"المسبح اليتيم"
الكاتب الأمريكي : جون أبدايك
ترجمة : علي الجمال
الزيجاتُ كالتفاعلاتِ الكيميائيةِ تطلقُ حزماً مصفاةً من الطاقةِ مغلّقة في ترابطها ، هناك ثمة بيانو لا يرغب فيه أحد ، كلبٌ صيدٍ لا أحد يستطيع الإعتناء به ، أرففٌ من الكتب فجأة تقف ظاهرة كشيء قديم ثمين غير مرجح أن تُعاد قراءته ، في الواقع من الصعب تذكر من قرأها لأول مرةٍ ، وثمة زلاجات ثلجية في الغرفة العلوية ؛ أو بيت الدمى في القبو ينتظر أن يتم تجهيزه .. البيانو يفقد لحنه ، الكلب يجنُّ . حمام السباحة لم يعد لديه سيدٌ أو سيدة في الصيف الذي انفصلت فيه عائلة " تيرنر " حتى أن الشمس تضربه يوما بعد يوم وأُعلنت حالة الجفاف في نهر" كونّيكتيكت "كان مسبحاً صغيراً فقط عمره سنتان من النوع الهش مزيناً ببطانة من البلاستيك موضوعة داخل حفرة منحوتة بعناية في الأرض ، الساحة الجانبية لبيت عائلة تيرنر تبدو ملعونة بينما لم تُكنمل ، جرافة غاصت في الطين وتحتاج أخرى لشدها ، لكن بقدوم منتصف الصيف أورقت الحشائش وأحجار الطريق المطوقة كانت في مكانها والبلاستيك الأزرق في قاع المسبح لَوّنَ الماء بالأزرق ،ويجب أن يُعترف أن عائلة تيرنر حققوا نجاحا مرة أخرى ، قد كان تقدمهم صغيرا مع أصدقائهم..
قد كان ذا شعر أسود وذراعين طويلتين وأنف مسطح وجها متجهماً أحمراً دموياً ، وكانت هي شقراء ذات عيون زرق وشفتين مقعودتين مجعدتين كما لو ستسأل سؤلاً خياليا أو مزعجاً ..لم يبدوا سعيدان أو بدى زواجهما سعيداً أكثر من ذلك الصيفان السابقان .. لقد ازدادا نعومةً وليونة وسمرة مع السباحة ..
"تيد " كان يبدأ يومه بالسباحة قبل أن يرتدي ملبسه ويلحق بالقطار ، وليندا كانت تجذب الإنتباه طوال اليوم بين المشرفات المبللات والأطفال ويعود تيد من العمل فيجد حفل كوكتيل قائم ، وينهي الزوجان يومها في منتصف الليل عندما يرحل أصدقاؤهم ، حينها يسبحان عاريان . يا لها من بهجة ! ، في الظلام يُحس الماء رقيقا كاللبن وطافياً كالهليوم ويصبح السبحان عملاقان ينزلاقان من جانب لجانب في ضربة واحدة متراخية ..
في شهر مايو التالي كان المسبح ممتلأً كالعادةِ فبعد المدرسة مجموعات من الأمهات والأطفال يتجمعون عليه ، ولكن ليندا على غير العادة ظلت بداخل المنزل ، كان من الممكن سماعها داخل المنزل تتحرك من غرفة لأخرى ، ولكنها لم تعد تظهر مثل المواسم الصيفية السابقة بمرح تحمل صنية من الثلج وزوجا من الزجاجات وبسكويت "تريسكويت" والليمون للأطفال ، شعر أصدقاؤهم بقليل من الراحة حول الظهور والمناشف في أيديهم في أجازات نهاية الأسبوع في بيت عائلة تيرنر.
رغم أن ليندا خسرت بعض الوزن وبدت أنيقة ، وتيد كان بشوشا بشكل مُتَعبٍ ، كانا يُشِيعَان التعب وعدم النوم وصنعا بعض المشاكل مع بعضهم ، بعد ذلك في يوم بعد انتهاء المدرسة ذهبت ليندا بعيدا مع الأطفال لأبويها في أوهايو ، بقى تيد لليالٍ في المدينة ، وهُجر المسبح
بالرغم أن الماسورة التي تضخ الماء عبر المرشح استمرت تهدر في اللون الأرجواني ، لون المسبح السماوي تعكر بالغيم ، الجثث الميتة للزنابير وذباب الخيول رقّطت وجه المسبح ، والكرة البلاستيكة المنقوشة إنجرفت للركن بجوار لوح الغطس وبقت هناك . الحشائش بين أحجار الرصيف زادت طولا. وعلى الطاولة ذات السطح الزجاجي علبة المعطر "أوف" فقدت ضغطها ، وزجاجتي التونيك وال "جن" حَوَتَا ورق نعناع ذابلٍ ،المسبح بدى مهجورا ومسكونا بالأشباح كنبعٍ راكدٍ في الغابةِ ، بدى ساما ومخزياً .. ورجل البريد يحشو صندوق البريد بالملاحظات المتأخرة والإغواءات الإباحيةِ محيلاً نظره عن الفناء بتأدبٍ..
في بعض أجازات نهاية الأسبوع في شهر يونيو ، تيد يتسلل من المدينة ، العائلات يرونه يرش المبيدات الكيميائية أثناء ذهابهم للكنيسةِ ، لقد بدى شاحبا وهزيلاً .. قد علّم جاره " روسكو تشايس " كيف يفتح المضخ ويغير المرشح وكم الكلور ومنقي الماء الواجب إضافته إسبوعيا، شرح تيد أنه لن يكون قادرا على فعل ذلك كل إسبوع – كما لو أن المسافة التى كان يسافرها مرتين يوميا من وإلى نيويورك صارت صعبة ليست كالماضي .. ليندا التي كان يأتمنها أسراره بشكل مبهم تركت أبويها في " أكرون"وكانت تزور أختها في "مينيبوليس" . مسبح عائلة تيرنر بشكل أقل صار مهجورا ومسكونا بالأشباح بتلاشي صدمة أختفاء عائلة تيرنر ..
عائلة "مورتو" مشاغبة كثيرة العدد كانت بالجانب الأيمن من بيت عائلة تيرنر ، أطفال عائلة مورتو بدأوا في استخدام المسبح دون أي رقابة وكذلك أصدقاء ليندا القدامى وأطفالهم ومن ثم بدأوا في مراقبة أطفال مورتو وأطفالهم حتى لا يغرقوا بعضهم بعضاً حيث إذا حدث أي شيء سيتم تقاضي عائلة تيرنر على كل شيء ، عندما قدروا على تكاليفه بعدها صار استخدام المسبح نوعاً من الواجب ونموذجاً من الولاء
شهر يوليو كان الأشد حرا في السبع والعشرين سنة الأخيرة . جلب الناس أساس حدائقهم في سيارت "ستايشن" وفرشوه ، جُعل المراهقون والمربيات كمنقذين . أُستخدم حبلا من النيلون به فلينٌ عائمٌ تم العثور عليه في المرآب وتمت إعادة جمعه ليقسم منطقة الخوض والعوم عن منطقة الغوص
شارك أجنس كليفيلد ثلاجة قديمة استخدمت لتخزين الثلج ومشروب الكينا* والمشروبات الغير كحولية وتم توصيلها فوق طاولة العمل الخاصة بتيد في القبو ، صندوق أمانة لتغيير الأحذية يظهر بجانبه صفٌ من المفقودات من نظارات شمس منسية ، وزعانف ، ومناشف ، وكريمات ، وكتب ورقية ، وقمصان حتى الملابس الداخلية مرمية على بعد خطوات بجوار منزل عائلة تيرنر
في شهر يوليو هذا عندما كان يقول الناس أقابلك الساعة الرابعة عند المسبح لم يكونوا يقصدون المسبح العام المحاذي لمركز التسوق أو مسبح النادي الريفي بجوار ملعب فرست تي ؛ كانوا يقصدون مسبح عائلة تيرنر
القيود على الإعتراف كان صعب تطبيقها ببراعةٍ ، أسقفٌ ميثودي زائر ، وإقتصاديان تايونايان وكل البنات من فريق البيسبول من " دارين " ، وشاعر كندي بارز ، وبطل هارفارد لرماية السهام ، والست أعضاء من مجموعة الصخرة السواء المسمون "جود إنتنشنز " ، وفتاة "علي خان" السابقة ، وأم مستشار نيكسون ذات الشعر الخزامي ، ورضع ذوي ست أسابيع ، والرجل الذي قُتل في اليوم التالي في شارع "ميريت " ، و " فيلبينو " الذي يبقى في قعر المسبح لثماني ثوان ، وشخصان من تكساس اللذان يُبقيان السجائر في أفواههما والقبعات على رأسئهما ، وثلاثة من مصلحي خطوط التليفون ، وأربعة مغتربون تشيكيون ، والطالب " ماويست " من "ويسليان" ، ورجل البريد ؛ الكل يسبح كضيوف في مسبح عائلة تيرنر
بالرغم أنه ليس لطيفا بعد انحسار الجموع في نهاية اليوم ، وصندوق الأحذية يوضع خلف الثلاجة والمربية الأخيرة تأخذ قشعريرة البرد الأخيرة والطفل المجعد المرتعش للبيت ليأخذ وجبته.. قد كان هناك نشاط ترتيب مسائي لملتقى العشاق كما يسموه مدام كليفيلد وابن نيكولسن والبعض علانيةً ، أو أنغماس في المجون بشكل مفرط . عادة ما تُبقى القهقهاتُ وطرطشةُ المياه السيدةَ تشايس مستيقظةً وأطفالَ عائلةِ مورتو يقضون ساعات في شباك غرفتهم العلوية مع منظارهم حيث هناك ثمة دليل على الملابس الداخلية المفقودة.
في الصباح في يوم الأحد في أول شهر أغسطس.. الواصلون للمسبح وجدوا في المرآب سيارة مجهولة بلوحةٍ تابعة لمدينة نيويورك ، قد كانت أغلب السيارات شائعة ، مساحة الجراج دائما تتسع حتى تصل إلى الطريق ، لم يلقوا بالا للسيارة حتى لاحظ أحد ما أن شباك غرفة النوم العلوية مفتوحا ولم يخرج منها أحد إلا في وقت وجبة العشاء ، في الهدوء قبل قدوم إزدحام المساء بقوةٍ كان تيد يخرج من باب المطبخ ذاهبا للسيارة عائدا إلى نيويورك معه سيدة مجهولة في مثل الهيئة البدنية لليندا ولكنها بنية الشعر .
قليل من جليسات الأطفال المتباظئات والعشاق أيضا لمحوا بشكل عفوي أمر الإنفصال ، الحبيبان كانا يمكثان طوال اليوم داخل المنزل ، تيد كان خائفا من الملاحقات القانونية إذا رأى أحد إياهما قد يرسل ويخبر ليندا .. التسوية كانت في مرحلة شائكة ؛ لا شيء أقل من الخوف من محاميِّ ليندا قد يقود تيد أن يجعل سخطه مخفيّا ، فمسبحه صار مهرجانا عاما
بعد ذلك بفترة طويلة ، رغم ذلك لم يتزوج المرأة ، هذا اليوم تذكر عندما عاشا معا مثل هاربين في كهف ، يتغذون على الحب والمياه المثلجة ، يتحسسان خطاهم نحو الدواليب المستهلكة عندما يصلان آخر الليل يتمنان المكوث حتى الصباح لا يترقبون انقضاض أحد المتطفلين قد يراهم . تذكر شعرها لما كان يدغدغ كتفيه وهي جاثمة خلفه عند النافذة ، وضربات قلبه عندما كان يمسك جسدها الرقيق ويحثها على عدم القهقهة
رُسمَ شهر أغسطس بالأيام الغائمة ، ملّ الأطفال السباحة ، روسكو تشايس ذهب إلى إيطاليا لقضاء الأجازة ، كُسرت ماسورة الضخ ولم يصلحها أحد ، تراكمت اليعاسيب الميتة فوق سطح المسبح ، وصغار الضفاع المخدوعة تقفز وتعوم في أرجاءه دون أمل
أخيرا عادت ليندا من مينيبوليس لقد قضت ست أسابيع في "إيداهو" حتى تتطلق ، كانت هي والأطفال وجوهم مسودة جراء المشي والقيادة ، شفاتاها لا زالتا تسعيان نحو هذا السؤال المشاكس فقد بدتا أكثر جفافا وغرابة أكثر مما ذي قبل.. وقفت عند الشباك في المنزل الذي بدى أساسه ناقصا ، إنه نفس الشباك الذي كان يجثم عنه العاشقان وحدقت إلى المسبح المهجور ، الحشائش حوله كانت خضراء بسبب طولها سوى المستطيل الذي تحول للون البني الذي خنقته المنشفة الطويلة ..لم تتعرف على المتاع الألمنيوم المكسور والمبعثر ، عدت دستة من الزجاجات تحت الطاولة ذات السطح الزجاجي ، حبل التقسيم النيلون تُرك وأطرافه تعوم بإستقالالية ، نظرت للقعر البلاستيكي الأزرق ربما يسعدها ، لكن ليندا رأت المسبح في الحقيقة دون قاع ، قد كان قطعة واحدة زرقاء
" حمدا لله لم يغرق به أحد "
دونها
رأت أنها لن تستطيع العيش هنا مرة أخرى ..
في شهر سبتمبر بِيع المنزل لعائلة ذات أطفال الذين من أجل سلامتهم لم يجففوا المسبح فقط ولكن غطوه وأغلقوه بشبكة من الموواسير المعدنية وضعوا لافتات تحذيرية حوله وأيضا حول الكلب المسلسل..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق