"بيت
بعيد" للشاعر المغربي عبد الرحيم الخصار
صدر
للشاعر المغربي عبد الرحيم الخصار عن الهيئة المصرية العامة للكتاب مجموعة شعرية
جديدة بعنوان "بيت بعيد" في 130 صفحة
من القطع المتوسط، ضمن سلسلة إبداع عربي. ويقول الشاعر وديع سعادة في كلمة عن هذه
المجموعة: (أحسبُ أنَّ ورقة حطَّت على كتف عبد الرحيم الخصار فحوَّلها ملاكاً،
وأنَّ دمعة في عينه جعلها كوناً، وأنَّ لهاثاً في فمه صار عاصفة، وأنَّ طفلاً في
قلبه شاخ قبل أن يكبر، وأنَّ موتى كثيرين يتجوَّلون في عروقه. أحسبُ أنَّ عبد الرحيم
الخصار "عشٌّ قديم على غصن شجرة مريضة بالحنين، يواصل التغريد وفاءً للطائر
الميت".اسم جديد سيبقى في ذاكرة الشعر العربي:عبد الرحيم الخصار).
يتكون "بيت بعيد" من سبعة نصوص طويلة، وهو الإصدار
الرابع للشاعر بعد "أخيرا وصل الشتاء"، "أنظر و أكتفي بالنظر"
و "نيران صديقة".
نقرأ من الديوان:
ما ذنبي؟
ينظرون إليّ باستغراب كما لو أني الضال الوحيد بين هؤلاء
الكرادلة، ما ذنبي؟ الجثت التي تعفنت من كثرة المشي بلا جدوى كدستُها في عربة الخشب وركضت بها في
الشارع، لم أنتبه للموتى الآخرين و لا لعيونهم الوجلة وهم يصرخون متوعدين على
الرصيف، هرولتُ لأن الوقت كان قد فات، و على مقربة من الحافة حبست أنفاسي و دفعت
العربة بعينين مغمضتين إلى المنحدر.
الوحيد
كانت الفكرة تمر بطيئةً مثل عقرب في ساعة، زرعتُ
الوهم في الأصيص و عرفتُ أنه سينمو، يؤلمني التفكير، و عيناي تؤذيهما دائما
الأشياءُ التي تلمع، و جوارحي ترتاح فقط للساعات المعطلة. سيبدو لهم الأصيصُ
فارغا، لكن نبتةً غريبة كانت تصعد باتجاه السقف، و لم يكن أحد يراها سواي، نبتة
غريبة و عالية، و شيئا فشيئا تتخرب الغرفة، كانوا يبتسمون بشفاه واثقة و عيون
تترنح، و كنتُ الوحيد الذي يغمره التراب.
سيأتي
اندلقت الكلمات في هذا البيت، و لا أحد بمقدوره الآن أن يصل،
و أنا لن أخرج من هاته الغرفة لأبحث في الطرقات عن الحب. أنا لا أبرح مكاني، أجلس
كأي عجوز مخذول، أسمع موسيقى من القرن
الماضي و أصغي إلى نحيب الذكريات، أوصدتُ
كل باب بقربي، و إذا كان الحب المجنّح سيأتي فالنافذة لا تزال مفتوحة.
ونقرأ على الغلاف:
"سيأتي الموت يوما ما، هل سيجدني أنا الآخر على أريكة
في الغرفة أم أني سأنتظره طويلا على السرير؟ غالبا ما سيباغتني الموت من صفحة في
كتاب، سأقرأ رواية و سأولع بها، ستنشب الحرب و سأختار أن أموت على مقربة من البطل
النبيل. أكره الانتحار لكنني أحب المنتحرين، حين كنتُ طفلا كنت أخنق أنفاسي تحت
وسادة الجدة و أتظاهر بالموت، كنت أرسم حبلا على الجدار و أعلق رأسي فيه، كنت أجعل
من أصابعي مسدسا و أملأ الهواء من حولي بالرصاص. فجّرتُ جسدي مرارا لكني لم أمت،
لا أحد يعرف شكل الموت سوى الذين ماتوا. أشفق على الموتى، كيف يعيشون هناك في
البرد و العراء و الألم؟"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق