2016/02/16

الشاعر الكعبي مصطفى كبير بقلم: عبد الله لالي



الشاعر الكعبي مصطفى كبير

بقلم: عبد الله لالي ( الجزائر )
وكَـعْبٌ قال "بانتْ" فاسْتبانتْ * * ومــا انْـفَـكَّتْ سُـعـادٌ بـالخِمارِ
...... الشاعر مصطفى كبير[1] من قصيدته ( فتوى كعبيّة )

كلّما قرأت لشاعر جديد من المدرسة الكعبيّة إلا وقلت ( في نفسي ) هذا من الطبقة الأولى بلا شك ، نجوم تتلألأ لا يُتخيّر بعضها عن بعض، وربّما أمكن ذلك بالفحص الدّقيق والمقارنة الطويلة والتفتيش المتمرّس في قصائدهم ، فهم كبار من طينة نادرة لا يجتمعون في عصر بمثل هذا العدد إلا كان عصرَ تجديد في الشعر ، وله مجددٌ يحدو القافلة ويقودها في الوقت ذاته ويحدب عليها ، ومَن ذاك غيرُ ( الأمير ) رضي الله عنه وعن شعره..؟
الشَّاعِرُ مصطفى كبير فارس في أثواب زاهد:   
هذا شاعر من الفحول مغزار مُجوّد ، ملتزم لا يهادن ولا يساوم على مبادئه ، يضع قضايا الأمّة وهموم المسلمين نصب عينيه، اكتشف المدرسة الكعبيّة فأعجبته وأخذ يدبّج كثيرا من القصائد على نهجها ( الأجدّ ) ، قصائد ريّانة حيّة تسرّ أهل الشعر وأشياعهم..
قال عن شعره وقصائده:
" أغلبها في هموم الأمة التي سكنتني حتى التي أتظاهر فيها بالغزل، وربما خلطت بين الغزل العفيف بداية مع المقصد الروحي نهاية ، على طريقة الشعر الكعبي الأول.." [2]
وقصيدته ( فتوى كعبيّة ) تعبّر عن ذلك أدقّ تعبير وأوضحه وهي التي يقول فيها:
وكَـعْبٌ قال "بانتْ" فاسْتبانتْ  * ومــا انْـفَـكَّتْ سُـعـادٌ بـالخِمارِ
ومــا بَـرحَتْ دِيـارَ الـقَوْمِ يَـوْمًا  * ومـــا فَـــتِـئـــتْ تُـــــراودُ بـــــالـسِّــــوارِ
تَغَزَّلَ مِنْ قَديمِ العَـهْـدِ شَـيْـخٌ   * إمَــــــامٌ، أو فَــقَــيــهٌ بِــاحْــــــــوِرارِ
وبعْضُ سُعـادِنـا لَـيْـلَـى ودَعْـدٌ  * وبَـغْــدادٌ وصَــنْــعَــا إنْ نُــوَارِي
وأحْــيـَـانًــا نُــصَــوِّرُهــا رُؤانــا  * * لِـتَـــــنْـعَـــــمَ بالـدَّلالِ والاسْـتِـتــارِ
والقصيدة مؤلّفة من ثمانية عشر بيتا محكمة النّسج سلسلة النغم قويّة المعاني، يبدأها بالغزل ثم يعرّج على هجاء الغَزِلين غزلا إباحيّا ، الذين لا يرون في المرأة إلا جسدا وشهوة، مُبَكِّتا نهجهم ومُشنّعا عليهم ، ثم يختمها بالافتخار بشعره على طريقة الأقدمين ، ونهجهم المحكم الذي ما إن حدنا عنه حتّى ضاع الشعر أو كاد وزاغت القيم واندثرت أو هي على وشك.. !
من لطائف هذه القصيدة أنّها تشرح المنهج الكعبيّ في الغزل بشكل مفصّل وتبيّن أغراضه العامّة ، فالغزل هنا عند الشّاعر مصطفى كبير:
تَغَزَّلَ مِنْ قَديمِ العَـــهْـدِ شَـيْـــخٌ إمَــــامٌ، أو فَــقَــيــــهٌ بِــاحْـــوِرارِ
وبعْضُ سُعـادِنـا لَـيْـلَـى ودَعْـدٌ وبَـغْــدادٌ وصَــنْــعَــا إنْ نُــوَارِي
وأحْــيـَـــانًــا نُــصَـــــوِّرُهــا رُؤانـــــا لِـتَـنْـعَـــــمَ بالــــدَّلالِ والاسْـتِـتــــارِ
وتظهر بعض هذه الخصائص في هذه الأبيات ويمكن حصرها فيما يلي:
-       نهج قديم شارك فيه الشيوخ والفقهاء ( ما يوحي بالإباحة والجواز )
-       قد يراد  بالغزل المرأة مثل سعاد وليلى ودعد.( غزل حقيقي صريح عفيف ).
-       وقد تكون المرأة رمزا لمدينة مثل ( بغداد وصنعاء ) فيورّى[3] عن ذلك بذكر المرأة ومفاتنها.
وأحيانا لا تكون هناك امرأة بعينها ، إنّما هي خيال وصور تلوح للشاعر يجسّد فيها ما أراده من معاني. ( وأحْــيـَـانًــا نُــصَــوِّرُهــا رُؤانــا  * * لِـتَـنْـعَـمَ بالـدَّلالِ والاسْـتِـتــارِ ).
وهي رؤية فلسفيّة عميقة في ( فلسفة الجمال )، لا يكون الجمال واقعيّا دائما أو تجربة عاشها الشاعر بالضرورة ، قد يكون الجمال صورا ذهنيّة ورؤى حالمة ترفرف في آفاق الرّوح ، فيسعى الشّاعر إلى تجسيدها في واقع النّاس، ولأنّها حالة ذهنيّة ليس من السّهل على كلّ النّاس تخيّلها فهو يمثلها في ( هند أو ليلى ودعد )..
وقد يلجأ الشاعر الكعبي أو يعمد قصدا إلى معالجة قضيّة هامّة من قضايا الأمّة فلا يجد من سبيل إلى لفت انتباه القارئ أو المخاطب إلا سبيلَ الغزل، وهو عادة من أروع ما يجتذب النّفوس ويلفت الانتباه..
وقصائد الشاعر الغزليّة كثيرة ، سواء الغزليّة الصرفة أو التي يكون الغزل مَوْلجا للحديث عن قضيّة أخرى، يمكن أن نُنَمذِج بهذه العناوين ( فتوى كعبيّة / ولكعب فتواه..! / ذات الجلباب الأسود /  انتظارُ أغنيةٍ مُرَحَّلةٍ.. !! / بلاد تتنفّس عشقا.. ! / عشق بطيبة.. ! ).
وهي في غالبيّتها تتميّز بالمطالع الجميلة الأخّاذة ، وتجيء منها أبيات كأنّها اللؤلؤ المكنون ، فنذكر تلك المطالع ونمثّل لبعض من اللّؤلؤ المكنون من تلك القصائد:
يقول من قصيدته ( ولكعب فتواه..! ):
سعاد لا تزال هي البتول  * * لكعب في هواها سلسبيل
ويلبسها قــصيــدا كاللآلي  * * فــيرفعــه ببردتـــه الـــرسول
وهي من أجمل قصائده وأكثرها رقّة ، وتقفيّا للمنهج الكعبي، حيث نرى من مطلعها توجّه الشاعر وسمته الشعريّ ، فسعاد امرأة بتول وذلك رمز الطّهر والبراءة ، وهواها يكون في قلب الشاعر عذبا سلسبيلا ، ولأنّها بتول طاهر فلا غضاضة من التغنّي بجمالها وسموّ أخلاقها ، حتّى أنّ الشاعر يلبَسُها كاللآلي، وتكون الجائزة التي يتمنّاها كلّ شاعر صادق ( يرفعه ببردته الرّسول..) وأيّ رفعة وأيّ سموّ.. !!
ويختم تلك القصيدة بتوقيع ممتع جدّا:
إذا غنت سعاد طار قلبي * * عيوني من محــبتهــا تـــسيـــل
أهيم بها إذا بعدت ديار * * فإن قربت تعاتبني الطلول
ويقول في قصيدته التي بعنوان ( ذات الجلباب الأسود.. ! ):
عُـيُـونــــــي مِـــنْ مَـــــحَـبَـتِّهــــــا تَـــذُوبُ * * وتَـسْـألُ هَــلْ تَـتُـوبُ؟ ولا أتُــوبُ
سُــؤالٌ فـي الـهَوَى يَـرْجُو جَـوابًا * * وقَـدْ عَـرَفَ الـحَبيبُ فَمَنْ أجـيبُ؟!
وهنا دوما تحضر العيون والسؤال والجواب ، ولوعة المحبّة وحيرة المحبين، وهي عناصر ترصّع وجه القصيدة وتكلّلها بأجمل الألفاظ وأبهاها.. ولا يمكن للقارئ أن يمرّ بها دون أن يلتاع ويتحسّر ، ويتأوّه ويخرج الجمر من قلبه متلظيا ..!!
ولا يمكن أن تخرج مثل هذه المعاني المرفرفة في سماء الحبّ الطّاهر؛ إلا من قلب رقيق المشاعر هفيف الأحاسيس، ونرى ذلك في جلّ قصائد مصطفى كبير ( الكعبيّة ) ، ومنها أيضا قصيدته التي بعنوان ( انتظارُ أغنيةٍ مُرَحَّلةٍ..!  ): والتي يقول في مطلعها كأنّه يخطّ في الأرض بسيف مكسور:
أيَــا لـيْـلَ الـصَّـبابةِ لا تـسَـلْني * * ودَعْ عنك الّـذي قـدْ كـان مِنّـي
تُـسـائلني، ومـا عِـنْدي جـوابٌ * * سِـوى بـعْض الأمـاني والتَّمنِّي
وكأنّ ( الهوى ) برق خُلَّب وأحلام دارسة ، لا يبقى منها عند الشّاعر سوى قصيدة شعر ، تبقى هي وتذهب ( ليلى ودعد وهند ) .. !
ولكي نأخذ صورة أكثر وضوحا وتمثيلا للشعر الكعبي عند الشّاعر مصطفى كبير؛ نقف هنيهات نتملّى فيها بعض روائع قصيدته ( ذات الجلباب الأسود.. ! ):
عُـيُـونـي مِـــنْ مَـحَـبَـتِّها تَـــذُوبُ * * وتَـسْـألُ هَــلْ تَـتُـوبُ ؟ ولا أتُــوبُ
سُــؤالٌ فـي الـهَوَى يَـرْجُو جَـوابًا * * وقَـدْ عَـرَفَ الـحَبيبُ فَمَنْ أجـيبُ؟!
وذُقْتَ العِشْقَ مُذْ سَكَنَتْ فُـؤادي * * ولـــو يَـخْـلـو الـفـؤادُ إذن أشِـيـبُ
فــؤادي فـي الـمَحَبَّةِ غـيـرُ هَـاوٍ * * ومــــنْ ذاقَ الـصَّـبـابةَ لا يَـغِـيـبُ
ويَـشْـهـدُ بـالـهيامِ بِـهـا ذُهُـولـي * * ويَـشْـهـدُ بـالـفُـؤاد لـهـا الـنُّـدُوبُ
ويَـسْألني الـعذولُ ولـيْس يَـدْري * * أبَـعْـدَ الـشَّيْبِ يَـسْحَرُكَ الـكُعُوبُ
بُـلـيـتَ بِــآخِـرٍ، قَـــدْ كـنْـتَ حُــرًّا * * فبِئسَ الذنب ، قَدْ هَلَك المَشِيبُ
يَـقول... وهـلْ سَـيصْمدُ لـوْ رآهـا * * مُــجَـلْـبَـبَـةً بِـــسَــوْداءٍ تُـــذِيــبُ
مِــنْ الـخِـزِّ الَّــذي عَـجَزَتْ مُـلُوكٌ * * تُــقَـدِّمُـه وَ لَــــوْ طَــلَـبَـتْ لَــعُـوبُ
وقُـبْـلَـةُ ثَـغْـرِهـا يَــا وَيْــحَ قَـلْـبي * * يَـقُـولونَ الـرُّضـابُ.. وَلَــمْ يُـصِيبُوا
فَـهَاجَ القلبُ رغْمَ الشَّيْب عِشْقًا * * كَمَـا فُـتِـنَ الـرِّجالُ بِـمـا أُصِـيـبُـوا
فــأزْمَـعْـتُ الـرَّحـيـلَ وإنْ تَــنَـاءَتْ * * ومَــــنْ ذاقَ الــهـيَـامَ ألا يُـجِـيـبُ
بَـنَـاتُ الـشِّـعْرِ تَـحْـسدُها إذا مَـا * * تَــغَـزَّلَ فِـــي مَـفَـاتِـنِها الـحَبِيـبُ
أقَـبِّـلُـهـا فَـتَـشْـتَـــعِــلُ الـمَـآقِـي * * وأسْـمَـعُ قـولَـهـا: حَـتْـمًـا تـَــذُوبُ
لـها الـرَّاياتُ تَـسْطعُ كُـلَّ شَمْـسٍ * * ويَرْفعُهـا على الشَّمسِ الـجَـنُـوبُ
ويَـخْـطـبُها بِــبـابِ الـقَـصْـرِ قَـــوْمٌ * * ويُـكْـسَرُ فِــي مَـحَـبَّتِها الـصَّـليبُ
ستَبْقى في القُلـوبِ مَـنَـارَ هَدْيٍ * * ويَـعْــجــزُ إذْ يُـعَـانِـدُهـا الـــغُــرُوبُ
...........ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مـكـة الـمـكـرمـة/ 26/ 12/ 2015
قصيدة من أروع ما قرأت للشاعر ، أَثبَتُها كاملةً لثلاثة أسباب :
-       كعبيّة خالصة – كتبها الشاعر في مكّة المكرّمة – كتبها في الكعبة المشرّفة وهي خير ما يكتب فيها من شعر في الغيد .. !!
أسلوب شائع عند الكعبيين وطريقة متّبعة ، يكتب الشاعر متغزّلا بشيء عزيز على قلبه، فيظن القارئ أو السّامع أنّ ذلك في امرأة بعينها ثمّ يكتشف أنّها مدينة أو وطن أو فكرة قيّمة أو قضيّة عادلة يدافع عنها..
مطلع غزليّ جذّاب ومثير لانتباه القارئ وخصوصا أنّ فيه عنصرين أساسيين يساعدان على ذلك وهما ( الهوى / السؤال ) بمعنى آخر جاذبية الموضوع  ( الهوى ) وأسلوب العرض وهو صيغة السؤال، وكلّ سؤال في هذا الشأن يثير النّفس ويجعلها تتطلّع إلى الجواب وتنتظره بشغف..
وحين يقول:
وذُقْتُ العِشْقَ مُذْ سَكَنَتْ فُـؤادي * * ولـــو يَـخْـلـو الـفـؤادُ إذن أشِـيـبُ
فــؤادي فـي الـمَحَبَّةِ غـــــيـرُ هَـــــاوٍ * * ومــــنْ ذاقَ الـصَّـبـابةَ لا يَـغِـيـبُ
يعبّر الشاعر  عن شدّة حبّه وولهه بمحبوبه فيصرّح أنّه ذاق العشق عندما سكن فؤاده ، وهو قبل ذلك – إذاً – لم يكن يعرف ما العشق وما طعمه ، فهو عشق بِكر ،  والعشق البكر هو العشق الأوّل الذي يبقى في الفؤاد ويدوم ( فما الحبّ إلا للحبيب الأوّل )، ويصرّح أيضا لو أنّ فؤاده يخلو من ذلك العشق لشاب وهرم ، وأدبر شبابه، ويقول أيضا في إعلان قويّ أنّ عشقه ليس عشق هواة سرعان ما يتحوّلون عنه إلى غيره ، رغم أنّه ذاق العشق لأوّل مرّة ، فكان عشقا متمكنا وقويّا منذ بزوغ زهره في القلب، ذلك لأنّه ليس عشق امرأة ولا أمرا ماديّا سرعان ما يذهب بمرور الدّهر وكرّ الأيّام ، إنّه عشق لمكان مقدّس عظيم يهواه ويهيم به كلّ مسلم مشبوب ( الإيمان ) في أوّل بيت وضع للنّاس.
ويقدّم الشاعر على هيامه الكبير دليلين قاطعين وبرهانين ساطعين ، هما ( ذهوله والنّدوب التي في قلبه )، فأمّا الذّهول فهو شيء مألوف عند الشعراء يصوّرون به شدّة المحبّة وقوّتها، أمّا الندوب في القلب فهي صورة نادرة وقليلة في شعر الغزل لا تتكرر كثيرا.. وقد أنشأت البيت خلقا آخر، سحرا حلالا وبيانا زلالا:  
ويَـشْـهـدُ بـالـهيامِ بِـهـا ذُهُـولـي * * ويَـشْـهـدُ بـالـفُـؤاد لـهـا الـنُّـدُوبُ
ويسأل العذّال الشاعر – وهم لا يدرون – كيف يهيم بالغيد بعد الكِبر والمشيب ، وكيف بُليَ بذلك في آخر عمره ، وذلك من أعظم الذّنوب، فيردّ عليهم الشاعر ردّا مزلزلا:
يَـقول... وهـلْ سَـيصْمدُ لـوْ رآهـا * * مُــجَـلْـبَـبَـةً بِـــسَــوْداءٍ تُـــذِيــبُ
ثمّ يأتي الشاعر على ذكر مفاتن حبيبته ومحاسنها فيقول أنّها: ترتدي ثيابا سوداء تذيب –من جمالها - عين النّاظر ، وأنّ هذا الجلباب من الخزّ الذي تعجز ملوك الدنيا عن تقديمه لفاتنة لعوب من النّساء، ويصف قبلة ثغرها بأنّها أحلى وأشهى من الرّضاب :
وقُـبْـلَـةُ ثَـغْـرِهـا يَــا وَيْــحَ قَـلْـبي * * يَـقُـولونَ الـرُّضـابُ.. وَلَــمْ يُـصِيبُوا
ويمضي على هذا النّسق في وصف مذهل وتغنٍ صادح وغزل عفيف طاهر، إلى أن يوقّع بما يدلّ عليها أنّها هي لا شك قِبلة المؤمنين ومهوى أفئدتهم لا غادة حسناء من فاتنات النّساء:
ويَـخْـطـبُها بِــبـابِ الـقَـصْـرِ قَـــوْمٌ * * ويُـكْـسَرُ فِــي مَـحَـبَّتِها الـصَّـليبُ
ستَبْقى في القُلـوبِ مَـنَـارَ هَدْيٍ * * ويَـعْــجــزُ إذْ يُـعَـانِـدُهـا الـــغُــرُوبُ
والشاعر لا يصرّح بشكل قاطع أنّها الكعبة الشريفة ، لكنّ هناك إشارات قويّة وأوصاف تنفرد بها هي دون غيرها تدلّ عليها يقينا لا ريب فيه..
وكما نَظَم الشاعر مصطفى كبير إحدى أروع كعبيّاته في ( الكعبة ) المشرّفة وفي مكّة المكرّمة، فقد نظم كعبيّة أخرى في الشّوق إلى مسجد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وذكر خصائصه، وتحديدا في التغنّي بجمال الروضة الخضراء ، والهيام بسنائها وبهائها حيث يقول في قصيدته التي عنوانها (الروضة الخضراء )[4]:
ولـوْ سَـألـوا الـغـوَّاصَ أخْــبــرَ بــالّــذي * * جناهُ عليَّ الـعِـشـقُ إذْ خـانَـه الـوَصْـلُ
هِيِ الرَّوضَةُ الْخَضْراءُ في الأرضِ كُلِّـهَـا * * وما خابَ مَوْصولُ الفُـؤادِ..، كَـذا الـنَّقْـلُ
يُقيمُ بـهـا حِـبٌّ إلـى الـقـلْـبِ لـمْ يـزلْ * * حَبيبًا إلى الـرَّحـمـانِ، مِـيـزانُـه الـعَـدْلُ
لـهُ بـرْدةٌ ألْـقَـتْ عـلـى الـشِّـعْـرِ تَـاجَـهُ * * فأضْحَى فُويْقَ السُّحْبِ بلْ ربَّمَا يَـعْـلُــو
ومَـا انْــفَــكَّ كَــعْــبٌ سَــيِّــدًا بِــرِدائِــهِ * * ولَـمْ يَـكُ مِـنْ قَـبْـلِ الـرِّداءِ لـهُ الـفَـضْـلُ
ولِلـشِّـعـرِ آهَـاتٌ يَـهـيـمُ بـهـا الــهَــوَى  * * ويَبْكـي كـمَـا يَـبْـكـي الـفُـؤادُ أوِ الأَهْـلُ
سَيَبْكي حَـبـيـبًـا لـمْ تَـرَ الأرْضُ مِـثْـلَـهُ * * وَمَنْ مِثْلُ خَيْرِ الخَلْقِ شِيـمَـتُـهُ الـنُّـبْـلُ
وإنِّــي لَــتــوَاقٌ لِـــضَـــمِّ تُــــرابِـــكُـــمْ * * ورُبَّ لِـقَـاءِ الـتُّـرْبِ يَــشْــفَــعُــهُ الأَصْـلُ
أرُوحُ وأغْـــدُو والَــمــســـالِـــكُ وَعْــــرَةٌ * * وهلْ يُصْلحُ الإنسْانَ غـيْـر الّـذي تَـتْـلُـو
عليْكَ صَلاةُ اللهِ فِي الـصُّـبْـحِ والْـمَـسَـا * * بِمِثْلِ الَّذي صَلَّـتْ بـه الـطَّـيْـرُ والـنَّـمْـلُ
الشاعر الكعبيّ مغرم دوما بالمزج بين الحبّ العذري وحبّ ( طيبة ) وحبّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهذه الأيقونات الثلاث ذكرت في هذه القصيدة المكوّنة من عشرة أبيات ، كتبها اشتياقا إلى مقام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال فيها معبّرا عن شوقه الأكبر إلى ذلك المقام الزكي:
يُقيمُ بـهـا حِـبٌّ إلـى الـقـلْـبِ لـمْ يـزلْ * * حَبيبًا إلى الـرَّحـمـانِ، مِـيـزانُـه الـعَـدْلُ
ولأنّه شاعر يعبّر عن أشواقه وأحاسيسه المرهفة بالشعر ، فإنّه لا محالة سيذكر صنوه في القريض، وصاحب المنهج الأوّل في الحبّ العذري الذي يفرّط في ( حبّه ) لأجل أعظم حبّ وأسمى محبوب، يذكر كعب بن زهير ورحلتَه إلى المدينة المنورة ليفوز بالجائزة الكبرى التي لم يَحظَ بها الشعراء من قبل: 
ومَـا انْــفَــكَّ كَــعْــبٌ سَــيِّــدًا بِــرِدائِــهِ * * ولَـمْ يَـكُ مِـنْ قَـبْـلِ الـرِّداءِ لـهُ الـفَـضْـلُ
وللشاعر الكعبي مصطفى كبير قصائد في المجال السياسي بعضها نقد مرّ ولاذع، وبعضها هجاء خالص ، منها قصيدته التي هجا فيها أحد كبار المسؤولين السّابقين المعروفين وهي بعنوان ( إدبار تاريخٍ غادرٍ.. ! ) وقصيدته التي هجا بها خليدة تومي وعنوانها ( جارية القصر ) ومن العنوان يبدو الهجاء مرّا ، مذاقته كطعم العلقم بتعبير عنترة بن شدّاد. والهجاء هنا يعبّر عن نقد سياسي بامتياز ، لكنّ الشاعر يظهره بأسلوبه وبسلاحه الفتّاك ، الذي لا يُرْدِي السياسي في جولة انتخابيّة وإنّما يحفر له قبره في سجل التّاريخ..   
ومن قصائد الشاعر مصطفى كبير السياسيّة التي تمتزج فيها الحكمة بالحنكة والتجربة العميقة؛ قصيدته التي بعنوان (  ظنٌّ خائبٌ ) ويقول فيها:
وظَـنُّـوا بِـأنَّـا سَـنـحْني الـرُّؤوسَــا *  * وفـرْعـونُ حـتْمًا سَـيقْتُلُ مُـوسَـى
وقــارون ُبـالـمالِ يُـمْسي حَـكيمًـا * * وهـــارونُ يـبْـقـى كَـئـيـبًا تَـعِـيسَـا
وأنَّــــا سـنَـبْــكـي بُــكــاءً مَــريــرًا * * وبالسّحرِ هامانُ يُطْفي الشُّمُوسَا
وإنّــــا لَــنــدري بِـمَـكـرِ الـلّـيـالـي * * وقــدْ كــان مَـكْـرا يُـزيـلُ الـنُّفوسَـا
ويَــعْـقـوبُ ســالــتْ لــــهُ عـيْـنُــهُ * * ويَـبْـقـى بِــرغـمِ الــجِـراحِ أنِـيـسَـا
فَـمَـشْهدُ يُـوسـفَ يَـمْضي غَـريبًـا * * ويُـمسي وحـيدًا بِـسجنٍ حبيسَـا
وقـــــدْ بَـــاعَــهُ لــلــرَّدَى إخْـــــوةٌ * * وكان الـقَـميـصُ رَجـاءً كـعـيـسـى
فــيــا ويــــحَ مَـــنْ مــزَّقــوا أمَّـــةً * * ويَــا ويْــحَ مَـنْ قَـدْ يَـبيعُ الـنَّفِيسَـا
فــخَـابُــوا وعَــــادُوا كَــــأوَّلِ يـــوْمٍ * * ومَنْ يـرْكبِ الـغَدْرَ يـجْنِ الـعُبُوسَـا
هذه القصيدة تتحدّث عن واقع الجزائر المأساوي الذي عاشته منذ بضع سنوات، ولا تزال تعاني آثاره إلى الآن ، واقع الفتنة التي كادت تأتي على الأخضر واليابس، وكانت مأساة عاصفة لولا فضل الله لنسفت الجزائر نسفا، ولربّما قُسِّمت إلى أشلاء ممزّعة ، بسبب شرذمة من أتباع الغرب الصّليبي الذين دسّهم المحتلّ في جسم هذه الأمّة فكانوا كالقنبلة الموقوتة ، واستولوا على الرّقاب وملكوا البلاد والعباد وأرادوا للأمّة الذّلّ والهوان ، فكان صوت الشاعر معبّرا عنها:
وظَـنُّـوا بِـأنَّـا سَـنـحْني الـرُّؤوسَــا *  * وفـرْعـونُ حـتْمًا سَـيقْتُلُ مُـوسَـى
وجعل فرعون هنا رمزا للحاكم المستبد - وهو دوما كذلك - وموسى رمزا لأهل الحقّ وأصحاب الطريق السليم، وقد ظنّ فرعون أنّه سيقضي على الحقّ الذي يمثله موسى ( دعاة الحقّ )، وكان مع الحاكم المستبد طغمته من كلّ لون وصنف يزيّنون له سوء عمله، فكان معه قارون ( المال الفاسد ورجاله ) وهامان ( قوّة السّحر بالإعلام أو التكنولوجيا الحديثة )، ويعجبني قوله جدّا:
وإنّــــا لَــنــدري بِـمَـكـرِ الـلّـيـالـي * * وقــدْ كــان مَـكْـرا يُـزيـلُ الـنُّفوسَـا
فالمسلم ذكيّ فطن بطبيعته لكنّه أحيانا يأتيه الخذلان من بني جلدته، لذلك يقول الشاعر :
" وإنّــــا لَــنــدري بِـمَـكـرِ الـلّـيـالـي " وكأنّه استحضر المثل العربي الذي يقول : " هذا أمر دبّر بليل " ، وفي قوله:
" وقــدْ كــان مَـكْـرا يُـزيـلُ الـنُّفوسَـا " معنى الآية الكريمة " وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ " الآية 46 من سورة إبراهيم.
وهذا يُحيلنا على ثقافة الشاعر الإسلاميّة وتكوينه الدّيني الذي أُشربَه منذ صباه ، فنجد آثاره بادية في شعره لا يستخفي بها ، ولا يتوارى خجلا  كما يفعل بعض السّلبيين من أبناء ، أمّتنا وكأنّ التّديّن أو الالتزام وصمة عار ، أو عقدة نقص يخفونها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، أمام طغيان المدّ الثقافي الغربي المتبجح في عنجهيّته ، ويرى أولئك السلبيّون أنّ ذكر الدّين أو التديّن في الإبداع الأدبيّ منقصة ، أو خلل في النّص الأدبي و( كذبوا ) ، فهذا فيكتور هيغوا شاعر فرنسا الكبير ، وعلمُها المبرّز، يبني شخصّية روايته الشهيرة ( البؤساء ) جان فالجان على موقف من رجل دين أحسن إليه ، وأنقذه من الحبس المحقق ، فكان سلوك شخصيّة جان فال جان في كلّ الرواية التي تربو على الألفي صفحة ؛ مبنيّ عل تلك المعاملة الرّائعة من رجل الدّين المسيحي، بينما لا يصوّر أدباؤنا وكتّابنا عالم الدّين أو الإمام إلا في أقبح صورة وأرذلها، وما أهانوا بذلك عالم الدّين والإمام وإنّما أهانوا الدّين نفسه، في أنفسهم وبين ظهراني أمتهم..
لكنّ مبدعي المدرسة الكعبيّة على خلاف ذلك ، يعتزّون بذكر دينهم في شعرهم وإبداعهم ، ويعتبرونه جزءا لا يجزأ من حياتهم لكن في غير تكلّف ولا تحميل للنّص ما لا يحتمل ، التعبير عن الدّين والعقيدة وما يتصل بهما تلقائيّا وفطريّا ، كما تعبق الزهرة وتعطي أريجها ، وكما  تثمر الشجرة وتعطي ثمارها يانعة طيّبة..
ولابدّ للشاعر أن يتحدّث عن شعره ، صديقه الوفي وخلّه الذي لا يخذله أبدا ، يقول الشاعر مصطفى كبير من قصيدته التي بعنوان ( صهيلُ شعرٍ.. ! )
ولـلـشُّعراءِ طُـوّعـتِ الـقَـوافي * * لـنرْكبَ مـا نـشاءُ، وتَـسْتجيبُ
شُموسُ النَّاسِ من زمنٍ تَولَّتْ * * وشـمسُ الشِّعرِ دوْمًا لا تَغيبُ
نـقـول الـشِّـعرَ يُـرْسـلنا هَـواءً * * ويَـلْـبَـسُنا ونـحـنُ لــه هُـبُـوبُ
هو اعتداد بالشعر كأنّه فرس أصيلة يشرّق بها صاحبها ويغرّب ، ويتناول من المعاني به ما يشاء ، قطوفا دانية وفاكهة طيّبة، ويقول في قصيدته الأخرى التي بعنوان ( لواء لا يسقط ):
هــذا الـقَـصيدُ عَـبـاءَتي ورِدائــي *  * سـأظـلُّ أرفــعُ مــا حَـييتُ لِـوائي
هــو بـعْـضُ قَـلْبي لا أكـونُ بـدونِه * * هـل عـاش قـلبٌ دون نـبضِ دمـاءِ
مـثـلُ الـطَّـبيبِ يـمـدُّ حـبَّاتِ الـدَّوا * * والـلَّـحنُ لـلأشـجانِ سِــرُّ دوائــي
سأعيشُ أنسجُ من بديعِ قصائدي * * ثـوْبـًا مـنَ الـلَّحن الـنَّديِّ كِـسائي
تـلـك الـسَّـماءُ مَـعـارجٌ لـقصيدتي * * والشِّعرُ مَلْحمةٌ بشمسِ سَمائي
لا شِـعر يَـعْـبـقُ دُونَ رِيـحِ مُـعَـتـَّقٍ * * والـفُـلُّ والـرَّيـْحانُ بـعـضُ غِـنـائي
 يجعل الشاعر من القصيدة عباءته التي يتزيّ بها ويتجمّل ، والشعر لواؤه أيضا وراية عزّه وفخاره، ثم هو جزء من قلبه ، بل نبضه الذي لا يمكنه العيش بدونه ، ومرّة أخرى يشبهه بالطبيب الذي يمدّ إليه اليد بالدواء والعلاج، كلّ هذه الصّور والتشبيهات تدلّنا على مدى عشق مصطفى كبير للشعر وهيامه به.. 
ونحتم قراءتنا في شعر الأستاذ الشاعر الكعبيّ مصطفى كبير بقراءة سريعة في إحدى روائعه، التي كتبها حول وضع الأمّة ومآسيها التي تعاني منها بطريقة ساخرة سخريّة مرّة، وهي تحت عنوان (رعاه الله والينا.. ! )
لِمَنْ نبْكِي مَآسِينا
رَعاهُ اللهُ والينَا
فدُنيانا بأيْدينا تُمَنِّينا
تُعَزِّينا.. وتُبكِينا..!!
وهذا الحُلْمُ يَخْدَعُنا
ويَشْربُ مِنَ مَآقينا
ويُطعمُ مُخَّ أعْظُمِنا لِوالِينا أدامَ اللهُ والِينَا... !
وقد بدأ مطلعها على طريقة الشاعر أحمد مطر إذ كان متأثرا به في فترة من الفترات ، وجعل الحلم خادعا للأمّة بل هو خادم للوالي الذي باع ضميره وخان أمّته ، ولْنظر إلى جمال الصّورة رغم فداحة المأساة ( يشرب من مآقينا ).. كيف يشرب الحلم من المآقي إلّا إذا كان حلما زائفا وسرابا خادعا.. حتّى وإن كان حلما مشروعا ، إلا أنّ ولاة الأمر جعلوا منه وهما وسرابا لا حلما يتطلّع إلى تحقيقه كلّ الشرفاء ، ثمّ جعل يذكر وضع الأمّة بطريقة ساخرة وتصوير قويّ مدهش ، إذ يقول:
فَلَوْلا حِنكةُ الوالي
لكُنَّا اليَوْمَ
أنْصارًا لِهَادينا...!!
وصارَ الغَربُ يَلْعَنُنا..
وأضْحَى الرَّبُّ يُدْنينا.. !
وقدْ ضاعَتْ مآسينا..!! .
ولولا أمُّنا "فَافَا" ..
رَعاها اللهُ مِنْ أمٍّ..!!
لكُنَّا خيْرَ من رَكبُوا..
ومَنْ ساسوا ومنْ وَثبُوا..
ومنْ باعُوا ومَنْ كَسَبوا..
وهنا تصوير بديع بشكل مقلوب إذ يقدّم الشكر للوالي الذي بحنكته؛ أرضى عنّا الغرب باتّباعهم شبرا بشبر وذراعا بذراع، ولولا ذلك لكنّا أنصارا ( لهادينا ) أي نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، ولو كنّا كذلك لصار الغرب يلعننا ( معاذ الله ) ، وفي ذلك قمّة التصوير لانحطاط الأمّة وترذّلها في مهاوي الاتّباع للغرب ، ويُثني على أمّنا ( فافّا ) ، التي هي فرنسا في القاموس اللّغوي  الجزائري ، وتمضي القصيدة على هذا النّهج الفنّي الجميل في تركيبة بديعة ومعانٍ قويّة جذّابة ؛ تدلّ على تمكن الشاعر من ناصية المعاني والقصيد معا ، رغم أنّ تجربته الشعريّة تعتبر حديثة قياسا إلى غيره من الشعراء المخضرمين، إذ انقطع في بداية قوله للشعر ولم يعد إليه إلا بعد سنوات طويلة وكأنّه تذكّر حبيبا غاليا فراح يناجيه ويسامره..
ويحتاج شعر الأستاذ الشاعر الكعبي مصطفى كبير إلى دراسة أكثر تفصيلا وغوصا على خبايا معانيه وجمال تركيبه الفنّي قد نتركها إلى حين طبعه لديوانه حتى يكون معروضا للنّاس ينهلون من معينه ويمرعون في رياضه.



[1] - الشاعر مصطفى كبير من مواليد 1962 م بدائرة القلّ ولاية سكيكدة، متخرّج بشهادة ليسانس من الجامعة الإسلاميّة بقسنطينة ، أوّل دفعة في الجزائر عام1986 م. عمل أستاذا للعلوم الإسلاميّة بثانويّة القلّ خلال سنوات 1986 / 1992 م ، سجّل في رسالة الماجستير عام 1986 م ثمّ انقطع بسبب المأساة التي وقعت في الجزائر ، كتب الشعر قديما وهو بالمرحلة الثانويّة ، ثمّ انقطع عنه سنين طويلة إلى أن عاوده الحنين إليه في السنوات الأخيرة، فاندفع فيه اندفاع الجواد في مضماره.    
[2]  - من حوار لي معه في الفايس بوك.
[3] - هذا الأمر يذكّرني بقصيدة  " أين ( ليلاي ) " التي جاءت في ديوان محمّد العيد آل خليفة أمير شعراء الجزائر في زمنه ، وعلّق عليها الشيخ عبد الحميد بن باديس بكلام نفيس ، والتي يقول فيها:
أين (ليـــــــــــلاي) أينها …*… حيل بيني وبيـــنها
هل قضت دين من قضى * *  في المحبين دينها
أصلــــــت القلــــــب نـــــــارهـــــا  * *  وأذاقته حيـــــــنها
مذ تــــــــعــــــرفـــــت ســـــــــــرهـــــــا * *  وتــعشقتُ زيـــــنـــها
جاء في "الأغاني" ج: 3، ص: 291 ما يلي:
" أخبرني عمي، قال حدثنا الحزنبل عن عمرو ابن أبي عمرو وقال .. بلغني أن الحسن بن زيد دعا بابن المولى فاغلظ له وقال: أتشبب بحرم المسلمين، وتنشد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الأسواق والمحافل ظاهرا؟
فحلف له بالطلاق أنه ما تعرض لمحرم قط ولا شبب بامرأة مسلم ولا معاهدة قط.
قال فمن ليلى هذه التي تذكر في شعرك؟ فقال له .. امرأتي طالق إن كانت إلا قوسي هذه، سميتها ليلى لأذكرها في شعري. فإن الشعر لا يحسن إلا بالتشبيب، فضحك الحسن ثم قال: إذا كانت القصة هذه فقل ما شئت.
فمن هي ليلى شاعرنا يا ترى ؟ ليست له قوس ولكن له مروحة، فهل يعني هو الآخؤ مروحته ؟ إنّ محمد العيد الذي يشعر شعور الشّعب ويتخيّل خيال الشعب، لا تشغله قوس ولا مروحة ولكن لا تفتنه – وهو البلبل الغريد في قفص ..- إلا الحريّة .. " عن ديوان محمّد العيد آل خليفة ط دارا الهدى عين مليلة ، ص 42 ، 2010 م بتصّرف يسير.  
[4] - الشاعر مصطفى كبير غالبا لا يضع عناوين لقصائده ، خلاف هذه القصيدة التي عنونها ، ولمّا طلبت منه عنونة قصائده محلّ ( القراءة ) تفضّل بذلك مشكورا .

ليست هناك تعليقات: