عمر شهريار عن (مكان جيد لسلحفاة
محنطة): (ممدوح رزق) يلعب بالمتاهات
نظّم مختبر السرديات بنادي أدب قصر ثقافة المنصورة الأحد الماضي أمسية
إبداعية لمناقشة المجموعة القصصية (مكان جيد لسلحفاة محنطة) للكاتب (ممدوح رزق) ..
ناقش المجموعة الناقد (عمر شهريار) الذي تحدث عن أن (ممدوح رزق) قاص مراوغ، يتعامل
مع الكتابة بوصفها لعباً، ويمتلك ملامح مميزة جداً لعل أهمها هو تعاطيه القوي،
والعميق مع الفلسفة .. ذكر (شهريار) أن في المجموعة حضور لفكرتين رئيسيتين:
(الموت)، و(الزمن)، وهما فكرتان فلسفيتان بالأساس تؤكدان تشبّع (ممدوح رزق)
بالمشاريع الفلسفية لـ(هيدجر)، و(نيتشه)، و(فوكو)، و(دريدا) الأمر الذي أنتج تلك
الحمولات الفلسفية، الساخرة داخل المجموعة.
أشار (عمر شهريار) إلى أن الموت سؤال مركزي عند الكاتب حيث يطرح مفاهيم
مختلفة، ومتباينة له .. (ما الموت)؛ هذا هو السؤال الذي يتناوله (ممدوح رزق)
ويفككه طوال الوقت .. كأن الموت ليس فعل الغياب الجسداني فقط، وإنما موت كل شيء،
وكثيراً ما قرأنا عن (موت الانسان)، و(موت النص)، و(موت المؤلف) وهذه أسئلة فلسفية
يلعب بها الكاتب معنا، ويلعب بنا منذ المفتتح الرئيسي لـ (سيوران) الذي بدأ به المجموعة
(تاريخ العالم هو لاشيء سوى تكرار للكوارث، بانتظار كارثة نهائية) .. سؤال زمني
كأن الزمن دائماً يعيد نفسه، وأنه لاشيء جديد فيما يتعلق بالموت بشكله الفلسفي
الأعمق، والمرتبط بنهاية العالم.
ذكر (شهريار) أنه من أمارات اللعب داخل (مكان جيد لسلحفاة محنطة) قصة (ماريا
نكوبولس) عن حياة البنت التي تمشي بظهرها حيث يتقاطع، ويتناقض المتن مع الهامش في
مفارقة صادمة للقاريء فلا يعرف ما هو الحقيقي؛ هل هو المتن أم الهامش .. الهامش
يتحوّل إلى جزء هام من لعبة السرد عند (ممدوح رزق)؛ فهو يتخطى وظيفته التعريفية،
والبحثية إلى نفي، وتفكيك المتن .. ما هو الأصل: المتن أم الهامش .. فخ يجعل
سؤالاً يمتد داخل المجموعة: ما هو أصل الوجود .. هل الموت، والغياب هما الأصل أم
الحضور .. ما هو الأكثر جدوى: المتن أم الهامش .. تطرح قصة (المتسول) هذا التساؤل
بقوة: هل نشاهد الأفلام، ونضحك، أم نناقش الواقع بجدية حيث تتداخل أحداث الفيلم مع
أحداث الواقع .. متى يتبادل المتن، والهامش موقعيهما، وكيف يتم كسر غرور المتن،
وتضخمه.
تحدث (عمر شهريار) أيضاً عن أن
(ممدوح رزق) يلعب بالزمن فلا نعرف أين الماضي، وأين الحاضر .. في قصة (العود
الأبدي) مثلاً نجد المخاطب الموجه إليه السرد حاضراً دائماً .. كأن الراوي يسرد
على الغائب تحولات الزمان، والمكان من لحظة حاضرة كأنه موجوداً رغم موته .. كأن
الغياب ليس مادياً بل يمكن استحضاره عبر نتف، ومنمنمات بسيطة، وذكريات، حتى بالصور
التي تم قصقصتها .. كأن هذا الغائب يمتلك حضوراً غير منته.
تناول (شهريار) أيضاً قصة (لا شيء بعد الموت) كي يشير إلى الحضور القوي
للمتاهة .. لا نعرف هل هناك طفل اصطحب الرجل إلى هذا المكان فعلاً، أم أن الرجل هو
الذي اصطحب الطفل .. أيهما موجود، وأيهما ميت .. هل جميعها شخصيات ميتة تتحدث
إلينا من العالم الآخر .. ذكر أيضاً أن (ممدوح رزق) ينسج شبكة عنكبوتية سردية
موازية لمواقع التواصل الاجتماعي لا تعرف فيها من مع من .. من الموجود، ومن الغائب
.. شبكة معقدة تعتمد على فكرة موت الجسد التي ترسخها مواقع التواصل الاجتماعي،
وتقوم عليها الأسئلة التي يطرحها الكاتب: ما الموت .. هل هو فعل نهائي .. هل هو
فعل نسبي .. هل الحياة حياة بحق أم حياة تكتنف، وتكتنز في داخلها الأموات،
واللاحضور، والغياب .. أسئلة ما بعد الحداثة المتأثرة بـ (الوجود والزمن) عند
(هيدجر)، و(مفهوم الخطاب) عند (فوكو)، و(شذرات النص) عند (دريدا).
تحدث (شهريار) عن أن (ممدوح رزق) يبحث طوال الوقت عن ثغرات العالم، وأن
الذات الساردة في كثير من قصصه هجومية .. عنيفة .. ساخرة لكنها لا تنبع من قسوة
أخلاقية، وإنما من إدراك عميق لعبثية العالم بوصفه مسخرة لا تحكمها قواعد سببية ..
الذات المكرهة على الوجود، والتي تعرف أن كل شيء هو عبث، وبلا روابط منطقية؛ فتحل
المتاهة (الخيوط المتشابكة، والمعقدة التي لا تؤدي لبعضها بالضرورة) محل البناء
السردي الممنهج .. يسخر الكاتب من المقولات الكبرى، ومن الترتيب المنطقي للعالم؛
فوجه (مجدي وهبة) لحظة قتله في فيلم (حنفي الأبهة) يحيلك إلى وجه (سلفادور دالي)
في قصة Facebook .. يطرح (ممدوح رزق)
دوال عائمة تحاوطها هالة من الغموض فيعطي لكل قاريء فرصته في التأويل، وفي الربط
بين الفقرات حيث الاستراتيجية التي يتبعها هي التفكيك، والهدم، وبناء علاقات غير
منطقية .. فقرات تبدو للوهلة الأولى غير مترابطة، ولكن تصل بينها علاقة تفكيكية
ساخرة للوجوه، والبشر داخل عالم عبثي لا تحكمه روابط .. في هذه القصة ـ كما ذكر
(عمر شهريار) ـ تجاوز لأفكار التشيّوء، والأنسنة، والانمساخ الكافكاوي نحو اعتبار
العالم مجرد موجودات تهدم مركزية الإنسان.
تناول الناقد كذلك تشكيل المشهدية في المجموعة، وكيفية تحويل تاريخ
العلاقات الإنسانية التي كان هناك حرص على تثبيت زمنها إلى قصاصات ممزقة في ألبوم
عند (جامع القمامة) الذي يبتسم أثناء تصفح ذلك المتحف، وهي ابتسامة (ممدوح رزق)
نفسه الذي يمارس ذلك العبث، واللعب بخلخلة السلطة، والهامش، ويعشق العلاقات غير
المنطقية، ويستمتع بالتجريب، وبتدمير مفهوم القصة بمعناها التقليدي، وبتجاوز
الكتابة السائدة عن مواقع التواصل الاجتماعي حيث استفاد (ممدوح رزق) من بنية الوعي
الجمالي الجديد لتلك المواقع بعيداً عن المحاكاة المعتادة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق