2014/01/20

قراءة في ديوان (وجع روحي) للشاعر كريم راضي العماري بقلم: نجم عبد خليفة

قراءة في ديوان (وجع روحي) للشاعر كريم راضي العماري
 نجم عبد خليفة 
 من المستحيل ان تتوقف ينابيع الشعر المتدفقة عند الشاعر كريم راضي العماري والاستنتاج الراهن يشير الى ان هذه الينابيع سوف تستمر في تدفقها الى ماشاء الشعر. فالشعرقدر ذلك الشاعر العماري المتوقد الشعرية يخيره الالهام اشعاره فينتقي منها مايشاء ‘فهو حلقة ممتلئة من الشعر لايعرف طرفاها بدايه ونهايه يتحرك في مناخات مفعمة باصوات رهيفه لاتكف عن البوح والحنين ‘نجده تارة يغسل احزان الكلمات ويطفئ عطش اشواقها وتارة يختزنها وجعا روحيا شجيا يعزف الحان الحزن والفرح ويكتب صلوات العذاب والمتعة ويفتح في احيانا اخرى نوافذ القلب لاسراب من الذكريات بعضها يعود الى الاقاصي البعيدة من سنوات العمر وبعضها الاخر ينتمي الى الزمن الراهن . اقتصر ديوانه التاسع هذة المرة قصائدا مقتضبة تختزن الفكرة والمضمون تدور ضمن مناخا شعريا بعبارات مدببة واخزة مليئة بالصور الشعرية والاستعارات بعيدة عن السرد والتقريرية وهذا من مقتضيات حركة الادب وحداثتة ومتطلبات الذائقة في هذا الظرف . ومن تتبع القصائد ومضامينها نجد انها بنيت على تجربة ذاتية بعيدة عن التصنع والاستعارة فهي تتشكل نتيجة اشراق اللحظة الراهنة والانفعال الآني الذي يعطي للقصائد طاقتها وعنفوانها فنجد حميمية الحوار واستلهام الذروة التعبيرية عبر منظومة من الكلمات والمقاطع الشعرية في تشخيص الفعل الشعري لاصابة قلب المعنى : ردت ارسم عيونك مالكيت عيون لان انته ملاك ابجسم احله انسان وردت ارسم عيونك كلت خاف يطيح من وجه السمه الميزان عشر اسنين ادرس بالرسم حته ارسم عيونك لان مو سهله ارسم بالقلم بركان نجد عند تصفح الديوان ان هناك ملمحا واضحا متجليا استثنائي في استخدام اللغة وفي التعامل مع جوهر المواضيع نستطيع ان نضعه ضمن شعراء الموجة الحديثة للقصيدة بالرغم من انه من اؤلئك الذين يواصلون اصرارهم على اعطاء القصيدة تجلياتها وجمالياتها الفنية ففي قصيدة (شلون ما انقهر ) نجد استدعاء بارع للمفردة الرشيقة والمعبرة من خلال معجم شعري واضح الدلالة : اتراب الارض لو عطش يتنظر غيمة مطر واني انتظرتك عمر وغيري برضابك فطر كالولي لا تنقهر شلون ماانقهر شلال اني صرت وسويتك اجمل نهر الشاعر يصغي الى الشعر كما يصغي الى حنين روحه والى اشواق احلامه الوالهه ممسكا بخيوط النص مانحا اياه قدرات معرفيه ودلالات لاستحضار ذاكرة الامكنه وخيالات الايام وناقلا احساسه وما يعانيه من هم عبر معاني الكلمات واستعاراتها وموارد التشكيل الصوري فيها ففي قصيدة (هلي والغربه) تتجلى صرخات الشاعر عبر سفر صوفي وشجنا مضن : هلي .. هلي .. هلي هلي اصرخ ولا واحد يحاجيني انا محتاجكم وانتو نظر عيني اسمعوني عليكم قبة الكرار اسمعوني عليكم قبة النعمان انا محتاج امي البرد ياذيني هلي مافكرت فد يوم اعوف جروف شطيني واعيش بنص ثلج عطشان وكل يوم اليمر تيبس شراييني كل النصوص تمر -كما اسلفنا- عبر نافذة الايجاز والقصر وهي من متطلبات المشهد الثقافي الآني الذي يبتعد عن الاسهاب والاطالة والسرد الخطابي وتجد القصيدة طريقها الى المتلقي بيسر وهدوء فنجد قصائد العماري لها بصمتها المميزة والنفس الشعري الذي يستطيع المتلقي ان يميزه من بين العديد من الاصوات الشعرية فهي قصائد لا يمكن اقتلاعها من ارضها وغرسها في ارض اخرى فهي (عماريات) كريم راضي العماري . الشاعر الذي يعتبر نسيج وحده من بين عشرات الشعراء فقد استطاع ان يتناغم مع صيحات الحداثه عارفا -باحساس عميق - بأهمية ان يبقى الشعر شعرا تحت كل الظروف والاحوال ولانه شاعرا مفرطا بالبهجة الرومانسية الا ان بعض قصائد الديوان عليها مسحة الحزن والانكسار والشكوى فنجد في قصيدة (الحياة) ارتدادا نحو المصير النهائي للانسان ليجده ربما هو الملاذ الآمن عن طريق نكران مأسي الحاضر وعقوق الزمان مبتدءا بأستفهام استنكاري تعجبي ليؤكد انسحابا واضحا من الحياة : شجاهه الناس وتغير زمنهه اونست خطار احنه وباجر نموت وما ناخذ فقط بس قطعة اقماش ورخيصه هواي مايسوه ثمنهه شجاه الاب نكر اولاده العزاز وشجاهه الام نست ضحكات ابنهه حرامات البشر لجل الملذات بدراهم للعدو باعت وطنهه تتباين قصائد الديوان تبعا لاغراض الشعر منها الغزل والشكوى والوطنية والاخوانيات (كالقصيدة المهداة الى الشاعر الاحوازي فاضل الاحوازي) وكذلك الرثاء في مرثيته الى الشاعر الكبير كاظم اسماعيل الكاطع بمناسبة اربعينيته , وهذة القصيدة جديرة بالوقوف عندها فقد استطاع الشاعر ان يبث فيها من روحه الشي الكثير فهي تنز بالشجن وتحتقن بالآسى , استحضر فيها الشاعر جميع مكامن التعبير ودلالات الفراق في منظومة صورية صادقة من الاستعارات والكنايات التي تتخذ من رمزية الموت وموضوعاته متنفسا لوجدا حميمي عبر نداء الروح وضوء الفانوس : مثل ما ينده المحبوب محبوبه سمعتك تنده بروحي وفزيت وكلتلك ها وشفت ارسومنه بعينك ضوه الفانوس وتراب الوكت غطاه علمني حبيبي شلون وجهك انه راح انساه يلوجهك اهلال ملثم بغترة حزنه اعليك يمعلم الاطفال شلون ترسم عيد وامعلم الابن ما ينكر الرباه في اجواء الحداثه وضمن مقتضياتها وكونها من ادوات الشاعر العماري فقط طرق باب الومضة الشعرية باعتبارها اختزالا للمعنى في الصورة بأقل عدد من الكلمات فهي تتسلل الى قلب المتلقي بشفافية ومباشرة محاولا بذلك الابتعاد عن الاسهاب والسرد المطول والعمل على توسيع دائرة المتلقي واعادة الجمهور النافر والمبتعد الذي سأم الجداريات الشعرية والمطولات ,فقصيدة الومضة تشف عن جرأة واضحة في التعامل مع الاحداث اليومية بوصفها الحاضر المحتشد فهي تجربة تستجيب لحالة مجتمع مشغول بهمومه الكثار الذي وجد ضالته في قصيدة الومضة التي من شأنها الا تاخذ من وقته ووقت القارئ سوى القليل وسوف نقرأ بعض هذة الومضات : حرام اعليك ما مريت واعدائك اجو بالعيد زاروني انطيتك عيوني بزمن شوفك ضاع ليش تزور غيري وتعمي عيوني المناخ الشعري الذي يحيط بالقصيدة بالاضافة الى الصورة الشعرية والاستعارية وكذلك العبارة المكثفة اعطت لقصيدة الومضة مبررات وجودها الزاخر بالشعر والدلالة والابتعاد عن التبذير اللفظي والسرد الخطابي , وفي الومضة الاتية يكمن هو الاخر المعنى الشعري الموجز والمقتضب متوهجا بزيت الفكرة حتى يعطي رحيق معناها دون شوائب او ترهل او كنبضات برقية حادة تعطي مدلولها وحرفيتها باقصر جملة : لتعايدني لو مر عليك العيد انصحك عايد امك تدخل الجنه امتازت قصائد الديوان بتنوع الاغراض وضمن بنيه موضوعية تطرق فيها الى المرأة بكافة ادوارها في قصائد عديدة (الى ام عراقية , عيون جميلة جدا ,نصيحة الى امرأة عراقية ,علمني , الدمعة ,وكذلك مرثياته وقصيدة العراق وقصائد الومضة ... الخ ) فكان هذا الاتجاة الانساني هو السائد والمعبء لمناخات النصوص. اما على صعيد البنية اللغوية استخدم العماري الالفاظ والمفردات والدلالات التي تندرج ضمن ما يتطلبه مقتضى الحال فقد اختلف معجمه الشعري حسب تنوع الاغراض التي بدورها يتنوع التعبير ومع هذا فان اسلوبية قصائدة تميل الى استخدام اللغة البسيطة الواضحة التي هي لغة الحوار اليومي بعيدا عن الغموض والتقعر او استعمال الالفاظ القاموسية المبهمة . اما بنية الصورة فقد تعددت اساليبها - كما هو الحال في البناء الصوري- عبر منظومات التشكيل كاستخدام الرمز والتشبيه وتبادل المدركات والتجنيس والتشخيص وغيرها وكذلك الايقاعات التي وازن الشاعر فيها بين مضمون القصيدة والوزن الشعري فلكل وزن مقتضياته ضمن عنفوان الفكرة وسموها فالايقاع الشعري بموسيقاه الداخلية وموسيقى الاطار تتناغمان وتتمازجان مع المضمون في خلق وحدة انفعاليه مؤثرة

ليست هناك تعليقات: