المبدع
أيمن مصطفى أحمد الأسمر
يجلس
في موضعه المفضل متدثرا بمعطف صوفي يغلب عليه اللون البني بدرجاته
المختلفة، وبرغم أن البرد في أواخر أمشير لم يكن قارسا إلى هذا الحد لكن
عظامه التي تجاوزت السبعين لم تعد تتحمل، بين يديه قلم وورق .. يفكر ويكتب،
يسكب على الورق شخصياته وأحداثه .. قضاياه ومعاركه، يستمد بعضها من الواقع
بمرارته وغرابته فيما يتسلل البعض الآخر من عوالمه الخاصة، يكتب عن الكون
وخالقه، عن الجن والإنس، عن الحكومة والرعية، عن الطيور والحيوانات، عن
الزواحف والحشرات، عن البحار والجبال، عن الموت والحياة، يرتفع البناء على
الورق متمهلا، حرفا بحرف وكلمة بكلمة وجملة بجملة، تتشابك الشخصيات
والأحداث .. القضايا والمعارك، تتشكل بين يديه حكاية عجيبة، تفوح منها
رائحة السخرية تارة واليأس تارة والمقاومة الصلبة العنيدة تارات كثيرة، ومع
كل مرقومة تكتمل، أو وحدة تًنجز، أو باب يزدان بحواشيه وهوامشه، تتضح
الرؤية وتظهر معالم البناء أكثر فأكثر، فإذا هي رؤية نافذة تسعى إلى الحق
وتبحث عن الخير، وإذا هو بناء غريب يحض عقل الإنسان على الاشتغال لفك رموزه
وأسراره، يجهده ليجتهد، يسأله ليجيب هو، يداعبه ويشاكسه، يفتح له أبوابا
لعوالم سحرية قد تبدو غريبة عنه لكنها من صميم حياته، يتركه وقد أخذ بيده
إلى بداية الطريق ثم يترك له حرية الاختيار في أن يكمل هو أو يجرب بنفسه
طرقا أخرى.*
ــــــــــــــ
*
مهداة إلى روح أبى القاص والروائي / مصطفى الأسمر في ذكراه السنوية الأولى
ـ كتبتها في حياته مارس 2010 ، ونشرت بجريدة المساء المصرية ابريل 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق