سيدنا   
هيثم عبدربه السيدعبدالرحمن
 
لما انتهى سيدنا عبدا لوهاب من تلاوته ،زاغ بصره فينا ثم شحط أرنبة أنفه المكورة وأغمض عينيه الضيقتين
ومال برأسه للوراء حتى تجلت عروق رقبته ثم انطلق فى نوبة من العطس الشديد حتى ظننا ان روحه لن تفلت من شهقة ،ولما أخلف الله ظننا وسكنت روحه ..زاغ بصره فينا مرة أخرى
-قولوا يرحمكم الله يابقر
فقلنا
-         انصراف
فقمنا
-    انتظار
فتسمرنا
-         بكرة إيه فى أيام ربنا
-         الخميس ياسيدنا
-         يعنى إيه؟
-         المعلوم ياسيدنا
-         انصراف وانتظار ياولد ياعز
.........................
كان عبدا لمعز أقربنا إلى سيدنا ..يجلسه إلى جواره على أطراف عباءته ،يوكله مراقبتنا إذا ذهب إلى الخلاء،يجمع ألواحنا ليراجعها سيدنا وإن جد على الكتاب أحدهم يطلب منه سيدنا أن يلقنه تعاليم الكتاب وآدابه وفى أيام الخميس وبعد انتهاء الكتاب يسير إلى جوار سيدنا متأبطا صوفة الماعز خاصة سيدنا التي يجلس عليها .
-         سمعنا ياشيخ عز من أول الأحقاف إلى ماقبل " والذي قال لوالديه أف لكما ...."
فيبسمل عز وينطلق فى تلاوة الأحقاف –السورة التي يفضلها سيدنا بصوت عز-وعلى نغمات حنجرته تهتز رأس سيدنا يمنة ويسرة وهو يسير فيبدو فى مشيته على هيئة لم أرها قبله أوبعده.
-         صدق الله العظيم
-         فتح الله عليك ياشيخ عز ..انت النهاردة تاجرنى عند القبور
يقولها سيدنا وهو يربت على كتف عز ،يومئ عز بالموافقة فيضيف سيدنا وهو يداعب لحيته
-         وإياك وقبور أبو إسماعيل .
.........................................
بعد آخر زيارة للقبور مال سيدنا على عز وهمس له حديثا قام بعده عز من فوق أطراف عباءة سيدنا وجلس بيننا ..يخرج عز من دار سيدنا وعلى خديه جمر متقد وفى أذنيه لهب مستعر وكأنه لايرانا يمرق من أمامنا ولا يلتفت ،نتبعه فيوسع خطوه ..يزوغ منا..نتركه وتحت شجرة التوت نتحلق نعد برنامج لهونا ..المكان ، الزمان واللعبة
-         والشيخ عز ؟
تلاقت أعيننا ..بحثنا عن جواب ..لم نجد ..طويناها على اللا جواب وانصرفنا
                           ..............................................
الخميس
سيدنا يجلس على صوفته فاردا حجره العميق ،بنظام وأدب نتقدم ..البيض ..العجوة ..السمسم ..القروش . يمتلئ الحجر عن آخره ،يغطس سيدنا فى ظلمة داره ..يفرغه ،يقب إلى سطح حضرتنا ،يجلس ،يتململ فى جلسته ..يزيغ بصره فينا يداعب لحيته
- معلومك هين ياولد عز .
تستعر أذني عز ،تنتفض عروق جبهته ،نخرج ،يقسم عز أن يفعلها مرة ثانية
                                        ...........................................
فى المقابر ..نتسابق لقراءة سورة أو سورتين لقاء الرحمة والنور ،من بعد نحوم بأنظارنا تجاه مقابر "أبو إسماعيل "لنجد فوق الشواهد خير النسوة ،أشدهن بياضا ،أكثرهن نظافة .
لايجرؤ أحدنا أن يقترب من مقابر هم ليقرأ سورة أو حتى آية فهن فى انتظار سيدنا "عبدا لوهاب " ليقرأ لهم الملك ،النبأ ،المجادلة ويختم بالدعاء المبارك راجيا الرحمة والمغفرة لمن فى دار الحق ليجد بعدها الأيدي البيض تتزاحم لتضع فى حجره العميق الجنيهات الصحيحة والتي لا تخرج إلا من جيوب نسوة أبو إسماعيل
                                     .......................................
-         صدق الله العظيم
-          بارك الله فيك ..تسلم ياشيخ عز .
     يلتفت سيدنا فيجد عز فوق شاهد قبر أبو إسماعيل الكبير وفى محيطه ابنتي أبو إسماعيل الكبيرتين خير من يجود بالرحمات (الصحيحة )على روح أبيهما .
يتلجلج سيدنا فى تلاوته ،يتصبب عرقا يكسو ملامحه ..يكتفى من" الملك "إلى قوله   " فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور "
-         خير ياسيدنا ؟  مش بعادة تنصص السور ..
-         عذرا ياهانم تتعوض
يبسمل ويبدأ فى النبأ
                                                    ....................................
- " أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ماعملوا " 
صوت عبدا لمعز العذب يميزه سيدنا فى الأحقاف،يخترق طبلة أذنه ، يدق فى رأسه ،يتسلل إلى أعماق صدره فيشعلها ..يكتفى من النبأ إلى قوله    " إن جهنم كانت مرصادا "
-         خير يامولانا 
-         تتعوض بإذن الكريم
يلتقط الرحمات من أيدي نسوة أبو إسماعيل –على عجل – وهو يرمق عز بنظرة كادت أن تطيح برأسه .
تخلو المقابر إلا من سكانها ،نتحلق تحت شجرة التوت ..نقايض بعضنا البعض ..بلحتين بأربع عنبات ،ربع فطيرة بخيارة ، بيضة مسلوقة ببرتقالة وجنيه من جنيهات عز الصحيحة يساوى كل ذلك .يترفع عز ويترك لنا الجنيه دون مقابل من الرحمات نهلل ونحمله على أكتافنا ..نمر أمام دار سيدنا ،يفاجئنا صوته المتحشرج
-         انصراف من هنا ياولاد ال....
نتشتت
- انتظار ياولد ياعز
يتسمر عز فى مكانه ..يتزحزح سيدنا من عتبة الدار فيبدو لنا عارى الرأس ،حافي القدمين ..يستر جسده قميصا أبيضا مفتوح عند الصدر تطل منه غابة من الشعر ..فيبدو فى أعيننا ككائن خرافى خرج من مجهول ويبدو لنا عز فى مواجهته أرنب لن يفلت من مصير محتوم وبينما نفتش فى رؤوسنا عن مشهد لن ننساه
..الفلكة ..خمسون جلدة على ظاهر اليد ..نتف شعر السوالف  ..وبينما نفتش عن أمر ما يخلعنا عز من رؤوسنا
وينطلق كالممسوس من أمام سيدنا ..نتبعه فلانجد له أثرا وكأنه ركب الريح .
                                                   ........................................
يبسمل سيدنا ويبدأ فى الملك ...يتداخل إليه صوت عبد المعز فى بداية الأحقاف ..ينقطع سيدنا عن التلاوة ،يهمس إلى من تجواره من نسوة أبو إسماعيل  ..تشيح السيدة بوجهها
-         حرام ياسيدنا ...دى قرايته حلوة خالص
يمتقع وجه سيدنا ويواصل الملك وعلى بعد أشبار منه يغرد عبد المعز فى الأحقاف ..توزع الرحمات ..لعبدالمعز
مثل مالسيدنا عبد الوهاب ..عدل الله وعدل نسوة أبواسماعيل ..يقترب سيدنا من عبدا لمعز .يقرفص إلى جواره عند أحد القبور تتعثر الآيات فى حلق عبدا لمعز ..يعيدها سيدنا صحيحة ..يصدق عبدالمعز ويطلب فاتحة الكتاب
-  آمين
يقولها سيدنا بهدوء
ينتفض عبدالمعز ..يتشبث به سيدنا يعيده إلى جلسته..يفرد حجره العميق
- المعلوم
يكبس  عز  بكلتا يديه على سيالتيه..تتوهج جبهة سيدنا ..ينقض بكل ماأوتى من قوة على عبد المعز محاولا إخراج مافى سيالتيه ..تنفرط الدمعات والأنات المكتومة من عبد المعز ويزداد حرصه على مافى سيالتيه،يزداد سيدنا اشتعالا يطمس عن إدراكه كل شئ خلا مافى سيالتى عبد المعز فتسقط العمامة عن رأسه وتنزلق العباءة عن كتفيه وينحسر جلبابه إلى فخذيه ..فينتهي الأمر إلى معركة بين سيدنا و عبدالمعز فى مواراة القبور ..يتصاعد الغبار ومعه صرخات عبد المعز واستغاثته يهرع جمع النسوة إلى حيث الغبار والصرخات ، يخلصن عبد المعز من أيدي سيدنا ..يزيغ سيدنا بصره فيهن ..يضيق مماهو فيه ..يلملم عمامته وعباءته ..يستر فخذيه ..ينسحب ..والعيون تكاد تأكله ..