مثار للتعجب والاستغراب، وقد أمعنت في وصف الوقائع قائلة:«إن ما هو مدهش حقاً أن قيم إسبانيا
الوسيطية استمرت لمدة قرن، وأن الأحداث كان يمكن أن تسير في اتجاه آخر.صعدت
إيزابيلا القشتالية وفردينان أراغون إلى تل الحمراء ليتسلما شكلياً
غرناطة،بلباسهما ذي الأبهة العربية،ووقّعا،محاطين بعدد من مستشاريهم
اليهود،المعاهدة التي تخوّل للمسلمين حقوقاً شبيهة بحقوق«الذمة».قد لا يرى ملاحظ
متهكّمٌ في هذا المشهد غير التظاهر والخداع والتواطؤ والازدواج، وقد يكون محقاً في
ذلك. ولكن،من الأفضل أن نبحث عما هو مشترك وعام في هذا التاريخ.إنه التسامح الديني
والثقافي الذي كان موجوداً على الدوام.ينتصر تارة، ويفشل تارة أخرى. كان بإمكان
إيزابيلا وفردينان،باعتبارهما عاهلين كاثوليكيين،أن يتجاهلا نصائح الكنيسة التي
دفعتهما إلى طرد اليهود من أراضيهما ونقض المعاهدة التي كانا وقعاها مع رعاياهما
المسلمين.كانت إسبانيا ستلج بذلك عهد الحداثة وتعطي تحديداً مثالياً للتسامح
الديني،مبنياً على سياسة ثقافية تتطابق مع تقاليد أسلافهم القشتاليين،منذ ألفونس
السادس،غالباً ما اعتبر قرار فردينان
وإيزابيلا بالتحول والانحراف عن سبيل التسامح،مثالاً على ما لا يُفسر، ونصراً
محتوماً لعدم التسامح،وخاصة في العهد ما قبل الحديث،غير أنه يمكن أن يُفسر ذلك
بعدم قدرتهما على ارتياد الأصعب والأشجع من الاختيارات؛أي الحفاظ على ثقافة كانت تؤكد تعارضاتها...
أقيمت محاكم التفتيش
الإسبانية، وكانت مهمتها تخليص المجتمع من مواطن الداء،هذا المجتمع الذي كان
متصالحاً وراضياً منذ خمسمائة سنة بتعارضاته المتنوعة.غير أنه اتضح أن هذا الأمر يسهل
قوله ويصعب فعله»(8).وتدعو المؤلفة إلى ضرورة الاستفادة من التجربة الأندلسية الفريدة من نوعها في التسامح،
والتعايش، والحوار، وذلك من أجل تشييد
جسور تواصل بين مختلف الأديان والحضارات.
فذلكة
إن كتاب الدكتورة ماريا روزا مينوكال يمكن أن
نصفه بأنه بمثابة موسوعة حقيقية،أرخت للتاريخ الأندلسي،وقدمت صوراً متنوعة عن
الحضارة الإسلامية بالأندلس،وأكدت الباحثة على روح التسامح، والحوار الحضاري التي
اتسم بها المسلمون في ذلك الزمن، لقد سلطت المؤلفة الأضواء على مختلف المراحل
والأحقاب الأندلسية،مقدمة نماذج متنوعة من شتى المراحل،وذلك بدءاً من منتصف القرن
الثامن الميلادي إلى غاية بداية القرن الثالث عشر الميلادي،فقد انطلقت من فرار عبد
الرحمن الداخل من دمشق«مروراً بما بناه الأمويون من مآثر معمارية وثقافية في إطار
خلافتهم الأندلسية،ثم ما ولي ذلك من مشاهد الدمار التي لحقت مناطق عديدة من البلاد
في أعقاب سقوط الخلافة، وما خلفها من تناحرات ملوك الطوائف،ثم دخول الأندلس في
دولة المرابطين ودولة الموحدين بعدهم،ثم الحروب الصليبية التي سميت بحروب
الاسترداد وأدت إلى سقوط الأندلس.
ولكن كتاب الدكتورة
مينوكال ليس كتاب تاريخ فحسب،أو ليس كتاب تاريخ بالمعنى التقليدي،فقد حاول رسم
المسارات الثقافية للأندلس منذ دخول العرب إليها،عبر تصوير شخصيات فاعلة،شخصيات
أسست لثقافة الحوار والتسامح وبناء المعنى الاجتماعي للثقافة وللإنسان؛وعبر تتبع تواريخ بعض المآثر، وقد انطلقت المؤلفة من افتراض أن
استقرار الأمويين بأوروبا يعد حدثاً حاسماً أسّس أوروبا الحديثة وشكّلها، ولذلك
فقد وقفت ملياً مع أشكال التأثير التي مارستها الحضارة العربية(الأموية بالخصوص)
الغنية والمركبة والفريدة من نوعها في الثقافة الأوروبية الحديثة، ومن خلالها في
الحضارة العالمية بأسرها»(9).
ولا ريب في أن الباحثة قد بذلت جهوداً كبيرة في
سبيل تقصي مادة الكتاب، ولاسيما ما يتعلق منها بالشهادات، والنماذج والصور التي
تبرز التفاعل بين الأديان الثلاثة،فقد سعت إلى إبراز العطاء الحضاري الكبير
للأندلس العربية في شتى الجوانب،ويمكن القول إن الرؤية التي قدمتها الباحثة قد
اتسمت بالموضوعية والإنصاف، وابتعدت عن التجني والإجحاف،إذ صورت المسلمين على أنهم
أصحاب عطاء حضاري زاخر، وقد أثروا في أوروبا أيما تأثير في نهضتها، وإقلاعها
الفكري والحضاري، وذلك من خلال انتقال التراث العربي واليوناني من قرطبة التي كانت
مركز إشعاع علمي ومعرفي إلى أوروبا.
الهوامش:
(1)ينظر:د.إبراهيم
القادري بوتشيش:المرابطون وسياسة التسامح مع نصارى الأندلس،نموذج من العطاء
الحضاري الأندلسي،مجلة دراسات
أندلسية،عدد:11،رجب1414هـ/1994م،تونس،ص:22،وما بعدها، وينظر:د. بومدين كروم:ملامح
الحوار الديني في الحضارة الأندلسية،أعمال الملتقى الدولي الحضارة الإسلامية
بالأندلس،أيام:14،و15،و16 ربيع الأول1428هـ/2،و3،و4أفريل2007م،منشورات المجلس
الإسلامي الأعلى بالجزائر،2008م،ص:21 وما بعدها، وينظر:د.سعد بوفلاقة:حوار
الثقافات في الغرب الإسلامي،مجلة المنار الجديد،عدد مزدوج31/32،صيف،خريف2005م،القاهرة،
مصر،ص:53 وما بعدها.
(2)د.ماريا روزا
مينوكال: الأندلس العربية: إسلام الحضارة وثقافة التسامح،ترجمة:عبد الحميد جحفة
ومصطفى جبّاري،منشورات دار توبقال للنشر،الدار البيضاء،المغرب،ط:01، 2006م،ص:6 وما
بعدها.
(3)د.ماريا روزا
مينوكال:الأندلس العربية:إسلام الحضارة وثقافة التسامح،ص:16.
(4)د. ماريا روزا
مينوكال:المصدر نفسه،ص:30 وما بعدها.
(5) المصدر نفسه،ص:60.
(6)المصدر
نفسه،ص:34 وما بعدها.
(7)المصدر نفسه،ص:52
وما بعدها.
(8)المصدر
نفسه،ص:208.
(9)المصدر
نفسه،ص:05.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق