"دون كيشوت" شخصية جدلية بين سيرفانتس وواسيني الأعرج ..
بقلم: عبد القادر كعبان
يعتبر
يوم الثالث و العشرين من أفريل يوما عالميا للكتاب حيث يصادف وفاة كل من
شكسبير و ميغال دي سرفانتس، و كما هي العادة تحتفل المراكز الثقافية
الإسبانية عبر العالم بهذه المناسبة حيث تفتح صفحات من رواية "دون كيشوت"
التي تتحدث عن بطلها الذي أفسدت ذهنه روايات الفروسية التي كان يقرؤها،
فقرر أن يمتطي صهوة جهواده مصطحبا خادمه و يذهبا سويا بحثا عن المغامرة
في واقع مغاير يسوده الخداع و تتعذر فيه الحقيقة.
اندفاع
بطل رواية سيرفانتس للغوص في عالم الفروسية بنوع من الإهتمام المفرط و
الممتع في آن واحد أفقده عقله حيث ضحى بأهم ميزة يتميز بها الإنسان عن باقي
المخلوقات ليجد نفسه تائها في عالم من الخيال و الغرابة الرائعة بحثا عن
المغامرات، فإتخذ الجمال حقيقة، و اقتنع به اقتناعا حيا و نوعيا مقتحما
عالم الأخطار لنيل شهرة واسعة.
رائعة
ميغال دي سرفانتس ذكرتني برواية الأديب الجزائري واسيني الأعرج الموسومة
"حارسة الظلال" التي تشير الى الأماكن التي عبرها دون كيشوت من خلال رحلته
أين استوقفتني شخصية حسيسن السارد الذي يعتبر الجزائر مرآة عاكسة للخوف، و
مع ذلك يظل يحبها و يريد الحفاظ عليها كما يسعى لتغييرها و رؤيتها في ثوب
جديد لكن يصدمه الواقع و يجعله يعيش العبث الإجتماعي بشى أنواعه. أما
شخصية دون كيشوت في رواية واسيني الأعرج هي الأخرى ترفض واقعها بل تسعى
إلى القيام بعملية اكتشاف الأماكن التي زارها جده و مر منها متمسكا بجمالية
المكان.
في البداية نجده مجرد مكتشف لا أكثر يحاول جاهدا كتابة تقرير عن رحلة جده
أما في النهاية وبعد ما يحدث له من تحقيقات تنتهي بترحيله
أضحى بدوره ساردا ونقل لنا تجربته. يمكن القول أنه
تحول من الحديث عن الأماكن التي مر منها جده إلى الحديث عن رحلته الخاصة
التي أصبحت تجربة مميزة تستدعي السرد فأتت الكتابة عنها دون تصميم مسبق.
ما
نلاحظه هو محاولة حسيسن السارد إعادة التاريخ عن طريق تدوينه ابداعيا،
الذي هو الراهن الذي سيكون مستقبلا تاريخيا، كما يقوم بتمرير مواقف الكاتب
من الجامعة والتحولات والمسوخات التي تعرفها الجزائر. فنجد حسيسن المستشار في وزارة الثقافة يلاحق من قبل الارهاب لا لشيء إلا بسبب غيرته
الشديدة على بلده. تهديداتهم المتكررة له تدفعه للعيش مع جدته حنا و الخروج يوميا متخفيا كالهارب من العقوبة.
محاولة بطل رواية واسيني الأعرج للحافظ
على بلده تدفعه لأن يطرد من عمله لأنه أراد أن يؤدي خدمته كما يجب، فيجد
نفسه ضعيفا لا حول ولا قوة له، وكمثال على ذلك الندوة التي كانت تعتزم
الوزارة المشاركة فيها بغرناطة، سيسحب منه الملف ويرسل رئيس الجامعة الذي
لا يعرف شيئا عن الموضوع ويتهم في الأخير إلى جانب الصحافي الإسباني دون
كيشوت ويطرد من عمله،
ويجد نفسه ضعيفا أمام الواقع الذي داس على قيمه وأحلامه و طموحاته.
إلى
جانب هذا تـرسم لنا الرواية ملامح المكان الذي سجن به سرفانتس يتحول إلى
مزبلة والذي كان من المفروض أن يكون متحفا أو مكانا سياحيا يقصده السواح من
كل أنحاء العالم.
في
الأخير تبقى شخصية "دون كيشوت" جدلية بين سرفانتس وواسيني الأعرج، ففي
حالة الروائي الإسباني يبقى البطل يشعر بالعزلة و القلق و الإنفصال بينه و
بين العالم الخارجي و يرى قيمه أصلية على غرار قيم الآخرين الفاسدة التي
يسعى بدوره لتغييرها. أما في حالة الروائي الجزائري فتقرر هذه الشخصية خوض
غمار مغامرة عبر عدة محطات أبرزها الجزائر و التي تنتهي في نهاية المطاف
بطرد
إجباري يساهم في تبديد الصور الجميلة التي رسمتها المخيلة لتلاقي عالما
عنوانه الخيانة و التشويه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق