منتدى الأديبات الفلسطيني يحيي
ذكرى رحيل فدوى طوقان العاشرة!
آمال عوّاد رضوان
تحت رعاية وزارة الثقافة وجمعيّة التكافل والتضامن الأسري
والجمعيات التراثيّة في جنين، أقام منتدى الأديبات الفلسطينيّ فعاليّةً ثقافيّة
متميزة، لإحياء الذكرى العاشرة لرحيل سنديانة الوطن فدوى طوقان، وذلك باستضافة
النادي النسائي الأرثوذكسي- عبلين بتاريخ 21-12-2013، على خشبة مسرح الشهيد قدورة
موسى في جمعية التكافل- طريق الناصرة، ووسط حضور كبير من الأدباء والأصدقاء
والمثقفين، ووقوفًا إجلالًا لأنغام السلام الوطني، ومن ثم قراءة الفاتحة على أرواح
الشهداء الأبرار، لتشارك كلّ من الكاتبات آمال عوّاد رضوان، الروائية فاطمة ذياب،
الأديبة سعاد قرمان. وقد تخلل اللقاء فيلم وثائقي عن الطوقانية، إعداد الكاتبة د.
عبلة الفاري، ثم وصلة زجلية للفنانة عايدة أبوفرحة، ووصلة موسيقية للفنان إياد
إستيتي وفرقته "الكمنجاني"، إلى جانب قراءة في شعر فدوى بقلم آمنة
الكيلاني، ومجموعة من قصائد شاعرات المنتدى؛ نعيمة الأحمد، وليلى جعبري، وناديا
فهمي، وبسمة بعجاوي- لاجئ من حيفا، وقد تولت عرافة الاحتفال الشاعرة آمال غزال،
وفي نهاية اللقاء تمّ تكريم كل من موسى قدورة- آمال غزال- والنادي النسائي
الأرثوذكسي، ومن ثم التقاط الصور التذكارية.
وقد استضاف منتدى
الأديبات الفلسطيني- جنين وفد النادي النسائي الأرثوذكسي- عبلين الجليلية نهارا
كاملا، للمساهمة في إحياء ذكرى رحيل سنديانة الوطن فدوى طوقان، وقد نظم للوفد
زيارة محطات في جنين: أوّلًا: بناية مجلس الجلمة المحلي: حيث قام خالد أبو
فرحة رئيس مجلس الجلمة مع زوجته الزجالة عايده أبو فرحة، بانتظار الوفد بعد حاجز
الجلمة، واستقباله بحفاوة، واستضافته في بناية مجلس الجلمة، وإعطاء نبذة قصيرة عن
الجلمة سكانيا وعمرانيا وثقافيا واقتصاديا.
ثانيا: الانتقال إلى بيت المسنين في جنين: حيث كان
في الاستقبال والترحيب أبو الباسل، مع بعض النزلاء وبعض الكادر العامل في المؤسسة،
وقام بتعريفهم على النزلاء وعلى أقسام وأرجاء المؤسسة، وتاريخ تأسيسها، والخدمات
الي تقدّمها، والدعم الذي تتلقاه!
ثالثا: الانتقال إلى بازار التكافل،
والذي ضم إنتاجات نسوية من تطريز وحياكة، واهتمام بالجانب الفولكلوري والجانب الإنتاجي-
شركة بيتوتة ومنتوجاتها من مخللات، وقد وفد إلى المكان موسى قدورة ابن الشهيد
محافظ جنين قدورة موسى مع والدته، فرحب بالنادي النسائي الأرثوذكسي، كما قدم
المفتي محمد صلاح أبو سعيد كلمة ترحيبيّة، ومعايدة للجميع بمناسبة الأعياد
المجيدة، تدعو للألفة والمحبة والتآخي واللحمة بين الأشقاء الفلسطينيين، لأن فلسطين
هي مهبط الأنبياء، وأرض شعبها الواحد بكل دياناته وأحزابه وتعدداته.
رابعا: ندوة ثقافية تحيي ذكرى فدوى طوقان العاشرة في مسرح
التكافل.
خامسا: استقبال قيادة منطقة جنين لمنتدى الأديبات الفلسطيني
والنادي النسائي الأرثوذكسي- عبلين، والوفد المرافق في معسكر قوات الأمن الوطني
"حرش السعادة"، حيث استقبلهم نائب قائد منطقة جنين المقدم زاهي سعاده، ومجموعة
من الضباط وصف ضباط وجنود قوات الأمن الوطني، وتقديم عرض عسكريّ، حيث رحب بالحضور،
ونقل تحيات قائد قوات الأمن الوطني اللواء نضال أبو دخان، وتمّ اصطحاب الوفد
في جولة ميدانية داخل المعسكر، تم خلالها التعرف على أقسام وفروع ومهام تقوم
بها قوات الأمن الوطني
مع أبناء القوات والشعب، من بسط النظام والتواصل، وتقديم كافة وسائل المساعدات
الإنسانيّة المتاحة لدى القوات، لكافة شرائح المجتمع الفلسطينيّ.
ألقت عريفة الحفل آمال غزال
كلمة وزارة الثقافة نيابة عن المدير عزت أبو الرب التي جاء فيها:
السلام عليكم ورحمة الله بركاته، وأهلا وسهلا بكم أعمدة
للثقافة وأذرع حقيقية لها، أشكركم على حضوركم لدعم مسيرة الثقافة عامة، ومنتدى
الأديبات الفلسطيني خاصة.
إخواني.. أخواتي.. نحن اليوم أمام بادرة نسويّة حقيقية،
تحاول زرع بذورها في أرض الثقافة الفلسطينية الخصبة وأرض القومية العربية. بدوْرنا
نتمنى لها أن تثمر، وتؤتي أكلها في إثراء الحركة الثقافية عمومًا، والأدب النسائي
خاصّة، ونحن كوزارة لن نتوانى عن تقديم يد العون والمساعدة للمنتدى وللأدب
والأدباء، بما أوتينا من إمكانيات والله الموفق. نتمنى للأخوات في المنتدى مزيدًا
من التقدم، وإلى الأمام في خدمة الوطن والعروبة، فالمثققف والأديب هو رسول للكلمة،
عليه دوْر كبير، فهو ممثل لبلده وقوميّته، وهو مترجم لهموم وأحلام أبناء شعبه
ووطنه، وعليه رفع أعمدة الثقافة إلى أقصى الحدود. أشكركم على حسن الاستماع والسلام
عليكم.
جاء في كلمة العريفة آمال غزال: مسحتُ
عن الجفون ضبابةَ الدمع الرماديّة، لألقاكم وفي عيني نورُ الحبّ والإيمان، بكم،
بالأرض، بالإنسان. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرحّب بكم جميعًا كلٌّ باسمه
مع حفظ الألقاب والمسمّيات.
وطني.. أنت لست احتمالًا، أنت آذار مُزهرٌ بحكايات الأجداد،
أنت يافا، أنت حيفا، أنت طوقُ الياسمين، ذراعاكَ حصارٌ حولَ جسدي، أنت قضيّتي يا
وطنًا قد كتب فوق الجبين.
نقف إجلالًا لأنغام السلام الوطني، ومن ثمّ قراءة الفاتحة
على أرواح شهدائنا الأبرار. وعلى طرف أمنياتنا تولد الكلمات حافية الفرح، عندما
تؤول الأحلامُ إلى وطن ودماء، لنرتبَ أيّامنا على ما سيكون لنا من واقع مقتول
بالحلم، مسالك شتى، ولوعة النفس الأخير، لحوافر خيلك صهيل من نداءات بعيدة، تضرب
شريعتك الأرض بالحكمة، وتقسم الريحَ نصفين، لتتمرّد عيون الأقدار، معلنة انتهاء
عبوديتها للانتظار، فلنستمع لكلمة رئيس الهيئة الإداريّة لجمعية التكافل والتضامن
الأسري، يُلقيها نيابةً عنه موسى قدورة موسى؛ نجل مؤسّس الجمعيّة رحمه الله،
الشهيد قدورة موسى.
لا تبدو إستثنائية، تصفق بأجنحة الرماد لحظة ساخرة، حقيبة
مسافرة، وحروف أبجديّة، مَن يشتري لي مدادًا لأكتب للدفلى في ليالي السمر، وكيف
ينام في حديقتي على الغصن المطر، فأنا يا بحر مرهقة من حكايات الوطن.
كلمة رئيسة منتدى الأديبات الفلسطيني (مدى) الشاعرة الشعبية
عائده أبو فرحة:
الضيوف الكرام.. أهلنا في الجليل الغالي..إن قلت لكم أهلا
وسهلا، فهي صادرة من أعماقي، وإن قلت لكم أرحب بكم، فهي صادرة من أعماق أعماقي
وبصدق.. أرحب بكم جميعًا مع حفظ الألقاب والمسمّيات.. الجمهور الكريم.. دمتم بعز
وهناء، ورغد عيش وصفاء.. وبعد.
نجتمع اليوم في هذا اللقاء الأدبي الكبير، لإحياء الذكرى العاشرة
لشاعرتنا الخالدة "فدوى طوقان"، الشاعرة التي تحدّت الظروف، وثارت على
الواقع المرير، لتشقّ الصعاب وتنير الطريق. احتفاءً بهذه المرأة الواعية وتأكيدًا
على رسالتها، جعلنا من ذكراها أنموذجًا للمرأة الفلسطينيّة المبدعة، والتي منها
ومن مسيرتها نحن في منتدى الأديبات الفلسطيني نستلهمُ دربنا ونشحذ الهمم، فكما
يكون للمناسبة قدسيّة، فإن للمكان قدسية أيضا. فمَن سمّى هذا المسرحَ على اسمه،
كان داعمًا كبيرا لنا، فباسم زميلاتي
أعضاء منتدى الأديبات الفلسطيني عامّة، وبالأصالة عن نفسي كرئيسة للمنتدى، نستمطر
شآبيبَ الرحمة على روح فقيدنا الشهيد "قدورة موسى".
وهنا أقول لذوي الشهيد: أنا التلميذ أستاذي/ أهيم بوجهك
الشاذي/ سقت أيديكم هذه/ على ظمأ بساتين/ كلامك كله عبرا/ وتوصي دائما خيرا/ فليس
تفارق الذكرى/ ولا الأيام تنسيني... رحمك الله يا أبا موسى
اسمحوا لي أن أوجه كلمة قصيرة للمرأة الفلسطينيّة.. إنّنا ورغم تقدّم الدستور
الفلسطينيّ، وخاصّة فيما يخصّ المرأة وما ورد في وثيقة الاستقلال عام 1987، ومن
قرارات المجلس التشريعيّ، إلّا أن المجتمع وتحت تأثير العادات والتقاليد البالية،
لا يزال يتجاهل وجودنا ومكانتنا ودورونا، وعلى الرغم من المواقع المتقدمة والحسّاسة
التي شغلناها، وتركنا أثرا وبصمة جليّة في كلّ الميادين، سواء النضاليّة أو العلميّة
أو الأدبيّة، فإنني أحث النساء على المضي قدمًا نحو التعلم والتثقف والتطور،
والمشاركة في ميادين العمل، حتى نكون شركاء حقيقيّين في المجتمع، شركاء حقيقيّين
في التنمية.
الحضور الكريم.. الحديث يطول ويطول ولكن سأختصر وأذكر أن من
أهم أهدافنا كمنتدى:
أولا: تنمية المواهب والإبداع الثقافيّ لدى المرأة
الفلسطينية.
ثانيا: إنشاء مقرّ ثقافيّ خاصّ، يجمع ويوثق الموروث الثقافي
للمبدعات الفلسطينيّات، ويحتضن أعمالهنّ.
ثالثا: تدريب وإعداد المواهب الأدبية للتميّز والانتشار.
رابعا: تأسيس دار نشر ودراسات لإصدار ونشر الأعمال الأدبية.
خامسا: تطوير التبادل الثقافي وطنيا وعالميا.
سادسا: نشر الوعي الثقافي لدى الجيل الصاعد مع الاهتمام بأدب
الأطفال.
سابعا: الحفاظ على هوية الثقافة الوطنية الفلسطينية في وجه
التحديات.
وهنا أوجه ندائي إلى أديباتنا في محافظة جنين، وأنا أعلم أنّ
هناك من هن أعرق وأكفأ منا، وأنّ انتسابهنّ للمنتدى يعتبر قوة له ومنبرا لهنّ.. لتكن
سنة 2014 هي سنة زخم وهُويّة للأديبات الفلسطينيّات، حتى يكون لنا انتشار ومشاركات
في محافظات الوطن والدول العربية، فباب الانتساب مفتوح، ووجودكنّ ضروريٌّ وهام.
الحفل الكريم.. أشكر لكم حضوركم، وأشكر كل من ساهم في إنجاح
هذا اللقاء، وأخصّص شكري للأستاذ "إياد ستيتي" مدير مركز الكمنجاتي، هذا
الفنان الملتزم النصير للمرأة، والذي أبى إلّا أن يُساندنا بحضوره وطلابه المبدعين.
وكذلك نشكر من استقبلونا في الصباح أروع استقبال، (إدارة بيت المسنين) السيد:
"أبو باسل"، له منّا كلّ الاحترام والتقدير على حسن الضيافة. واسمحو لي
أن أشكر أيضًا المناضلة "وفاء العفيف"، التي نعتبرها رمزا من رموزنا في
جنين، على دعمها والجهود التي قامت بها، ولا يفوتني أن أشكر سلفا أهلنا في الأمن
الوطنيّ، الذين ينتظروننا بحفاوة وغبطة وسعادة في قلعة الأحرار في حرش السعادة.
أكرّر شكري لكل من حضر لمناصرتنا، كمرأة تود أن تشق طريقها
وتحتاج لمن يُمكّنها. باسمي وزميلاتي في المنتدى أعود وأرحب بأمّهاتنا وأخواتنا من
الوطن الحبيب أجمل ترحيب، كيف لا وأنتنّ حاملات طيب.
تتابع عريفة الحفل آمال غزال: لن
نختبئ وراء ظلنا، فتاريخنا يُزمجر ببطن السحاب، لأننا ننتمي لرحم أرض مُهجّنةٍ
وسماء، نحمل مفتاح العودة في بُعدنا المبتور بين مكانيين، فتولد كلماتنا على سطر
هائم بالأمل، من نصفنا المترامي على حاجز الانتظار لالتئام الجسد، تطلّ علينا
الشاعرة المميّزة آمال عواد رضوان، كممثّلة للوفد الجليلي.
جاء في كلمة آمال عوّاد رضوان: قبل
عام ونصف بالتمام، قمنا بتأسيس منتدى الأديبات الفلسطيني بحثّ من المرحوم قدورة
موسى، وذلك قبل رحيله بأسبوعيْن، وقد حمّلنا هذه المؤسسة أحلامنا وآمالنا، من أجل
جمع شقّي الوطن لحمة وثقافة، لكن الموت بادر اليه سريعًا، وتجمدت أحلام المنتدى
قبل الولادة، وها اليوم نباشر تحقيق وتنفيذ أحلامنا في خطوة أولى على درب تنشيط
الثقافة، فنحيي ذكرى كليهما، الشهيد المرحوم قدورة موسى محافظ جنين الأسبق،
والشاعرة فدوى طوقان سنديانة الوطن.. مطوّبٌ تذكارهما إلى أبد الآبدين.
اليوم نحتفي بالذكرى
العاشرة لفدوى طوقان، من عشقت الحياة على أرض بلدها وغنّت تقول:
كفاني أموت على أرضها/ وأدفن فيها/ وتحت ثراها أذوب وأفنى/
وأُبعث عشبًا على أرضها/ وأُبعث زهرة/ تعبث بها كف طفلٍ نمّته بلادي/ كفاني أظلّ
بحضن بلادي/ ترابا وعشبّا وزهرة!
وأقول لفدوى: فدوى.. أيا فُلّة برّيّة/
فاحَ بياضُ أنفاسِها دهشةً عُذريّة/ لِم صَحا العتمُ باكرًا/ لِمْ غافلَكِ..
يُقلّمُ أحلامَكِ الورديّة؟
أيا راهبةَ الحرفِ/ يا مَن هِمتِ بالحزنِ/ تُعطّرينَ قضبانَ
الليلِ بمآتي فجرٍ مُقدّس/ في صومعةِ الحُبّ تنسّكتِ/ تُناغينَ سِرَّ الأزرقِ..
وفُلَّ القلبِ تذرفين/ يا الطّوْقانيّة/ همْسُكِ المُجَنّحُ.. باتَ يَهيبُ
بمَواكبِ العدالةِ/ وما انفكَّ.. في ذاكَ البُعدِ المُرتعِشِ/ يُذيبُ ضبابًا
تكلّسَ..
يناجي آفاقَ الحواسِّ خافرًا:/ هذا الزمانُ مسرحُ شقاءٍ..
يَعصفُني في أبديةِ المَجهولِ/ أنّى يتجاسرُ على ضَلالِهِ/ في غفلةٍ مِن وحشةِ
وطني؟
أيا الفدوى/ دموعُكِ.. أزهرَتْ مُروجَ حنين/ بقواريرِ
العطرِ.. كثفها الوجعُ/ حتى غدوْتِ زينةَ وطنٍ/ ما جفّفَ نسغَهُ.. ماءٌ مُمَلّحُ../
بينَ المَدِّ والجزرِ.. تشامخْتِ/ كملائكةِ البحرِ.. تعنقتِ/ وتأنقتِ.. كزهرةٍ
عمّدها البياضُ.. وأبدًا.. أبيْتِ الانحناء!
وتتابع العريفة آمال غزال: على
أبواب يافا يا أحبائي، وفي فوضى حطام الدور، بين الردم والشوك وقفت وقلت للعينين:
يا عينين قفا نبك، على أطلال من رحلوا، وفاتوها تنادي من بناها الدار. أميرة
المطر، عنوان فيلم وثائقيّ أعدّته الطبيبة الأديبة د. عبلة الفاري، رئيسة المجلس
الاستشاريّ الثقافيّ.
جاء في كلمة د. عبلة الفاري قبل عرض الفيلم الوثائقي:
يحمل الفيلم الوثائقي القصير عنوان "أميرة المطر"، في إشارة واضحة إلى
ميلاد وموت الشاعرة فدوى طوقان في فصل الشتاء، إضافة لتعلّقها الشديد بالمطر؛
(لماذا يغلف قلبي الأسى في ليالي المطر).
الفيلم عبارة عن رؤيا بصريّة لفنّ السرد في القصّة القصيرة،
من خلال توظيف التصوير الضوئيّ، ومقاطع الموسيقى والمؤثرات، لخدمة الفنّ القصصيّ، لعرض
سيرة الشاعرة فدوى طوقان بطريقة فنيّة مميّزة،
وقد تمّ التصوير في غرفة فدوى، أي مسقط رأسها في خان التجار، في البلدة القديمة في
نابلس، وفي ديوان آل طوقان، وكذلك مِصبنة عبد الفتاح طوقان والد فدوى، والأماكن
التي تردّدت إليها الشاعرة، وكذلك الضريح المشترك للشاعرة وأخيها إبراهيم،
بالإضافة إلى العديد من المواقع الجميلة في بلادنا مثل: القدس، حيفا، عكا، مكتبة
بلديّة جنين، محميّة العمرة الطبيعيّة، ومرج
ابن عامر، وغير ذلك من الصور الجميلة لأماكن مختلفة.
يتحدّث الفيلم عن مولد فدوى ونشأتها ورحيلها، وعلاقتها
بعائلتها، وثقافتها وتعليمها، وأهمّ محطات حياتها، والمصاعب التي واجهتها،
والمواضيع التي كتبت فيها مختلف القصائد، والسيرة الذاتيّة. المدّة الزمنيّة للفيلم
سبع دقائق، فيه تكثيف معلومات، وتسليط الضوء على جوانب معيّنة لم يلتفت لها
الكثيرون، ومثال ذلك تقديس فدوى طوقان
للصداقة، حيث صورة صديقتها المسجّاة في غرفة فدوى، بين ركام الغبار وأعشاش العناكب
(سلمى الجيوسي)، وكذلك وصية فدوى، حيث تظهر صور القبر الجماعيّ، الذي يضمّ ثراها
وأخيها إبراهيم بمكان واحد، وغير ذلك من المواضيع.
النصوص الأدبيّة للكاتبة د.عبلة الفاري، وكذلك التصور
الفوتوغرافي ومشاهد الفيديو، بالإضافة للصوت، والقراءات الشعريّة لبعض قصائد فدوى،
والإعداد والتقديم والمونتاج للفيلم، أمّا الموسيقى فهي تراث فلسطينيّ، مُرفق
صورة تظهر فريق التصوير أمام مدخل بيت
فدوى طوقان، وهو المشهد الأخير بالفيلم.
من لجنة ديوان عائلة آل طوقان: حسام وخالد طوقان، والشاعرة
ليلى طوقان، والكاتب محمّد حسن أبو بكر، والأستاذ بجامعة القدس فيصل الفاري.
تتابع العريفة آمال غزال: رحلت
سنديانة فلسطين، بعدما أعلنت بأشعارها وتمرد قوافيها ولادة جديدة للموت، فحملتنا
على أجنحة كلماتها، لنصل كلّ المدن الفلسطينيّة، وتنتحر المسافات بين الأرض
والسماء، لتزرع بذور الحُبّ، فتُعرّش في كلّ الدنيا أشجارًا، كيف يكون الوقت لي، وأنا
المصلوبة على نخيل الانتظار، كيف يكون الوقت لي/ وأنا الفاردة أجنحتي لألمس شذرات
الفضاء المُحلّق بالأمل/ فيعاكسني التيار/ كيف وذاكرتي تتسلق جسور الحرف المرصوف
بالتمني/ الموصلني كي أصيرنا أنا/ أنا القدس.
جاء في كلمة الأديبة سعاد قرمان:
مَن رأى زهرةَ المواهب تزهو/ وهزارًا شدا ببوحٍ الحبيبِ/ من
رأى قلبها الحزينَ المُعنّى/ يَنشرُ البِشرَ في الفضاءِ الرحيبِ/ هي فدوى تكسو
الوجودَ جَمالًا/ وحنينًا للحبِّ رغم الخطوبِ/ هي فدوى فيها الفداءُ تجلّى/ بصمودٍ
يجتاحُ أعتى الدروبِ/ قاومت ظُلمَها بقلبٍ صبورٍ/ وتحدّت قيدَ الحريم الرهيب/ وسعت
تنهل المعارف ظمآى/ لحياةِ الأحرارِ.. سعيَ الأريبِ/ حيث تخطو ينداحُ طيبُ خطاها/
حيث ترنو تأسو جراح القلوبِ/ غنّت الشعر فانتشى الكونُ سحرًا/ باكتمالِ الرؤى
وحلوِ النسيبِ/ شيّدت للنضال مجدًا وأحيت/ في قلوب الأجيالِ وهجَ اللهيبِ/ فانعمي
بالخلود يا أختَ روحي/ واستريحي يا عندليبَ السهوبِ/ لستُ أرثيك بل أُصبّرُ نفسي/
قد يُعزي الوجدانَ بوْحُ الطيوبِ/ كنتِ شمسًا من العطاءِ تجلّت/ لا يُضيرُ الشموسَ
وقتُ المغيبِ/ بِنتِ فدوى فلا أقولُ وداعًا/ بل فراقًا...إلى لقاءٍ قريبِ !
إلى فدوى: عشر سنواتٍ على رحيلك يا حبيبة.. وكنتِ الأخت التي
ترتاح روحي لحديثها كلما أُتيحت لي فرصة زيارتها، فإذا صمتت يغمر صمتها وهدوؤها
الجو عمقًا وحنانا! فدوى، الفراشة التي طالما رفرفت بأجنحتها الملونة في عوالم من
السحر والجمال! فراشة أفلتت من قيود مجتمع كاد يخنقها منذ طفولتها، ويمنع عن روحها
الانطلاق، فطارت على أجنحةٍ من الشعر المرهف، الذي جاب العالمَ يحمل صدى روحها حبُّا
للوطن، حُبًّا للإنسانيّة، وحُبًّا للكرامة والحريّة والجمال.. شعرًا صادقًا صريحًا
ناجت عبره أحِبّتها، وتغنّت بجَمالِ الطبيعة رغم وحدتها التي نلمسها في دواوينها، والتي
بدأت بديوان "وحدي مع الأيام"، حيث تقول ص50: بي ألفُ إحساسٍ يحرقني
متدافع التيارِ دفاقِ.
وتستمر ص51: نفسي موزّعةٌ معذّبةٌ بحنينها بغموض لهفتها/
شوقٌ إلى المجهول يدفعها/ متقحّمًا جدران عزلتها/ وتنطلق في قصيدة "مع
المروج"/ هي يا مروج السفح مثلك/ إنها بنت الجبال/ جرزيم روّى قلبها وسقاهُ من خمر الخيال/ روحًا تفتّحُ
للطبيعةِ/ للطلاقةِ للجمال.
وتفجع بموت أخيها إبراهيم الذي أخذ بيدها وفتح أمامها آفاق
العلم والشعر والحرية، فتقول: آه يا قبر هنا كم طاف روحي/ هائمًا حولك كالطير
الذبيحِ/ أوَ ما أبصرته دامي الجروحِ/ يتنزّى فرطَ تبريحٍ ويأسِ/ مُرهقًا ممّا
يُعنّيهِ الحنين
وتنطلق في عالم الشعر والنضال، ويتفتح قلبها للحب والحياة
فتنادي في ديوان"وجدتها" ص80-81: نادني من آخر الدنيا أُلبّي/ كلُّ دربٍ
لك يُفضي فهو دربي/ يا حبيبي أنت تحيا لتنادي/ يا حبيبي أنا أحيا لألبّي/ صوت حبّي/
أنت حبّي/ أنت دنيا ملء قلبي/ كلّما ناديتني جئتُ إليك/ بكنوزي كلّها مُلك يديك/
بينابيعي بأثماري بخصبي/ ياحبيبي
هذه فدوى الرائعة التي وحدها حطمت قيودَ مجتمع ظالم، فانحنى
العالم لها إجلالًا، ومنحها جوائز عدة من البلدان العربية والأوروبيّة، وتقديرًا
من كلّ المحافل الأدبيّة الراقية. وأخيرًا جاء تكريم وطنها، فقبل وفاتها بسبع سنين
مُنحت جائزة فلسطين للشعر، وبعدها بعام كرّمتها جامعة النجاح الوطنيّة في نابلس،
بمنحها درجة الدكتوراة الفخريّة في حفلٍ تحدّث فيه مُحبّوها وأبناؤها في الوطن،
تعبيرًا عمّا أثارته مسيرتها الوطنيّة والشعرية في وجدان أبناء جيلها، من عزة
وكبرياء وجمال ورواء.
وقبيل وفاتها، عام 2003 أُطلق اسمُها على مدرسة إبتدائيّة
للبنات في نابلس، وطُلب إليها كتابة نشيد الصباح لتنشده الطالبات قبل الدخول الى
الصفوف، وفعلت! حدثتني بصوتها الرقيق عبر الهاتف عن هذا الأمر وكلّها انفعال
وسعادة! وفرحت لها، فليس أجمل من أن يُكَرّم المرء في بلده ومن بنات جنسه، وكانت
هي من كتبت نشيد جامعة النجاح الرسمي قبل ذلك بسنين.
تتابع العريفة آمال غزال:
سأسكن أحلامكم/ فقد أعلنت سقوط رمش النوم من جفن الأجل/ وحرمت جلدي على ثيابكم
الرثة/ بعدما هجرتها رائحة النخوة/ فما قيمة الدم المنبعث في أصابع الوقت الصماء/
وأيدي من سراب/ تناجي صرير أبواب الهزيمة/ فمتى نقاتل؟؟ تقول القدس
أهمس لقافلة الهزيع الأخير/ برئة غزالة ضالة/ أنادي صحراء
العروبة الصماء/ وهمهمة الصبح الراحلة/ خلف سفح آخر الأنفاس/ من يسمعني/ من ينقذني
من حبال حزني ورغوة جنوني/ فما زلت أنادي.. أنادي/ أين أحفاد صلاح الدين/ أين صلاح
الدين.
الأديبة القاصّة السيدة فاطمة دياب:
عفوًا شاعرة الوطن والغربة.. لا وقت لدينا للكلمة، لا وقت للحروف، لا وقت لشعر أو
شعور، لا وقت لأي شيء. يومَ رحيلك توقفت الأرض عن الدوران، وحبس الشرق أنفاسه..
تنفس الغرب الصعداء، ولا وقت لنعيك، ولا وقت لعزاء.. خبر الرحيل تراجَعَ لخبرٍ
عابرٍ في نهاية نشرة؟ والخبر العاجل يَطغى على كلّ الأخبار الأخرى، فاليلية ليلة
القبض على الأسطورة التي صنعوها، وما زالوا يصنعون دمى أخرى من وجعنا، من جرحنا ومن
كلّ شريان فينا.. يتلهّون ويمزقون، وألف دمية تصطفّ بالدوْر. لا يقرؤون التاريخ جيّدا،
ولا هم يحزنون.
فدوى يا ذات الجرح النازف، لست أعرف كم مبدعًا ما بين مساحات
الدمى سار وراء نعش الكلمة، مشيّعا غربتك واغترابك؟ فدوى يا ذات الخيوط التي
تجمعنا ما بين الاختزال والاعتزال، وشراهة القتل والاعتقال، هل بعد شاعرتي في واقع
(الزفت الأزفت من الزفت) ما يُقال؟ ترجّل الفارس فدوى غير آسف ولا نادم، وفوق
الأرض حوافر الحصان، وفي الفضاء حبّات مطر تدقّ على أبوابنا، وزخات من رصاص يغتال
بقية من بقية وجودنا. لا بأس عزيزتي.. لم نزل (أمام الباب المغلق) نرسم الوجع
بحروفنا، في (رحلة جبلية صعبة)، و(الرحلة الأصعب) تعزف اللحن الأخير، على بوابات
الرحيل.
فدوى.. شرقي انتحارنا، شرقي تفجُّرنا.. وراءك ووراءنا.. (شوط
طويل المدى، سُفحت عليه سنين العمر، وكم فلسفتك حياة تمرُّ على جانبيها بحلو ومُرّ..
ذوت عنك وجه بشاشتها، وأوْلتك وجهًا لها مُكفهرّ.. خبرتِ تناقض حالاتها ولم تدركي
كنهَها المستتر، وقد حان أن تستريحي، وتُلقي عن المنكبين غبارَ السفر، فحسبُكِ أنّك
لم تُهزمي، ولا حطّمتك سهامُ القدَر).
فدوى.. ما بين القبول والرفض طفلة الى هذه الدنيا جئتِ، وموعد
ميلاد مجهول تُسجّله طبخة العكوب، بقِدر يفورُ ويغلي. نعم طفلة كنت بأحلام صغيرة،
أن تكون لها دمية كما لابنة عمّها شهيرة.
إبراهيم يا الطوقانيّ المعروف، ألستُ أنا أختك من لحمك ودمك؟
إبراهيم أخي القادم من بيروت العاصمة، فُكّ قيدي، حرّرني أخي، حكايتي صغيرة جدّا،
حكاية فُلّة. نعم ورَبّكَ لم تكن غير فُلّة من ابن الجيران. لا سلام ولا كلام، فقط
فلة، ووثبة قلب لم يزل صغير على الحب. هذه جنايتي وخطيئتي، أن أُسجَن من أجل فلة،
ويحكم السيد والأسياد. لن تخرجي من البيت إلّا إلى القبر! أرأيت أخي؟ حرّرني
إبراهيم من الأسر. إن كان لا بدّ من الموت والقبر، تعالَيْ فدوى أعلمك الانتحار
على مذبح الشعر.
فدوى عزيزتي.. والمشوار طويل طويل، نكتبك في ضمائرنا حكايةَ
شاعرة عصامية. ونُعلّم أجيالنا كيف تولد من أرحامنا في هذا الوطن شاعرة. فدوى..
(ما زلنا في غرف التخدير ننام، والعام يمرّ وراء العام، والأرض تميد بنا، والسقف يهيل
ركامًا فوق ركام، والكذب يُغطينا من قمّة هاماتنا حتى الأقدام)، وبعد العام يجرّ
العام، ولم نزل معك نرنو (أن يصيرَ الحبُّ هو الدنيا، أن يصيرَ الحبُّ هو الرؤيا،
أن يصيرَ الحبُّ هو الدرب)، كي لا نظلَّ في هذا الزمن مجرّدَ كذبة كبرى.
تتابع عريفة الحفل آمال غزال:
تعانقت المسافات، حالة عشق كونية، عشقت الأرض سماءَها، وتنفس الصبح برئات المساء،
عبقت الدنيا برائحة أوّل الشتاء، أرخت الأرض جدائلها لتستحم بِرِيق السماء، وانتظرت
قطرة ماء نقية، قبل أن تلامس الأرصفة.
وطني.. منيت أن أكون فجرك الشهي البهيّ، نهارك النديّ،
أسواقك الثملة، مقاهيك الحبلى، حاراتك القديمة، أزقتك الضيقة، والياسمين المُعرّش
على جدرانك، تمنيت أن أكون الدهر كي أخلّدك. لا تسقني كأس حنظل من أردان الحقيقة،
دعني أبحث عن طفلي وأشيائي، عن حقيبتي وأشلائي، وراء العاصفة وفي سويداء قلب
عاصمتي، لماذا لم آتِ إليك؟ لماذا أتيت إليك، كي ألمس خيوط القنب في وحدة نهارك.
نجترح أحزاننا بمرارة الولوج إلى الكلمات المُحولة سرّا، على
أكفّ الغياب، علنًا نقترب ممّا ينتظرنا خلف أبواب الشعور، سنلبس الكلمات معانٍ
جديدة، لنتسلل بحسّيّة الفكرة، ونرحل معها إلى طرقنا المُعبّدة للغيم، نحن.. مَن
نحن؟ أبقايا ثوان متعثرة على لوحة الوقت، أم سباق بين خيول الروح والجسد؟ متى
سنحتفي بجفاف الريح؟ هل لنا ما للوجع من صوت، وما للنشيج من سماء؟ إذن؛ سأمنح للصمت
حبكة الكلام، بانتظار موعد يتكرّر.
الزمان ينتظر الزمان مُعاتبًا، لماذا تأخر القطار، وقافلة
العودة، ومفتاح معلق ينتظر، يحنّ إلى باب وسُكّرة، ستّون عامًا ونيف، وعتبة بيتنا
تحنّ لرمل أقدامنا، ستّون عامًا ونيف، والدمع يغسل وجنتي الأرض الطهورة بالمُنى
ويرحل. تحلّقُ أعيننا خلف الأسوار، تلتحف أجسادنا ورق البرتقال الحزين، ننظر إلى
حيفا.. إلى عكا، ونهتف بملءِ الحلم، راجعين لك يا دار، راجعين لِك يا دار.
ونبقى مع الفنان إياد إستيتي وهذه الوصلة الموسيقيّة،
والزجالة عايدة أبو فرحة بزجليتها سقى الله- التراثيّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق