السّعوديّة زينب البحراني:
§ الفشل ضرورة حتميّة، ولا يوجد لقاح مُضاد له، وأنا مُجرّد رقم شاء التحدّث عن نفسه..
§ ليس أسوأ من بيئة تولّد في النّفس الرّغبة في الموت العاجل للتّخلّص من الموت اليومي بالتّقسيط المُيسّر الذي نعيشه..
§ فقر الدّم الحاد الذي يُعانيه مُجتمعنا في حُقوق المرأة، وخُصوصًا بين الطّبقة المتوسّطة وما تحتها يستفحل يومًا بعد آخر..
حاورها- محسن حسن
زينب علي محمّد البحراني، كاتبة سُعوديّة شابّة، تخطو خطوات حثيثة نحو اعتلاء مكانة متميّزة في الكتابة الرّوائيّة والقصصيّة، فازت أعمالها بالعديد من الجوائز على مدار رحلتها المُنطلقة نحو الإبداع والتألّق، وقد فازت قصّتها "رقصة التّخمة" بمسابقة القصّة والنّقد القصصي في العراق عام 2007م، وأخيرًا صدر لها عن مؤسّسة شمس للنّشر والإعلان كتاب "مُذكّرات أديبة فاشِلة"، وهو الكِتاب الذي دار حوله حوارنا الآتي معها، بالإضافة عن أسئلتنا عن سرّ تألّقها.
· بداية لخصي لنا فلسفة كتابك الأخير " مذكرات أديبة فاشلة "
هذا الكتاب أصغر من أن يجد لنفسه مكانًا تحت مظلّة الفلسفة. كُلّ ما وددتُ قوله هو أنّ الفشل ضرورة حتميّة من ضرورات النّجاح، جميعنا فاشلون بطريقةٍ ما، ونجاحنا في أي خطوة من خطوات حياتنا يكمن في تجاوزنا لخطوةٍ فاشلةٍ سبقتها.
· ما سر اختيار هذا العنوان للكتاب ؟ وهل كان هناك عنوان آخر مقترح ؟
· اخترت هذا العنوان لأنّ النّاس لم يعد بوسعهم تحمّل المزيد من ثرثرة أولئك الذين يظنّون أنفسهم ناجحين، برّاقين، غير قابلين للانكسار! أنا لستُ مُعجزة، ولستُ ملاكًا ولا نبيّة، وإنّما مُجرّد رقم شاء التحدّث عن نفسه قليلاً لئلا يندثر أثره تمامًا بعد موته، وكان يجب أن أختار أصدق عنوان اتّفق مع أحاسيسي على التّعبير عن مضمون الكتاب بطريقةٍ ما، وأظنّني فعلت.
· عنوان الكتاب يشي باعترافين ضمنيين هما كونك أديبة وكونك فاشلة ... ما ملامح هذين الاعترافين على مستوى شخصيتك ؟ وهل يلتقي الفشل والأدب معاً من وجهة نظرك ؟
· ولماذا لا يلتقي الفشل والأدب مادام السيّد الفشل لا يُعتق الأطبّاء، والمهندسين، والمُحامين، والممثّلين، والسّباكين، والمُدراء العامّين، وجامعي القُمامة، والمنتجين السّينمائيين، ورؤساء الجُمهوريّات، ورجال الدّين؟! لا يوجد لقاح مُضاد للفشل يعصم هوايةً أو مهنة عن مُصادفته مرّةً واثنتين وثلاث، البشارة هي أنّ مناعة الإنسان ضد الفشل تتضاعف بعد كُلّ مواجهةٍ شُجاعةٍ معه. رُبّما لا أكون أديبة، وربّما يكون هذا العنوان تسجيلاً لفشلٍ جديد في حياتي الأدبيّة، لكنّ هذا لا يهم مادمت قد اكتشفت حقيقتي واعترفت بها واسترحت.
· هل لعب الفشل دوراً كبيراً في حياتك على المستوى الشخصي؟
· بطبيعة الحال؛ كجميع خلق الله، فلا يوجد مخلوق بشري – أو حتّى آلي- ناجح بنسبة مائة بالمائة. الكمال للخالق وحده، ومن كان منكُم بلا فشل فليرمِني بحجر.
الفشل بالدّرجة الأولى إحساس، وقد يبدو المرء ناجحًا نجاحًا ساحقًا من وُجهة نظر الآخرين، لكن هذا النّجاح الذي لا يُوازي ربع أو عُشر طُموحاته يُعتبر فشلاً بمقياس رغباته وتطلّعاته.
· وهل كان لأجواء المجتمع السعودي تجاه المرأة مساهمات ما في هذا الفشل؟
· كان ومازال وسيبقى لتلك الأجواء دورها الهائل في تعزيز إحساسي بالفشل، سواء كان واقعيًا ملموسًا أو مُتضخّمًا أكثر مما تراه العين المُجرّدة في الظّاهر. ليس أسوأ من بيئة تولّد في النّفس الرّغبة في الموت العاجل للتخلّص من الموت اليومي بالتقسيط المُيسّر الذي نعيشه. والعجيب أنّ البعض يُحاولون التسخيف من هذه القضيّة وتقزيم شأنها أمام قضايا المرأة في بعض البلدان العربيّة التي طحنتها الحروب على سبيل المثال؛ وهُنا أقول أن لا مجال للمُقارنة على الإطلاق، لأنّ المُقارنة تكون بين بيئتين مُتكافئتين، والمرأة في بيئات تلك البُلدان نالت أيّام سلمها ورخائها حقوقًا إنسانيّة ومُجتمعيّة مازال أكثر النّساء في بلدنا يتسوّلنها بإلحاح دون جدوى، ولو أنّ بلدنا عاش فترة حرب – لا سمح الله- لكانت أوضاع المرأة لدينا أسوأ بكثير من أوضاع أختها في تلك البُلدان الشقيقة، لأنّها لم تُهيّأ ولو بحدٍ أدنى لتدبّر شؤون نفسها كما يجب.
عمومًا؛ لقد غدوت يائسة تمامًا من هذا الأمر، فقر الدّم الحاد الذي يُعانيه مُجتمعنا في حقوق المرأة، وخصوصًا بين الطبقة المتوسّطة وما تحتها يستفحل يومًا بعد آخر، ويبدو أنّه بلا عِلاج. خصوصًا وأنّ تلك الطبقات مُغيّبة فكريًا، ولا تفطن إلى أنّ هُناك من يستغل اسم الدّين بكثافة لخداعها وتخدير طاقاتها وتدجين عقولها بنصائح ضارّة وفتاوى خُرافيّة لا تمت لحقيقة الدين بأدنى صِلة! ولا أستثني من ذلك – في بلدنا – مذهبًا أو طائفة بكُلّ أسفٍ عميق.
كُلّما تذكّرت أن كفاحي على طريق الكلمة الجميلة وُلد من صُلب بيئة شديدة التزمّت، وأسرة شديدة التزمّت، ومُجتمع كُل ما فيه يُغذّي التزمّت ويتلذّذ به شعرت أنني حققتُ المُستحيل رُغم أنني لم أحقق شيئًا، وكُلّما واجهتُ فشلاً كان إحساسي مُضاعفًا به هلعًا من أن يُعاود الثقب الأسود الذي كُنت أناضل للفكاك منه ابتلاعي مُجددًا بسهولة. كم هذا مُرعِب!
· ماذا يقدم كتابك الجديد من نصائح لكل المقبلين على تأليف كتاب من أبناء جيلك ؟
· سيكتشفون ذلك بعد قراءة الكتاب.
· لك بعض المساهمات والكتابات الصحفية ... إلى أيهما تتطلعين عالم الصحافة أم عالم الأدب ؟
· الكتابة الأدبيّة لا تقبل الشّركاء أو الضّرائر، وإذا تصدّقت على الصّحافة بمكانٍ صغيرٍ أو مؤقّت فذلك يكون لمصلحتها في الغالب. الكتابة الأدبيّة هي السيّدة والسلطانة المهيمنة على عرش حياة عُشّاقها، وكلّ ما عداها يأتمر بأمرها كفردٍ من حاشيتها ليس أكثر.
الصّحافة رُغم كونها تجربة لذيذة وغنيّة، إلا أنّها لا تقدّم لنفسي ذاك الإشباع الرّوحي الأصيل الذي تقدّمه ساعات الغوص في كتابة رواية، فحين أكتب قصّةً أو رواية أعيش الحياة التي تنسجها مُخيّلتي على صفحاتها مشهدًا مشهدًا، وأتقمّص روح البطل غارقةً في مواقف الحُب والحرب والموت والبعث من جديد التي يعيشها لحظةً بلحظة، لكن مع الصّحافة أنا مُجرّد مُتفرّجة خارج الأحداث تُحاول نقلها بأمانة في أكثر الصور المتاحة أناقة. في الصّحافة أيضًا هُناك مُشكلة كبيرة لا تتفق مع توق الأديب الدّائم للحُريّة والابتكار، وهي أنّ دور الصحفي يبقى خاضعًا لسُلطة الجهة التي يعمل لصالحها، وهُناك جهات تتعامل مع الصّحفي كـ (عبدٍ مُسخّر) وليس كمُبتكر حُر حتّى وإن كان مُفكّرًا أديبًا، لهذا أعتبر نفسي مُجرّد ضيفة على الصّحافة، وإن كُنت أحلم بأن أكون صاحبة بيت بتأسيس مجلّة خاصّة بي ذات يوم، لكنّها ستكون مجلّة مُتخصصة بالفُكاهة ومُحرّضة على الابتسام، بعيدًا عن أخبار السياسة والحروب والنّكد أو حتّى الأدب المُسرف في جديّته.
· لديك جزء ثان لمذكرات الأديبة الفاشلة قيد النشر ... على أي أساس تم تجزئة المذكرات لكتابين بدلاً من كتاب واحد ؟
· على أساس نقلات نوعيّة في الفشل!
· ماذا عن كتابك " كلام جريء في الحب " ؟ وهل سيمثل اتجاهاً رومانسياً جديداً لك في المرحلة القادمة ؟
· الاتّجاه الرّومانسي في الكتابة ليس جديدًا علي، أنا من أشد المهتمّات بقضيّتي (الرّومانسيّة) و (الفُكاهة) في الحياة والكتابة، وأجد أنّ القارئ العربي بحاجة إلى جُرعات كبيرة جدًا منهما لإنقاذه من تفشي خطر المجاعة الرّوحيّة في عصرنا الحاضر. "كلام جريء في الحب" يصرُخ بأنّ الحب الحقيقي موجود رُغم أنف ما يبدو أنّه جفاف الواقع، ورُغم غول التقنيات الحديثة التي ميّعت العلاقات الإنسانيّة وجعلت المغفّلين يزجّون بأنفسهم في معمعات بعيدة عن الإحساس وأدنى درجات المصداقيّة مُلصقين بها مُسمّى الحب انتحالاً لا حقيقة.
· هل الجرأة هنا موجهة للمرأة السعودية التي تعاني بعض أنواع القهر من حيث الحرية والانطلاق ؟
· لا؛ هذا الكتاب للإنسان عمومًا في كُلّ بُقعةٍ من سطح الأرض دون استثناء. صحيح أنّ المرأة تُستغلّ ويُعبث بها كثيرًا في بلادنا تحت هذا المُسمّى وبُطرق مُحزنة في استغلال لضحالة تجربتها في الحياة الواقعيّة، لكنني لم أُشِر إليها من قريب أو بعيد على صفحات "كلام جريء في الحُب"، لأنني لو فعلت سأحكُم عليه بالفشل مُسبقًا.
· مجموعتك القصصية " فتاة البسكويت " مثلت تجربة لم تكرر .. ماذا عن مضمون هذه المجموعة ؟ وهل في خططك المستقبلية إصدار مجموعة قصصية أخرى ؟
· مضمونها هو المضمون المُتوقّع من أي مجموعة قصصيّة أولى لشابّة تنشر للمرّة الأولى، وأنا أخطط فعلاً لنشر مجموعتين قصصيّتين في المُستقبل، وليس واحدة.
· قبل الختام : ماذا تمثل زينب البحراني لفتيات جيلها من السعوديات المتطلعات لخوض تجربة الكتابة ؟
· أظُنّ أنّني مازلتُ حتّى اليوم مُجرّد تجربة شابّة غير قادرة على أن تكون مثالاً لأحد. مازال قلمي يُكافح بعناد لشق طريقه، ومازلتُ أركض على صراط الكتابة الشّاق بعينين معصوبتين كفرس سباقٍ مُستميتة، لهذا لا أستطيع أن أمثّل شيئًا، أو أنصح أو أساعد مواهب جديدة مادمت لم أبلغ حتى اليوم المكان الذي يؤهّلني لذلك.
· في الختام هل أنت راضية عن مشوارك في الكتابة حتى الآن؟
· بصدق؛ لا. لأنّ هُناك سُعوديّات أخريات بذلن جُهدًا ووقتًا أقلّ منّي بكثير في علاقتهنّ بالكتابة، إلى جانب كونهنّ أقل موهبة، ومع هذا وصلن بالتسويق والعلاقات الاجتماعيّة وبعض الاعتبارات القبليّة والطائفيّة في بلادنا إلى أكثر بكثير مما وصلتُ إليه، وهذا ليسَ عدلاً. وأتمنّى أن يأتي اليوم الذي يصير فيصل النّجاح فيه هو الموهبة والمُثابرة واستمراريّة التدريب والتعلّم والشغف الصّادق بالكتابة، وليس معايير هشّة أخرى تقلب موازين الرّضا عن الذّات وعدمه أمام الشّعور بالغبن.
· رسالة قصيرة لجريدة المدى العراقية .... ماذا تقولين ؟
· باقة شُكر كبيرة لكُم ولأصدقائي القُرّاء.
نقلاً عن: جريدة المدى العراقيّة- مُلحق أوراق
العدد 2214- السّنة التّاسعة- الأحد 7 آب/ أغسطس2011م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق