الجدار
أميمة عز الدين
تناول معولا وأخذ يهدم فى الجدار بمفرده ، تذكر الليالى الطويلة المتعاقبة وحرمانه من النور ، الكوة التىبأعلى الحائط بعيدة عن مد بصره ، يتناوب مع زملائه السجود على قوائمه الأربعة ليبص من الكوة الضيقة ، يستنشق الهوء بقوة ، يغمض عينيه عن جرادل قاذوراتهم التى تعبق المكان ، انوفهم تعودت على الرائحة النتنة بامتياز ، لم يعد هناك فرق .
فى الأعياد يتركوهم يتريضوا نصف ساعة وبعدها تغلق عليهم الزنازين ، ابوابه عالية مصفحة منالحديد الفولاذ ، ليس هناك مجالا لتداول المتعة سوى النظر فى ذكرياتهم المخبؤة صدورهم او رسم هلامى يمثل اولادهم على الحوائط الباردة الباهتة ، لا سبيل لتداول
المتعة غير هذا ، ومن يحاول امتطائه والعبث يركله بكل قوة وفى اصرار وضراوة ،لاشىء يهم الآن غير الحفاظ على ماتبقى منه : من آدميته
لن يحاول ممارسة العابهم القذرة ، ينتحى بعيدا عنهم ويظل يرتل بعض القرآن الذى حفظه ، بجانبه زميله جو يرتل بدوره قليل من الترانيم ، المكان يصلح لأن يكون قبرا مفتوحا فمه على الدوام ،يتطلع للمحصول الجديد
اجسادهم نظيفة ومازالت روائحهم عطرة ، لم يحلقوا رؤوسهم بعض ، ، يتسمعون أخبار الطلاء والكسر والهدد والبناء على مضض ، الزوار الجدد يستحقون مياها نظيفة ودورات مياه لقضاء الحاجة، فالجرادل لا تتسع لقاذوراتهم ، كما ان الكوة ستصبح مكانا مناسبا
لتركيب تكييف كبير قوته ثلاثة حصان ، وسيتمتعون بالملابس النظيفة المغسولة التى تأتيهم كل اسبوع فى الزيارات المخصصة .
يصيخون السمع للهوهم وضحكاتهم العالية ، يصيخون السمع وهم يسمعون افواههم تلوك الطعام الفاخر وترتوى اجسادهم بماء الثلاجة البارد .
من بعيد يرون العصابة وهم يتجاذبون اطراف الحديث تحرسهم بنادق العسكر فى كل مكان ،
يدخنون سجائرهم الفاخرة باستعلاء ، يوزعون هباتهم فى ثقة ، مازال الجدار يعلو بينه وبينهم ، هو يراهم جيدا بينما هم يتغاضون عن رؤيته هو وأقرانه .
لا يتذكر تهمته ، الى الآن ، سنوات طويلة وهويحاول ان يجد تهمة ينضوى تحتها فلا يجد لسؤاله جوابا شافيا ، ويتجدد حبسه لزوم امن الوطن وسلامته رغم أنه لم يقرب يوما السياسة ولا يفقه فيها شيئا سوى انه جادل رئيسه ذات مرة بالعمل وذكره بعقاب الله وانتقامه الشديد لتغافله عن ايراد اسمه فى كشف الترقية التى يستحقها والتى تأخرت عنه خمس سنوات عجاف ، لم يشكوه الى رئيسه الأعلى فقط توجه بالدعاء لربه وهو وحده علام الغيوب ويجيب المضطر اذا دعاه وهو فى تلك الحالة مضطرا حتى تجمع حوله بعض زملائه يؤازرونه فى مطلبه ، ليلتها لم يبت فى سريره ولم يرى وجه زوجته الصبوح الا بعد شهرين من القبض عليه وايداعه بسجن طرة
حتى محاميه لم يستطع رغم مهارته اثبات براءته وحسن نيته وانه لم يكن يقصد بدعائهغير رفع مظلمته لرب العباد وانه لم ينتوى شرا ،
وجد نفسه بين ليلة وضحاها مسجون سياسى حتى ان اهل بيته وجيرانه افتخروا به واعتبروه زعيما وطنيا يمارس زعامته بالخفاء ، لم يشفع له هدوئه وعزوفه عن مشاركة الجيران انشطتهم الاجتماعية ، فسروا ذلك على أنه محنك وأريب وزعيم حكيم ينتظر اللحظة المناسبة لاثبات زعامته .
حتى زوجته بالعمل كانت تتباهى بسجنه السياسى وتؤلف حكايات عن آرائه الوهمية فى غلاء الأسعار وتحرش الشباب بالبنات بشارع جامعة الدول العربية وعن زيارة السفير الاسرائيى لمصر المعلنة والغير معلنة
حتى جلعاد شاليط لم يسلم من تنظيراتها المدعوة بآراء زوجها الزعيم .
امتلأ ت الجرادل عن آخرها وصار عليهم : كلا منهم ان يحمل جردله بحرص شديد لتصريفه فى المجرور العمومى للسجن ، الرائحة تصيب احد افراد العصابة بالغثيان فيستند على كتف زميله الذى يعلو صوته مستنكرا ملوحا بيده وقد امسك بالأخرى أنفه الكريمة يمسكها عن شم تلك الروائح المختلطة ، يرى الجدار يطول بينهم ، هم لا يريدون رؤيتهم بينما يرون عوراتهم التى تبص من سراويلهم المنتفخة النظيفة
يرونهم رأى العين ، يقتربون منهم ، معه معوله الذى يشوح به بالهواء ، يشق صفحة الهواء التى أمامه ، يكسر ذلك الجدار القائم بينهم ، فى دفعة واحدة وباشارة منه كزعيم حكيم يقومون بالقاء جرادل قاذوراتهم على افراد العصابة علهم يتطهروا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق