2013/09/09

تيار الوعي في رواية "على الجدار" لحليمة زين العابدين بقلم: عبد القادر كعبان



تيار الوعي في رواية "على الجدار" لحليمة زين العابدين
بقلم: عبد القادر كعبان
جاءت رواية "على الجدار" (2012) لحليمة زين العابدين مختلفة في أسلوبها مقارنة بأعمالها الأدبية الأخرى حيث استعانت بالعالم الإفتراضي – الإنترنت – في تشكيل أحداث تتخللها تلك الحياة البديلة انطلاقا من صفعة "محمد البوعزيزي" التي غيرت المشهد السياسي الذي رفع لواء الإنتفاضة في تونس وصولا الى الإنتخابات الرئاسية في اليمن.
فالمؤلفة تستحضر شخصيات تسعى الى الثورة على الواقع من خلال مواقع الشبكة العنكبوتية لتعبر عن مواقف نضالية مع الحراك العربي، و تركز حليمة زين العابدين على شخصية "نفيسة يخلف" تلك المرأة المثقفة و الشاعرة و الممارسة للعمل السياسي و الإجتماعي من خلال وظيفتها اليومية التي تبعث في نفسها جملة من القلق و التخوف و الخيبة في حياتها.
تعمد الروائية الى الغوص في نفسية هذه الأخيرة التي تجد نفسها تائهة بين واقع أسري يفرض نفسه من خلال تعايشها مع أفراد الأسرة المكونة من الأب و الزوج و الإبن، و بعد وفاة هذا الأخير تتزلزل العلاقة الزوجية التي تصبح مجرد "عقد" يغيب بنده الأساسي الشرعي "الجماع" ما يدفع بالطرفين الى الشروع عن تراض مطلق في عملية الطلاق. أما في محيطها الإجتماعي تقع "نفيسة يخلف" في شباك القلق و الإحباط مجددا خصوصا بعدما فقدت ابنها و تفككت أسرتها و السبب الفعلي يتمثل في التغير الطارئ الذي يشهده مدير المؤسسة بتحوله الى ديكتاتور انتهازي و هو الذي عرفه الجميع بإعترافه بالكرامة و التعفف حتى أنه كان يعتذر كثيرا عن استعمال سيارة الدولة و عن توظيف سائق المؤسسة في أغراضه الخاصة.
كل هذا الذي حدث مع "نفيسة" يفقدها الكثير من توازنها النفسي و لإستعادة ثقتها بنفسها تدخل عالما آخر عبر شاشة الكمبيوتر أو ما يسمونه "العالم الإفتراضي" لتتفاعل مع من يعرفها و من يهمه التعرف عليها، و هي التي تحلم بوعي المرأة المثقفة و العاملة برجل يركب البحر بهي الطلعة شعاع عينيه يشع من قلب المحيط الهادر ليلهب الكتابة و ليحول الموج مدادا. شيئا فشيئا تتعلق البطلة بذلك العالم الذي يتحول بالنسبة إليها ملاذا للبوح و الثرثرة في العديد من المواضيع خصوصا الشائكة منها كحلم الثورة الذي يصادفه الحراك العربي الذي يهدف الى نشر تيار الوعي الوطني، و هذا ما عززته حادثة الصفعة التي تلاقاها بائع الخضر التونسي محمد البوعزيزي على وجهه بسبب بسيط و هو بيعه للخضر من دون تصريح مما دفعه الى إضرام النار في نفسه في ميدان عام لتنطفئ جذوة جسده و تستعر في جميع أنحاء الوطن العربي. صرخة "كفى!" التي ترددت على لسان البوعزيزي أشعلت النار أيضا عبر المواقع الإلكترونية لتجد "نفيسة يخلف" نفسها تهتف و لو بكلمات مع جملة من أصدقائها "حرية، كرامة، عدالة اجتماعية..." بل تخطت ذلك حتى أنها تمنت  أن تصل رياح الربيع العربي الى أراضي المغرب الأقصى سعيا للتغيير و هذا يرتكز على ما شاهدته و عايشته لحظة بلحظة من خلال عملها في تلك المؤسسة، وأن تكون ثورة "مع الملك لا ضده"، ثورة ضد بؤر الفساد السياسي ونهب المال العام. للأسف الشديد تلك التحولات التي نتجت عن الثورات العربية في مختلف أنحاء الوطن العربي لم تكتمل بل كانت أكثر عنفا و دموية رغم أن الشعوب العربية كانت تطمح بشكل أو بآخر الى فتح صفحة جديدة في تاريخها السياسي لكي تبتعد عن الأنظمة الديكتاتورية التي فشلت في تحقيق التنمية و هذا ما خيب أمل البطلة "نفيسة'' و جملة أصدقائها مما زرع في نفوسهم الحزن و التشاؤم.
رغم كل ذلك ظلت "نفيسة يخلف" متمسكة بالتفائل و الحب الذي ترى فيه مرفأ الأمان لحياة بات عنوانها الفوضى  فهي كانت تتخوف من الإحساس بالفراغ العاطفي الذي يحطم نفسيتها كليا و يصيب قلمها بالجفاف، و تفاديا لعلامات الكآبة تلك كانت تنسج قصص حب خيالية في ذهنها تعيشها و تكتب عنها لتجد روحها غارقة في عواصف جنونية يهذي بها لسانها.
رغم جملة الثورات العربية و ما وصلت إليه ظلت رؤية الروائية حليمة زين العابدين متفائلة بالآتي، والتي  ترى أنه لن يكون الغد إلا أجمل، لأنه يحمل تباشير الأمل رغم نقطة ذلك السواد و هذا من خلال الشخصية الأولى للرواية (نفيسة) التي ظلت تداعب حلمها الثوري الأبدي من خلال السفر على جدران الأصدقاء، حيث لا أحد يطلب منها جواز سفر أو تأشيرة للدخول.
من سيقرأ هذه الرواية حتما سيكتشف أن انشغال حليمة زين العابدين بالإنسان انعكس على لغتها و تراكيبها اللغوية و أخيلتها التي انعكست بدورها من خلال معناة الأبطال النفسية التي أشعلت الثورة في ذواتهم لينطلقوا للتعبير عنها عبر مواقع العالم الإفتراضي و كذلك جاءت مشحونة بالصور و الأخيلة التي تنبئ عن روائية مهمومة بأبطالها و مصائرهم و آلامهم و مواقفهم بين الإستسلام و التمرد و الرفض و محاولة تغيير واقعهم المعاش.

ليست هناك تعليقات: