- رواية الظمأ والحنين لـ صلاح شعير تشرح الواقع العربي وتطرح شعار
العلم هو الحل
-الأرهاب صناعة الجهلاء ورصاصات في
يد الغرب يضرب بها أكباد العرب
يمدنا أ.د عوض الغباري
بدراسة نقدية متخصصة لرواية الظمأ
والحنين بوصفه أحد كبار العلماء في مجال اللغة والأدب، حيث شغل رئاسة قسم اللغة
العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة،
ورئاسة مركز الجامعة للغة والثقافة
العربية سابقا، كما عمل كأستاذ زائر اللغة
العربية لجامعة اوساكا اليابان، و حاليا يعمل أستاذ قسم اللغة العربية بالجامعة ، وقد
حصل على جائزة جامعة القاهرة للتفوق، وهذا التاريخ العلمي والحافل يثري الدراسة
النقدية لرواية الظمأ والحنين للكاتب صلاح شعير وقد جاء فيها ما يلي:
أدب الخيال العلمى فن صعب المنال إلا على رواده وكُتَّابه
القليلين الذين يسير صلاح شعير على دربهم بقوة وتملك للآليات التى تؤهله للاقتدار
فى هذا الميدان المتفرد. فأدب الخيال العلمى يقف على أعراف طريق يمزج – بدقة- بين
مجرى الأدب والعلم وما يجمع بينهما من خيال لا يطغى فيه أحدهما على الآخر. وقد
ازدادت صعوبة هذا اللون من الأدب مع تقديم وسائل العلم وغاياته، وإبحاره فى التطور
التكنولوجى، ومسايرة الشباب لتجلياته فى وسائل الاتصال الحديثة بتنوعها وتشويقها
وتقديمها لكل ما هو جديد على كوكب الأرض.
مخاطبة العقل والوجدان
ورواية الظمأ والحنين للكاتب الأديب صلاح شعير تقلع فى
فضاء هذا الخيال الذى يخاطب عقول القراء ووجدانهم، خاصة الشباب الذين توجهت
الرواية إليهم من سن الثانية عشرة إلى الثامنة عشرة، كما أراد الكاتب، لكن هذا
التحديد ليس قيدا على تأثير هذه الرواية فى المتلقى دون هذا السن أو بعده للولوج
إلى عالم الإبداع الأدبى الذى ينطلق من معطيات الثوابت العلمية إلى رحابة الخيال
الواسع على حد تعبير صلاح شعير فى مقدمة روايته (الظمأ والحنين، دار الجندى،
الطبعة الأولى، القاهرة، 2015، ص 3).
وتجرى أحداث الرواية فى أسلوب رائع مشوق، متمثل فى بداية
الرواية بقول صلاح شعير: [تحلق "الحمامة" البيضاء بأرض العرب، تحرك
جناحيها فتتساقط الهموم كنذر العذاب فوق قرية آثمة، فترى الصحراء الشاسعة تحضن كل
المتناقضات، حيث يقترن صفاء الطبيعة بكدر النفوس، وحرارة الشمس ببرودة الأحاسيس،
فالأشقاء فى واحتى "الزيتون" و"البلح" متخاصمون يتقاتلون،
والأرض تكاد تلفظ كل الحمقى، فلم تعد تطيق أحدا منهم فوقها، ولولا أنها لا تريد أن
تضم الأغبياء بين أحشائها، حتى لا تتلوث روحها بسواد قلوبهم، لابتلعتهم فى أعماقها
على الفور" (ص 7) فشقاق العرب واختلافهم أدى إلى ضعفهم وهوانهم على الناس،
يعيشون فى حرب بينهم بينما الطبيعة من حولهم تدعو إلى السلام متمثلا فى واحتى
"الزيتون" و"البلح"، والحمامة البيضاء ، رمز السلام، تظللهما،
قلقة، بسبب هذه المفارقة. والغراب فى الرواية نذير الشؤم والخراب والقتل الدائر
بين صفوف العرب، يغيظ الحمامة سعيدا متشفيا فى هذه الحال المتردية لصراع الإخوة
ذوى التاريخ والمصير الواحد.
الدقة في اختيار الأسماء
ويحرص الكاتب على اختيار أسماء شخصيات الرواية كما فى
شخصية "فارس المختار" للدلالة على الفروسية والنبل، وانتسابه إلى البطل
العربى عمر المختار. وفارس المختار يقف فى صف الخير والسلام والأمل فى وحدة العرب
عن طريق العلم، وهو عالم شاب قدير، اخترع أجهزة حديثة فى البرمجة الصناعية للمركبات
الفضائية، وعمل بمعمل فضائى فى واحة الزيتون التى عاش فيها، متمنيا أن يحل العلم
الحديث مشكلة تصحر العالم العربى، وقلة موارده المائية، ومعاناة أهله من قلة
الماء، ومواجهة الموت عطشا. وقد تفنن الكاتب فى تصوير الخيال العلمى عبر فكرة بطل
الرواية "فارس المختار" متمثلة فى محاولاته استدعاء تصرفات الإنسان صوتا
وصورة من العصور القديمة. وكذلك خطيبته "وفاء حلمى" العالمة الشابة التى
تعمل على تطبيق فكرة إنتاج الماء العذب من الهواء الجوى بتقنية جديدة.
ويجمع بين العالمين الجليين أمل واحد، وطموح مشترك لحل
مشكلة المياه فى الواحة، كما يجمع بينهما جو علمى يمتزج بالرومانسية، على حد تعبير
الكاتب "ص15" مما يصلح إطلاقه على رواية الظمأ والحنين أيضا، إذ إنها
علم ممتزج بالرومانسية.
والعلم فى الرواية متجسد فيما يقدمه صلاح شعير من معارف
علمية، ومعلومات تقنية حديثة، ونظريات علمية، ومعادلات رياضية، ومتون وهوامش كما
فى شرحه للنفايات النووية (ص16)، والقنابل الفراغية (ص 49)، وغير ذلك كثير.
وتتبدى قوى الشر والأذى يمثلها الغراب، ويجسدها
"هاشم العقرب" والعقرب دال على ذلك، وهو الذى يرى نفسه جديرا بحكم واحة
الزيتون لأنه الباقى الوحيد من عائلته التى كانت تحكمها، فتسول له نفسه محاربة
فارس المختار كى لا ينافسه فى ذلك، خاصة أنَّ فارس العضو البارز فى "نادى
العلوم" فى الواحة يسعى إلى إقامة السلام وحل مشكلة المياه، بينما هاشم
العقرب لا يملك إلا الرغبة فى خراب الديار وهلاكها لكى يتوج نفسه ملكا على
أطلالها. ويستعين العقرب الشرير بالراقصة "هند الحافى" التى تكره فارس
المختار أيضا لأنه وقف ضد إقامتها لملهى يدعى "ملهى المزاج"، ومدينة
تسمى "مدينة الأثرياء" بمال فاسد منحه لها أثرياء الأشرار. كما كانت هند
الحافى تكره "وفاء حلمى" التى كانت زميلة لها فى الدراسة لأنها كانت
أذكى منها.
الصراع الدرامي
ويمثل "نادى العلوم" فى الرواية إخلاص أعضائه
من العلماء والوطنيين فى مواجهة أصحاب "ملهى المزاج" و"مدينة
الأثرياء". ومع أنَّ الأحداث تدور فى واحة بسيطة فى قلب الصحراء فإن الكاتب
صوَّر "ملهى المزاج" تصويرا خياليا، إذ أُقيم بأحدث تكنولوجيا ليستقطب
أثرياء العالم وهو "بساط كبير من الزجاج البلورى المعشق بحبات لؤلؤ لامع،
مساحته كيلو متر مربع، ويرتفع عن سطح الأرض بمقدار عشرة أمتار، حيث البناء معلق فى
الهواء بدون حوامل، فقد صمم بتكنولوجيا التنافر العكسى". ص65 ويمعن الكاتب فى
تصوير هذا المكان فى إطار معلوماته عن تطور علم الطاقة والفيزياء الفلكية وغيرها
فى إطار من المفارقات التى تدل على بذخ سفهاء الأثرياء فى الإنفاق على "ملهى
المزاج" بينما لا يجد "الفارس" ما ينفق به على أبحاثه، وعلى حل
مشكلة المياه فى الواحة.
أما مدينة الأثرياء، فقد تحالف لبنائها قراصنة الأرض
والتاريخ مع أشرار العالم الذين اغتصبوا حقوق الفقراء والمستضعفين، لكى تكون
منتجعا سياحيا هائلا، تقع فيها جزيرة صناعية فاخرة بحضن البحر الأحمر "وصممت
على هيئة سفينة فرعونية كبيرة بها المئات من القرى السياحية، أرضية المبانى من
الزجاج الشفاف المزود بكرات فسفورية، ويسمح الزجاج الصلب برؤية الأحياء البحرية
والشعب المرجانية بقاع البحر... والمدينة محاطة بسياح إلكترونى" إلخ ص 23، 24
وهذا التصوير حافل بالخيال العلمى المشوق دالا على براعة صلاح شعير فى رسمه.
مفارقات نقدية مثيرة
وضمن المفارقات المثيرة فى هذه الرواية تبرز مفارقة هذا
التجاذب بين الأسلوب الأدبى البحت فى بعض مواضع الرواية، والأسلوب العلمى البحت فى
بعضها الآخر، مما قد يؤثر بالسلب فى بناء رواية الخيال العلمى. وهذه معادلة صعبة
تعود بنا، مع الفارق، إلى ما اتُّهم به مسرح أحمد شوقى الشعرى بسبب قصائده
الغنائية التى تخللت مسرحياته الشعرية، فأضعفت البناء الدرامى لها. كذلك قد يحول
الأسلوب الأدبى بخطابه البلاغى الإنشائى دون مجاراة الأحداث المثيرة لرواية الخيال
العلمى، كما أن الإسراف فى عرض النظريات العلمية والمعادلات الرياضية يقلل من
الاستمتاع بهذه الإثارة وهذا التشويق فى رواية الخيال العلمى أيضا.
إلا أن المؤلف برر ذلك بأن هناك اتجاهات أدبية تحرص علي
غرس المعارف بالنص الأدبي وخاصة أنها تحفز الشباب علي إعمال العقل لخلق إبتكارات
لحل المشاكل التي تواجه العالم العربي وعلي رأسها ندرة الماء وأن معظم هذه المعلومات
جاءت في الحواشي السفلية لتفسر بعض المعلومات الغامضة علي غير المتخصص، كما أن
المعادلة الوحيدة التي جاءت ضمن نطاق السرد كانت هي العقد الدرامية للرواية ويعد
حلها هو ذروة الحدث ومنتهي الأمل.
لكن هذا الازدواج الذى بدأ فى رواية "الظمأ
والحنين" لم يؤثر على البناء الفنى العام للرواية التى مضى الصراع فيها جاذبا
للانتباه، مشوقا مثيرا من البداية إلى النهاية. فقوى الشر ممثلة فى "هاشم
العقرب" و"هند الحافى" تقف بالمرصاد لممثل الخير "فارس
المختار" وخطيبته "وفاء حلمى" ، للحيلولة دون زواجهما، ويتقدم هاشم
العقرب لزواج وفاء حلمى نكاية فى فارس المختار، ويستغل الشريران تأخر زواج
الحبيبين الخيرين للشرط الصعب الذى اتفق عليه الحبيبان بتأجيل الزواج حتى يتحقق
حلمهما بنجاح اختراعهما. ويستغل الشريران – أيضا- لهفة الأم على زواج ابنتهما،
لاعتقادها أن الشرط المعقود على زواجها سيؤخر هذا الزواج.
ويتحالف الشريران، ومعهما أحدث أجهزة المحمول، التى
تستخدم فى الجاسوسية وجرائم الإرهاب، (راجع وصفه ص 25)، مع الوزير "سيف"
وزير الحرب فى "مدينة الأثرياء"، وكان حانقا على حصول "فارس
المختار" على جائزة علمية رفيعة المستوى تمولها "مدينة الأثرياء"،
كما كان يتوجس خيفة من التقدم العلمى لغير دول الشمال فى تعصب أعمى ضد قيم العلم،
واختلال للموازين التى تؤدى إلى تسييس العلم، وقسمة العالم إلى شمالى متقدم،
وجنوبى متخلف.
ويهدف الوزير "سيف" إلى إزاحة "نادى
العلوم" مركز العلم بواحة الزيتون، لكى لا يتوصل علماؤه إلى حل مشكلة الماء،
ولكى تحاصر قوى الظلام هذه البقعة المضيئة فى الواحة، رمزا سياسيا لمؤامرة الغرب
على العرب، واستغلال مواردهم الطبيعية الغنية لمصالحهم الاقتصادية، والحرص على
إغراقهم فى ظلام الجهل لإعاقتهم عن التقدم والنهوض، واستمرارهم فى الخضوع لما
يريده الغرب. والقوى العالمية تعمل من أجل مصالحها فى العالم كله، ولكن مطامعها فى
الثروات العربية أكبر.
ويرفض فارس المختار العمل مع الوزير سيف فى مدينة
الأثرياء رغم إغرائه بالمال الوفير، ويصمم على الزواج من حبيبته، ويبرم اتفاقية مع
واحة النيل للحصول على الماء. وتعرض الرواية لدور العلم بتقنياته الحديثة فى حل
مشاكل الواحة، وحاجتها إلى المياه، فى إطار الحل الشامل للمشاكل الأخرى على كل
المستويات.
المزج بين العلم والخيال
وتحفل الرواية بالكثير من هذه الحلول التى تدور بين
الحقائق العلمية، والخيال العلمى، كما فى الفصل السادس وعنوانه "أحلام
البراءة" مثلا، وكما فى فصول الرواية وعددها أحد عشر فصلا، يتجلى فى اختيار
عناوينها حرص صلاح شعير على أن تكون عتبة لمجريات الأحداث المشوقة بما تتسم به من
إيجاز ونفاذ إلى صميم الدراما، لكونها كلمة واحدة؛ المؤامرة، المساومة، المأزق،
الفخ، أو كلمتين، الصراع الأبدى، الأمل والسخرية، أحلام البراءة، ملهى المزاج،
مفتاح التفجير، مواجهة الموت، وثلاث كلمات فى الفصل قبل الأخير؛ العلم ينقذ
الواحة.
ورواية الظمأ والحنين بضمير الغائب تتيح للسارد العليم
أن يقدم ما تتألف منه من تجليات علمية فى إهاب الخيال العلمى المتفاعل مع الصياغات
الأدبية الشاعرة التى تميز بها أسلوب صلاح شعير.
ومنها الحوار ذو الطابع المسرحى، وأثر الصحافة التى يعمل
بها صلاح شعير فى وجود بعض المواضع التقريرية فى الرواية من حيث طريقة تقديم
المصطلحات العلمية، ونتائج مناقشات العلماء (ص 17) مثلا. وإن كانت هذه الأمثلة
قليلة جدا، وقد جاءت لتعدد مجالات إبداع صلاح شعير، كاتبا روائيا قصصيا وباحثا
أكاديميا اقتصاديا، من جهة أخرى، وما يمثله هذا التداخل بين الجانب العلمى فى
شخصيته، والجانب الأدبى من أثر رأيناه متجليا فى هذه الرواية بين المراوحة فى
أسلوبه بين الجانبين فى رواية الخيال العلمى.
كذلك فالرواية – هنا – تحتاج إلى مراجعة لغوية دقيقة،
لكى لا تشوبها شائبة، خاصة أنها رواية نابضة بحيوية الحوار، ورشاقة الأسلوب،
وشاعريته، وتتابع الأحداث فى تطور درامى مثير يجعل القارئ مشدودا لملاحقة أحداثها،
والاستمتاع بها، خاصة فى حرص الكاتب على الموازنة بين الجانب العلمى والجانب
الأدبى فى رواية تنطلق فى آفاق الخيال العلمى. وترمز الرواية إلى جهد العالم
المخلص فى تقديم الخير والسعادة لمجتمعه ممثلا فى "فارس المختار" الذى
كاد يُقضى عليه بسبب خلاف واحتى البلح والزيتون، مما صوره الكاتب فى درامية مثيرة
حول هذه الشخصية التى ضحت بالسعادة وبالمال والصحة فى سهر متواصل فى البحث العلمى
لحل مشكلة المياه، وجمع المال من المتبرعين إلى جانب ما أنفقه من ماله الخاص
لتحقيق هذا الحلم، الذى وقف جهل أهل الواحتين ضده رافضين ما دعا إليه "فارس
المختار" من التعاون بينهما لحل هذه المشكلة، والوصول إلى سلام ينتهى به هذا
الصراع المقيت بين الواحتين، رمزا للدعوة إلى الوحدة العربية، التى تحول دون الوهن
العربى، وسيطرة الغرب على مقدرات العرب، اعتمادا على إيقاع الفرقة والشقاق بينهم،
وإشاعة الجهل والظلام فيهم، مما يذكى العداوة بين العرب، وسيلة سهلة للقضاء على
حضارتهم قديما، وكسر شوكتهم فى المستقبل، لكى لا تقوم لهم قائمة.
ورمزا، أيضا، لابتلاع العرب هذا الطعم، وانسياقهم وراء
هذا المخطط الهادف إلى القضاء عليهم. يتجلى هذا البعد السياسى فى قول الكاتب، على
لسان فارس، بطل الرواية (ص97). "نحن ندفع ثمن نوم حكامنا فى أحضان الجهل
قرونا عديدة، ولو أنهم فكروا فى مصيرنا ما تعثرنا، اليوم يجنى الأحفاد حصاد هذا
التواكل، فقد تركونا كالحفاة العراة فى مواجهة القحط والطوفان". ويرمز رفض
"بنك الأغنياء الشمالى" لتمويل مشروع تحلية ماء البحر الذى قدمه فارس
للسياسة العالمية الرافضة لخير العرب، (الرواية ص 60) مما يستدعى رفض العالم
لتمويل مشروع السد العالى فى مصر.
وبعد عرض حافل بكيفية تحلية ماء البحر علميا حلا لمشكلة
المياه بالصحراوات العربية كما تجلى فى الرواية (ص 59، 60)، يطالعنا نص أدبى يرمز
إلى شكوى الكاتب من إهدار العرب لدور العلم فى حل هذه المشكلة الخطيرة فى تصوير
لحالة الإحباط واليأس التى انتابت فارس المختار تعبيرا عن الموت والقحط الذى يلف
بلاد العرب لقلة الماء: ( ص61) "تصرخ الأرض أسفل هيكل الشجرة من العطش، وكأن
الشقوق فى جوفها أصبحت كالطعنات المغروسة فى الروح القاحلة". ولكن الحياة
تنتصر رغم الصعاب، يرمز إلى ذلك اجتماع أسراب الحمام بفضل وسائل الاتصال الحديثة
التى اخترعها فارس، ونجاحها فى إنقاذه من الموت. (الرواية، ص 62، 63، 64).
العلم يقهر المؤمراة
ويحشد صلاح شعير طاقاته الإبداعية فى الخيال العلمى فى
تصويره للمخطط الإجرامى الذى أعدته قوى الشر ممثلة فى الوزير "سيف"
لتفجير سفينتين تحملان الماء لواحة الزيتون (ص 70، 73 لكى تموت الواحة عطشا) وكذلك
فى فصل "مفتاح التفجير"، فى إطار تطور للأحداث مواكب لهذا المخطط
الخطير، يشير إلى بوادر اتفاق واحتى "البلح" و"الزيتون" على
الصلح. فالقحط "جعل الناس تعيد ترتيب أولياتها، وتقارن بين الموت فى ظل
التناحر، أو التصالح لقهر شبح الحياة... الجميع اختار الحياة" ص 78 وتتولى
الأحداث، ويخطط العالم الغربى القوى لتقسيم الدول العربية، ويكافئ الخونة الذين
ينفذون مخططاته، بتمويه إعلامى خطير يصور المسلمين على أنهم إرهابيون، ويساند
إسرائيل فى مخططاتها التوسعية فى فلسطين، مما أشارت إليه الرواية (ص 80، 81) وتصل
الذروة فى الفصل التاسع؛ "مواجهة الموت" وتلعب أجهزة المخابرات دورها
الخطير بأحدث التقنيات الإلكترونية الحديثة فى المواجهة بين قوى الشر التى ترصدت لتفجير
سفينتى الماء، وبين أهل واحتى "الزيتون" و"البلح" بقيادة
العالم "فارس"، وقد فجر الإرهابيون سفينتى "مدينة الأثرياء"
محملتين ببضائع بعشرات المليارات جزاء وفاقا للغدر والخسة والإرهاب بدلا من تفجير
سفينتى ماء الحياة التى ردت الأمل إلى الواحتين سعيا إلى إقامة مشروع عظيم لتوفير
مياه الشرب بعد النجاح فى استخراج الماء من البئر العميق الذى أقاموه.
وانتهت القصة بالفرحة بعد نجاح اختراعى الحبيبين
وزواجهما ، وبعد الفرحة بإقالة الوزير سيف، والقبض على "هاشم العقرب" من
أثر نجاح اختراع فارس فى فضح مرتكبى الإرهاب العالمى الذين نجحوا فى تزييف الوعى،
عن طريق استدعاء أصواتهم وصورهم ودورهم فى التخطيط والتنفيذ لإرهابهم الأسود،
وسعيهم للقضاء على الواحتين، رمزا للكشف عن خطط الغرب للقضاء على العرب. وبنجاح
اختراع "وفاء" كان حل مشكلة المياه رمزا لحل مشكلات العرب عن طريق العلم
الذى يحميهم من الهلاك.
وينكشف دور الوزير سيف وخليفته "جورج ديفيد"
وهاشم العقرب وهند الحافى فى التخطيط للقضاء على الواحتين، ويتحالف المتآمرون
الأربعة لقتل فارس المختار، ويتصدى هاشم العقرب لذلك بعد إخراجه من السجن ووعده
بالحصول على عشرة ملايين دولار، إن نجح فى ذلك، رمزا لإنفاق قوى الشر العالمية
الأموال لتصفية العلماء المناوئين لمخططاتهم الإجرامية فى السيطرة على العالم.
وخاب قصد "هاشم العقرب" فى قتل فارس المختار
الذى نجا بفضل أم العروس، التى رأت القاتل فتصدت له، وفدت فارس بنفسها، ليمتزج
الفرح بالحزن. ولاشك أن براعة صلاح شعير فى سرد الأحداث بهذا الأسلوب المتمكن من
أدوات الخيال العلمى جعل قراءة هذه الرواية متعة، أفاد فى أسلوبه من أسلوب القرآن
الكريم (ص 47، مثلا) وختمها بما كتبه على الغلاف الخلفى للرواية عودا على بدء من
إشارات رامزة إلى نصه الإبداعى بقوله : "بالأمل سوف يحملنا الشوق نرتدى حلة
الحنين، لنعود فوق مراكب الصبر إلى حضن الحبيب، وسوف نجدف بأحلامنا البيضاء نحو
الربيع، وعندئذ ستُقَبِّل قلوبنا تراب الشرق، وتأذن السماء بلحن الوفاء من
جديد" إنه عناق العلم بالإيمان، فى حلم لتوحيد القيم الإنسانية فى الشرق
والغرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق