حرية
رائد غنيم
النصيرات-فلسطين
يجمعنا الطريق نفسه كل يوم، نتداول أطراف
الحديث محافظين على شيمنا العربية الأولى..، فلا نتفق!
أنا وهما متبطلان! نتجافى ونختلف،
يجمعنا القيل والقال وكثرة السؤال، أما إجاباتنا فنكتمها في دخيلتنا، نطويها ونجبن
من أن نتراشق بها على مسمع الناس، أنا ألعنهما في دخيلتي! وكذا هما يفعلان في
دخيلتهما! لكننا لا نفترق، وكأن خلافاتنا التي يجمعها الطريق الواحد، ارتقت لتغدو
هواية لكل واحدٍ منا!
اليوم انتظرتهما على قارعة الطريق، جاءا
بنفس التوقيت تقريباً، التأمت عرى مِشيتنا بنسقها المألوف، تقدمني أولاهما عن
يميني، وكذا فعل ثانيهما جهة اليسار!
وافتتحت مشيتنا بتساؤلي:
-إلى متى؟ ما السبيل؟!
فابتدرني
ثانيهما بقوله:
-المشكلة تكمن في المعارضة الرجعية!
ولم
يتوانَ أولاهما في أن يقول:
-ها أنتم تحكمون.. نسبة الأمية عندنا
تفوق الأمية الحاسوبية عند الآخرين!
وعندها أيقنت تماماً أننا على أبواب
معركة نقاشية ضارية مؤهلة لأن تمنح مشيتنا شيئاً من الحميمية!
وهذا الذي كان عندما سأل ثانيهما بنزق
عصبي معتاد!:
-ما هو السبيل إذن؟
فأجابه
أولاهما بنبرة لا تخلو من ثقة:
-في العودة إلى الجذور!
-أنت تريد أن تدفننا إذن!
واستعر النقاش، علا صراخهما، تناوبا
الهجوم والهجوم المضاد، وبدا لي أنهما وصلا إلى مرحلة اللعن اليومية، وكان أن قال
لي أحدهما:
-احكم بيننا!
واكتفيت
ببسمة مترددة اتبعتها بقولي:
-كلاكما يثبت صوابه من خلال اثبات خطأ
الطرف المضاد! لكن أياً منكما لم يفلح في اثبات صوابه منطلقاً من ذاته!
ولم أستطع أن أكمل! تجاهلاني..!
وحمدت الله أنهما اكتفيا بذلك!
وعاد
ثانيهما إلى القول:
-الحل يكمن في أن نخلع كل الأسمال
البالية!
فعاجله
أولاهما ليرد بنفس المنهجية:
-مذ خلعناها ونحن نعاني البرد والزكام
والجذام!
وعادا إلى الصخب، كان صراخهما يرتفع
أكثر فأكثر، واستوقفني مرور المارة دونما التفات لكل الصخب المُدار هذا! كانوا
يمرون عنا، وكنا نمر عنهم، دون أن يلفتهم صوت صاحباي المدوي! لم أجد تبريراً لذلك،
سوى أنهم باتوا معتادين لحلبتنا النقاشية اليومية هذه!
واصلنا ممشانا، لم يستوقفنا سوى بائع
مثلجات طازجة على قارعة الطريق! سبقاني-كلاهما- إليه، وهنا بالذات اتفقا! اشترى كل
منهما لنفسه، ودفعا على الطريقة الأمريكية!
واكتفيت أنا بالتحديق فيهما!
وجاء ذلك في توقيت افتراقنا المعتاد،
فسالت مختتماً مشيتنا:
-ما السبيل إذن؟
لم يجيباني، غادراني وكأنهما ملّا
السؤال المعتاد، أولاهما سلك سبيل اليمن! وثانيهما سلك سبيل اليسار، وانصرفا،
وسلكت أنا سبيلي المستقيم، وقبل أن ألعنهما بدخيلتي، أعدت السؤال:
-ما السبيل إذن؟
وجاءتني
الإجابة من قدماي وهنّ تمضيان بخطى وئيدة إلى الأمام.. بثقة.. وحرية!!
هناك تعليق واحد:
قصة رائعة أتمنى لك مزيدا من العطاء
إرسال تعليق