مقال عن الكثرة والقلة .
الحسن
بنمونة.
قاص
مغربي.
عجيب أمر كثير من الكتاب
والمثقفين المغاربة بخاصة ، تراهم تارة يميلون ذات اليمين ومرة أخرى ذات الشمال ،
فلا تكاد تعرف لهم موقعا قارا امتثالا لمبدأ الالتزام في السلوك والأدب كما رفع
منذ زمان معارضة السلطة و زمان العمل على ترسيخ قيم الديموقراطية التي نتشدق
بها في كل حين .
إننا نتهم السلطة بانتهاك قيم
الحرية والديموقراطية عندما نكون في موقع الضحية وإذا اتخذنا موقع الجلاد احتكمنا
إلى قيم الموالاة والقبيلة والعصبية . إننا بهذا المفهوم نتمثل دور السلطة بحسب
تعبير أدونيس عندما كال له المثقفون تهم التغريب والعمالة للغرب. ماذا جرى لهؤلاء
المتهمين ( بكسر الميم) . صار أكثرهم متزلفا للغرب بطريقة من الطرق ، باحثا عن
فرصة للانتقال إلى طبقة أغنياء الكتاب. ولكم أن تروا وجوههم وهم يتعاركون في
الفضائيات ويتحدثون في الاقتصاد والسياسة والثقافة الملعونة..
هل يخلو المغرب الشاسع الأطراف
من الكتاب والشعراء والروائيين الأقحاح الذين لم تبصم حيواتهم بمداد التزلف والتحذلق
لأحد ، لأنهم كانوا أوفياء للكرامة الأدبية وعزة النفس، فهل بالله عليكم استدعيتم
هؤلاء إلى معرض من معارض الكتاب الدولية بالدار البيضاء عملا بمبدأ تكافؤ الفرص
الذي نحاول تطبيقه في المجال التربوي ؟. نحن نود لو نعرف كم سيكلفنا تكافؤ الفرص
من أموال ؟ . هذا جزء من الثورة الفكرية التي يدعو إليها أحمد شراك .
هذا الكلام الذي دبجت به هذه
المقدمة يخص بالذكر بعض الحوارات
والمقالات التي كتبت في الآونة الأخيرة تزامنا مع انعقاد المعرض التاسع عشر
للكتاب بالدار البيضاء . ثمة كتابات تدق ناقوس الخطر معلنة عن أخطاء ومشاكل طالت
السير العادي للمعرض ، وثمة كتابات تبجل وتطبل معلنة حصول تطور وانفتاح على
الفعاليات الثقافية المغربية والعربية . أجل ، حدث هذا ولكنه كان انفتاحا على
الفعاليات عينها التي طالعتنا وجوهها لأعوام متتالية . لم يحدث ما يثير الانتباه
والقول إن هناك تغيرا حصل . إنها فعلا
تتطور ولكنها تسير نحو حتفها .
أثارني قول أحمد شراك الذي بدا واثقا بالنفس وهو يقول : ( أعتقد أن المعرض الدولي للكتاب بدأ يشهد تطورات متراكمة على
المستوى التنظيمي ، وعلى مستوى الفعاليات الثقافية ..) . الكاتب المهتم بعلم
الاجتماع والمختص في ظواهر الكتاب والنشر والقراءة لم ينتبه إلى أن مفهوم المعرض
الدولي للكتاب يعني تقديم أحسن الإنتاجات الأدبية والعلمية وتقديم قراءات لها
والتعريف بالكتاب الذين لم ينالوا حظهم من الشهرة لوجود لوبي يضع العراقيل أمامهم
، فيهتم يالأدب التافه الذي يحتاج إلى تصحيح تراكيبه وجمله وفنياته وهو لا يرقى
إلى مصاف الأدب كي ينشر في كتاب ويحتفى به وكأنه الممثل الشرعي للأدب المغربي . هو
لا يعرف أن كثيرا من المشارقة يسخرون من طرق السرد التي ينهجها ثلة من الكتاب
المغاربة ، بحكم أنهم لم يطلعوا على السرد العالمي ، فتصوروا أن جملة ( شعر بالحزن
وهو يأكل ..) تضيف جديدا للسرد . فكثير من الكتاب يكتبون الهراء والتفاهات
ويتوهمون أنها تخدم القصة أو الرواية . وقد سئل كمال يشار إن كان قد اطلع على
رواية لنجيب محفوظ فقال ما معناه إن الذين يكتبون مثل نجيب محفوظ كثر عندنا . بدون
تعليق.
تقول سعيدة شريف : ( ..فقد
كثيرا من نقط الضوء فيه ، وعلى رأسها الطابع الدولي ..إذ أصبح معها المعرض مجرد
سوق للكتاب العربي ، الجديد فيه قليل جدا مقارنة مع حجم الكتب المستعملة ..) . ألا
تلاحظون أن الصحفية أبانت عن الحقيقة أما المفكر المهتم بعلم الاجتماع والكتاب جزء
من المجتمع فإما أنه لا يمتلك عينا حاذقة
وإما أنه لا يرى شيئا ألبتة.
يتحدث صاحبنا عن الجائزة ، أهي
مسابقة أم جائزة ؟ ولمن تمنح ؟. الأمر بسيط للغاية ، تمنح لمن يستحقها ، سواء أكان
يملك كتابا واحدا أم اثنين أم ثلاثين ..تمنح لمن أجاد الصنعة وقدم كتابة نلمس
كلماتها بألسنتنا على حد تعبير المرحوم إبراهيم أصلان وكان وفيا للقواعد والأسس
الفنية ..أما أن ندعي كما يقول الكاتب إن كاتبا نال الجائزة وانسحب عن الساحة
الثقافية فهذا أمر لا يهمنا ، لأنه شارك فحالفه النجاح . فهل تساءلنا لم لم يواصل
الكتابة ؟ ألم يواجه عقبات في طريقه ؟ ولم نرهق الذهن في إثارة الأسئلة ؟ ذاك أمر
يهمه هو ولا دخل لنا فيه.
ولنشرح المسألة أكثر .
لم يصدر الشاعر المرحوم أحمد
المجاطي إلا ديوانا واحدا ، وقد نال عنه جائزة ابن زيدون في إسبانيا . فهل أثار
منظمو الجائزة فكرة أن ليس له ديوان آخر .
ديوانه كشف لهم عن روعته وتحدث بلسانه لا بلسان المثقفين الموالين لهذا الفريق أو
هذا . والأمثلة كثيرة فمن منا يجهل أن خوان رولفو كتب مجموعة قصصية واحدة هي السهل
يحترق ورواية واحدة هي بيدرو بارامو ،
وهما من روائع القص العالمي ، وقد ترجم الكاتب المصري إدوارد الخراط قصة في
مجموعته حوريات البحر لكاتب أمريكي مغمور أرسلها إلى مجلة فنشرتها ثم طلق الكتابة
. وقد يكتب كاتب أربعين كتابا لا تجد أي فن فيها فتقول : ضيع في الأوهام عمره. وما
أكثر هؤلاء عندنا!..الجوائز عندنا يتحكم فيها هاجس التسرع والإخوانيات والموالاة
..ولا دخل للأدبية أو الشاعرية ..في نيلها . فشكرا لكم لأنكم تثيرون ضحك الأعداء
علينا .
سيدي ، نحن حقا في حاجة إلى
ثورة في التفكير والذهنيات من أجل غد أفضل لثقافتنا الوطنية .
كيف يتم هذا ؟
لا شك أن الجواب يلخص لنا
معاناة أجيال لم تنل حقها في التفكير الحر والاهتمام ، والتاريخ سيعلن أن كثيرا من
الكتابات ما هي إلا ثرثرة في شط الدار البيضاء.
هامش .
المقال بني على أفكار جاءت في
مقال الصحفية المقتدرة سعيدة شريف وحوار مع أحمد شراك في جريدة الأخبار . العدد
118 . الخميس 4 أبريل 2013 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق