تراجيديا الساعة الثانية بعد الظهر ( 1973)
شعر : حسن النجار
1 _ قراءة
في فصل الطوطم :
النهرُ كان يبثٌ أغنيةً
ويرحل فى محاريث البلاد ،
يحلُّ عقدتَه ..
أنا أترقب الأشعارَ
فى ذكرى حلول الخيل ،
ألبس معطفا للريح
ثم معاطفَ السفِ الطويل
على غرار النهر ،
تنزل في يدي أمم الظهيرة .
فأهز في جسدي هواءَ الصيف /
منديلي الذى تتلفع الرؤيا به
وأقصُ عن خيلى التى ضاقتْ بها
الأرباضُ ،
فارتحلتْ على عشب القوافى
ها هى الأرضُ استباحتْ عُريها
والشمس ناموس الذكورة :
تطلعين معى سلَّما ،
درجاتِ الصعود إلى
حرْبة الشمس ،
هذا دمٌ فى القلوب
وهذى كتابةُ أسمائنا
فى جريد المراسم .
حلَّتْ قراءاتُ البلاد
فأكلتُ خبز عشيرتي نارا
وأطلقتُ الرياح على سهول القلب ،
هذا اليوم مشهودٌ
وصيف حبيبتي غُسل الدماء :
_
أما رأيتِ .. ؟
_ أنا رأيتُ الله يضحكُ ضحكة
ويسير بين كتائب الأنصار ،
يا أرضا مبهرجةً
أنا أترقب الأشعار
فى ذكرى حلول الخيل ،
ثم أدور دورة قافية .
كانت تماما الثانية .
النسر مسَّح ريشه فى الماءِ
حطَّ على غلال الأرض ،
فرَّطها
وجرَّ وراءه ثورَ انتصاب الريح
ثم تقصد الرؤيا وباض علي قصيدة .
هذي السحابة لم تعدْ شمسَ الوطن
هذي السحابة
شارفتْ حد الزوال
فأضربْ علينا خيمةَ العشق الخطر
وأشهد ولائمَ عرسنا يوم النزال .
|
ألقتِ الأرضُ
شعرتها فى يدِ الكون ،
صارت نفيرَ الغرائز /
قافيةَ الحمحمة
فاستبان لنا فرحُ اللحمِ
فى رقصها العائلي على
طبل أوزاننا النار ،
يا جمرةَ الله صارتْ لنا حبرنا
فاستعرنا أسنَّة أبداننا
وعرفنا الكتابة فى اللحم ،
كانت صحائفُنا
دورةَ الملحمة .
ثلاث برقيات على ورق الحمحمة
(1) إلى الوطن الأم :
ألقفتنا ثديَها الأمُّ الرءوم
فاعتصرنا لحمها فينا
وزاولنا احتطابَ الشعر ،
ألقتْ سرَّها فينا
فلم نبرح قراءاتِ الفصول :
|
إلى كل الزوايا
خوَّضتْ أقدامُهم فى الماء
حين استحلبوا الرؤيا
فألقوا ماسةَ
النهر
على صدر السهول .
إنهم جندكِ
ساروا فى دروب المملكة
فامنحيهم شارة الوصل ،
فقد آن الأوان
واذكريهم فى الليالى الحالكة
قبلما يخطبكِ الصبحُ
وتمضين إلى مقصورة العرس
بحنَّاء الزمان .
(2) إلى شاعر كثيرا ما
كنتُ
أصادفُه :
كنتَ فى كل مقهى تُعيِّرني بالجواد
الذى أنتَ صانعُه فى قصائدكِ المعلناتِ ،
وفى كل سوقٍ أراك تساومُ فى السرِّ
من يشتريه ..
فهل تشهد الآن أراضى التي بايعتني
إلى سفر ٍ،
قد خلتُ القصائد أختارُ
واحدةً
من مهارى /
شهودِ السبيل ؟
(3) إلى مواطنى
بابل :
تتفصلون قُرًى على الصحراءِ
ندخل منزل الإفطار ثم نشاغل
الرؤيا بطرف رغيفا المبلول ،
هل تتبلَّغون معي ؟
فكل عشيرة مالتْ على الصحراء
كانت تقتفى أثرا لبابل
ها هو الصيف استقرَّ جوادُه فى الماء ،
حين توافدتْ أسماءٌ بابل :
* إن بابل تنْدهُ الثيرانَ من ثكناتها
فتجئ عالقةً بها ريحُ الفحولة .
* إن بابل تلبس
الأشعارَ
تاركةً على جسدي غطاءَ قرابتي
لقصيدةِ الأرض المتاحة .
* إن بابل لا ترى فى الشمس
غير حصانها الطينيِّ ،
تعقلُه ..
وتمشى بيننا أنثى المسافة .
________________________
بابل
: قرية الشاعر بدلتا مصر
2
ـ غنائية التعميد :
يتداولونكِ سيرةَ امرأةٍ ..
وأنتِ مطارحات ُالنهر فى جسدي
فأُفصح عن هوى جسدي المبطنِ بالدرابك
- أيها المترجِّلون
خذوا جواد قصيدتي سفرا –
أنا أتورثُ الأشعار في ذكرى حلول الخيل
لي وجهٌ على الصحراء
طار معمدا .
الرب
من البطن دعانى
ومن أحشاء أمى ذكر إسمى
وجعل فمى كسيف حاد
فى ظل يده خبأنى
وجعلنى سهما مبريا
هذه ماسة الماء من يشتريها
ويمشى على حافرِ الخيل ،
يذبح ناقتَه ويقيم الخراج
أبى كان يسألني :
- إن عبرتَ المضيق
فهل تعبر الخيلُ ؟
- تعبر ..
ليس الذى بايع الأرض
مثل الذى باعها
_____________________________________
وفيما كان جميع الشعب يسمعون
قال
لتلاميذه :
أحذروا الكتبة الذين يرغبون
المشىَ
بالطيالسة ،
ويحبون
التحياتِ فى الأسواق
والمجالس الأولى فى المجامع .
والمتكآت الأولى فى الولائم
.
أبى
كان فارس أمي الجميلة
ينازلها فى عراكِ الفصول
وينزف فى آخر الليل
|
وهذا دمٌ فى الخرائط –
علَّمني أن أهزَّ الجياد
وأرحل في شاحناتِ الصهيل
هي الأرض ساحةُ أبداننا
نتفرط فيها قصائدَ /
أفدنةً من خيولٍ
وطيرٍ أبابيل :
_ سيناء يا امرأتي العاشقة
|
على حافة الشاطئين ؟
_
لأهلى الذين يجيئون
فى ساعة الاغتسال
_ لمن تشخبين حليب الفصول ؟
_
لطفلى الذى لا يريد الفطام
_ لمن
تسكنين نواصى الجبال ؟
_ لأهلى الذين يبيتون
تحت
حروف الهجاء
_ فقومى إلى الدرس
نكتب أسماءنا فى كتاب الرسوِّ ،
ونقرأ :
كان انتظاركِ لي جمرةً
وانتظارى الجواد .
____________________________
قومي يا حبيبتي ياجميلتى وتعالى
لأن الشتاء قد مضى والمطر زال
الزهور ظهرت فى الأرض ،
بلغ أوان القضب
وصوت اليمامة سُمع فى أرضنا
يا حمامتي فى محاجئ الصخر
فى ستر المعاقل .. أرينى وجهك .
سرتُ فى رأس الكتيبة
خشخشاتُ النهر فى صدرى
وأزهارُ المسافات الغريبة
صحتُ يا أجنادها :
عبُّوا نبيذ الأرض فى يوم يطول
وامنحوني من هويات الفصول
|
تعابير الجسد
صحتُ يا أجنادها عبوا نبيذى
واتبعونى ..
اتبعونى ..
|
||||
|
||||
3 _ فصل في مديح الجسد :
(منشور قتالي رقم 1)
ورأيتكِ الآن
اعتصرتكِ فى سرير الخوف
حين تفتحتْ مدنُ الجسارة ،
ساحبا جسدى الى شمس المصاهرة ِ،
انتصبتُ على ردائكِ ..
ها هنا انتشر الهواء على
قميص الأفق ،
حين تناسلتْ مدن ُ السماءِ ،
فما رأيتُ سوى دمى خمرا معتقةً
وراء زجاجة الصحراء ،
أفتح للثرى بيتا ينام على
سرير الريٍّ ..
أنتِ شاربةُُ دمي
ووراء خط الظهرِ تنمو عشبتان
على عظام الجوع ،
أدخل فى بطانة عرسى
_ الألوانُ داخلةُ
وخارجةُ –
وصوتى لفحة الأرض القوافى :
ها هى انتظرتْ طويلا
تحت شمس اليُتْم
ربَّتْ من عجينة عرسها
كعكا
لأيتام المواسم .
أشتهى وجهى ،
يجئ الوجهُ معتلياً أعنَّةَ صوتى ،
التهبتْ يدايَ على طبولِ الرقصِ
فى الأعراسِ ،
أدخل فى تواشيح القرابة :
_ ها هي انتظرتْ طويلا _
أشتهى جسدى ،
يجئ الىَّ من زمن المصادرة
الأخيرة ،
تلبس المدنُ الأليفةُ ثوبها
وتسير بين قصائد الأبدان ،
ما بين القصيدة والقصيدة
يطلع الجسد المحارب .
(منشور قتالي رقم 2)
افتحوا فى الممرات نهرا .
تداولتِ الريحُ أسماءَ وجهي
انتظرتكِ فى آخر الليل
كنتُ على حافةِ الأرضِ
أحصى دمى قطرةً قطرةً
فى فراشِ الخضابِ المؤجل ،
إن المسافة باقيةٌ بيننا
والبلاد استقتْ شعرها من تفاعيل صوتى ،
- انتصبْ أيها النهر –
إن القصائد أولى بيوم الرثاء .
تذكرتُ فى وجهكِ الماءَ ،
رائحةَ الماءِ فى العشبِ
فاهتزَّ فى جسدى حائطُ الرمل
والنار دانيةٌ صوبَ وجهى ،
افتحوا فى الممرات
وجها .
( منشور قتالى رقم 3)
ربط الجند أفراسَهم
واسترحوا على تلَّةٍ
_ ها هنا الماءُ -
حلُّوا ضفائرهم شعرةً شعرة ً
وأمالوا الرؤوس على عشبة الرِّى
_ يستحلبونكِ غرغرةً ،
مطرا فى الحلوق -
هنا الأرض قد شمَّرتْ عن بنيها :
هل
كنتِ قائمةً بينهم
أم يد الله حلَّتْ
أم الماء قد خاطبَ
الرمل
باللغة البابلية
،
حتى استحالتْ كتائبهم شجرا
شجرا .
ها هى الأرض قد هاجرتْ فى ثيابهمُ
هاجرتْ فى الدماءِ التى حملوا
فى الرياح التى بسطتْ ريشها
فى العصافير حين ترسَّمتِ الماء
فى قٌلَّةِ الهاجرة .
4– استطرادان :
1
" ثاني اثنين إذ هما في الغار "
لمَّتِ الريحُ خيوطَ العنكبوت
فارتمينا تحت أقدام السكوت
نرقب الظلٌّ النحاسىَّ
الذى يدنو على جسر النظر
_ ربما حلُّوا بهذا الغار ،
قد حلُّوا هنا –
فأغنَّى بالتى شدَّتْ على ظهرى
عباءات السفر :
أدركينا .. أدركينا
فتمطُّ الريحُ نهديها
ونغفو بين أحضانِ الحجر .
2
هل تأكل من سمكِ النهر
حين يصير النهر حكاياتٍ تٌروى
فى المنحدراتِ ، وفى أردية العشاق
فى القاعات الحجرية
فى أرحام النسوة
حين يُصبن بداء الحمل ؟
هل تأكل من سمك النهر
حين يصير النهر زهورا فضية
تلتمع وراء الأرض
الفارعة النهدين
حين يمدُّ الشجرُ أصابعَه الخضراء
يمطر موسيقى النوم
على حدقات الكون
حين تفوح الأرض بعطر الصحراء
هل تأكل من سمك النهر ؟
|
5- آخر الأناشيد :
إنى أنتظركَ ألف عام كى تجئ
يا بدر سيناء المدلىَّ
فى رقاب الخيل ،
حلمٌ أنتَ
أم نارُ النبوءة من جديد .
_ هذه الأرض التى تأتى وتأتى
كم سهرتُ الليل أغزوها
بأحجارِ النعاس
–
إنى انتظرتكَ فى فصول الغوث ،
وجهي شارتي
|
أنشقٌّ تحت جدارك الليليِّ
أضرب فى الدجى قيثارتي
وأقول يا زمن الرحيل
هيئ لنا دارا بقلبكَ
إننا متسولون على رصيف الفاجعة .
إنِّي انتظرتُكَ ..
فاعتصرني بذرةَ الشهواتِ
فى الأرض التى حَمَّتْ بجسمى النارَ
وانثرنى على الصحراءِ
لحماً للطيور الجائعة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق