بقلم:
أحمد مصطفى الغـر
في
عام 1826، كان الصيدلي جون واكر يجري إحدى التجارب فى المعمل عندما خلط نسبة من
كلوريد البوتاسيوم وكبريتيد الأنتيمون وقام بتقليبهما باستخدام عود من الخشب ،
وبعد فترة قليلة التصق الخليط بالعود الخشبي المستخدم فى التقليب ، وحاول واكر أن
يفصل الخليط عن العود بحكه في حجر صخري فوجد أن هناك شرارات تصدر نتيجة الاحتكاك
فخرج للدنيا باختراع جديد اسمه " أعواد الثقاب " ، لكن اذا كان إختراع
الثقاب قد تم بالصدفة .. فإن من إستخدموه فيما بعد لم يكن من قبيل الصدفة ، بل
بوعى وإدراك تام .
و
قد أشعل بعضنا خلال حياته الالاف من تلك الأعواد ،وقبل إختراع القداحات
"الولاعات" .. خاصة من يدخنون السجاير
، وأتمنى أن يعرفوا ان التدخين حرام شرعا "كما ورد فى فتوى لدار
الافتاء المصرية" ، وقبل أن تغزو الصين بلادنا بأشكال غريبة وعجيبة من تلك
القداحات ذات الاحجام والالوان المختلفة ، بعود ثقاب واحد يمكنك أن تحرق منزلا أو
شركة او مصنعا .. بل وطنا بأكمله ، عمليا الحرق يحدث بسبب النار التى يولدها
الثقاب ، لكن فى الواقع أن البغض والحقد والكراهية و العنف الذى يحمله مشعل عود
الثقاب هو ما يسبب الحريق الأكبر و الأشمل .
و
للثقاب بعد حرقه .. وجهٌ آخر حسن ، هناك فن .. يطلق عليه ” فن اعواد الثقاب “ ،
حيث يري الفنان الحياة فى احتراق الاعواد ، و أحد فنانى هذا النوع من الفن هو الفنان
ستانسلاف اريستوف .. وهو روسى الجنسية و إلتقط الكثير من لقطات إحتراق أعواد
الثقاب ولحظات إنطفائها ، ويفسر نظريته فى ان الاعواد المحترقه تمثل الحياة ذاتها
حيث يري ان الاحترق يمثل الماضي والدخان المتصاعد منه يمثل الذكريات والجزء
المتبقى من العود هو المستقبل اما النار فهى الحياة ، وان كنت أنا شخصيا أعترض على
الجزء الأخير من تفسيره هذا .. بأن النار هى الحياة ، صحيح أنها مهمة فى حياة
الانسان ، وأن إكتشاف الانسان لها فى البداية كانت أمراً هاما و نقلة كبيرة فى
تاريخ البشرية ، لكنها ليست الحياة !
إن
أسوأ ما قد يحدث فى أى وطن أن تجد بعضا ممن يصفون أنفسهم بالنخبة و قد أصابهم
الخرس على ما يحدث من حرق أو تخريب لمقدرات الأوطان ، صمتهم حفاظا على شعبية
صنعتها الصدفة أو الظروف لن يمنع النيران أن تلتهمهم لاحقا ، خلال الحرب العالمية
الثانيةعندما كان يتعين على الحلفاء قتال اليابانيين في مناطق تتميز بالأمطار
الموسمية الشديدة ، اقتضت الضرورة صناعة عود ثقاب مقاوم للماء. في عام 1943م،
تمكّن ريموند دي كادي من اختراع تركيبة كيميائية تحمي عود الثقاب الخشبي إلى حد
أنه أمكن إشعاله بعد بقائه 8 ساعات تحت الماء ، حيث يطلى هذا الثقاب المقاوم للماء
بمادة مقاومة للماء والحرارة، ولكن هذه المادة لا تمنع توليد احتكاك كاف لإشعال
الثقاب ، لكن الثقاب الذى يحرق وان طالت مدة بقائه مشتعلاً .. فلابد له من نهاية
يموت بها منطفأة ناره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق