2013/09/18

مسجل الأحلام.. قصة بقلم: محمد نجيب مطر

 مسجل الأحلام
محمد نجيب مطر
زوجها طبيب نفسي بارع، يسبر أغوار النفس البشرية من مجرد سقطات اللسان أو تعبيرات الوجه، يعامل مرضاه وكأنهم أصدقاءه، يتحدثون إليه في جلساته النفسية ويبوحون بأسرار قد لا يعرفها أقرب الناس إليهم، بل ربما لم يكونوا على علم بما تخفي صدورهم إلا بعد أن أماط الطبيب عنها اللثام، ذاع صيته واتجهت إليه انظار علية القوم، وتكاثر عليه المرضى، فكان لا يقبل من الحالات إلا أصعبها، وكان يحيل المرضى الآخرين إلى زملائه في المهنة بطريقة لا تجرح كبرياؤهم، و يمهد لمرضاه ذلك بعد مقابلة واحدة معه مبطنة باعتذار خفي يفهم و لا يقال.
ولأنه مختلف عن الآخرين، فقد واصل أبحاثه حتى توصل إلى ابتكار آلة جديدة تسجل الجلسات كما يراها مخ المريض، بواسطة استقبال الموجات الكهرومغناطيسية التي يرسلها المخ أثناء التفكير وتكبيرها، وهو يفعل ذلك بهدف الوصول إلى مشاعر المريض ومكنون عقله، ما يتخيله أثناء حديثه، ويقارن بين ما يقول وبين المشاعر التي يحس بها أثناء البوح بها، بهدف الوصول إلى أسرع طريقة لعلاجه، فهناك ما يبوح به المريض، وهناك ما يبوح بجزء منه، وهناك ما يخفيه المريض حتى على نفسه.
طور الطبيب جهازه، وجعله يقوم بتسجيل الأحلام، لعله يتمكن من إقناع المرضى بوضع تلك الخوذه على رؤوسهم أثناء النوم فتسجل الآلة الحلم وتحوله إلى صوت وصورة، فلا أصدق من الأحلام تنير له الطريق ليعرف مدى التقدم في العلاج، ويدرك ما لا يريد المريض البوح به، وما يحاول العقل أن يخفيه من العقد المتجذرة فيه.
عرفت زوجته بالأمر بعد أن أخبرها زوجها بأنه يجرب الجهاز على نفسه ليعرف مدى مصداقيته في نقل الأحلام بعد أن يقوم هو بتفسيرها بالطرق العلمية المعتمدة في الطب النفسي الحديث، ويتبين مدى مطابقتها مع الواقع.
دفعها فضولها لمعرفة أحلام زوجها، فأخذت الاسطوانات المدمجة التي سجلها زوجها لأحلامه، ووضعتها داخل الحاسب، وأخذت ترى المشاهد الواحدة تلو الأخرى، وشد انتباهها صورة زوجها، وهو يطارح مساعدته الجميلة الغرام، أوقفت تشغيل القرص، تأكدت ظنونها إذن، لقد كانت تشك منذ مدة طويلة بالأمر، ولكنها تعرف أن زوجها يخاف الله، و لا يقترب من المحرمات، ولكن لكل جواد كبوة، ولقد رأتها وهي تقبل رأسه منذ فترة، وربما تكون هذه أول كبواته أو هفواته، ولكنه أعطى لمساعدته إجازة طويلة منذ مدة قصيرة، ربما أعطاها تلك الإجازة لكي يقابلها بعيداً عن عيون زوجته، لكن لا وقت لديه لكي يقوم بتلك الهفوات، فوقته موزع بين مرضاه ولجانه العلمية ولقاءاته التفزيونية، ربما يقابلها قبل أو بعد تلك اللقاءات، استمرت في المشاهدة فرأت نفسها في الحلم وهي تؤنب تلك المساعدة وتنهرها وتهينها بل و تضربها وتلقيها خارج المبنى.
في قرص آخر شاهدت زوجها وهو في مقتبل العمر، يرتدى أحلى ملابسه تفوح منها أجمل العطور، و ترتدي فستاناً طويلاً جميلاً، يقفان في حديقة واسعة بها طيور تعزف ألحان السعادة، يأخذها بين أحضانه ويلقي أعذب الكلمات في أذنيها وهي تكاد أن تطير من الفرح ، تذكرت هذا الحلم، إنه حلمها الذي شاهدته منذ أسبوعين، أخرجت القرص ونظرت إلى الغلاف فوجدت حرف السين (س1) مطبوع عليه، إنه أول حرف من اسمها سوسن، هذا يعني ببساطة أنه أول قرص خاص بها، لقد غافلها وسجل أحلامها، نظرت إلى القرص الآخر، فوجدت (س2)، بحثت في الأقراص الموجودة حتى وجدت (ر1) ربما يكون هذا الحلم خاص به، قامت بتشغيل القرص فشاهدت جلسات للمرضى ومناقشات علمية تكاد أن تصل إلى اشتباك بالأيدي، ومناظرات طويلة مملة، فحمدت الله على ذلك، وقررت ألا تشاهد على تلك الأقراص مرة أخرى.
ناداها زوجها وهي تعد الطعام وسألها : هل شاهد أحد تلك الأقراص المدمجة، فأشارت بالإيجاب وسألته : لماذا أعطى إجازة لمساعدته؟ فقال لها : علمت من حلمك أنها تسبب إزعاجاً فبادرت بإبعادها، فسألته : ولماذا قبلت رأسك؟ فقال لها: لأنها أعجبت بالتجربة العلاجية الجديدة التي اتبتعها، ولقد لفت نظرها إلى ذلك بلطف واعتذرت، فنظرت إليه بكل الحب والامتنان.

ليست هناك تعليقات: