2014/01/22

((المشروع الثقافي التكاملي لعراق بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013)) بقلم: رعد الدخيلي



((المشروع الثقافي التكاملي لعراق بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013))

رعد الدخيلي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثقافة كلمة عريقة في اللغة العربية أصلا، فهي تعني صقل النفس والمنطق و الفطنة، وفي القاموس المحيط: ثقف ثقفا وثقافة، صار حاذقا خفيفا فطنا، وثقفه تثقيفا سوّاه، وهي تعني تثقيف الرمح، أي تسويته وتقويمه . واستعملت الثقافة في العصر الحديث للدلالة على الرقي الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات. والثقافة ليست مجموعة من الأفكار فحسب، ولكنها نظرية في السلوك بما يرسم طريق الحياة إجمالا، وبما يتمثل فيه الطابع العام الذي ينطبع عليه شعب من الشعوب، وهي الوجوه المميزة لمقومات الأمة التي تميز بها عن غيرها من الجماعات بما تقوم به من العقائد والقيم واللغة والمبادئ، والسلوك والمقدسات والقوانين والتجارب. وفي الجملة فإن الثقافة هي الكل المركب الذي يتضمن المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والعادات.
فإنه يمكن استخدام كلمة "ثقافة" في التعبير عن أحد المعاني الثلاثة الأساسية التالية :
1ـ التذوق المتميز للفنون الجميلة والعلوم الإنسانية، وهو ما يعرف أيضا بالثقافة عالية المستوى.
2ـ نمط متكامل من المعرفة البشرية، والاعتقاد، والسلوك الذي يعتمد على القدرة على التفكير الرمزي والتعلم الاجتماعي.
3ـ مجموعة من الاتجاهات المشتركة، والقيم، والأهداف، والممارسات التي تميز مؤسسة أو منظمة أو جماعة ما.
والحالة هذه ؛ فنحن إزاء المحددات الثقافية الآنفه : ـ
لأجل تقويم وتحسين الذوق الاجتماعي العام ،وتكامل الأنماط الثقافية المتعددة ، وتأثيرها على سلوك الفرد والمجتمع، لابد لجهات واتجاهات مشتركة ذات أداء متناسق فيما بينها، تأخذ على مسؤوليتها مهمة مراقبة الذوق الثقافي الاجتماعي العام في الأجواء التالية :
1/ الأسرة
2/ المدرسة
3/ الجامعة
4/ الدوائر الحكومية
5/ القطاع الخاص
1: الأسرة :ـ ولكي يتم تقويم المستويات الثقافية للمجتمع ، لابد من أن تسعى جهات معينة إلى إجراء مسح ثقافي مجتمعي على الأسر الريفية والمدينية ، من خلال توجيه فرق إحصائية تتولى استبيان الاستمارات المعدّة سلفاً للدراسة التي يقصدها المسح الثقافي المجتمعي للأسر العراقية..باعتبارها اللبنة الأولى لتكوين المجتمع، وكما يلي :
أ/ تأثير البرامج التلفزيونية
ب/ تأثير البرامج الإذاعية
ج/ تأثير الصحف اليومية
2: المدرسة :ـ يتم إجراء المسح الثقافي الإحصائي الميداني على تلاميذ المدارس الابتدائية والثانويات العراقية.. في الريف والمدينة، وتدارس نتائج المسح الإحصائي من خلال تحليل النتائج والبيانات الإحصائية، وذلك بمراعاة ما يلي :
أ/ مدى الاستفادة من المناهج الدراسية، ومدى تأثيرها على الثقافة العامة ، وتحسين وتهذيب الذوق العام للتلميذ
ب/ مدى حاجة التلاميذ إلى الإذاعة المدرسية
ج/ مدى استفادة التلاميذ من البرامج التلفزيونية التربوية التعليمية
3: الجامعة :ـ
أ / تأثير المناهج الدراسية : إذ يتم إجراء مسح ثقافي واسع على الجامعات العراقية .. الحكومية والأهلية ، لأجل الوصول إلى الحقيقة التأثيرية لطبيعة المناهج العلمية المعتمدة في البرامج الدراسية للمراحل الدراسية كافة .. البكالوريوس، الدبلوم العالي، الماجستير والدكتوراه.
ب/ تأثير الأساتذة : إذ يلعب الأستاذ دوراً فاعلاً في العملية التعليمية ، من خلال نظرية المرسل والمتلقي ، والمؤثر والمتأثر، فالأستاذ الجامعي أمام مسؤوليتين وظيفيتين ، هما :ـ
1/ إكمال المنهج المقرر
2/ إيصال المنهج المقرر إلى ذهن الطالب
مع ضرورة مراعاة مسؤولية مهمة ـ ذاتية ـ ثالثة ، ألا وهي ...
3/ تأثير الأستاذ الجامعي على طريقة تفكير الطالب ، وتعامله مع العلم المطروح على ذهنه ، بصيغة الاستفادة من المعلومة ، وليس بصيغة التعلم لأجل النجاة من الرسوب بالمادة المنهجية ، حيث أوضحت النظريات التربوية في التعليم والتعلم ، أنَّ الهدف من العملية التعليمية هي تحريك الخلايا النائمة في الدماغ البشري ، وترويض مكامن الخمول فيها وتنشيطها لأجل استيعاب المعلومة العلمية ، والتفاعل مع القناعة العلمية الذهنية بضرورة تحويلها إلى مفاهيم علمية ، قابلة على التحوّل إلى سلوك عقلي بعد التخرّج من الجامعة ، وتوظيف المعلـومات النظرية إلى أعمال تنفيذية منتجة .
4: الدوائر الحكومية :ـ من المعروف أن َّ الدوائر الحكومية تتكون من كم هائل من أفراد المجتمع ، الآتين إليها من مصادر تخريج مختلف المستويات ، فعمال التنظيف ليسوا بالضرورة أن يكون ذوي تحصيل دراسي مرموق، والموظفون الصغار غير الموظفين من الدرجات الوظيفية الأعلى ..وهكذا ، الحال الذي يتطلب مسحاً ثقافياً إحصائياً على هذه العينات الاجتماعية ، في مجتمعات الدوائر الحكومية ، ومدى تأثرها كأفراد بالمجموع، ومدى تأثر المجموع بالأفراد كمدراء عامين أو مدراء أقسام ، حيث يؤثر المدراء تأثيراً كبيراً على شخصيات المرؤوسين، مثلما يتأثرون هم أيضاً بالمرؤوسين ، ومنها الضغوط المتباينة والإلحاح المتكرر لبعض الموظفين ، وهذا السلوك يحدث في أحيانٍ كثيرة تغيراً واضحاً لرؤساء الدوائر الحكومية .
5: القطاع الخاص :ـ لا يختلف القطاع الخاص عن القطاع الحكومي في موضوعة التباينات في المستويات الثقافية والعلمية لدى العاملين في هذا القطاع، فربُّ العمل إنسان يخضع لمؤثرات الواقع الاجتماعي العام ، وهو عنصر مؤثر ومتأثر في المجتمع،لا تلزم العاملين معه ضوابط وظيفية ، التي هي في القطاع الحكومي، ولكن العاملين معه رهينون بالأجر الذي يرضي حاجاتهم المعيشية التي تتلاءم مع الجهد الذي يبذلونه في الإنتاج ، وهم أحرار أكثر من موظفي الدولة بصفة إمكانية الانفلات عن الخضوع لسطوة ربّ العمل الذي يتقاطع مع رضائهم عن طبيعة العمل.
تبيّن المتناولات آنفة الذكر،أنَّ هنالك حاجة مؤكدة لإجراء مسح ثقافي إحصائي لمختلف قطاعات المجتمعات العراقية ،وما لهذه من علاقة وثيقة .. مترابطة ومتكاملة مع بعضها ، وهي مسؤولية الجهات الحكومية الآتية :ـ

1ـ وزارة الثقافة والإعلام
2ـ وزارة التربية
3ـ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
4ـ وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي
حيث يقع على عاتق الجهات المذكورة المسؤوليات المبيّنة أدناه :ـ
أ/ التنسيق المشترك المتكامل لأجل دراسة طبيعة المجتمع العراقي عبر التاريخ، وتأثير السياسات الديماغوجية على عقل الفرد العراقي، والظروف الجغرافية والاقتصادية والسيكولوجية عليه، لأجل الخروج بمعدل إحصائي لعموم العقل العراقي، واستبيانها وتحليلها وفقاً للمعايير العلمية المعتمدة عالمياً .
ب/ إعادة النظر في كافة البرامج التربوية والدراسية المعتمدة في كافة المراحل التربوية والتعليمية، واستبيان واستيضاح النتائج التي آلت إليها المخرجات الثقافية للسنوات السابقة ، ومعالجة سلبياتها كافة، وتحسينها نحو الأفضل. وكذلك البرامج الإذاعية والتلفزيونية ووسائل الإعلام المقروءة والمرئية بشكل عام .
ج/ تقويم المنجز الثقافي الوافد والمنتج، خلال السنوات الماضية والحالية، وتدارس مدى جدواها الثقافية ، ومدى إفادتها للعقل العراقي المعاصر.
د/ تهيئة التخصيصات المالية لمشاريع ثقافية تخدم التطور والتنمية الثقافية الوطنية، وإشعاعاتها على المحيطين العربي والعالمي ، وتشخيص الحاجات أينما وجدت، وتحديد أولويات سنوات التنفيذ، كالمطابع الحكومية الحديثة واستيراد المناهج والمؤلفات العلمية والثقافية ، واستئجار العقل الأجنبي والعربي، واستقطاب العقل العراقي المهاجر، لأجل أغناء المشروع الثقافي الوطني المقترح ، وتحقيق أسباب النجاح له .
فالذي هو سائد في العراق ، ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1924 لحد اليوم ، لا نرى غير سياقات متوارثة ، لم تؤتِ بجديدٍ جدّيٍّ يُحدث تغييراً في العملية الثقافية والتربوية والتعليمية ، في مدارسنا وجامعاتنا ومجتمعاتنا كافة ، فمنذ تأسيس المدارس العراقية الحديثة وآلية التربية لا تختلف ، ولم تؤتِ بأيِّ إبداعٍ متجددٍ قط ، إنْ لم تهبط نحو الأسوأ، فالكثير من الكتب المدرسية تحتوي على أخطاء إملائية وإجابات مخطوءة مع الأسف الشديد، كما أن المناهج العلمية السائدة في جامعاتنا ما هي إلا ّ مناهج مستوردة .. غير متجددة ، لم ينظر لحاجة البلد والمجتمع فيها، وهي مناهج مستنسخة من جامعات عالمية لها خصوصياتها الاجتماعية والعلمية المختلفة عنا كثيراً،مثلا؛ إنَّ العراق بلد زراعي نفطي، فهو بحاجة إلى المناهج التي تغني حاجته وتشبعها كبلد زراعي نفطي،ومن ثم التوسع في الأغراض الأخرى، ولا يعني هذا أن تستغني جامعاتنا عن مواكبة التقدم العالمي في مختلف المجالات البحثية والأكاديمية والعلمية ، لكن ؛ الأهم ثم المهم .
كما أن طبيعة مجتمعنا ؛ هو مجتمع متدّين بشكله العام ، ومجتمع قبلي بشكله الخاص ، ومجتمع سياسي ، ومجتمع قومي ، وهذا ما يجعل الحاجة إلى الأخذ بمبادرات تعليمية وتثقيفية تنشد النهوض بمجتمعنا العراقي نحو الارتقاء والتقدم والازدهار الثقافي العلمي المواكب لارتقاء العالم المتحضّر والعالم المتمدن .
على وزارة الثقافة والإعلام العراقية أن تتحمل المسؤولية كاملة ً في هذه السنة (2013) وهي الوزارة التي رعت المشروع الثقافي العربي ، عليها أولاً ؛ أن ترعى المشروع الثقافي الوطني ، وهي منطلقة وجادّة في برامجها الثقافية على المستويين الوطني والعربي ، ولا تعذر وزارة الثقافة غداً ، إن لم تؤسس لمشروع ثقافي تكاملي تنموي نهضوي يشمل المؤسسات العراقية التي لها علاقة وطيدة بالمشروع الثقافي الشامل ، من خلال مشتركات المنهج العلمي .. المنهج التربوي .. المنجز الثقافي .. لأجل بناء عقل عراقي متطوّر يحمل مشعل الثقافة اللاحبة للأجيال الآتية ، لأنَّ وطنها أولاً !..

ليست هناك تعليقات: