2017/04/20

يزن وحلم العودة إلي الحياة بقلم: يحيي سمير كامل

يزن وحلم العودة إلي الحياة
بقلم: يحيي سمير كامل

"إنه الحزن هو ما يعصف بكم وينسيكم.. فتذكّروا دومًا أن سقفَ الأرض سماءٌ، وأن الصخورَ جبالٌ، والأعمدة الخشبية تسمى أشجارًا، والقرص الذّهبي يُدعى شمسٌ، والتّراب هو أنتم ، والبحر بالنّسبة لكم أزرقٌ واسعٌ، ليس هو بحياة.. وليس هو بموت، والأمل في الأساس قمرٌ".
 هذا النّص هو أول ما وقعت عليه عيني من رواية " يَزَنْ ..حَجَرُ القَمَرْ " للكاتبة الشابة إبتهال الشايب ، في هذا النّص الذّي تكتمل فيه، كل ما يحتاجهُ أي نص أدبي مكتمل، الذّي يعطيني قصيدةً نثريةً مكتملةً، كان كافيًا جدًا لتهيئتي إلي ما هو قادم.. أول عتبات الرواية هو العنوان
" يَزَنْ.. حَجَرُ القَمَرْ" يزن هو اسم لشخص ما، الدلالة الأولى قبل القراءة .
 ثاني عتبات الرواية، اسم الكاتبة إبتهال الشايب باللون الأبيض أسفل العنوان.
 ثالث عتبات الرواية الغلاف، الذي يتكون من المياه أو البّر الذّي يأتي في الأعلى، ثم زهور الياسمين التي تأتي في الوسط، ثم في الأسفل يأتي التراب، ثم الوسط الذي يجمع ما بين الأعلى والأسفل، صورة فتاة غير مكتملة الوجه عارية، نصفها الأسفل داخل التراب، ونصفها الأعلى خلف زهور الياسمين، حول يدها اليمنى أفعى منتظرة فعل شيء ما
ويدها اليسرى ملامسة لليمني .
 رابع عتبات الرواية دار النشر" النسيم ".
خامس عتبات الرواية صورة الكاتبة.
سادس عتبات الرواية النص التعريفي في الغلاف من الخلف باللون الأبيض.
 سابع عتبات الرواية الإهداء " زهور صغيرة في حياتي يرونني حُبًّا فأروي قصصًا.. أبي.. أمي.. إخوتي.. دبدوبي ".
 تبدأ إبتهال الشايب بوصف المكان بسرد متميز وصورة شعرية ممتازة فتقول "وحين تتقَّبل الأمر وتعاشر الظلام وقُبلتك الحارَّة طازجة على شفتيه سيتغير الكون من حولك. الآن وفي مكان غير محدد، هناك موتى فاقدو النطق والذاكرة، معبَّأون فقط بلحظاتهم الأخيرة قبل الموت، يسيرون في تيهٍ وصمتٍ بجوار صخرةٍ كبيرةٍ، تتناثر على وجهها تجاويف عدة تحوي الموتى ليلًا، وطريق طويل يقطع المكان إلي جزئين، يرافقه بحر غربي واسع، وأشجار ونباتات، وتراب، ووقت لا نهائي، فاليوم في أرض الموتى يتفتت إلي ٧٢ ساعة، والشهر يسير كسلحفاة أسفل ٣٦٥ يومًا ، وبأحشاء العالم 12شهرًا، وفصول موسمية ملتبسة، وعبارة كتبت باللغة العربية على أحد الصخور المجهولة: " إنّه الحزن هو ما يعصف بكم وينسيكم .. فتذكروا دومًا أن سقف الأرض سماء، وأن الصخور جبال، والأعمدة الخشبية تسمى أشجارًا، والقرص الذهبي يُدعى شمس، والتراب هو أنتم، والبحر بالنسبة لكم أزرق واسع ، ليس هو بحياة.. وليس هو بموت، والأمل في الأساس قمر، ثم تقول في وصف الأموات وكيف يأتون إلى أرض الموتى: " سبعة أموات جدد مُلقون على الطريق الرئيسي، لم يُذكر من قبل أن أحدًا من ساكني أرض الموتى رأى من يضع أو من يأتي بالأموات إلى هذه الأرض بالتحديد؟ ومن يميتهم؟ وكأن الهواء من يأتي بهم، كان الموتى الجدد فاقدي الوعي، من بينهم ميت ملتف علي رقبته حبل خشن وعليه آثار شنق، دقق يَزَنُ النظر إلى الحبل وتساءل في سره " هل هذا الشيء الملتف حول رقبته يخص الحياة؟ ربما الميت يعرف ما هذا الشيء، وإذا عرف اسمه من الممكن أن يتذكر بقية أسماء الأشياء" لكن جمود الميت وغرقه في الموت لا يوحي في نظر يَزَن بأية إجابة يمكن أن يجدها لديه .
 تتحدث الرواية عن ما بعد الحياة وما قبل الموت عن فترة" البرزخ ولكن برؤية مختلفة، الأموات يذهبون إلى عالم أخر يحتوي على بعض معنى الحياة من موارد مثل الأشجار والبحر والشمس والسماء والتراب والصخور، الأموات لا يتكلمون إلا بلغة الجسد أو الإشارة يأتون إلى هذه الأرض فجأة يفقد الأموات الذكريات كلها ، يتذكرون أخر مشهد فقط في الحياة، والرواية معتمدة علي الحالات النفسية لأبطالها
 "يزن "البطل الأول الذي يريد الرجوع إلى الحياة مثل نزار والذي قام بمساعدة الموتى في التفاعل مع البيئة المحيطة بهم بعد أن فقدوا الأمل في الرجوع إلى الحياة، "بتول" التي تعيش علي أمل أن يعود نزار إلى أرض الموتى وتفتش عن نزار في كل ميت جديد. "نزار" الذي عاد إلى الحياة ويعتبر هو المحور الرئيسي في بناء فكرة الرواية، و"فهد" الذي كان هو من يصعد وينزل من الشجرة كل صباح حتى يأتي الليل سريعًا والذي كان مشترك مع يزن في اكتشاف الجدار الزجاجي والذي قام بمساعدة يزن في صنع السلالم الخشبية لمساعدة الموتى على النزول والصعود إلى الصخرة و"زياد" الذي يبحث عن ابنه في كل ميت جديد يأتي إلى أرض الموتى. وتقول فيه"إبتهال الشايب" حين يبحث عن ابنه: " بحث زياد عن ابنه وهو يحفر التراب مكان نومه، لربما ابنه وسط هذه الحبيبات، ربما يعيش أسفل الأرض، ربما هو مختبئ أو يخاف من شيء، لربما جسده يقشعر من البرد الكثيف، أو فضّل التواجد في التراب، من الممكن أن يكون قد كره الأشياء والأشخاص، ولكن يديه بحثت كثيرًا وملًت، نظر فيهما، ثم نظر التراب إليه وبدا كأنه يقول له: ابنك ليس هنا".
و"أيما" التي تطير على التراب كفراشة وشفتاها تبتسم للموت التي ماتت بعد حالة الاغتصاب وأيضًا "سيف" الميت الجديد الذي أحب بتول، "وسام "الطفل الذي يضع الطين في فمه لأنه كان من أطفال الشوارع قبل الموت وتقول فيه"إبتهال الشايب" " لم ينس وسام أبدًا مفهوم كلمة الجوع، ربما إذا قيلت أمامه لا يتذكرها ويتعجب منها، لكنه يدرك معناها جيدًا؛ الجوع أن تحفر في الأرض بيديك باحثًا عن طعام ولا تجده، أن تنبش بأظافرك الأرصفة والقمامة وجوانب الطرقات عن قطعة طعام صغيرة جداً ولا تجدها أيضًا، حاول وسام بيديه الصغيرتين أن يرسم عدة أشكال صغيرة هنا وهناك ليس لها معنى، عدة أطعمة يرسمها لا يعرف أسماءها ولكن لها شكلا مشوَّشًا في مخيلته يضع يده علي هذه الرسومات الصغيرة الواهنة ويجمعها في راحة كفيه ليأكلها فيظل البصق يمارس مسلسله المعتاد. "سامو" الذي مات من كثرة التعذيب في السجون وأصبح في أرض الموتى الشخص العدواني الذي حاول قتل يزن لأنه كان يريد مساعدة الموتى وكل هؤلاء الأبطال يتذكرون فقط أخر ما وقع بهم في الحياة تتحدث إبتهال الشايب عن الأبعاد النفسية وصراعات الأنا لكل بطل من أبطال الرواية وهو ما كان موجود من قبل في مجموعتها القصصية "نصف حالة" التي فازت بجائزة الدولة التشجيعية لعام 2014 كما يوجد تميز في السرد وعوامل التشويق والدهشة التي تؤثر في توجيه المتلقي إلى أبعاد واتجاهات مختلفة و التي تساعد على إنتاج التعدد الدلالي، وتذكر إبتهال الشايب الشهداء في كل مكان من يموتون من الحروب ومن يموتون من التعذيب أو من يموت في حادثة ما، وكلهم هنا في داخل هذه الرواية. والرواية من وجهة نظري ممتازة جدًا بما تحتوي من دلالات وإسقاطات عن موتى الحروب بكل أشكالهم وأوضاعهم المختلفة من المحروقين من تأثير القنابل وأجسادهم المتمزقة والذين ماتوا غرقى في البحر بسبب الهجرة، وتذكر "إبتهال الشايب" الطفل السوري الذي عندما مات غريقًا في مياه البحر تقول :" بعد مضي وقت طويل برز هلال صغير في السماء كزهرة بكر، وعلى بداية الطريق الرئيسي للأرض مات طفل صغير متجمدًا ، شاهده يزن وحاول أن يفك ذراعيه وقدميه من هذا الوضع ولم يفلح أبدًا وكأنه متشابك في بعضه البعض، كانت عيناه غائبة من إثر صدمة ما مثل جميع الموتى، ووجهه كان منتفخًا وشاحبًا وذا لون أزرق، حاله الموتى إلى أحد التجاويف في نفور: " كم من الموتى سنحملهم؟" تساءل يزن :" هل تفعل الحياة كل هذا في الإنسان قبل أن يأتي إلى هنا؟ وهل يجب حقًا أن أعود إليها؟!". وتذكر إبتهال الشايب على وجود عدم رغبة من يزن في العودة للحياة في بعض الأوقات بعد أن اكتشف أن الحياة سيئة جدًا فتقول: " تراكم عدد من الأموات الجدد في الطريق الرئيسي، كان من بينهم ميت في ظهره آلة حادة كبيرة تشقه دون رحمة إلي نصفين والدماء تسيل منه تاركة علي التراب أسفله بركة حمراء كبيرة، قتله أحدهم بها فمات وأتى إلى هنا، شعر يزن وهو يفحصه: " أنا لا أحتمل أن تخترق أداة مثل هذه ظهري، لا أعرف إذا ما كنت سأشعر بالألم أم لا، لكن ذهني لا يحتمل ذلك، أشعر أنها ستجرحني، يبدو أن تلك الحياة شيء قاس، كيف أريد العودة إليها؟!" أما اللوح الزجاجي الذي كان يحيط بأرض الموتى فهي الذكريات التي لا يفقهها يزن في عالم الموتى فهو لا يتذكر الذكريات ولا يعلم ما هي. كنت أتمنى أن يكون الطفل الغريق بطل من أبطال الرواية وأن لا تنتهي الرواية برجوع الذاكرة إلى يزن وعدم ظهور حجر القمر الذي ظهر فجأة.

ليست هناك تعليقات: