مقدمة
الجزء الأول من سيرتي الروائية
بقلم: فؤاد قنديل
"من أنا ؟. ومما خلقت ؟..
ولماذا أتصور إمكانية أن يكون شخصي المتواضع
رواية ؟
أنا طبعا خلقت – مثل غيري – من الطين أو من التراب أو من النار والهواء وربما
منها جميعا . ولست أدري أي العناصر هو المتحكم والغالب . ربما كان الماء أو التراب
.. أيا ما كان الأمر فلماذا يمكن أن أكون رواية ؟
هل لأني عشت أكثر من ثلثى قرن أي أكثر من خمسة وعشرين ألف يوم .. واستهلكت
جبلا عاليا من الأشياء؟
أظننى التهمت لحوم ما يقرب من عشر جواميس وملء ترعة صغيرة من السمك ، وألفي
دجاجة ومائتى ديك غير البط والأرانب والعصافير والحمام والغزلان وبعض الحيوانات الأخري
بطريق الخطأ كالخنزير والثعبان والضفدع والحصان، إضافة إلى اثنتين وعشرين ألف بيضة
وملء خمسة وعشرين سيارة نقل من الخضروات وضعفها من الفاكهة ، وشربت عدة صهاريج من الماء
وخمسين ألف فنجانا من الشاي والقهوة ، ودخنت ثلاثين سيجارة فقط ، وتجرعت نحو دلوين
من الخمر فقط ، فقد حاولت مرارا أن أنحرف وفشلت فشلا مدويا ، واغتسلت بما يملأ مائة
حمام سباحة ، ولبست ما يعادل إنتاج يوم كامل لمصنع ملابس ،وتعطرت بنحو ألف وخمسمائة
زجاجة عطركانت كافية كي تحول أحدب نوتردام
إلى عمر الشريف أو كيرك دوجلاس وربما القنفذ إلى كلب لولو ،وتكلمت بما يشغل محطة إذاعة طوال عام كامل
، ونمت فوق الأسرة وتحتها وعلى الأرض وفوق الأفران وعلى الشجر وفوق سيارات النقل وفي
داخل السيارات الأجرة والملاكي والقطارات والسفن والطائرات وفوق الحمير وفوق أرفف حقائب
القطارات وفي عشش الفراخ وفي العراء والشرفات
وعلى البلاط في سجنين وأحيانا واقفا كالخيول، ، ولكل نومة قصة . وتمت سرقة ممتلكاتي
التافهة عشرات المرات ، كما أني تلقيت الكثير من الطعنات الجسدية والنفسية والسياسية
والأدبية والإعلامية . فهل هذا يمكن أن يجعل حياتي مؤهلة كي تكون رواية ؟!!
هل أنا رواية لأني مشيت على
قدميّ عددا من الكيلومترات يزيد على عشرة أمثال محيط العالم العربي جميعه من العراق
وسوريا ولبنان وفلسطين وليبيا وتونس والجزائر و شمالا إلى اليمن والسودان وموريتانيا
والصومال وجيبوتي جنوبا ، ومن المغرب على المحيط الأطلسي غربا إلى الكويت والإمارات
وعمان وقطروالبحرين على الخليج العربي شرقا
؟
هل يمكنت أن أكون رواية لأني كتبت
على أوراق تكفي لتغطية واجهة مجمع التحريرعشر مرات ،وأنى تعاملت مع قمم السلطة دون أن أنافقهم بل نلت من بعضهم ونالوا كلهم منى
، وتعاملت دون أي تخطيط وبحسن ظن مع المشردين والسوقة واللصوص والمحتالين ، وضُربت
في عدد من المظاهرات بدءا من أعوام 50-52حتى 68 و71،72 ، والسنوات الثلاث العجيبة من
2011إلى 2013؟
هل أنا رواية لأن لى قصصا كثيرة
لذيذة ودامية مع النساء؟.. أم تراني استحققت تلك المكانة المضطربة لازدحام حياتي بقصص
النجاح والفشل ؟، أم يا ترى بسبب ما تجمع لديّ من معرفة هي خلاصة قراءة ما لا يقل عن
عشرين ألف كتاب ؟.. أم بسبب ذلك الكم الهائل من الأحلام التى دأبت على زيارتي فور أن
ينحط جسدي وتنغلق نوافذ الفكر وتنسحب الدنيا من حولي .. تلك الأحلام التي كانت تقتحم
لاوعيي أحيانا ثلاث أوأربع مرات في الليلة ، وكانت صاحبة الفضل علىّ في أمور كثيرة
وأهداف وأماني.
هل يمكن أن أكون رواية لمجرد
أني زرت نحو عشرين دولة من الصين واليابان شرقا إلى أمريكا غربا مرورا بتركيا واليونان
وإيطاليا وفرنسا وسويسرا
وبلجيكا والنمسا ومالطة فضلا عن السودان وسوريا ولبنان والسعودية والإمارات
والعراق وغيرها ؟.. أم تراني رواية لأني تعرضت للموت عشر مرات ، سقوطا من فوق جبلين وعمارتين وغرقا مرتين وخروجا من تحت قطار مسرع مرة
وتصادم سيارات ثلاث مرات ؟ولعلنى رواية لأني تجرعت كؤوس الخوف شهورا طويلة وعشت أسير
الوهم بما يساوي نصف عمري تقريبا ؟
هل أستحق أن أكون رواية لمجرد
أن عشرات الكلاب الضارية ،ضالة وغير ضالة ، من الإنسان والحيوان ركضت ورائي مسافات
طويلة ، ونهشت أطرافا من روحي وأحلامي وبعد لم تشبع ؟
هل يمكن أن أكون رواية لأني كتاب مفتوح ولا طاقة عندي لحشو أعماقي بالأسرار
، ولا احتمال لدي للأحقاد لأني أومن بأن الكون ملك الجميع والرزق لا براعة
فيه وليس بحاجة للحيل حتى يتم اصطياده فهو يعرف عناوين مستحقيه ، أهلا به إذا جاء وأهلا
به إذا تخلف .. هل أنا رواية لأني من وجهة نظر البعض ووجهة نظري أيضا نصف مجنون إذ الماديات لا تعنينى وهي بنظرى مقتلة للبشر .وأنا
عصفور .. مطالبى محدودة لا أسمح لها أن تجتاح دماغي وكرامتى وسلامي . أحرص جدا على
راحتى النفسية وأخلص روحي دائما من كل ما يعكرها ، ونادرا ما أبكي على شيء و كثيرا
ما تسببت هذه الفلسفة غير الدنيوية في مشاكل مع العائلة ؟
هل أنا رواية لأن ثقتى في الله بلا حدود وتعلقي دائما
بوجهه المشرق الممتد بين السماوات والأرض وهو محبوبي الجميل اللطيف الودود الذي يسأل عنى كثيرا بطرق
مختلفة حتى بالمرض والأحلام وترسيخ الشعور بالرضا ، وله الشكر والمنة لأنه جعلنى مفتونا
ونصف مجنون ..ما أروع هذا يا رب وما أروعك !!!.
هل استأهلت أن أكون رواية لأننى
لا زلت طفلات يزعجنى الشر والعالم الطائش ، وأضطرب أحيانا وإن كنت بالطبع أبتهج إذا
طلعت علىّ امرأة جميلة في قميص شفاف فتتحول الدنيا جميعا إلى بلورة من الإبداع والألق.
وأسيل وأتفكك إذا لمحت دمعة في عين طفل أو
أنثى حتى لو كانت عنزة . وأفرح بالربيع ولا أعبأ بالموت وأبحث فقط عن العدالة .؟
هل أنا رواية لأني عشت معظم حياتي أواجه الكذب والأبشع من الكذب .. النفاق
والتملق والرياء وكل الأسماء الدالة على التضاؤل المهين للإنسان ؟ أم لأني قاومت وسأظل
أقاوم العهر والقهر والجبن والفهلوة والسكات ؟
قد يؤهلنى كل ما سبق لأصبح رواية . لكننى أكثر من ذلك أو غير ذلك ..أنا هذا
الكائن الذي يقبع في الصفحات التالية ينتظر بشغف عيون تأملاتكم . مشغولا إلى حد الرهبة
بالسباق المحموم بين الصدق والفن .. بين الحقيقة والجمال . وأتصور أحيانا إنها جميعا
تمتح من نبع واحد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق