أقاصيص قصيرة جدًا
هشام جلال أبوسعدة
كروتُ شحنٍ
امتلأت أرجاء الساحة الاحتفالية والطرقات المؤدية في
الربع الساعة الأخيرة من الواحدة ظهرًا بالباعة الجائلين، هالون من كُلِّ حدبٍ
وصوب حاملين مناديلُ ورقية، مياهُ غازية، أعلامُ تشجيعٍ، لِعبُ أطفالٍ، وجباتٌ
خفيفةٍ، كروتُ شحنٍوهواتفٍ محمولة، أقراصُ مرنة لبرامج الحاسوب المضروبة. جحافلُ
متسولين؛ رجالٌ ونساءٌ وأطفالٌ وشيوخ يفترشون الحواف في براعة تنظيمية فائقة
يُحسدون عليها. دقت الواحدة تحولت ساحة التحريرسوق لباعة جائلين ومتسولين وشحاذين
ومشعوذين؛ أقلهم المعتصمين.
***
كرباجٌ مُتشعبُ الفتلات
في
لمح البصر، فزعة هجوم جارف كاسح لعشراتٍ من رجالِ مكافحةِ الشغب، سرعان ما لبثوا
يتضاعفوا لحَتَّى بانوا بالمئات، بالآلاف. ملابس سوداءكالحة، مزينتها شرائط
مُجنزرة معدنية صلبةلامعة براقة بلونِ الذهب، يختفون خلف خوزاتٍ ودروعٍ صُلبةٌ
متينةٌ قاسية فلا تتبين عيونهم، مُمسكين بأياديهم ما يشبه الكرباج مُتشعبُ الفتلات
المخصص لفصيلة الحمير، مبرومًا بعنايةٍ فائقة؛ ليشتد. فتراهم عنيفين بشكلٍ لم
يعتده بشر، ضربهم باستماتة، زمن الوقوف بالدروع للحماية والفرجة راح، زمن رش
المياه من الخراطيم ولىّ، اليوم زمن من يتظاهر أضربوه بالرصاص، بلا رحمة، بلا
مهادنة مع الخارجين على القانون، أيّ قانون! ..لا يهم، .. هم خارجين عنا.. إنما
نحن القانون.. النظام والقانون وجهان لعملة واحدة.
***
التزاوج في الطريق العام
إناسٌ عاديون، معهم زُمرات كثيرة من المتحولين، رجالٌ
ونساء يصهلون فينفخون الرزاز، لهم رائحةٌ نتنة، أشكالهم بدت مُخيفة، شعورُهم
ولِحاهم طويلة، أصواتُهم مُضطربة، يُضرّبون فلا يشعرون. اشتبكوا، البشر ورجال
مكافحة الشغب في جانب،والبلاطجة والمتحولون في جانبٍ آخر.بدت الساحة الاحتفالية
وكَأنَّها موضعٌ لمعركةٍ حامية الوطيس، تعيد للذهن التقاء البشر والكائنات الحية
في فيلم كوكب القرود؛ عنف وبلادة ولجاجة، ضراوة وحدة. تعالت أصوات الصهيل والنهيق
والعويل والخبط لحَتَّى يقفز الفرد المتحول منهم فتراه صاعدًا لفوق الأربعة أمتار،
فمرفرفًا في الهواء بما يحمل من عتادٍ ليعود ليصطدم بغريمهِ في الهواء مُحدثين
صوتًا كنفيضِ السجاد، يُحدث معه طرقعة عالية مهيبة، واقعين في قرقعة تصُم الآذان،
صارخين في عويلٍ وصهيلٍ، يفتكون برجال مكافحة الشغب، غيرّ مبالين أو عابئين بدروعٍ
أو كرابيجُ فتلٍ أو طلقاتُ رصاصٍ، يفر أمامهم البشر الطبيعيون غير المتحولين كانهم
الجرذان، لا حول لهم ولا قوة. اختلط البشر بخيالة المكافحة بالمتحولين، لم تعد
تعرف من مع من، فشاهدنا الخيول تقذف من فوق ظهرها كُلِّ حملها، لتجري في البعيد،
خائفة من الهبة الحميرية الشنعاء، عدا بعض الخيول الواقفة في غرامٍ بواحد من
المتحولين أو بواحدةٍ من المتحولات، في منظرٍ عجيب يقف له شعر رأس الأقرع والوليد،
إنه التزاوج في الطريق العام، هياج ونفور ولهاث ونهيق، تتخللها قبلات بين
المتحولين والمتحولات لحميرٍ وخيول مع الكائنات الداجنة.
***
خيالاتُ بشرٍ
انتابته حالة من الغثيان، دخل في غيبوبةِ موت، الدماء
تنهمر من أنفه وفمهبغزارة، يبدو فقد الإحساس بالضرب تمامًا، تمدد فاردًا جسده، بات
لا يتأثر من ركلات أقدامهم في الكٌلِّ مكان،تترائى له بين السحب المتراكمة ملامح
أسرته متلاحقة، ما زال رافعًا ليده في الهواء يحاول أن يتلمسهم: .. هلا، آهات،
أمي. ناظرًا في البعيد، فلا يترائى له إلّا المسرح الكبير تنهار أعمدته تباعًا،
تتساقط أعمدة الإنارة فكشافات الإضاءة مع فرقعات شديدة يصحبها ارتجاجات أرضية
متتابعة، تبدأ الصورة تُعتم قليلًا، فلا يكاد يُشاهد في البعيد غيرَّ خيالات بشر،
لا يتبين الجنس ولا الشكل ولا اللون. لحظات فاتت ثقيلة، يرتج جسده، يلفظ أنفاسه
الآخيرة في يوم ميلاده الثلاثون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق